الجمعة يوليو 26, 2024
        • الألباني يزعم أن الموتى لا يسمعون:

        قال الألباني([1]): «لا يوجد دليل في الكتاب والسُّنَّة على أن الموتى يسمعون؛ بل ظواهر النصوص تدل على أنهم لا يسمعون كقوله تعالى: {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} [سورة فاطر: 22]، وقوله لأصحابه وهم في المسجد: «أكثروا علي من الصلاةِ يومَ الجمعةِ، فإنَّ صلاتَكم تبلغُني» فلم يقل: أسمعها، وإنما تبلّغه الملائكة. وأما قوله : «إذا وُضع العبدُ في قبرِه وتلوى وذهب أصحابُه حتى إنه ليسمعُ قرعَ نعالِهم، أتاه ملكان فيُقعدانِه فيقولانِ له» الحديث رواه البخاري، فليس فيه إلا السماع في حالة إعادة الروح إليه ليجيب على سؤال الملكين، ونحوه قوله لعمر حينما سأله عن مناداته لأهل قليب بدر: «ما أنتم بأسمعَ لما أقولُ منهم» هو خاص أيضًا بأهل القليب».اهـ.

        الرَّدُّ:

        يضاف إلى ما سبق ذكره عند الرد على نفي الألباني لسماع النبي في قبره أن الصحابي بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه جاء إلى قبر النبي في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد أصاب الناس قحط وخاطب الرسول بقوله: «يا رسول الله، استسق لأمَّتك فإنهم قد هلكوا». يقول مالك الدار – وهو راوي الحديث -: «فأتاه رسول الله في المنام فقال: ائت عمر فأقرئه مني السلام وأخبره أنهم يسقون وقل له: عليك بالكيس الكيس([2])، فأتى الرجلُ عمرَ فقال: يا ربّ، ما ءالوا إلا ما عجزت».اهـ. رواه البيهقي في «دلائل النبوة»([3]) وابن كثير في «البداية والنهاية»([4]) وقال عَقِبَهُ: «هذا إسناد صحيح»، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»([5])، وعزاه الحافظ ابن حجر العسقلاني في «فتح الباري»([6]) لابن أبي شيبة وصحَّحَ إسناده. قال الحافظ الفقيه تقي الدين السبكي في كتابه «شفاء السقام»([7]): «ومحل الاستشهاد من هذا الأثر طلبه الاستسقاء من النبيّ بعد موته في مدة البرزخ، ولا مانع من ذلك، فإن دعاء النبيّ لربه تعالى في هذه الحالة غير ممتنع».اهـ. فلولا أن الصحابي يعتقد بحياة النبيّ في قبره وسماع من يأتيه مسلّمًا عليه ومخاطبًا لما خاطبه بقوله: «يا رسول الله، استسق لأمّتك»، ثم هذا الصحابي لـمّا أخبر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما حصل منه لم ينكر عليه ولا نهره ولا قال له: أنت أشركت بإتيانك قبر الرسول متوسلًا به، ولا قال له: النبي لا يسمع في قبره من يناديه، فهذا يدل على أن سيدنا عمر رضي الله عنه يرى جواز ما فعله الصحابي، وأن النبيّ يسمع خلافًا لما ينسبونه لعمر رضي الله عنه، فتمسك بهذا الأثر ولا تلتفت إلى تشويشات نفاة التوسل.

        وأما قول الألباني: «فإنه قال: «فإن صلاتَكم تبلغُني» فلم يقل: أسمعها»، فليس فيه دليل على نفي السماع الذي زعمه الألباني، وأي مانع شرعي وعقلي من سماع النبي لكلام من يناديه؛ بل في كلامه حجة عليه، لأنه أثبت سماع النبي لكلام الملائكة الذين يبلغونه من يصلي عليه، فالذي يسمع يكون حيًّا أم ميتًا؟!

        وأما ما زعم الألباني أن سماع أهل القليب لكلام النبي خاصٌّ بهم فهو ادّعاء لا دليل له عليه إلا الهوى، وقد اتّفق الأصوليون على هذه القاعدة: «لا خصوصية إلا بدليل». فأين دليل الخصوصية الذي ادّعاه؟!

         

        [1]() الألباني، الكتاب المسمّى صحيح الترغيب والترهيب (1/14).

        [2]() أي: بالاجتهاد بالسعي لخدمة المسلمين.

        [3]() البيهقي، دلائل النبوة (1/445).

        [4]() ابن كثير، البداية والنهاية (7/91، 92).

        [5]() ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق (44/345 و56/489).

        [6]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (2/495، 496).

        [7]() تقي الدين السبكي، شفاء السقام في زيارة خير الأنام (ص174).