الجمعة يوليو 26, 2024
      • الألباني يتلاعب بالدّين، ومذهبه أن من اجتهد فخالف الإجماع فله أجر:

      قال الألباني في معرض الدفاع عن ابن تيمية حين زعم فناء النار ما نصه([1]): «أسوأ ما يمكن أن يقال إنه [يقصد قول ابن تيمية] خطأ مغفور لهما [يقصد ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية] بإذن الله تعالى، لأنه صدر عن اجتهاد صادق منهما، ومعلوم أن المجتهد مأجور ولو أخطأ».اهـ.

      الرَّدُّ:

      مِنْ خطر الألباني وجماعته على الأمة الإسلامية أنهم يحللون ويحرمون على حسب ما تهواه نفوسهم، ويتبعون غير سبيل المؤمنين، ويزعمون الاجتهاد، وهم دعاة للفساد والإفساد، ويقولون: نحن مصلحون، ويضلّون ويزعمون أنهم الهداة، ويهدمون ويدَّعون أنهم البناة ويفتون بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان؛ بل هي من وساوس الشيطان، ويعملون على إضاعة الثقة بالدين والعلماء، لتميل الناس إليهم، ليلقوا إلى أسماعهم الأباطيل والكفر، ويسمّون أنفسهم سُنّيينَ وسلفيين ومُصلحين ومجددين ومجتهدين، وفي الحقيقة تجمعهم كراهة أئمة المذاهب الأربعة وعداوتهم لهم، ولقد قيل: [الخفيف]

      ليسَ فِيهمْ إلى جهولٌ ولكنْ
      هل سمعتم يومًا بغيرِ بصيرٍ
      يَزْعمون الإصلاحَ للدينِ فاعجَبْ
      كمْ جهولٍ منهم يَعيبُ سفاهًا
      وكثيرٌ يقولُ: نحنُ رجالٌ
      كيفَ هلْ يستوي ظلامٌ ونورٌ

       

      قدْ رأَوْا أنْ يُعَلّمُوا العالمينا
      قائدٍ في الطريقِ للمُبْصِرينا
      لشياطينَ يُصلحونَ الدينا
      وضلالًا أئمةَ الـمُسلِمِيْنا
      مثلُ مَنْ كانَ، ساءَ ما يحكمُونا
      وخبيثٌ وطيبٌ أفْتُونا

      ثم زاد الألباني في دفاعه عن هذه المقولة التي خرق ابنُ تيمية بها الإجماع فقال([2]): «فهل من العدل في شيء أن يتخذوا شيخ الإسلام [يقصد ابن تيمية] غرضًا للتكفير والتضليل لقوله هذا ونحوه من الأقاويل».اهـ. يقصد قوله بفناء النار وانتهاء عذاب المشركين الذين حاربوا الرسول وكفروا بالله وبرسله وكتبه، فانتبه للخطر الجسيم والضرر الكبير الذي يبثه أدعياء العلم تحت ستار العلم.

      • إن قول ابن تيمية بفناء النار وانتهاء عذابها هو كفر مخرج من الدين، كما صرَّح بذلك العلماء، أذكر منهم قول القاضي عياض المالكي في كتابه «الشفا»([3]): «من دافع نص الكتاب أو السُّنَّة المقطوع بها المحمول على ظاهره فهو كافر بالإجماع».اهـ. والمسألة هذه من هذا القبيل، أي: ردّ النصوص القطعية بأن النار لا تفنى ولا ينتهي عذابها، وسيأتي اعتراف الألباني بذلك. وقال ابن الهمام الحنفي في كتابه «التقرير والتحبير» ما نصّه([4]): «لا خلاف في تكفير المخالف في ضروريات الإسلام من حدوث العالم وحشر الأجساد وإثبات العلم بالجزئيات، وإن كان من أهل القِبلة المواظب طول العمر على الطاعات [أي: صورة يفعل صُوَر الطاعات]». فلا تغتر بعد ذلك بتمويه الوهابية أتباع ابن تيمية بأنه ذاع صيته وانتشرت مؤلفاته وغير ذلك، فالعبرة بالاعتقاد الموافق للشرع، فإن إبليس أشهر منه، وهو كافر يُضلّ الناس بوساوسه، كما يضل ابن تيمية وأتباعه الناسَ بآرائهم الكفرية المخالفة والمعارضة والمناقضة للشريعة الإسلامية.

      وقال تقي الدين السبكي الشافعي في رسالته «الاعتبار ببقاء الجنة والنار» التي رد فيها على ابن قيم الجوزية لقوله بفناء النار، مثل شيخه ابن تيمية ما نصّه([5]): «إن اعتقاد المسلمين أن الجنّة والنار لا تفنيان، وقد نقل أبو محمد ابن حزم الإجماع على ذلك، وأن من خالفه كافر بإجماع، ولا شك في ذلك، فإنه معلوم من الدين بالضرورة، وتواردت الأدلة عليه».اهـ.

      • قول الألباني: «إنه خطأ مغفور لهما لأنه صدر عن اجتهاد».اهـ. مخالف لاتفاق العلماء على أن النصوص الصريحة لا يدخلها الاجتهاد، فقد قال الإمام المجتهد أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر: «إذا جاء الخبر ارتفع النظر».اهـ. ومعناه: إذا ورد نص صريح في القرءان والحديث الثابت بطل الاجتهاد والرأي.

      وقال الإمام المجتهد الشافعي في كتابه «الرسالة»([6]): «قال: فما القياس؟ أهو الاجتهاد أم هما مفترقان؟ قلت [القائل هو الشافعي]: هما اسمان لمعنًى واحدٍ».اهـ. وقال أيضًا([7]): «لا يحل القياس والخبر موجود».اهـ.

      وقد سلّم الألباني بذلك فقال بتحريم الاجتهاد مع وجود النص، ثم خالف هنا كما ترى دفاعًا عن زعيمه ابن تيمية، ونصّ عبارته في كتابه المسمّى «سلسلة الأحاديث الضعيفة الموضوعة»([8]):

      «ومن المعلوم أنه لا قياس ولا اجتهاد في مورد النص».اهـ. وقال فيه أيضًا([9]): «لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص في الكتاب والسُّنَّة».اهـ. وقال أيضًا في مقدمته على كتاب «رفع الأستار» ما نصّه([10]): «الآيات والأحاديث صريحة في الدلالة على بطلان القول بفناء النار».اهـ. وقال فيه أيضًا([11]): «تلك الدلالة القاطعة وقالا [يقصد ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية] ما لم يقل أحد قبلهما».اهـ. وقال فيه أيضًا([12]): «أجمع العلماء على خلافه».اهـ. أي: على خلاف ما قالا، وقال فيه أيضًا([13]): «تأوّل [يقصد ابن تيمية] النصوص القاطعة فخرج عما عليه أهل السُّنَّة والجماعة».اهـ.

      انظر أيها القارئ إلى قوله: «لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص»، وإلى قوله: «لأنه صدر عن اجتهاد صادق منهما، ومعلوم أن المجتهد مأجور ولو أخطأ». انظر كيف يحرّم الإقدام على فعل ثم يجعل من فعله مثابًا مأجورًا، ولم يكتف بذلك بل انتصر له وادَّعى شرعيته فأورد حديثًا في غير موضعه، وهو حديث([14]): «إذا حكم الحاكمُ فاجتهدَ» انظروا القرَّاء كيف يتلاعب بالأحاديث ويجعلها تابعة لرأيه لأجل دفاعه عن ابن تيمية، فهذا الحديث وارد في غير النصوص الصريحة التي لا اجتهاد فيها كما ذكرتُ سابقًا، ثم استدلاله بهذا الحديث على مُدَّعاه دليل جهله بأصول الفقه أولًا، وغشه وتلبيسه على الناس ثانيًا، لأن علماء الأصول([15]) وغيرهم اتفقوا على أنه لا اجتهاد في مورد النص، فلا يوردون الحديث في ما ورد به الخبر الصريح أو ما أجمع عليه المجتهدون، وأمّا ما تلبيسه على الناس فإنه سلّم وأقرَّ بأنه لا يجوز الاجتهاد مع وجود نص من الكتاب والسُّنَّة. فكيف يحتج بهذا الحديث على جواز الاجتهاد في مسائل فيها نص من القرءان والحديث؟!

      [1]() الصنعاني، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار (ص32).

      [2]() الصنعاني، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بناء النار (ص30).

      [3]() القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/282).

      [4]() ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير (3/318).

      [5]() تقي الدين السبكي، الاعتبار ببقاء الجنة والنار (ص61).

      [6]() الشافعي، الرسالة (ص477).

      [7]() الشافعي، الرسالة (ص599).

      [8]() الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (2/240 رقم 843).

      [9]() الألباني، الكتاب المسمّى سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (2/289 رقم 881).

      [10]() الصنعاني، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار (ص21).

      [11]() الصنعاني، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار (ص21).

      [12]() الصنعاني، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار (ص36).

      [13]() الصنعاني، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار (ص44)

      [14]() أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (6/2676).

      [15]() الشافعي، الرسالة (ص599).