الجمعة يوليو 26, 2024
          • الألباني يزعم أن من ترك صلاة متعمدًا لا يقضيها:

          قال الألباني([1]): «لا قضاء للمتعمد»، وقال أيضًا([2]): «ومن ذلك يتبيّن لكل من أوتي شيئًا من العلم والفقه في الدين أن قول بعض المتأخرين «وإذا كان النائم والناسي للصلاة – وهما معذوران – يقضيانها بعد خروج وقتها كان المتعمد لتركها أولى» أنه قياس خاطئ؛ بل لعله من أفسد قياس على وجه الأرض، لأنه من باب قياس النقيض على نقيضه وهو فاسد بداهة».اهـ.

          الرَّدُّ:

          إن قول الألباني: «من أوتي شيئًا من العلم والفقه في الدين إلخ» دلّ على غروره، وظنّ أنه أتى بشيء جديد يُلزم علماء أهل السُّنَّة الذين قالوا بوجوب القضاء، ولكن هيهات هيهات، أين الثرى من الثريا؟!

           وهذا الرأي الفاسد ما هو إلا ترديد لقول ابن تيمية([3]) وتلميذه ابن قيم الجوزية([4]) المبتَدِعَيْن اللذين تابعا ابنَ حزم في هذه المسألة المعروف بشذوذه في كثير من المسائل الفقهية، وقد رُدَّ عليهم هذا القول قديمًا.

          وقوله: «أفسد قياس على وجه الأرض» دلّ على أنّ الألباني الفاسد الباطل لا يعرف القياس ولا يحسنه ولا يتقنه فأقحم نفسه فيما لا يعنيه، وكيف يكون إمامًا في العلم من يأخذ بالشاذّ؟ فعجبًا لمن يتكلم في فنّ لا يحسنه ولا يفهمه، وهو ليس من أهله وفرسانه!

          وأمّا بطلان قوله فدليله الإجماع الذي نقله غير واحد منهم الحافظ النووي الشافعي في كتابه «المجموع»([5])، ونص عبارته: «أجمع العلماء الذين يعتد بهم على أنّ تارك صلاة عمدًا لزمه قضاؤها، وخالفهم أبو محمد عليّ بن حزم فقال: «لا يقدر على قضائها أبدًا ولا يصح فعلها أبدًا، قال: بل يكثر من فعل الخير وصلاة التطوع ليثقل ميزانه يوم القيامة ويستغفر الله تعالى ويتوب»، وهذا الذي قاله مع أنه مخالف للإجماع باطل من جهة الدليل، ويبسط هو الكلام في الاستدلال له ولي فيما ذكر دلالة أصلًا».اهـ. وقال أيضًا في «شرح صحيح مسلم»([6]): «قوله : «من نسي صلاةً فليصلِّها إذا ذكرها»([7]) فيه وجوب قضاء الفريضة الفائتة سواء تركها بعذر كنوم ونسيان أم بغير عذر، وإنما قيّد الحديث بالنسيان لخروجه على سبب، لأنه إذا وجب القضاء على المعذور، فغيره أولى بالوجوب، وهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، وأما قوله : «فليصلِّها إذا ذكرها» فمحمول على الاستحباب، فإنه يجوز تأخير قضاء الفائتة بعذر على الصحيح وقد سبق بيانه ودليله وشذّ بعض أهل الظاهر فقال: لا يجب قضاء الفائتة بغير عذر، وزعم أنها أعظم من أن يخرج من وبال معصيتها بالقضاء، وهذا خطأ من قائله وجهالة».اهـ.

          وقال ابن قدامة المقدسي الحنبلي في كتابه «المغني» ما نصّه([8]): «ولا علم بين المسلمين خلافًا في أنّ تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها».اهـ. وقال فيه أيضًا([9]): «وقد نقل أبو داود عن أحمد في رجل فرّط في صلاة يوم العصر ويوم الظهر صلوات لا يعرفها؟ قال: يعيد حتى لا يكون في قلبه شيء».اهـ.

          وفي «شرح صحيح البخاري»([10]) لابن بطّال المالكي عند شرح حديث جابر أن عمر بن الخطّاب جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش فقال: «ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب، قال: فنزلنا بُطحان فصلَّى بعدما غربت الشمس ثم صلى المغرب». في هذا الحديث ردّ على الألباني الذي زعم أنه من ترك الصلاة عامدًا لا يلزمه إعادتها. قال ابن بطّال: «واحتج بأن الرسول قال([11]): «من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلِّها إذا ذكرها»، ولم يذكر العامد، فلم يلزمه القضاء، وإنما يقضيها الناسي والنائم فقط، وهذا ساقط من القول يؤول إلى إسقاط فرض الصلاة عن العباد، وقد ترك الرسول يوم الخندق صلاة الظهر والعصر قاصدًا لتركها لشغله بقتاله العدو ثم أعادها بعد المغرب([12]). ويقال له: لـمَّا أوجب النبيّ على الناسي والنائم الإعادة كان العامد أولى بذلك، لأن أقل أحوال الناسي سقوط الإثم عنه وهو مأمور بإعادتها، والعامد لا يسقط عنه الإثم فكان أولى أن تلزمه إعادتها».اهـ.

          وأقوال العلماء في إيجاب القضاء كثيرة، وما ذكرناه كفاية للبيب.

          [1])) الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/100، رقم 66).

          [2])) الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/100، 101).

          [3])) ذكر عنه هذه المسألة وغيرها من المسائل التي شذ بها الحافظ أبو سعيد العلائي شيخ الحافظ العراقي، ونقل ذلك عن العلائي الحافظ المؤرخ شمس الدين بن طولون الحنفي في كتابه ذخائر القصر (ص69)، مخطوط.

          [4])) ابن القيم الجوزية، الكتاب المسمّى الصلاة وحكم تاركها (1/115).

          [5])) النووي، المجموع (3/71).

          [6])) النووي، شرح صحيح مسلم (5/183).

          [7])) أخرجه مسلم في صحيحه،ـ كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: قضاء الفائتة واستحباب تعجيل قضائها (2/138).

          [8])) ابن قدامة، المغني (2/301).

          [9])) ابن قدامة، المغني (1/645).

          [10])) ابن بطال، شرح صحيح البخاري (2/220).

          [11])) تقدّم تخريجه.

          [12])) قال الشافعي في كتاب الأُم (1/75): «وذلك قبل أن ينزل الله تعالى في صلاة الخوف: {فَرِجَالًا أَوْ رُكبَانًا}».