الخميس أبريل 18, 2024
      • الألباني يزعم أنه يجوز الاجتهاد في أصول العقيدة:

      خرج الألباني عما أجمع عليه العلماء فقال([1]): «بطلان الخرافة التي يطلقها اليوم كثير من الكتاب الإسلاميين المعاصرين وفيهم بعض من يجلون شيخ الإسلام ابن تيمية أن الخلاف في الفروع وليس في الأصول».اهـ.

      الرَّدُّ:

      على مقتضى كلامه يجوز أن يجتهد الشخص فيقول بأن الجنة تفنى، وأن العالم أزلي، وأن لله زوجة وولدًا، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، أو أن الرسول كان يحصل منه الزنى وشرب الخمر، وكل ذلك كفر والعياذ بالله، وغير ذلك مما يخالف العقيدة، وإذا ما أُنكِرَ على هذا القائل يقول بأني اجتهدت ولي أجر الاجتهاد على زعمه، انظروا إلى مقالة الألباني الذي فتح بابًا واسعًا من أبواب الكفر، يلتمس العذر لمن كفر بالله وبما جاء عن الله، ولمن كفر بالرسول وبما جاء به الرسول ، فعلى مقتضى كلامه لا يوجد مرتد على وجه الأرض، لأنهم كلهم سيقولون بمقالة هذا المبتدع الذي شذ بها عن الأمة الإسلامية وضلّ وأضلَ من أخذ بفتواه.

      لقد أغلق الألباني باب الردة وفتح باب الكفر على مصراعيه بهذه المقالة الباطلة. وقد يتساءل البعض لماذا تجرّأ على إصدار هذه الفتوى التي تشجع المبتدعة على التمادي في الضلال، وتتيح لنفسه وأتباعه وغيرهم الكفر بالقرءان والسُّنَّة تحت ستار الاجتهاد؟! والجواب: هو أن الذي حرّكه حب الدفاع عن ابن تيمية المجسم الذي زرعت كتبه وفتاويه في قلب الألباني وجماعته الوهابية بذور الفتنة والفساد والانحراف عن منهج أهل السُّنَّة والجماعة فغرست في نفوسهم حبَّ التشبيه والنفور من التنزيه وحب المبتدعة وكراهية أهل السُّنَّة، الأشاعرة والماتريدية؛ بل وكراهية الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فلا يسمع وهّابيٌّ مؤذنًا سنيًّا يصلي على النبي بعد الأذان جهرًا إلا ويبادر إلى الإنكار عليه وشتمه ونسبة بدعة الضلالة إليه، لأنه يحب الرسول ويحب الصلاة عليه، والسؤال هو: ما الذي اقترفه هذا السُّنّيُّ إلا أنه عمل بقوله عليه الصلاة والسلام: «من ذكرني فليصلِّ عليّ»([2])؛ بل ويبادرون إلى تبديع من رأوه يحمل سبحة يَذْكر الله تعالى بالتسبيح والتهليل ويصلي على نبيّه ، لزعمهم أنها بدعة سيئة لم تكن زمن النبي ، فهؤلاء شأنهم الحكم على أهل السُّنَّة الأشاعرة والماتريدية بالتضليل([3])، ولم يشربوا إلا حب ابن تيمية فاقتدوا به فأُشْربوا الكفر والبدعة فضلوا وأضلوا، نسأل الله السلامة.

      وإليك أيها القارئ بعض ما ورد عن العلماء في تزييف وبطلان هذه المقالة الفاسدة وتكفير من خالف أمرًا قطعيًّا من أمور الشريعة المعلومة من الدّين بالضرورة:

      قال الفقيه الشافعي تقي الدين السبكي([4])، وهو ممن قيل ببلوغه درجة الاجتهاد([5]): «إن إنكار القطعي كفر، ولا يشترط أن يعلم ذلك المنكر قطعيته ثم ينكر فيكون بذلك كافرًا على ما يتوهمه الخائلون([6])؛ بل يشترط قطعيته في الواقع».اهـ.

      وفي كتاب «فتح الباري»([7]): «وقد حكى عياض وغيره الإجماع على تكفير من يقول بقدم العالم، فقال ابن دقيق العيد: وقع هنا من يدعي الحِذق في المعقولات ويميل إلى الفلسفة، فظن أن المخالف في حدوث العالم لا يكفر، لأنه من قبيل مخالفة الإجماع، وتمسك بقولنا: إن منكر الإجماع لا يكفَّر على الإطلاق حتى يثبت النقل بذلك متواترًا عن صاحب الشرع، قال: وهو تمسكٌ ساقط، إمّا عن عمى في البصرة أو تعام، لأن حدوث العالم من قبيل ما اجتمع فيه الإجماع والتواتر بالنقل».اهـ.

      فإن قيل: قال شمس الدين الرملي([8]) عند شرح قول النووي: «الردة قطع الإسلام بنية أو قول كفر» ما نصّه: «فلا أثر لسبق لسان أو إكراه واجتهاد وحكاية كفر». فالجواب: ما قاله الـمُحشّي([9])، أي: صاحب الحاشية نور الدين علي الشَّبْرامَلّسي على شرح الرملي المسمّى «نهاية المحتاج»: «قوله (واجتهاد)، أي: لا مطلقًا كما هو ظاهر لما سيأتي من نحو كفر القائلين بقِدم العالَم مع أنه بالاجتهاد والاستدلال».اهـ. وتابعه على ذلك الـمُحشّي الآخر على الرملي أحمد بن عبد الرزاق المعروف بالمغربي الرشيدي فقال([10]): «قوله (واجتهاد)، أي: فيما لم يقم الدليل القاطع على خلافه، بدليل كفر نحو القائلين بقِدم العالَم مع أنه بالاجتهاد».اهـ.

      ومن هنا يُعلم أنه ليس كل متأول أو مجتهد يمنع عنه تأويلُه التكفيرَ، فمن اجتهد في القطعيات فأخطأ لا يعذر، فقول ابن تيمية: بأن العالم أزلي بجنسيه، أي: لم يتقدم الله جنسَ العالم بالوجود بل قال: وهذا كمال لله، ذكر هذا في كتاب «شرح حديث عمران بن الحصين»([11])، وقوله: بأنّ النار تفنى وينتهي عذابها([12]) لا يخلصه من الكفر، ولو زعم أنه اجتهد أو ادّعى أحد له ذلك، وتابعه في مقولته الثانية وأيّده تلميذه ابن قيم الجوزية([13])، فالذي يعتقد أن كل متأوّل يُعذَر مهما كان تأوُّله فقد عطَّل الشريعة.

      [1]() مقدمة الألباني لكتاب رفع الأستار لإبطال القائلين بفناء النار للصنعاني (ص47).

      [2]() تقدم تخريجه.

      [3]() محمد صالح العثيمين، لقاء الباب المفتوح (ص40 – 43) وهو من أركان الداعين للعقيدة الوهابية.

      [4]() محمد أنور شاه الكشميري، إكفار الملحدين (ص33).

      [5]() وصفه بالاجتهاد السيوطي في بغية الوعاة (2/176).

      [6]() أي: الظانون.

      [7]() ابن حجر العسقلاني، فتح الباري (12/202).

      [8]() شمس الدين الرملي، نهاية المحتاج (7/414).

      [9]() حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج المطبوعة بذيل نهاية المحتاج (7/414).

      [10]() حاشية المغربي الرشيدي على نهاية المحتاج المطبوعة بذيل حاشية الشبراملسي (7/414).

      [11]() ابن تيمية، الكتاب المسمّى شرح حديث عمران بن الحصين (ص193)، ابن تيمية، مجموع الفتاوى (18/239).

      [12]() ابن قيم الجوزية، حادي الأرواح (ص579 و582).

      [13]() ابن قيم الجوزية، حادي الأرواح (ص579 و582).