الْقَاْدِرُ:
هوَ الذي لا يعتريهِ عجزٌ ولا فتورٌ
وهوَ القادرُ على كلِّ شىءٍ ولا يعجزُه شىءُ، قالَ اللهُ تعالى: ﱡﭐ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﱠ([1])
الْقُدْرَةُ للهِ تَعَالَىْ:
وهيَ صفةٌ أزليّةٌ ثابتةٌ لذاتِ اللهِ
تعالى ويصحُّ أنْ يقالَ قائمةٌ بذاتِ اللهِ تعالى، لأَنَّ المعنى واحدٌ لكنْ لا
يقالُ ثابتةٌ في ذاتِ اللهِ والقدرةُ يتأتَّى بهَا الإيجادُ والإعدامُ، أي يوجِدُ
بها المعدومَ مِنَ العدمِ ويُعدمُ بها الموجودَ، يؤثر الله بها في الممكنات أي
المخلوقات([2])،
والبرهانُ العقليُّ على وجوبِها للهِ تعالى هوَ: أَنَّهُ لوْ لم يكنْ قادرًا لكانَ
عاجزًا ولو كانَ عاجزًا لم يُوجَدْ شىءٌ مِنَ المخلوقاتِ، والمخلوقاتُ موجودةٌ
بالمشاهدةِ ثمَّ العجزُ نقصٌ والنقصُ مستحيلٌ على اللهِ لأَنَّ مِنْ شرطِ الإلهِ
الكمالَ.
والقدرةُ
صفةٌ ثابتةٌ للهِ تعالى لا يجوزُ إنكارُها ولا الشكُّ فيها، بلْ إِنَّ مَنْ نَفَى
قدرةَ اللهِ تعالى على كلِّ شىءٍ أو شكَّ في ذلكَ لا يكونُ مِنَ المسلمينَ، أمَّا
مَا ورَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((نَحْنُ
أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ ﷺ، إِذْ قال: ﱡ ﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊ ﱋ ﱌﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ([3])ﱬﱠ([4])، وهوَ جزءٌ مِنْ
حديثٍ طويلٍ، فمعنى كلامِ سيدِنا إبراهيمَ عليهِ السلامُ: أيْ ليطمئنَّ
قلبي بإجابةِ طلبي، لأَنَّ النبيَّ ﷺ قدْ لا
يعطيهِ اللهُ كلَّ ما طلبَ، فكانَ لديهِ احتمالٌ أَنَّ اللهَ لنْ يجيبَ طلبَه،
ونبينَا محمَّدٌ ﷺ أرادَ المعنى نفسَهَ، وفي كلامِهِ نفيُ الشكِّ عنْ كلِّ
واحدٍ منهما، فكأَنَّه يقولُ: إذا لم أشكَّ أنَا في قدرةِ اللهِ على إحياءِ الموتى
فإبراهيمُ أولى بأنْ لا يَشُكَّ فيهِ([5]).اهـ
فليُحذَرْ مِنْ
تفسيرٍ فاسدٍ يتناقَلُهُ بعضُ الناسِ فيهِ أَنَّ سيدَنا إبراهيمَ عليهِ السلامُ
شكَّ في قدرةِ اللهِ، وهذا لا يليقُ بنبيٍّ مِنَ الأنبياءِ كمَا أَنَّه لا يقولُ
بهِ مسلمٌ قطُّ فقدِ انعقدَ إجماعُ المسلمينَ على أَنَّ مَنْ شَكَّ في قدرةِ اللهِ
كفرَ، فكيفَ يُنسَبُ إلى نبيٍّ مِنَ الأنبياءِ مثلُ هذا الكفرِ والعياذُ باللهِ.
وقدْ ردَّ ابنُ الجوزيِّ رحمهُ اللهُ
قولَ ابنِ قتيبةَ وهوَ: “قدْ يَغْلَطُ فِي بعضِ الصفاتِ قومٌ مِنَ المسلمينَ
فلا يُكفَّرونَ بذلكَ”اهـ كلامُ ابنِ قتيبةَ، فقالَ ابنُ الجوزيِّ رحمهُ
اللهُ: “جَحْدُهُ صفةَ القدرةِ كفرٌ اتفاقًا”([6])اهـ
يعني – ابنُ قتيبةَ – بذلكَ قصةَ الرجلِ الذي قالَ رسولُ اللهِ ﷺ
فيهِ: “كانَ رجلٌ يسرفُ على نفسِهِ، فلمَّا حضرَهُ الموتُ قالَ لبنيهِ: إذا
أنَا مِتُّ فأَحْرِقُوني ثُمَّ اطحنُوني ثُمَّ ذروني في الريحِ، فواللهِ لئنْ قدرَ
اللهُ عليَّ ليعذبنِّي عذابًا مَا عذَّبَه أحدًا”([7])،
حيثُ ظنَّ ابنُ قتيبةَ أَنَّ هذا الرجلَ شكَّ في قدرةِ اللهِ عليهِ، قالَ ابنُ
الجوزيِّ: “جَحْدُهُ صفةَ القدرةِ كفرٌ اتفاقًا “.اهـ وإِنَّما معنى قولِه:
“لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيَّ” أي ضَيَّقَ، فهيَ كقولِه تعالَى: ﱡﭐ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﲁ ﱠ([8])
أي ضُيِّقَ، وأمَّا قولُه: ((لَعَلي أَضَلُّ اللهَ))([9])
كمَا في روايةٍ لهذا الحديثِ، فمعناه لَعَلِّيْ أفوتُه؛ ولعلَّ هذا الرجلَ قالَ
ذلكَ مِنْ شدَّةِ جَزَعِهِ وخوفِه كمَا غلطَ ذلكَ الآخرُ فقالَ: أنتَ عبدي وأنَا
ربُّكَ، أو يكونُ قولُه: “لئنْ قَدَّرَ عَلَيَّ” بتشديدِ الدالِ، أيْ قَدَّرَ
عليَّ أنْ يعذبني. قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ: “وأظهرُ الأقوالِ أَنَّه قالَ ذلكَ
في حالِ دهشَتِهِ وغَلَبَةِ الخوفِ عليهِ حتى ذهبَ بعقلِهِ”. وَتِتِمَّةُ
الحديثِ المذكورِ: “فلمَّا ماتَ فُعِلَ بهِ ذلكَ فأمرَ اللهُ الأرضَ فقالَ:
اجمعي مَا فيكِ منهُ، فَفَعَلَتْ فإذَا هوَ قائمٌ فقالَ: مَا حملكَ على ما صنعتَ؟
قالَ: يا ربِّ خشيتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ”([10]).
والحديثُ رُوِيَ كذلكَ بلفظِ: “توفيَ رجلٌ كانَ نبَّاشًا فقالَ لولَدِهِ:
أحرِقُونِي” ([11])اهـ.
فَاْئِدَةٌ:
روى ابنُ أبي الدنيا عنْ معروفٍ الكرخيِّ، قالَ: “أتاني شابٌّ فقالَ لي: يا
أبا محفوظٍ رأيتُ أبي في النومِ؟ فقالَ لي: يا بنيَّ مَا منعكَ أنْ تُهديَ ممَّا
يهدي الأحياءُ إلى موتَاهُم قلتُ: يا أبي أُهدِي إليكَ، قالَ: تقولُ: يا عليمُ يا قديرُ
اغفرْ لي ولوالديَّ إِنَّكَ على كلِّ شىءٍ قديرٌ قالَ: فجعلتُ أقولُها فأُريتُ أبي
يعني في النومِ فقالَ: يا بنيَّ قدْ وصلتْ إلينا هديَّتُكَ”([12]).اهـ
دُعَاءٌ: اللَّهُمَّ
يَا قَادِرُ يَا مَنْ وَسِعَتْ قُدْرَتُهُ الْمَخْلُوْقَاتِ جَمِيْعًا عَلَيْكَ
بِأَعْدَاءِ الدِّيْنِ.