روى البخاري في صحيحه ، كتاب أحاديث الأنبياء[(243)]، باب قول الله تعالى {…وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً *} : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِى أَخِى عَبْدُ الْحَمِيدِ عَنِ ابْنِ أَبِى ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لاَ تَعْصِنِى فَيَقُولُ أَبُوهُ فَالْيَوْمَ لاَ أَعْصِيكَ فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِى أَنْ لاَ تُخْزِيَنِى يَوْمَ يُبْعَثُونَ فَأَىُّ خِزْىٍ أَخْزَى مِنْ أَبِى الأَبْعَدِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إِنِّى حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ ثُمَّ يُقَالُ يَا إِبْرَاهِيمُ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِى النَّارِ.
يجب الاعتقاد بأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في أعلى رتبة وفي أفضل مقام يوم القيامة فلا يصيبهم أدنى عذاب ولا انزعاج ولا قلق ولا خوف لأن الله عز و جل قال: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *} والأنبياء كما قال الحافظ الطحاوي فيما نقل فيه الإجماع: «ونقول نبي واحد أفضل من جميع الأولياء».
فهذا الحديث الذي فيه: «فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِى أَنْ لاَ تُخْزِيَنِى يَوْمَ يُبْعَثُونَ فَأَىُّ خِزْىٍ أَخْزَى مِنْ أَبِى الأَبْعَدِ» لا يجوز حمله على الظاهر لأنه انتقاص لنبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو من أولي العزم وهو أفضل العالمين بعد محمد عليهما الصلاة والسلام، ومن حمله على الظاهر فقد عارض الآية التي مر ذكرها آنفًا كما أن الخزي يقع يوم القيامة على الكافرين كما قال الله تعالى في سورة النحل الآية: {…إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ *} ومستحيل أن يكون إبراهيم من المخزيين يوم القيامة، وظاهره معارض لقول الله تعالى إخبارًا عن إبراهيم: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ *وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ *وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ *وَاغْفِرْ لأَِبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّآلِّينَ *وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ *يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ *إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ *} » اهـ فيتبين لك أن الله تعالى استجاب دعاء إبراهيم فحفظه وسلمه من الخزي يوم يبعثون. وأما ما جاء في دعاء إبراهيم واغفر لأبي انه كان من الضالين أي اغفر له بإدخاله في الإسلام اهده للإسلام ليغفر له بالإسلام لا وهو على كفره.
ثم إن هذا الحديث قد طعن في أصله وصحته الحافظ الإسماعيلي وغير واحد، فعلى قول هؤلاء لا حاجة إلى تأويله وظاهره مخالف لنص القرآن والأحاديث والإجماع من أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام محفوظون وسالمون من الخزي والعذاب يوم القيامة.وعلى قول الذين صححوه له تأويل يليق بمنصب إبراهيم النبي الرسول وليس كما يوهمه ظاهر اللفظ.
قال ابن حجر في فتح الباري في باب قوله {وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ *} ما نصه[(244)]: «قد استشكل الإسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحته فقال بعد أن أخرجه: هذا خبر في صحته نظر من جهة أن إبراهيم علم أن الله لا يخلف الميعاد فكيف يجعل ما صار لأبيه خزيا مع علمه بذلك، وقال غيره: هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَِبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} » انتهى.
ثم قال: «قال الكرماني فإن قلت إذا أدخل الله أباه النار فقد أخزاه لقوله إنك من تدخل النار فقد اخزيته، وخزيُ الوالد خزي الولد فيلزم الخلف في الوعد وهو محال» وكذا في عمدة القاري شرح صحيح البخاري باب قوله {وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ *} . ثم قال ابن حجر: «مما في اللفظ من الشناعة».
قال ابن كثير عن هذا الحديث ما نصه[(245)]: «هذا إسناد غريب، وفيه نكارة».
وبعد أن تكلمنا على بعض الأحاديث التي ضعفها الحفاظ والعلماء من صحيح البخاري نبدأ الآن بذكر بعض الأحاديث التي ضعفها الحفاظ والعلماء من صحيح مسلم ونبدأ بالحديث الأول «إنَّ أبي وأباك في النار»
ـ[243] الجزء الثاني دار المعرفة 1418هـ، ص334 .
ـ[244] فتح الباري (8/499).
ـ[245] في تفسيره (طبع دار ومكتبة الهلال بيروت المجلد الرابع طبعة الأولى 1986 ص316).