الجمعة مارس 29, 2024
          • الألباني يحرّم البيع بالتقسيط ويزعم أنه ربا:

          قال الألباني تعليقًا على حديث([1]): «لا يحلُّ سلفٌ وبيعٌ، ولا شرطانِ في بيعٍ» ما نصّه([2]): «قال المناوي: كبعتك نقدًا بدينار ونسيئة بدينارين، قلت – أي: الألباني -: فهو بيع التقسيط المعروف اليوم، والنهي عنه ليس لجهالة الثمن كما يظن البعض وإنما العلة الربا».اهـ.

          وقال أيضًا([3]): «فإنك قليلًا ما يتيسّر لك تاجر يبيعك الحاجة بثمن واحد نقدًا أو نسيئة؛ بل جمهورهم يطلبون منك زيادة في بيع النسيئة، وهو المعروف اليوم ببيع التقسيط مع كونها ربا في صريح قوله : «من باع بيعتينِ في بيعةٍ فله أوكَسُهما أو الربا»([4])، وقد فسّره جماعة من السلف بأن المراد به بيع النسيئة، ومنه بيع التقسيط».اهـ.

          وقال الألباني([5]) في الموضع الذي أشار إليه: «ورواه البيهقي بلفظ «نهى عن بيعتين في بيعة» وقال البيهقي: قال عبد الوهاب [يعني: ابن عطاء]: «يعني يقول: هو لك بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين». وبهذا فسّره الإمام ابن قتيبة فقال في «غريب الحديث»([6]): «… ولعل في معنى الحديث قول ابن مسعود: «الصفقة في الصفقتين ربا»…»، وكذا رواه ابن نصر في «السُّنَّة»، وزاد في رواية: «أن يقول الرجل: إن كان بنقد فبكذا وكذا، وإن كان إلى أجل فبكذا وكذا»، وهو رواية لأحمد، وجعله من قول سماك الراوي عن عبد الرحمـٰن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ووافقه على ذلك جمع من علماء السلف وفقهائهم:

          ابن سيرين، روى أيوب عنه أنه كان يكره أن يقول: «أبيعك بعشرة دنانير نقدًا أو بخمسة عشر إلى أجل»، وما كره ذلك إلا لأنه نُهِيَ عنه.

          طاوس، قال: إذا قال: «هو بكذا وكذا إلى كذا وكذا، وبكذا وكذا إلى كذاب وكذا، فوقع المبيع على هذا، فهو بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين» أخرجه عبد الرزاق (14631) بسند صحيح، ورواه هو (14626) وابن أبي شيبة من طريق ليث عن طاوس به مختصرًا دون قوله: «فوقع المبيع» وزاد: «فباعه على أحدهما قبل أن يفارقه فلا بأس»، فهذا لا يصح عن طاوس، لأن ليثًا كان اختلط.

          سفيان الثوري، قال: «إذا قلت أبيعك بالنقد إلى كذا، وبالنسيئة بكذا وكذا، فذهب به المشتري فهو بالخيار في البيعين ما لم يكن وقع بيع على أحدهما، فإن وقع البيع هكذا فهو مكروه، وهو بيعتان في بيعة، وهو مردود، وهو منهي عنه، فإن وجدت متاعك بعينه أخذته، وإن كان قد استهلك فلك أوكس الثمنين وابعد الأجلين» أخرجه عبد الرزاق (14632) عنه.

          الأوزاعي نحوه مختصرًا وفيه: «فإذا ذهب بالسلعة على ذينك الشرطين؟ فقال: هي بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين»، ذكره الخطابي في «معالم السنن»، ثم جرى على سنتهم أئمة الحديث واللغة؛ فمنهم:

          الإمام النسائي قال تحت باب بيعتين في بيعة: «وهو أن يقول أبيعك هذه السلعة بمائة درهم نقدًا، وبمئتي درهم نسيئة».

          ابن حبان، قال في صحيحه([7]): «ذكر الزجر عن بيع الشيء بمائة دينار نسيئة، وبتسعين دينارًا نقدًا».

          ابن الأثير في «غريب الحديث» ذكر ذلك في شرح الحديثين المشار إليهما ءانفًا.

          حكم بيع التقسيط: ما تقدم في تفسير البيعتين (الصحيح والمشهور… لقد اختلف العلماء في ذلك قديمًا وحديثًا… (فمن قائل: إنه لا يجوز إلا إذا تفرقا على أحدهما، ومثله إذا ذكر سعر التقسيط فقط، ومن قائل: إنه لا يجوز، ولكنه إذا وقع ودفع أقل السعرين جاز)… ذهب أصحاب القول الأول إلى أن النهي عن بيعتين في بيعة لجهالة الثمن، وهو تعليل مردود، لأنه مجرد رأي مقابل النص الصريح في حديث أبي هريرة وابن مسعود أنه الربا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن هذا التعليل مبني على القول بوجوب الإيجاب والقبول في البيوع، وهذا مما لا دليل عليه في كتاب الله وسُنَّة رسول الله ؛ بل يكفي في ذلك التراضي وطيب النفس. فالشاري حين ينصرف بما اشتراه، فإما أن ينقد الثمن، وإما أن يؤجل، فالبيع في الصورة الأولى صحيح، وفي الصورة الأخرى ينصرف، وعليه ثمن الأجل، وهو موضع الخلاف، فأين الجهالة المدعاة؟ وبخاصة إذا كان الدفع على أقساط، فالقسط الأول يدفع نقدًا، والباقي أقساط حسب الاتفاق، فبطلت علة الجهالة أثرًا ونظرًا. أما أصحاب القول الثاني فدليلهم حديث الترجمة وحديث ابن مسعود فإنهما متفقان على أن بيعتين في بيعة ربا، فإذًا العلة هي الربا، وحينئذٍ فالنهي يدور مع العلة وجودًا وعدمًا، فإذا أخذ أعلى الثمنين فهو ربا، وإذا أخذ أقلهما فهو جائز، كما تقدم عن العلماء الذين نصوا أنه يجوز أن يأخذ بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين، فإنه بذلك لا يكون قد باع بيعتين في بيعة، ألا ترى أنه إذا باع السلعة بسعر يومه، وخيّر الشاري بين أن يدفع الثمن نقدًا أو نسيئة أنه لا يصدق عليه أنه باع بيعتين في بيعة كما هو الظاهر، وذلك ما نصّ عليه في قوله المتقدم «فله أوكسُهما أو الربا»، فصحح البيع لذهاب العلة وأبطل الزيادة لأنها ربا، وهو قول طاوس والثوري والأوزاعي رحمهم الله تعالى كما سبق، ومنه تعلم سقوط قول الخطابي في «معالم السنن»: «لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بظاهر هذا الحديث وصحح البيع بأوكس الثمنين إلا شيء يحكى عن الأوزاعي، وهو مذهب فاسد، وذلك لما تتضمنه هذه العقدة من الضرر والجهل»، قلت – يعني: الألباني -: يعني الجهل بالثمن كما تقدم عنه وقد علمتَ مما سلف أن قوله هو الفاسد، لأنه أقامه على علّة لا أصل لها في الشرع، بينما قول الأوزاعي قائم على نص الشارع كما تقدم، والخطابي تجرّأ في الخروج عن هذا الحديث ومخالفته لمجرد علة الجهالة التي قالوها برأيهم خلافًا للحديث. وأفاد كلام الخطابي أن الأوزاعي تفرد بذلك، وقد روينا لك بالسند الصحيح سلفه في ذلك، وهو التابعي الجليل طاوس، وموافقة الإمام الثوري له، وتبعهم الحافظ ابن حبان فقال في صحيحه: «ذكر البيان بأن المشتري إذا اشترى بيعتين في بيعة على ما وصفنا، وأراد مجانبة الربا كان له أوكسهما» ثم ذكر حديث الترجمة، فليس الأوزاعي وحده الذي قال بهذا الحديث. والخلاصة أن القول الأول (يعني: من أجاز التقسيط) هو أضعف الأقوال، لأنه لا دليل عنده إلا الرأي مع مخالفته النص. وحديث الترجمة يصرّح بأن البيع صحيح إذا أخذ الأوكس».اهـ. كلام الألباني.

          الرَّدُّ:

          إن من البيوع التي تعامل بها الناس في الماضي والحاضر ما عرف ببيوع الآجال، أي: المؤجلة، وهو البيع الذي يكون فيه دفع الثمن مؤخَّرًا عن مجلس العقد، أي: في وقت لاحق يحدده المتعاقدان في العقد، سواء كان تسديد الثمن جملة واحدة أم على دفعات. ويقال له البيع بالنسيئة، وهو مجمع على جوازه لحديث البخاري([8]) عن عائشة رضي الله عنها: «أنَّ النبيّ اشترى طعامًا من يهودي إلى أجل، ورهنه درعًا من حديد»، قال الحافظ ابن حجر عند شرح هذا الحديث ما نصّه([9]): «قوله: (باب: شراء النبيّ بالنَّسيئة) بكسر المهملة والمد أي بالأجل، قال ابن بطال: الشراء بالنسيئة جائز بالإجماع».اهـ.

          ومن هذه البيوع البيع بالتقسيط وهو لغةً: التفريق، قال ابن منظور في «لسان العرب»([10]) :«وقسَّط الشيء: فرَّقه».اهـ. وقال الفيومي في «المصباح المنير»([11]): «وقسّط الخراج تقسيطًا إذا جعله أجزاء معلومة».اهـ.

          وأما في الاصطلاح الفقهي فهو: البيع إلى أجل معلوم مع زيادة في الثمن المؤجَّل([12]) عن الثمن الـمُنجَز إذا اتفق كلا الطرفين، وهما البائع والمشتري، على هذا البيع عند ابتداء العقد، وتدفع كل مدة معينة قسطًا من هذا الثمن، فأصل بيع التقسيط جائز إذا افترقا على البيان، أي: بيان أنه يريد بيع النسيئة لا النقد أو اختار النقد، وإنما يحرم إذا تفرقا قبل البيان ثم أخَذ الشيء قبل البيان، كأن يقول له: بعتك هذا بألف نقدًا، وبألفين تقسيطًا إلى ستة أشهر، ثم يأخذ هذا الشيء من غير أن يختار إحدى الطريقتين، وهذا هو المراد بما ورد النهي عنه من بيعتين في بيعة، فقد روى أبو داود([13]) أن رسول الله قال: «من باع بيعتين في بيعةٍ فله أوكسُهما أو الربا»، ومعنى: أوكسهما: أقلُّهما، فإن قال له: أسلَمْتُ إليك هذا الدّينار في قفيزين [القفيز: مكيال من البُرّ، أي: القمح] من البُرّ إلى شهر، ثم حلَّ الأجل فقال له ذاك: بِعْني ذَيْنِكَ القفيزَين بأربعة أقفزة مثلًا إلى شهر، فإن بقيا على هذا الشكل وقعا في الربا، أمّا إن أنهيا البيع الأوّل وقبض الـمُسْلِم [الذي عمل عقد السَّلَم] قمحه الأوّل ثم باعه بدينار يكونان خلصا من الربا. وأمّا ما يفعله بعض الناس من أنَّهم يبيعون الشيء بأقساط مؤجَّلة إلى ءاجال معلومة مع شرط أنه إن أخَّر شيئًا من هذه الأقساط يُضاف عليه كذا من الزيادة فهو ربا، وهذا البيع كان بيعًا جائزًا لولا هذا الشرط مهما حصل من الرّبح بسبب التقسيط مما هو زائد على ثمن النقد.

          وإليك الآن الأدلة على جواز بيع التقسيط مع الزيادة في الثمن من أقوال الصحابة ومن جاء بعدهم من العلماء وأقوال المذاهب الأربعة، مع بيان معنى حديث أبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهما:


           

          • ممن نقل الإجماع:

          ذكر الحافظ أبو سليمان الخطابي في كتابه «معالم السنن»([14]) جواز الزيادة في ثمن السلعة في بيع النسيئة وأن لا خلاف في ذلك فقال: «إذا باتّه على أحد الأمرين في مجلس العقد فهو صحيح لا خُلْف فيه».اهـ. وذكر مثله البغوي في «شرح السنة»([15]).

          • أقوال الصحابة:
          • قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:

          قال أبو عبيد القاسم بن سلّام الهروي في كتابه «غريب الحديث» ما نصّه([16]): «في حديث عبد الله بن عمر أن رجلًا قال له: إن عندنا بيعًا له بالنقد سِعر، وبالتأخير سعر، فقال: ما هو؟ فقال: سَرَق الحرير، فقال: إنكم معشر أهل العراق تُسمّون أسماء منكرة، فهلَّا قلت: شقق الحرير، ثم قال: إذا اشتريت فكان لك فبعه كيف شئت».اهـ. قال([17]) أبو عبيد: «وفي هذا الحديث من الفقه أنه لم ير بأسًا أن يكون للبيع سعران، أحدهما بالتأخير والآخر بالنقد إذا فارقه على أحدهما، فأما إذا فارقه عليهما جميعًا فهو الذي قال عبد الله([18]): صفقتان في صفقة ربا، ومنه الحديث المرفوع: أنه نهى عن بيعتين في بيعة».اهـ.

          وقد أسند حديث ابن عمر أبو عبيد الهروي فقال: «حدثناه هشيم قال أخبرنا يونس بن عبيد، عن يزيد بن أبي بكر، عن ابن عمر، وقال هشيم مرة أخرى عن يزيد أبي بكر»([19]).اهـ.

          وأخرجه ابن أبي شيبة([20]) من طريق ابن عليّة عن يونس عن السرع بن عقيق([21]).

          وأخرج أبو نعيم في «الحلية»([22]) عن المفضل بن فضالة، ثنا أبو عاصم التميمي قال: كنا نشتري السَرَق على عهد ابن ذبيان بأربعين فنبيعها بستين إلى العطاء، فسألت ابن عمر قلت: ما تقول في السَرَق([23])؟ قلت: الحرير، قال: هلا قلت شقق الحرير، قلت: نشتريها بأربعين ونبيعها بستين إلى العطاء، فقال: إذا اشتريت وقبضت وكان لك فبع كيف شئت أغلى أم أرخص.اهـ.

          • قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:

          قال ابن أبي شيبة في مصنّفه([24]): «نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أشعث عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا بأس أن يقول للسلعة: هي بنقد بكذا، وبنسيئة بكذا، ولكن لا يفترقان إلا عن رضا». وإسناد رجاله ثقات كما في «تقريب التهذيب» غير أشعث ابن سوار الكندي قال فيه الحافظ ابن حجر([25]): «ضعيف… بخ م ت س ق».اهـ. والرموز تعني أن البخاري أخرج له في «الأدب المفرد» ومسلم في «المتابعات» والترمذي والنسائي وابن ماجه، ويعضده ما قبله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

          • أقوال من جاء بعد الصحابة من العلماء من التابعين وغيرهم:

          أخرج ابن أبي شيبة في مصنّفه([26]) عن إبراهيم النخعي أنه كان يفتي بجواز التقسيط فقال: «نا هاشم بن القاسم قال: نا شعبة قال: سألت الحكم وحمادًا عن الرجل يشتري من الرجل الشيء فيقول: إن كان بنقد فبكذا، وإن كان إلى أجل فبكذا، قال: لا بأس إذا انصرف على أحدهما، قال شعبة: فذكرت ذلك لمغيرة فقال: كان إبراهيم لا يرى بذلك بأسًا إذا تفرق على أحدهما».اهـ. وهذا إسناد رجاله ثقات قال الحافظ في «التقريب»([27]): «هاشم بن القاسم البغدادي ثقة ثبت»، وقال([28]): «شعبة بن الحجاج ثقة حافظ متقن»، وقال الذهبي في السير([29]): «كان الحكم ثقة ثبتًا فقيهًا من كبار أصحاب إبراهيم»، أي: النخعي، وقال أيضًا([30]): «حماد ابن أبي سليمان تفقه بإبراهيم النخعي، وهو أنبل أصحابه وأقيسهم وأبصرهم بالمناظرة والرأي، وهو في عداد صغار التابعين»، وقال فيه([31]): «مغيرة بن مِقسم الفقيه يلحق بصغار التابعين، حدث عن إبراهيم النَّخَعي، قال العِجْلي: وكان من فقهاء أصحاب إبراهيم»، وقال فيه([32]): «إبراهيم بن يزيد النَّخَعي فقيه العراق، لم نجد له سماعًا من الصحابة المتأخرين الذين كانوا معه بالكوفة، وأهل الصَّنعة – يعني: أهل الحديث – عدُّوه كلُّهم في التابعين، ولكنه ليس من كبارهم، وكان بصيرًا بعلم ابن مسعود، وكان مفتي أهل الكوفة هو والشعبي في زمانهما».اهـ.

          فهذا دليل على أن هذه المسألة أي البيع نقدًا بسعر، ونسيئة بسعر، إذا اتفق على أحدهما، كانت معروفة في زمن التابعين، جائزة بفتوى الفقهاء في ذلك الزمن، فضلًا عن فتوى من ذكرنا من الصحابة، فلا عبرة بقول الألباني بعد ذلك.

          وثبت جواز مثل هذا البيع عن غير هؤلاء، منهم: طاوس والزهري وسعيد بن المسيّب وقتادة، قال عبد الرزاق الصنعاني في مصنّفه([33]): «أخبرنا معمر عن الزهري، وعن ابن طاوس، عن أبيه، وعن قتادة عن ابن المسيّب قالوا: لا بأس بأن يقول: أبيعك هذا الثوب بعشرة إلى شهر أو بعشرين إلى شهرين، فباعه على أحدهما قبل أن يفارقه، فلا بأس به». ولحديث طاوس إسناد ءاخر رواه عبد الرزاق([34]) عن شيخه الثوري عن ليث عن طاوس مثله.

          وقال عبد الرزاق أيضًا([35]): «أخبرنا معمر عن أيوب، عن ابن سيرين أنه كان يكره أن يقول: أبيعك بعشرة دنانير نقدًا أ, بخمسة عشر إلى أجل، قال معمر: وكان الزهري وقتادة لا يريان بذلك بأسًا إذا فارقه على أحدهما».اهـ.

          والرواة المذكورون في الإسناد السابق ثقات مشهورون إلا أن الليث وهو ابن أبي سُلَيم قال فيه الحافظ ابن حجر في «التقريب»([36]): «صدوق اختلط جدًّا ولم يتميز حديثه فتُرك»، أما الزهري فعداده في التابعين، قال الذهبي في «السير»([37]): «قال عمر بن عبد العزيز: عليكم بابن شهاب – يعني: الزُّهري – فإنكم لا تلقون أحدًا أعلم بالسُّنَّة الماضية منه… قال علي بن المديني: أفتى أربعة: الحكم وحماد وقتادة والزهري، والزهري عندي أفقههم»، وأما معمر بن راشد فقال الذهبي([38]): «كان من أوعية العلم مع الصدق والتحري والورع والجلالة وحسن التصنيف».اهـ. وأما طاوس فهو من سادات التابعين، قال الذهبي([39]): «الفقيه القدوة عالم اليمن، لازم ابن عباس مدَّة وهو معدود في كبراء أصحابه» وابنه قال فيه الحافظ ابن حجر في «التقريب»([40]): «ثقة فاضل عابد»، وأما قتادة فهو ابن دِعامة. قال الذهبي([41]): «قال ابن عُيَيْنة: قالوا: كان معمر يقول لم أر في هؤلاء أفقه من الزهري وقتادة وحماد»، وقال([42]): «قال احمد بن حنبل: كان قتادة عالـمًا بالتفسير وباختلاف العلماء، ثم وصفه بالفقه والحفظ»، وأما سعيد بن المسيب فقال فيه الذهبي([43]): «الإمام العَلَم عالم أهل المدينة وسيد التابعين في زمانه، وعن قدامة بن موسى قال: كان ابن المسيّب يفتي والصحابة أحياء، وعن محمد بن يحيـى بن حبان قال: كان المقدَّم في الفتوى في دهره سعيد بن المسيّب ويقال له: فقيه الفقهاء، وعن ميمون بن مِهران قال: أتيت المدينة فسألت عن أفقه أهلها فدُفِعت إلى سعيد بن المسيّب، قلت – القائل هو الذهبي -: هذا يقوله ميمون مع لقيه لأبي هريرة وابن عباس».اهـ.

          فلو لم تكن إلا فتوى ابن المسيّب لكفى بذلك حجة على الألباني، فكيف ومعه فتاوى غيره من الصحابة والتابعين وغيرهم ممن ذكر وممن لم يُذكر كالإمامين المجتهدين التابعيَّيْنِ عطاء بن أبي رباح المكي مفتي الحرم والأوزاعيّ عالم الشام ومفتيهم، فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنّفه([44]) عن شيخه وكيع عن سفيان عن ليث عن طاوس وعن عبد الرحمـٰن بن عمرو الأوزاعي عن عطاء قالا: لا بأس أن يقول: هذا الثوب بالنقد بكذا، وبالنسيئة بكذا، ويذهب به على أحدهما»، والليث وإن كان ضعيفًا إلا أنه في نفسه صدوق، كما سبق عن الحافظ ابن حجر، وحديثه يصلح للشواهد والمتابعات، لذلك استشهد به البخاري في صحيحه وروى له مسلم مقرونًا بغيره، فرواية الليث هنا شاهدة([45]) لما سبق؛ بل هي تتقوى بما ثبت نقله عن ابن المسيب والزهري وطاوس وغيرهم.


          • أقوال المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة:
          • المذهب الحنفيّ:

          قال السَّرخسي في كتابه «المبسوط» ما نصّه([46]): «وإذا عقد العقد على أنه إلى أجل كذا وكذا وبالنقد بكذا أو قال: إلى شهر بكذا أو إلى شهرين بكذا فهو فاسد، لأنه لم يعاطه [يتناوله] على ثمن معلوم، ولنهي النبي عن شرطين في بيع، وهذا هو تفسير الشرطين في بيع، ومطلق النهي يوجب الفساد في العقود الشرعية، وهذا إذا افترقا على هذا، فإن كان يتراضيان بينهما ولم يتفرّقا حتى قاطعه على ثمن معلوم وأتما العقد عليه فهو جائز، لانهما ما افترقا إلا بعد تمام شرط صحة العقد».اهـ.

          قال الكساني في «بدائع الصنائع»([47]): وقال الإمام المجتهد محمد بن الحسن الشيباني تلميذ الإمَام المجتهد أبي حنيفة رحمهما الله تعالى في كتابه «الآثار»([48]) واللفظ له: «وقوله: (وشرطين في بيع) فالرجل يبيع الشيء في الحال بألف درهم، وإلى شهر بألفين، فيقع عقد البيع على هذا، فهذا لا يجوز، وهذا قول أبي حنيفة».اهـ.

          وقال الإمام المجتهد محمد بن الحسن الشيباني تلميذ الإمام المجتهد أبي حنيفة في كتابه الأصل المعروف بالمبسوط([49]): «حدَّثنا أبو حنيفة رفعه إلى النبي أنه نهى عن شرطين في بيع، وإذا اشترى الرجل بيعًا إلى أجل بكذا كذا نسيئة، وكذا كذا حالًا، فلا خير في البيع من ذلك، وإن ساومه في البيع مساومة إلى أجلين ثم قاطعه على واحد من ذينك الأجلين فأمضى البيع فهو جائز».اهـ.

          • المذهب المالكي:

          جاء في «المدوّنة» للإمام المجتهد مالك بن أنس رضي الله عنه برواية تلميذه عبد الرحمـٰن بن قاسم ما نصّه([50]): «قلتُ: أرأيت إن قال له: اشترِ مني إن شئت بالنقد فبدينار، وإن شئت إلى شهرين فبدينارين، وذلك في طعام أو عرض، ما قول مالك في ذلك؟ قال: قال مالك: إن كان هذا القول منه وقد وجب البيع على أحدهما ليس له أن يرجع في البيع فالبيع باطل، وإن كان هذا القول والبيع غير لازم لأحدهما إن شاء أن يرجعا في ذلك رجعا، لأن البيع لم يلزم واحدًا منهما فلا بأس بأن يأخذ بأي ذلك شاء بالنقد أو بالنسيئة. قلت: أرأيت لو جئت إلى رجل وعنده سلعة من السّلع، فقلت له: بكم تبيعها؟ قال: بالنقد بخمسين، وبالنسيئة بمائة، فأردت أن ءاخذ السلعة بمائة نسيئة أو بخمسين نقدًا، أيجوز هذا في قول مالك؟ قال: قال مالك: إن كان البائع إن شاء أن يبيع باع وإن شاء أن يمسك أمسك وإن شاء المشتري أن يأخذ أخذ، وإن شاء أن يترك ترك فلا بأس بذلك وإن كان إن شاء أحدهما أن يترك ترك، وإن شاء أن يأخذ أخذ، والآخر قد وجب عليه، فلا خير فيه، وإن كان قد وجب عليهما جميعًا فهو مكروه أيضًا لا خير فيه».اهـ.

          وفيها أيضًا ما نصّه([51]): «البيعتان في بيعة إذا ملك الرجل السّلعة بثمنين عاجل وءاجل. ابن وهب، وقد ذكر يونس بن يزيد أنه سأل ربيعة: ما صفة البيعتين اللتين تجمعهما بيعة؟ قال ابن وهب: هما الصفقة الواحدة، قال: يملك الرجل السّلعة بالثمنين عاجل وءاجل وقد وجبت عليه بأحدهما، كالدينار نقدًا، والدينارين إلى أجلٍ، فكأنه إنما بيع أحد الثمنين بالآخر، قال: فهذا مما يقارب الربا، فكذلك قال الليث عن يحيـى بن سعيد قال: البيعتان اللتان لا يختلف الناس فيهما، ثم فسّر لي من نحو ما قال ربيعة أيضًا، وكذلك فسّر مالك، وقد كره ذلك ابن القاسم وسالم وسليمان بن يسار».اهـ.

          وفيها أيضًا ما نصّه([52]): قال ابن وهب: قال يونس: وكان أبو الزّناد يقول مثل قول ربيعة في البيعتين بالثمنين المختلفين. قال مالك: ونهى عنه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصّدِّيق أن يشتري بعشرة نقدًا، أو بخمسة عشر إلى شهر، قال ابن وهب: قال مخرمة عن أبيه: وكره ذلك سليمان بن يسار والقاسم وعبد الرحمـٰن بن القاسم ونافع. قال ابن وهب عن الليث بن أبي سعد قال: وقال يحيـى بن سعيد: البيعتان اللتان لا تختلف الناس فيهما، ثم فسّر من نحو قول ربيعة بن عبد الرحمـٰن».اهـ.

          وفي كتب الفقه عند المالكية يذكرون البيوع المنهي عنها، ومنها البيعتان في بيعة، ليس لعله الزيادة في الثمن بل لعلة أخرى، كما في كتاب «منح الجليل» لمحمد عليش([53]) ممزوجًا بمتن «مختصر خليل». وقال الشيخ أحمد الدردير في «الشرح الكبير»([54]) عند ذكر جملة من البيوع المنهي عنها: «(وكبيعتين) جعلها بيعتين باعتبار تبدد الثمن في السلعتين والـمُثْمَن في السلعة الواحدة (في بيعة)؛ أي: عقد واحد، وفسّر ذلك بقوله: (بيعها بإلزام بعشرة نقدًا أو أكثر لأجل) ويختار بعد ذلك، فإن وقع لا على الإلزام وقال المشتري: اشتريت بكذا فلا منع (أو) يبيع بإلزام (سلعتين)، أي: إحداهما (مختلفتين) جنسًا كثوب ودابة أو صنفًا كرداء وكساء للجهل في الـمُثْمَن إن اتحد الثمن».اهـ. قال الشيخ محمد عرفة الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير للدردير ما نصّه([55]): «قوله: (في السلعتين)، أي: في مسألة ما إذا كان المبيع سلعتين، وقوله: (في السّلعة)، أي: في مسألة ما إذا كان المبيع سلعة، قوله: (أي: عقد واحد) أشار بهذا إلى أن المراد بالبيعة العقد. قوله: (يبيعها)، أي: وهي أن يبيع السلعة بتًّا بعشرة إلخ. قوله: (لأجل)، أي: معين ويأخذها المشتري على السكوت ولم يعيّن أحد الأمرين، قوله: (ويختار بعد ذلك)، أي: بعد أخذها الشراء بعشرة نقدًا أو بأكثر لأجل، وإنما منع للجهل بالثمن حال المبيع. قوله: (فإن وقع لا على الإلزام)، أي: بل وقع على الخيار».اهـ.

          • المذهب الشافعي:

          قال الإمام المزني تلميذ الإمام المجتهد الشافعي في مختصره([56]): «باب البيع بالثمن المجهول وبيع النجش ونحو ذلك: قال الشافعي أخبرنا الدراوردي عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنّ رسول الله نهى عن بيعتين في بيعة. قال الشافعي: وهما وجهان: أحدهما: أن يقول: قد بعتك هذا العبد بألف نقدًا أو بألفين إلى سنة قد وجب لك بأيهما شئتُ أنا وشئتَ أنت، فهذا بيع الثمن في مجهول. والثاني: أن يقول: قد بعتك عبدي هذا بألف على أن تبيعني دارك بألف، فإذا وجب لك عبدي وجبت لي دارك؛ لأن ما نقص من كل واحد منهما مما باع ازداده فيما اشترى، فالبيع في ذلك مفسوخ».اهـ.

          وعلى هذا الشافعية، قال النووي في «المجموع»([57]): «وفسّر الشافعي وغيره من العلماء البيعتين في بيعة تفسيرين»، وذكر التفسيرين السابقين عن الشافعي ثم قال: «والأول أشهر، وعلى التقديرين البيع باطل بالإجماع».اهـ.

          وبالتفسير الأول قال الشيرازي في «المهذّب»([58]): «وإن قال بعتك بألف نقدًا أو بألفين نسيئة فالبيع باطل، لأنه لم يعقد على ثمن بعينه، فهو كما لو قال: بعتك أحد هذين العبدين».اهـ.

          وبالتفسيرين قال الحافظ أبوبكر بن المنذر وهو من المجتهدين الـمُطلقين في المذهب الشافعي وقال: هذا قول مالك وسفيان الثوري وإسحاق، وقال الشافعيُّ: إذا باعه بيعًا بدينار على أن الدينار إذا حلَّ أخذ به دراهم إلى وقتٍ، فهذا حرام من بيعتين في بيعةٍ وشرطين في شرطٍ.

          وعن طاوس والحكم وحماد أنهم قالوا: لا بأس أن يقول: أبيعك بالنقد بكذا، وبالنسيئة بكذا، فيذهب به على أحدهما، وقال الحكم وحماد: ما لم يتفرقا، قال أبو بكر: من بيعتين في بيعة أن يقول: جاريتي هذه بمائة دينار على أن تبيعني عبدك هذا بخمسين دينارًا، والبيع في ذلك فاسد.اهـ.

          وقال الخطابي في كتاب «معالم السنن»([59]) في شرح حديث: «من باع بيعتني في بيعةٍ فله أوكسُهما أو الربا»: «لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بظاهر هذا الحديث أو صحَّح البيع بأوكَس الثمنين إلا شيء يُحكى عن الأوزاعي، وهو مذهب فاسد، وذلك لما تتضمنه هذه العقدة من الغرر والجهل»، ثم سرد ما ذكره المزني في مختصره، وقد مرَّ ءانفًا. ثم قال([60]): «ومن هذا الباب»([61]) أن يقول: بعتُك هذا الثوب بدينارين على أن تعطيني بهما دراهم صرف عشرين أو ثلاثين بدينار. فأما إذا باعه شيئين بثمن واحد كدارٍ وثوبٍ أو عبدٍ وثوب فهذا جائز، وليس من باب البيعتين في البيعة الواحدة وإنما هي صفقة واحدة جمعت شيئين بثمن معلوم، وعقد البيعتين في بيعةٍ واحدةٍ على الوجهين اللذين ذكرناهما عند أكثر الفقهاء فاسد».اهـ.

          هذا كلام الخطابي وهو صحيح، فالجمع بين البيع والشرط باطل لا يجوز، كبيعه زرعًا أو ثوبًا بشرط أن يحصده أن يخيطه، فهذا لا يصح، ولكن يصح بيع بشرط خيار، كأن يقول: بعتك هذا بشرط أن يكون لك الخيار يومًا أو يومين أو ثلاثة، فإن لم يعجبه يرد ضمن هذه الأيام، وكذلك بشرط البراءة من العيب، ومعناه لا ترد عليَّ إن ظهر فيه عيب. وكذلك إذا قال له: بعتُك هذه الثمار التي على الشجر بشرط أن تقطعها أي لا تبقيها. وكذلك إذا قال له: بعتك بألف درهم إلى شهر، أو قال له: بعتك هذا البيت بكذا بشرط أن ترهنني فرسك أو بقرتك أو نحو ذلك، أو باع بشرط الكفيل، ومعناه: تعطيني كفيلًا يضمن لي الثمن.

          قال البغوي في كتابه «شرح السُّنَّة» ما نصّه([62]): «وفسروا البيعتين في بيعة على وجهين» ثم نقل ما ذكر ءانفًا. فتبيَّن أن مذهب الشافعي على خلاف ما ذهب إليه الألباني، ونُقُولهم كلها متشابهة من حيث السبك والمعنى.

          • المذهب الحنبلي:

          قال ابن قدامة في كتابه «المغني»([63]): «فصل وقد روي في تفسير بيعتين في بيعة وجه ءاخر، وهو أن يقول: بعتك هذا العبد بعشرة نقدًا أو بخمسة عشر نسيئة أو بعشرة مكسرة أو تسعة صحاحًا، هكذا فسَّره مالك والثوري وإسحاق، وهو أيضًا باطل، وهو قول الجمهور لأنه لم يجزم له ببيع واحد، فأشبه ما لو قال: بعتك هذا أو هذا، ولأن الثمن مجهول فلم يصح كالبيع بالرقم المجهول، ولأن أحد العوضين غير معيّن ولا معلوم فلم يصح كما لو قال: بعتك أحد عبيدي، وقد روي عن طاوس والحكم وحماد أنهم قالوا لا بأس أن يقول: أبيعك بالنقد بكذا وبالنسيئة بكذا فيذهب على أحدهما، وهذا محمول على أنه جرى بينهما بعدما يجري في العقد فكأن المشتري قال: أنا ءاخذه بالنسيئة بكذا فقال خذه أو قد رضيت ونحو ذلك فيكون عقدًا كافيًا، وإن لم يوجد ما يقوم مقام الإيجاب أو يدل عليه لم يصح، لأن ما مضى من القول لا يصلح أن يكون إيجابًا لِـمَا ذكرناه».اهـ. وقال المرداوي في كتاب «الإنصاف» ما نصّه([64]): «قوله: (وإن قال: بعتك بعشرة صحاحًا أو أحد عشر مكسَّرة أو بعشرة نقدًا أو عشرين نسيئة لم يصح)، يعني: ما لم يتفرقا على أحدهما، وهو المذهب نصَّ عليه([65])، وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم».اهـ.

          • شرح حديث النهي عن بيعتين في بيعة من كلام الحفاظ واللغويين وشرَّاح الحديث:

          قال الحافظ الترمذي بعد أن روى هذا الحديث ما نصّه([66]): «والعمل عل هذا عند أهل العلم، وقد فسَّر بعض أهل العلم قالوا: بيعتين في بيعة أن يقول: أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين، ولا يفارقه على أحد البيعين، فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس إذا كانت العقدة على أحد منهما، قال الشافعي: ومن معنى نهي النبي عن بيعتين في بيعة أن يقول: أبيعك داري هذه بكذا على أن تبيعني غلامك بكذا، فإذا وجب لي غلامك وجب لك داري، وهذا يفارق عن بيع بغير ثمن معلوم،ـ ولا يدري كل واحد منهما على ما وقعت عليه صفقته».اهـ.

          قال اللغوي النحوي أبو عبيد القاسم بن سلّام الهروي في كتابه «غريب الحديث»([67]) وابن منظور في «لسان العرب»([68]) واللفظ له: «وفي الحديث «نهى عن بيعتين في بيعةٍ» وهو أن يقول: بِعتك هذا الثوب نقدًا بعشرة، ونسيئة بخمسة عشر، فلا يجوز، لأنه لا يدري أيهما الثمن الذي يختاره ليقع عليه العقد، ومن صوره أن تقول: بِعتك هذا بعشرين على أن تبيعني ثوبك بعشرة، فلا يصح للشرط الذي فيه، ولأنه يسقط بسقوطه بعض الثمن فيصير الباقي مجهولًا، وقد نهى عن بيع وشرط وبيع وسلف، وهما هذان الوجهان».اهـ.

          وفسَّره الحافظ عبد الحق الإشبيلي كتفسير من سبقه من العلماء، فقد نقل كلام الترمذي بتمامه وذلك في كتابه «الأحكام الوسطى»([69]).

          ويضاف إلى تفسير هذا الحديث ما سبق نقله عن أهل المذاهب الأربعة وغيرهم.

          • شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «من باع بيعتين في بيعةٍ فله أوكسُهما أو الربا»:

          قال الحافظ أبو سليمان الخطابي في كتابه «معالم السنن» عند شرحه لهذا الحديث ما نصّه([70]): «يُشبه أن يكون ذلك في حكومةٍ في شيء بعينه كأنه أسلفه دينارًا في قفيز إلى شهر، فلما حلَّ الأجلُ وطالبه بالبُرّ قال له: بعني القفيز الذي عليَّ بقفيزين إلى شهر، فهذا بيع ثان قد دخل على البيع الأوّل، فصار بيعتين في بيعة، فيردان إلى أوكسهما [أنقصهما]، وهو الأصل، فإن تبايعا المبيع الثاني قبل أن يتناقضا [يتقابضا] الأول كانا مُرْبِيَيْن».اهـ. أي: وقعا في الربا.

          ونقل شرح الحديث عن الخطابي غير واحد من العلماء، منهم: البيهقي في سننه([71]) والنووي في «المجموع»([72]) وابن الأثير في «النهاية»([73]) وابن منظور في «لسان العرب»([74]).

          • معنى حديث ابن مسعود رضي الله عنه: «صفقتان في صفقة ربا»([75]):

          أخرج عبد الرزاق في مصنّفه([76]) قال: أخبرنا إسرائيل قال: حدَّثنا سماك بن حرب، عن عبد الرحمـٰن بن عبد الله بن مسعود، عن ابن مسعود قال: «صفقتان في صفقة ربا، أن يقول: هو بالنسيئة بكذا وكذا وبالنقد بكذا وكذا»، قال سفيان: يقول إن باعه بيعًا، فقال: أبيعك هذا بعشرة دنانير تعطيني بها صرف دراهمك»، وأخرج أيضًا عن الثوري عن جابر، عن الشعبي، عن مسروق في رجل قال: أبيعك هذا البُرَّ بكذا وكذا دينارًا تعطيني الدينار من عشرة دراهم، قال مسروق: قال عبد الله: لا تحل الصفقتان في الصفقة».اهـ.

           

          قال الأزهري في «تهذيب اللغة»([77]): «وفي الحديث: «صفقتان في صفقة ربًا» معناه: بيعتان في بيعة واحدة ربا، وهو على وجهين: أحدهما: أن يقول البائع للمشتري: بعتك عبدي هذا بمائة درهم على أن تشتري مني هذا الثوب بعشرة دراهم، والوجه الثاني: أن تقول له: بعتك هذا الثوب بعشرين درهمًا على أن تبيعني متاعك بعشرة دراهم».اهـ. مثله في «لسان العرب»([78])، و«تاج العروس»([79])، و«غريب الحديث» لابن الجوزي الحنبلي([80]).

          فبعد هذا البيان الشافي من أقوال العلماء الراسخين في العلم المتمكنين في معرفة الحلال والحرام كالصحابيين عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس  الذي دعا له الرسول أن يفقهه الله في الدين ويعلمه التأويل، وغيرهم من أئمة العلماء المجتهدين الذين جعلهم الله منائر هدى يرجع الناس إليهم في معرفة الأحكام الفقهية كسعيد بن المسيّب والشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة وغيرهم من علماء أهل السُّنَّة المقتفين ءاثار هؤلاء الأئمة، يظهر أن الألباني قد انحرف عن جادة الصواب في عدائه وذمّه لمن يقول بجواز التقسيط مع زيادة في الثمن، والألباني لا يداني واحدًا من هؤلاء الأئمة، في الفهم والعلم والزهد والورع واتّباع السُّنَّة.

          وأشرع الآن – بعون الله تعالى وتوفيقه – برد شبهات الألباني المدّعي التي دلّت على قصر نظره وأوهامه، والذي دلّس على القرّاء، ولم يلتزم الأمانة في النقل، وأساء الأدب مع العلماء وتحامل عليهم.

          أولاً: استدل الألباني بحديث([81]): «لا يحلُّ شرطانِ في بيعٍ» على تحريم بيع التقسيم، واستغل لتأييد رأيه تفسير بعض العلماء لهذا الحديث بأنّ المراد منه أن تبُاع السّلعة إلى شهر بكذا، وإلى شهرين بكذا.

          الرَّدُّ:

          لا حجة له في نقْله هذا؛ لأن مراد هؤلاء العلماء إذا تفرَّق المتبايعان قبل الاتفاق على إحدى الصيغتين، كما سبق نقل ذلك عن مذاهب الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من المجتهدين، ثم المناوي الذي استشهد بكلامه الألباني شافعي، ومذهب الشافعية أنه يجوز الزيادة في ثمن السلعة إذا بيعت نسيئة كما تقدَّم عنهم، فالألباني موّه على القرّاء أن المناوي موافق له في تحريم مثل هذا البيع. ويقال أيضًا: إن هؤلاء العلماء لم يقولوا إن التحريم لأجل الزيادة؛ بل يحتمل لأجل الافتراق قبل تعيين إحدى الصفقتين؛ بل قال العلماء هذا هو الأرجح والمتعيّن، لأنهم إما منتسبون إلى مذهب من المذاهب الأربعة المشهورة وهم متفقون على حلّ هذا البيع، وإما لأنه معروف حلّه عندهم فلا يفصلون فيه؛ بل يطلقون ويكون إطلاقهم مقيّدًا بما ذكر، كما وضّح ذلك الشيخ ابن عابدين في بعض رسائله فقال([82]): «قال الإمام الحافظ العلّامة محمد بن طولون الحنفي في بعض رسائله: إنّ إطلاقات الفقهاء في الغالب مقيّدة بقيود يعرفها صاحب الفهم المستقيم الممارس للفن، وإنما يسكتون اعتمادًا على صحّة فهم الطالب.اهـ. فهذا إذا سكتوا عنه فكيف إذا صرَّح به كثير منهم».اهـ. كما تقدّم. ويؤيد ذلك تفسير اللغوي النحوي المشهور أبي عبيد القاسم بن سلّام لقول ابن مسعود رضي الله عنه: «صفقتان في صفقة ربا»([83])، وأورده الألباني في كتابه المسمّى «إرواء الغليل»([84])، وعزاه لابن أبي شيبة([85]) ولفظه: «عن سماك عن عبد الرحمـٰن بن عبد الله – يعني: ابن مسعود – عن أبيه: صفقتان في صفقة ربا، أن يقول الرجل: إن كان بنقد فبكذا، وإن كان بنسيئة بكذا»، فهذه الرواية ليس فيها ذكر الافتراق قبل الاتفاق أو بعده على أحد الشرطين، فوضّح ذلك اللغوي ابن سلّام بما لا يدع مجالًا للشك أن مراد ابن مسعود أن يفترق كل من البائع والمشتري قبل الاتفاق على أحد الشرطين إن كان نقدًا أو نسيئة، وليس هذا فهم ابن سلّام وحده؛ بل جماهير العلماء على ذلك، وقد مرَّ سابقًا فتوى مفتي الكوفة إبراهيم النَّخعي رحمه الله، وفيها أنه قال: «لا بأس ببيع النقد بكذا، والنسيئة بكذا، إذا تفرّق على أحدهما». وقد وصفه الذهبي بأنه كان بصيرًا بعلم ابن مسعود، ومرّ أيضًا عن «المدوّنة» للإمام مالك رضي الله عنه عنه الاستدلال بحديث ابن مسعود على جواز مثل هذا البيع، ففهمهم مقدّم على ما توهّمه الألباني وأمثاله، فمن أراد السلامة في دينه يتّبع أئمة الهدى في معرفة الحلال والحرام، ومعروف عند من طالع سيرة هذا المبتدع أنه لم يأخذ العلم عن العلماء؛ بل راح يقرأ في الكتب ويطالع حتى ظن بنفسه أنه صار من كبار العلماء فوقع في أخطاء خطيرة في العقيدة والأحكام الفقهية، ومثله يقول فيه العلماء: «صحفي»، أي: لا يعتمد عليه، ولا يجوز شرعًا استفتاؤه وسؤاله عن الأحكام الفقهية، لأنه ليس بثقة ولا عالم، وكان العلماء يشددون على التحري في أخذ العلم عن الثقات، والابتعاد والتنفير من الصحفيين كما قال العالم الجليل محمد بن سيرين رضي الله عنه: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم»([86]).اهـ. وقال سعيد بن عبد العزيز ابن أبي يحيـى مفتي دمشق: «لا يؤخذ العلم من صحفي»([87]).اهـ. وقال الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «لن يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من قِبَل أكابرهم وذوي أسنانهم، فإذا أتاهم من قِبَل أصاغرهم وأسافلهم هلكوا»([88]).اهـ.

          ثانيًا: قول الألباني: «قال المناوي: كبعتك نقدًا بدينار ونسيئة بدينارين، قلت [يعني: الألباني] فهو بيع التقسيط المعروف اليوم».

          الرَّدُّ:

          ليس التقسيطُ الشراءَ بنقد بدينار ونسيئة بدينارين بدون تقسيط ثمن السلعة؛ بل هو أن تُشترى السلعة إلى أجل معلوم مع زيادة في الثمن مثلًا على أن يُدْفَعَ قِسْطٌ كل مدة معينة يتفق عليها البائع والمشتري، هذا ما يعرفه العامّي فضلًا عن طلبة العلم والعلماء؛ بل العامّي الجاهل الذي لم يتلق علم الدين إذا سألته عن بيع التقسيط يجيبك بما أسلفته، أما الألباني الذي يزعم أنه مضى عليه عشرات السنين في دراسة العلم جهل ما عرفه العامّي، فأي علم هذا الذي يزعم أنه درسه؟! لقد أضاع عمره يخبط خبط عشواء يحلل الحرام ويحرم الحلال كما اتضح لك من خلال هذا الكتاب.

          ثالثًا: إن من نقل عنهم كعبد الوهاب بن عطاء وابن سيرين وطاوس والنسائي وغيرهم تفسيرَ الحديث بالبيع بالنقد بكذا والنسيئة بكذا، يحمل كلامهم على تفرّق المتبايعين قبل الاتفاق على أحد العقدين، وقد مرّ البيان الشافي لذلك عند الجواب على الشبهة الأولى، وسيأتي إن شاء الله تعالى مزيد إيضاح.

          فالحاصل: أنه لا يتم له الاستدلال بشيء من كلامهم إلا إذا صرّحوا بالنهي عن بيع التقسيط، وهذا ما لم يرد عنهم، فمن نسب إليهم أنهم يحرّمون بيع التقسيط لمجرد قولهم: إن البيع بالنقد بكذا والنسيئة بكذا، فقد تقوّل عليهم. كما أن الألباني لم يورد عنهم حكمهم على بيع التقسيط فقط؛ بل كل نُقُوله عنهم قولهم: إن كان بنقد بكذا، وإن كان بنسيئة بكذا، وهذا لا يكفي دليلًا لما ادَّعاه.

          رابعًا: استدلاله بتفسير ابن قتيبة ليس دليلًا له، لأنه لم يصرّح أنه يحرم بيع التقسيط كما بيَّنت سابقًا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد فسّر حديثَ النهي عن بيعتين في بيعة اللغوي النحوي أبو عبيد القاسم بن سلّام نفسه بالتفسير عينه مع بيان سبب النهي وهو الافتراق قبل البتّ بأحد الشرطين قال ابن سلّام: «فإذا فارقه على أحد الشرطين بعينه فليس ببيعتين في بيعة»، فالعجب من الألباني كيف يتمسك بتفسير ابن قتيبة، وليس فيه دليل؛ بل هو محمولٌ على ما مرّ ذكره ويترك أو يتعمّد عدم ذكر تفسير أبي عبيد، وهو نصّ صريح في المسألة!

          خامسًا: قوله عن ابن سيرين: «وما كره ذلك إلا لأنه نهى عنه».


           

          الرَّدُّ:

          كره ماذا؟ هل كره بيع التقسيط أم كره أن يقول البائع: «أبيعك بعشرة دنانير نقدًا أو بخمسة عشر إلى أجل؟» فإن أراد القول الأول فعليه إثبات ذلك عنه، لأن صورة المسألة أبيعك بكذا نقدًا وبكذا مؤجلًا، وليست المسألة فقط أبيعك إلى أجل بكذا، وإن أراد الثاني أي أبيعك بكذا مؤجلاً مع الزيادة في الثمن، فليس فيه دليل أيضًا، لأنه لم يقل سبب هذا النهي، ويحمل قوله على القيد الذي ذكره العلماء، وهو الافتراق قبل البتّ بإحدى البيعتين.

          سادسًا: قوله: «قال طاوس: هو بكذا إلى كذا وبكذا إلى كذا فوقع المبيع على هذا… إلخ»، ثم قال ورواه عبد الرزاق من طريق ليث عن طاوس به مختصرًا، وزاد: «فباعه على أحدهما قبل أن يفارقه فلا بأس به» فهذا لا يصح عن طاوس لأن ليثًا وهو ابن أبي سليم كان اختلط».

          الرَّدُّ:

          الألباني اختلط عليه الأمر وموّه ودلّس على القراء، وإليك البيان:

          • إن قول طاوس بحلّ بيع التقسيط ثابت عنه ثبوتَ الشمس في رابعة النهار، كما نص عليه عبد الرزاق في مصنّفه، وقد ذكرته سابقًا.

          تأمّلوا أيها القراء كيف حذف الألباني الرواية الأولى، أي: رواية معمر عن ابن طاوس، عن أبيه الثابتة بجواز بيع النسيئة، ومنه التقسيط، واقتصر على الرواية الثانية، وهي رواية ليث عن طاوس، أليس هذا تدليسًا على الناس وإيهاماً لهم أن طاوسًا موافق له! وهذا خلاف الواقع.

          • ثم الرواية التي أوردها الألباني، وفيها: «فوقع البيع على هذا» حجة عليه؛ لأن معناها أن الافتراق حصل قبل تحديد الصفقة بالنقد أو بالنسيئة، أما إذا تم التحديد فهو أي طاوس يجيز التقسيط كما ثبت عنه.
          • وفي رواية عبد الرزاق التي استشهد بها الألباني تتمّة حذفها وهي([89]): «فهو بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين، قال معمر – هو راوي الحديث -: وهذا إذا كان المبتاع قد استهلكه».اهـ. فهذا نصّ صريح من الراوي يبيّن فيه أن مراد طاوس الأخذ بأقل الثمنين لأجل أن المشتري قد استهلك السّلعة، وليس لأجل الزيادة في التقسيط، فحذف الألباني هذه الزيادة ليتم له تحقيق مأربه، وكان قد قال قبل ذلك بقليل: «فتفسير سماك بن حرب للحديث ينبغي أن يقدم عند التعارض، ولا سيما وهو أحد رواة هذا الحديث، والراوي أدرى بمرويه من غيره، لأن المفروض أنه تلقى الرواية من الذي رواها عنه مقرونًا بالفهم لمعناها». فهلّا طبق الألباني ذلك على رواية طاوس!

          فكيف يستشهد الألباني بكلام نص صاحبه على خلاف ما ذهب إليه هو – أي: الألباني -، ولو رُزق هذا المدَّعي الفهم لما استشهد بكلام طاوس الذي هو حجة عليه.

          إن قول طاوس في الرواية التي ذكرها الألباني وإن كانت مطلقة فليس فيها نص منه على النهي عن مثل هذا البيع، فتحمل على ما ثبت عنه حيث قال: «إذا باعه على أحدهما قبل أن يفارقه فلا بأس به»، فيحمل المطلق من قوله على المقيد، كما هو معروف عند صغار طلبة العلم فضلًا عن العلماء، فلماذا لم يجمع الألباني بين قولي طاوس؛ بل ترك الثابت عنه؟ أقول فما ذاك منه إلا لأنه وجدها حجة عليه، وقول طاوس دليل ءاخر على أن من ذكرهم الألباني في تفسير البيعتين في بيعة أي البيع نقدًا بكذا أو نسيئة بكذا يحمل الكلام على الافتراق قبل البتّ بأحد العقدين، لأن قول طاوس: «فلا بأس به» أصرح من رواية «فوقع البيع على هذا»، فإذا أطلق هنا قيده في الأولى، فسقط تمسك الألباني بكلام الذين ذكرهم وعاد بخفّي حُنَين.

          سابعًا: قوله: «قال سفيان الثوري: إذا قلت: أبيعك بالنقد بكذا وبالنسيئة بكذا وكذا فذهب به المشتري فهو بالخيار ما لم يكن وقع بيع على أحدهما، فإن وقع البيع هكذا فهو مكروه وهو بيعتان في بيعة، وهو مردود، وهو منهي عنه، فإن وجدت متاعك بعينه أخذته، وإن كان قد استهلك فلك أوكس الثمنين وأبعد الأجلين».


           

          الرَّدُّ:

          عجيب فهم هذا الرجل، فهو يقدّم عكس المكتوب، وخلاف المنصوص عليه، فإن العلماء فهموا من كلام الثوري جواز البيع نسيئة مع زيادة في الثمن، ويدل على ذلك قول ابن عبد البر في كتابه «الاستذكار»([90]): «قال مالك فيمن قال: أبيعك هذا الثوب بعشرة نقدًا أو بخمسة عشر إلى أجل: إذا كان البائع والمبتاع كل واحد منهما إن شاء أن يترك البيع ترك ولا يلزمه فلا بأس، ولا يجوز عند مالك والشافعي وأبي حنيفة إن افترقا على ذلك بالالتزام حتى يفترقا على وجه واحد وهو قول الثوري»، ثم قال([91]): «قال الثوري» وذكر النص السابق الذكر، وكذلك تقدّم أن الحافظ المجتهد ابن المنذر وهو بحر في معرفة مسائل الخلاف والإجماع ذكر أن الثوري ينهى عن هذا البيع إذا افترقا من غير بيان أحد الوجهين، أي: أنه يجيز البيع بالنسيئة مع الزيادة إذا اتفقا على أحد الوجهين. ولا حجة للألباني في قول: «وإن كان قد استهلك إلخ» لأنه مقيّد بالاستهلاك.

          ثامنًا: قوله: «الأوزاعي نحوه مختصرًا وفيه: فإذا ذهب بالسلعة على ذينك الشرطين؟ فقال: «هي بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين» ذكره الخطابي في معالم السنن».

          الرَّدُّ:

          نسب الألباني للأوزاعي ما لم يقله، فالأوزاعي موافق لجماهير العلماء على جواز بيع النسيئة مع الزيادة في الثمن، ولكن الألباني حرّف كلام الأوزاعي وبتره عندما نقل كلام الخطابي([92])، وإليك أيها القارئ نص الخطابي لتقف على خيانة الألباني وتلاعبه بالنصوص وحذف ما هو حجة عليه، وعبارة الخطّابي هي: «وقال الحكم وحماد: لا بأس به – يعني: أن يقول له هذا الثوب نقدًا بعشرة وإلى شهر بخمسة عشر – ما لم يفترقا. وقال الأوزاعي: لا بأس بذلك، ولكن لا يفارقه حتى يُباتّه بأحد المعنيين، فقيل له: فإنه ذهب بالسلعة على ذينك الشرطين، فقال: هي بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين. قال الشيخ([93]): هذا ما لا يشك في فساده». انتهى بحروفه.

          انظروا أيها القرّاء كيف حذف الألباني عبارة: «لا بأس بذلك ولكن لا يفارقه حتى يباتّه بأحد المعنيين» التي تنص نصًّا صريحًا على جواز بيع النسيئة مع زيادة في الثمن، هل يفعل هذا من يتقي الله تعالى؟!

          تاسعًا: قوله: «ثم جرى على سنتهم أئمة الحديث واللغة، فمنهم: النسائي وابن حبان وابن الأثير».

          الرَّدُّ:

          لم ينقل الألباني عن أحد من أئمة الحديث النهي عن بيع النسيئة مع الزيادة في الثمن، وكذلك لم ينقله عن أحد من أئمة اللغة، فكيف ينسب إليهم قولًا لم يقولوه؟ بل نصوا على جوازه، وقد نقلت ما تقدم مفصّلًا عن ابن عباس وابن عمر  وعن الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، والترمذي والزهري وقتادة وابن المسيّب وحماد والحكم وإبراهيم النخعي وعطاء والأوزاعي وكذلك أئمة اللغة كأبي عبيد، وابن الأثير – وقد عدّه الألباني منهم وسيأتي كيف تقوّل عليه – وغيرهم من اللغويين، كلهم صرَّحوا على عكس ما نسب إليهم الألباني مموّهًا على القراء، وقد تقدّمت نصوصهم.

          أمّا النسائي وابن حبان فيجاب كما قلتُ سابقًا: إنهما لم يقولا إن بيع النسيئة مع زيادة في الثمن منهي عنه، إنما صورة المسألة التي أورداها هي الزجر عن بيع الشيء بكذا نقدًا، وبكذا نسيئة، وفرق بين المسألتين كما لا يخفى ذلك على اللبيب، ثم كلامهما مقيّد بما إذا افترق المتبايعان قبل البتّ بإحدى البيعتين.

          أمّا ابن الأثير فقد افترى عليه الألباني وأوهم أنه موافقه، فلذلك تعمّد أن لا يذكر كلامه؛ بل اكتفى بالإحالة إليه فقال: «ابن الأثير في «غريب الحديث»، فإنه ذكر ذلك في شرح الحديثين المشار إليهما ءانفًا»، يعني: حديث «النهي عن بيعتين في بيعة» وحديث «لا يَحلُّ شرطانِ في بيعٍ». ولا بد هنا من نقل كلام ابن الأثير ليعرف القارئ عدمَ مصداقية الألباني وخيانته، قال ابن الأثير عند شرح الحديث الأول ما نصه([94]): «بيع: وفيه نهي عن بيعتين في بيعة، وهو أن يقول بِعْتك هذا الثوب نقدًا بعشرة ونسيئة بخمسة عشر، فلا يجوز لأنه لا يدري أيهما الثمن الذي يختاره ليقع عليه العقد». انتهى بحروفه. انظروا وتأمّلوا أيها القراء إلى عبارة ابن الأثير: «فلا يجوز لأنه لا يدري أيهما الثمن الذي يختاره ليقع عليه العقد».اهـ. إذًا هو علّل النهي للجهالة في الثمن، وليس لأجل الزيادة في الثمن عند البيع بالنسيئة، فهل بعد هذا البيان يبقى شك في ادعاءات الألباني؟! وعند شرح الحديث الثاني قال ابن الأثير ما نصّه([95]): «شرط: فيه «لا يجوز شرطان في بيع» هو كقولك: بعتك هذا الثوب نقدًا بدينار، ونسيئة بدينارين، وهو كالبيعتين في بيعة».اهـ. هنا لم يذكر علّة سبب النهي، لكنه في الموضع الأول كشف عن سبب النهي، فيُحمل قوله الثاني على الأوّل، ولا إشكال، وهذا دليل ءاخر على أن من أطلق من العلماء ولم يقيد كلامه بافتراق المتبايعين أم لا أنّ كلامه محمول على عدم الاتفاق قبل الافتراق.

          عاشرًا: قول الألباني: «تعليلهم النهي عن بيعتين في بيعة بجهالة الثمن مردود، لأنه مجرد رأي مقابل النص».

          الرَّدُّ:

          هذا التعليل الذي ردّه الألباني هو قول كثير من علماء أهل السُّنَّة، وليس مجرد رأي خالفوا فيه نصًّا، فليراجع المنصف كلام المذاهب الأربعة وغيرهم التي ذكرنا سابقًا، واستحضر أيها القارئ قول الإمام الشافعي المجتهد اللغوي: «فهذا بيع الثمن فيه مجهول»، فهذا الإمام الجليل أفهم بكتاب الله وسُنَّة نبيّه واختلاف العلماء وأقوالهم من الألباني في اللغة والفقه. وقد مرّ تفسير حديث أبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهما… فليراجع.

          الحادي عشر: قوله: «إن هذا التعليل مبني على القول بوجوب الإيجاب والقبول في البيوع… إلخ».

          الرَّدُّ:

          لو اطلع الألباني على مذاهب العلماء لعرف أن بينهم اختلافًا في هذه المسألة حتى ضمن المذهب الواحد، فمن شروط البيع على ما هو منصوص الشافعي رضي الله عنه الصيغة، أي: اللفظ من الجانبين، أي بأن يقول البائع: بعتك كذا بكذا، فيقول المشتري: قبلت، واختار بعض أصحابه([96]) صحّته بالمعاطاة بدون صيغة، وهي أن يدفع الثمن ويأخذ المبيع بلا لفظ وهو مذهب مالك([97])، فالبيع عنده ينعقد بكل ما يعدّه الناس بيعًا من غير اشتراط اللفظ، فهم مع اختلافهم متفقون على جواز البيع نسيئة مع الزيادة في الثمن، هذا من جهة، ومن جهة أخرى علّلوا النهي للجهالة في ثمن السلعة لعدم الاتفاق على بيع بعينه، وليس لسبب الإيجاب والقبول، فكيف يقال بعد ذلك: إن تعليل العلماء مبني على الإيجاب والقبول!

          الثاني عشر: قوله: «فأين الجهالة المدعاة؟ وخاصة القسط الأول يدفع نقدًا والباقي أقساط حسب الاتفاق، فبطلت الجهالة أثرًا ونظرًا».اهـ.

          الرَّدُّ:

          هذا دليل على أن الألباني يجهل معنى الجهالة في الثمن، وسببه جهله بالفقه أصلًا وفرعًا وعدم تلقيه العلم من أهله، فالعلماء عندما علَّلوا النهي للجهالة في الثمن، معناه: أن البائع والمشتري لا يعرفان على ماذا استقر الثمن هل بالنقد أم بالنسيئة، أي هل يشتري مثلًا السّلعة بدينار أو بدينارين، وانفض المجلس على هذا، أمّا إن استقر الثمن على إحدى البيعتين، أي: بدينار مثلًا فليس بجهالة، وكذلك إن اتفقا على البيع بدينارين فليس بجهالة، فبطلت تمويهات الألباني وشبهاته نظرًا وأثرًا، وعلى هذا تتابع علماء الفقه واللغة.

          الثالث عشر: قوله: «كما تقدم عن العلماء» إيهام أنه أورد أسماء كثيرة بينما هو لم يذكر إلا ثلاثة وهم طاوس والثوري والأوزاعي فقط لم يذكر غيرهم، وهؤلاء الثلاثة سبق كلامهم في أنهم يجيزون بيع النسيئة أي الأجل مع زيادة في الثمن في حين أن الألباني مخالف لهم؛ بل حمل حملة شعواء على المجيزين، فلا ممسك له بعد ذلك في إيراد أسماء هؤلاء إلا الشغب وتسويد الأوراق.

          وقوله: «العلماء نصوا أنه يجوز أن يأخذ بأقل الثمنين» غير دقيق، لأن من ذكرهم وهم طاوس والثوري مع كونهم يجيزان بيع النسيئة فكلامهما مقيد باستهلاك السلعة كما تقدّم في الرواية عنهما، أمّا الأوزاعي فليس في كلامه هذا القيد إن صحت عنه هذه الرواية، فلذلك أوردها الخطّابي بصورة التمريض فقال: «يُحكى عن الأوزاعي وهو مذهب فاسد، وذلك لما تتضمنه هذه العقدة من الغرر والجهل».اهـ. أي: الجهل بالثمن.

          وقوله: «الخطّابي تجرّأ في الخروج عن ظاهر الحديث([98]) ومخالفته لمجرد علة الجهالة التي قالوها برأيهم خلافًا للحديث» جُرأة من الألباني على تخطئه العلماء بغير حجة ولا برهان بل بالهوى واتباع وساوس الشيطان، ثم الخطابيّ لم ينفرد بهذا التفسير؛ بل نقله غير واحد من العلماء وارتضوه كما مرّ عند شرح هذا الحديث، ومنهم البيهقي والنووي وابن الأثير وابن منظور.

          الرابع عشر: قوله: «إن هذه المعاملة التي فشت بين التجار اليوم وهي بيع التقسيط وأخذ الزيادة مقابل الأجل وكلما طال الأجل زيد في الزيادة إن هي إلا معاملة غير شرعية من جهة أخرى لمنافاتها لروح الإسلام القائم على التيسير على الناس والرأفة بهم».

          الرَّدُّ:

          إن من تيسير الإسلام على الناس أن أباح لهم بيع التقسيط، وترك للبائع تحديد الزيادة التي تناسبه مع مراعاة الرأفة والتخفيف مهما أمكن ولم يحرّمهما، وقد ذكر سابقًا عن ابن بطال الإجماع على جواز البيع بالنسيئة، أي: إلى أجل، ومن المعلوم أيضًا أن سعر النقد غير سعر الأجل كما قال الحافظ ابن حجر في «شرح صحيح البخاري» عن شرح حديث([99]) عائشة رضي الله عنها أرادت أن تشتري بريرة وهي أمة مملوكة لتعتقها، قالت رضي الله عنها: «جاءت بريرةُ فقالت: إني كاتبتُ أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية، فأعينيني، فقالت عائشة: إن أحبَّ أهلُكِ أن أعُدَّها لهم عَدَّةً واحدةً وأعتقكِ فعلتُ» الحديث.

          قال الحافظ ابن حجر([100]) ما نصّه: «وفيه [أي: في الحديث] جواز الشراء بالنسيئة… وجواز الكتابة على قدر قيمة العبد وأقل منها وأكثر، لأن بين الثمن الـمُنْجَز والمؤجل فرقًا، ومع ذلك فقد بذلت عائشة المؤجل ناجزًا، فدلّ على أنّ قيمتها كانت بالتأجيل أكثر مما كوتبت به، وكان أهلها باعوها بذلك»، ثم قال([101]): «[وفي الحديث] جوازك شراء السّلعة للراغب في شرائها بأكثر من ثمن مثلها لأن عائشة بذلت ما قرر نسيئة على جهة النقد مع اختلاف القيمة بين النقد والنسيئة».اهـ.

          وخلاصة بحثنا هذا يعطي أن بيع السّلعة بسعر نقدًا وبسعر ءاخر زيادة على سعر النقد نسيئة جائز إذا اتفق العاقدان على أحد السعرين، والمنهي عنه هو افتراقهما قبل البتّ بأحدهما، وأما إذا كان هناك بيع واحد وثمن واحد اتفق عليه كلّ من البائع والمشتري بصيغة حاسمة فلا يدخل هذا البيع تحت بيعتين في بيعة ولا صفقتين في صفقة ولا شرطين في بيع، كل ما في الأمر أنه وُجد عرض من البائع لنوعين من البيع، فإذا تم العقد على أحد هذين النوعين صحّ البيع كما نصّ الأئمة، فلا تغتر أيها القارئ بعد ذلك بتمويهات الألباني وتحريفاته وتدليساته كما بيَّنت بالبراهين والأدلة، فالحذرَ الحذرَ.

          [1])) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب البيوع، باب: ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك (3/535) قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».اهـ.

          [2])) الألباني، الكتاب المسمّى صحيح الجامع الصغير وزيادته (6/221).

          [3])) الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/72).

          [4])) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب البيوع، باب: فيمن باع بيعتين في بيعة (3/290).

          [5])) الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الصحيحة (5/419 – 426).

          [6])) ابن قتيبة، غريب الحديث (1/31)، وقد تكلّم بعضهم في عقيدة ابن قتيبة، فالدارقطني نسبه إلى التشبيه، والبيهقي نسبه إلى الكرامية (ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان، 3/439، 441).

          [7])) ابن بلبان، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (7/225).

          [8])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب: شراء النبي  بالنسيئة (2/729).

          [9])) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (4/302).

          [10])) ابن منظور، لسان العرب (7/378).

          [11])) الفيومي، المصباح المنير (ص192).

          [12])) الزيادة ليست حتمًا لازمًا للبائع؛ بل له أني زيد في ثمن السلعة، وله أن لا يزيد.

          [13])) تقدم تخريجه.

          [14])) الخطابي، معالم السنن (3/106).

          [15])) البغوي، شرح السُّنَّة (8/143).

          [16])) الهروي، غريب الحديث (4/241).

          [17])) الهروي، غريب الحديث (4/243).

          [18])) هو عبد الله بن مسعود .

          [19])) أورده محقق كتاب غريب الحديث لأبي عبيد عن ثلاثة من نسخ المخطوطة لهذا الكتاب (4/241).

          [20])) مصنّف ابن أبي شيبة (4/536).

          [21])) كذا في النسخة المطبوعة، والصواب: «فَزَع بن عُفَيْف»، كما في المؤتلف والمختلف للدارقطني (4/1817) وغيره.

          [22])) أبو نعيم الأصفهاني، حلية الأولياء (9/52)، والبخاري، التاريخ الكبير (7/17).

          [23])) كتب في هامش الحلية: «كذا بالأصل وفيه نقص، ولعله قال: ما السرق؟».اهـ.

          [24])) مصنّف ابن أبي شيبة (4/307).

          [25])) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب (ص141).

          [26])) مصنف ابن أبي شيبة (4/307).

          [27])) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب (ص662).

          [28])) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب (ص317).

          [29])) الذهبي، سير أعلام النبلاء (5/209).

          [30])) الذهبي، سير أعلام النبلاء (5/231).

          [31])) الذهبي، سير أعلام النبلاء (6/12).

          [32])) الذهبي، سير أعلام النبلاء (4/521).

          [33])) مصنّف عبد الرزاق (8/136، 137، رقم 14626).

          [34])) مصنّف عبد الرزاق (8/137، رقم 14627).

          [35])) مصنّف عبد الرزاق (8/137 رقم 14630)، مصنّف ابن أبي شيبة (4/307).

          [36])) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب (ص542).

          [37])) الذهبي، سير أعلام النبلاء (5/336).

          [38])) الذهبي، سير أعلام النبلاء (7/6).

          [39])) الذهبي، سير أعلام النبلاء، (5/38، 39).

          [40])) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب (ص365).

          [41])) الذهبي، سير أعلام النبلاء (5/273).

          [42])) الذهبي، سير أعلام النبلاء (5/276).

          [43])) الذهبي، سير أعلام النبلاء (4/217، 218 – 224).

          [44])) مصنّف ابن أبي شيبة (4/307).

          [45])) قال الألباني في كتابه المسمّى سلسلة الأحاديث الضعيف (2/372، حديث رقم 956) ما نصّه: «أخرجه البيهقي (2/229) عن الخليل بن مرة عن الليث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وهذا السند إلى عمرو وإن كان ضعيفًا فإنه لا بأس به في الشواهد والمتابعات».اهـ. وأما الخليل ابن مرة فقد قال فيه الحافظ في التقريب (ص235): «ضعيف»، وقال في الليث (ص542): «صدوق اختلط جدًّا ولم يتميز حديثه فتُرك».اهـ.

          [46])) السرخسي، المبسوط (13/7، 8).

          [47])) الكاساني، بدائع الصنائع (5/158).

          [48])) نقله المحدث ظفر أحمد التهناوي في كتابه إعلاء السنن عن كتاب الآثار (4/185).

          [49])) محمد بن الحسن الشيباني، الأصل المعروف بالمبسوط (5/88، 112، 113).

          [50])) مالك، المدوّنة (3/211).

          [51])) مالك، المدوّنة (3/99).

          [52])) مالك، المدوّنة (3/236).

          [53])) محمد عليش، منح الجليل (5/37، 38).

          [54])) أحمد الدردير، الشرح الكبير على مختصر خليل (3/58).

          [55])) الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3/58).

          [56])) المزني، مختصر المزني (2/204).

          [57])) النووي، المجموع شرح المهذب (9/338).

          [58])) الشيرازي، المهذّب مع شرحه المجموع (9/338).

          [59])) الخطابي، معالم السنن (3/104 – 106).

          [60])) الخطابي، معالم السنن (3/123).

          [61])) أي: باب بيعتين في بيعة.

          [62])) البغوي، شرح السُّنَّة (8/143).

          [63])) ابن قدامة، المغني (4/290).

          [64])) المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح الخلاف (4/311)، البهوتي، شرح منتهى الإرادات (2/252).

          [65])) نصّ عليه الإمام أحمد بن حنبل .

          [66])) تقدم تخريجه.

          [67])) الهروي، غريب الحديث (2/110).

          [68])) ابن منظور، لسان العرب (8/26).

          [69])) عبد الحق الإشبيلي، الأحكام الوسطى (3/244).

          [70])) الخطابي، معالم السنن (3/104).

          [71])) البيهقي، السنن الكبرى (5/343).

          [72])) النووي، المجموع شرح المهذّب (9/338).

          [73])) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر (5/220).

          [74])) ابن منظور، لسان العرب (6/257).

          [75])) مصنّف عبد الرزاق (8/138).

          [76])) مصنّف عبد الرزاق (8/138)، مصنف ابن أبي شيبة (4/307).

          [77])) الأزهري، تهذيب اللغة (2/2030).

          [78])) «تبيعني سلعة بعينها بكذا وكذا درهمًا». ابن منظور، لسان العرب (10/200، 201).

          [79])) «تبيعني سلعة بعينها بكذا وكذا درهمًا». محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس (6/409).

          [80])) ابن الجوزي، غريب الحديث (1/594).

          [81])) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب البيوع، باب: في الرَّجل يبيع ما ليس عنده (3/303). وتقدم تخريجه عند الترمذي، والنسائي في سننه، كتاب البيوع، باب: بيع ما ليس عند البائع (7/333)، وغيرهم.

          [82])) ابن عابدين، مجموعة رسائل ابن عابدين (1/235).

          [83])) الهروي، غريب الحديث (4/110).

          [84])) الألباني، الكتاب المسمّى إرواء الغليل (رقم 1307).

          [85])) مصنّف ابن أبي شيبة (4/307).

          [86])) أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه، باب: بيان أن الإسناد من الدين (1/11).

          [87])) الذهبي، سير أعلام النبلاء (8/34).

          [88])) ابن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال (1/157).

          [89])) مصنّف عبد الرزاق (8/137، 138، رقم 14631).

          [90])) ابن عبد البر، الاستذكار (6/452).

          [91])) ابن عبد البر، الاستذكار (6/453).

          [92])) الخطّابي، معالم السنن (3/123).

          [93])) يعني: الخطّابي.

           

          [94])) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر (1/173).

          [95])) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر (2/459).

          [96])) النووي، المجموع (9/162).

          [97])) الخطاب المالكي، مواهب الجليل (4/228).

          [98])) الحديث هو: «من باعَ بيعتينِ في بيعةٍ فله أوكسُهما أو الربا».

          [99])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المكاتب، باب: استعانة المكاتب وسؤاله الناس (2/904).

          [100])) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (5/193).

          [101])) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (5/194).