الْحَكَمُ:
هوَ الحاكمُ بينَ الخلقِ في الآخرةِ
ولا حكمَ غيرُهُ، ﭧﭐﭨ ﭐﱡﭐﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃﱠ([1])
وقالَ تعالَى: ﭐﱡﭐ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃﲄﱠ([2])،
وقدْ جاءَ في كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ في ثلاثةِ مواضعَ منهُ قولُهُ تعالَى: ﱡﭐﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲫﱠ([3])، حيثُ يقولُ
عزَّ وجلَّ: ﭐﱡﭐ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔﲕ ﲖ
ﲗ ﲘ ﲙ ﲚﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﱠ([4]) وقالَ تعالَى: ﭐﱡﭐﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ
ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊﱠ([5]) وقالَ تعالَى: ﭐﱡﭐ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞﲟ ﲠ ﲡ
ﲢ ﲣﲤ ﲥ ﲦﲧ ﲨ ﲩ ﲪﲫﱠ([6]) وهذهِ الآياتُ
الثلاثُ إنَّمَا تشيرُ إلى أنَّ اللهَ تعالَى هوَ الذي يحكمُ بينَ خلقِهِ بالحقِّ
وهوَ سبحانَهُ الذي يقضي بينَ العبادِ يومَ القيامةِ ومشيئَتُهُ نافذةٌ في جميعِ
خلقِهِ فهذَا هوَ الذي فَهِمَهُ علماءُ التوحيدِ والتفسيرِ مِنْ هذهِ الآياتِ
الكريمةِ([7])، وقدْ ضلَّ
أناسٌ بتفسيرِ هذهِ الآياتِ وَكانُوا قدِ انتَسَبُوا للإسلامِ قديمًا في زمنِ
الصحابةِ ونرى فروعَهُمْ إِلَى أيامِنَا هذهِ وهمْ فرقةُ الخوارجِ، فَبَعْدَ معركةِ
صِفِّيْنَ([8]) استقرَّ الرأيُّ
على ما يُعْرَفُ بالتحكيمِ بينَ الفئتينِ فحكَّمَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ أبا موسى
الأشعريَّ وحكَّمَ معاويةُ
بنُ أبي سفيانَ عمرَو بنَ العاصِ، فَطَلَعَ في ذلكَ الوقتِ مَنْ كفَّرَ الفئتينِ
وهمُ الخوارجُ مستندينَ بزعمِهِم إلى هذِهِ الآيةِ الكريمةِ: ﱡﭐﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲫﱠ، معَ أنَّ
معناها ليسَ على الوجهِ الذي فهموهُ وقالوا بهِ، قالوا: كيفَ تُحَكِّمَانِ إنسانًا؟
وَاللهُ يقولُ: ﱡﭐﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲫﱠ قالوا: أنتُمَا
حَكَّمْتُمَا إنسانًا أَنْتَ كفرتَ وأنتَ كفرتَ، كفَّرُوا عليًّا وَكَفَّروا
معاويةَ وكفَّروا أبا موسى وكفَّروا عمرَو بنَ العاصِ؛ فَمِنْ هنَا أولَ مَا نشأتْ
طائفةُ الخوارجِ لأنَّهم خَرَجُوا عَنِ المسلمينَ فَسُمُّوا الخوارجَ([9])، ثُمَّ بلَغَ
عليًّا ذلكَ قيلَ لهُ هؤلاءِ يقولونَ: إِنَّكَ حَكَّمْتَ إنسانًا واللهُ يقولُ: ﱡﭐﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲫﱠ فقالَ علٌّي :
(كلمةُ حقٍّ أريدَ بها باطـلٌ) يعني ﱡﭐﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲫﱠ ءايةٌ قرءانيةٌ
همْ أرادوا بها باطلًا لأنَّ هذهِ الآيةَ لا تمنعُ تحكيمَ البشرِ، أليسَ جاءَ في
القرءانِ إذا رجلٌ اختصمَ معَ امرأتِهِ أنْ يُحَكِّمَ هوَ شخصًا مِنْ أهلِهِ وهيَ
تُحَكِّمُ شخصًا مِنْ أهلِهَا([10]) هذا التحكيمُ
واردٌ في الشرعِ ولهُ مواضعُ. الحاصلُ أنَّ
التحكيمَ موجودٌ في الدينِ تحكيمُ الشخصِ في بعضِ المسائلِ الفقهيةِ وهؤلاءِ وضعوا
الآيةَ في غيرِ موضِعِهَا، مَا هوَ موضِعُهَا؟ أَحَدُ مَوَاضِعِهَا عندَ قصةِ
يعقوبَ عليهِ السلامُ لَمَّا أرادَ أولادُهُ أنْ يدخلُوا مصرَ وكانُوا كلُّهُمْ
جميلي الصورةِ ويوسفُ عليهِ السلامُ كانَ أجمَلَهُم فقالَ لهمْ لَا تدخلُوا مِنْ
بابٍ واحدٍ وادخلُوا مِنْ أبوابٍ متفرقةٍ، يعني خشيَ عليهِمْ مِنْ أنْ يُصَابُوا
بالعينِ، وقالَ بعدَ ذلكَ: إِنِ الحكمُ إلَّا للهِ يعني أنَا أقولُ لكمْ هذا لكنَّ
القضاءَ النافذَ للهِ اللهُ يفعلُ مَا يشاءُ هذا معنى ﱡﭐﲠ ﲡ ﲢ ﲣﲫﱠ([11]) ليسَ معناهُ أَنَّهُ
لَا يجوزُ تحكيمُ إنسانٍ بقضيةٍ شرعيةٍ لذلكَ سيدُنَا عليٌّ قالَ: (كلمةُ حقٍّ أُرِيْدَ
بهَا باطلٌ).
واللهُ تعالَى
هوَ الحكمُ العدلُ الذي أمرَ عبادَهُ أنْ يحكموا بينَ الناسِ بالعدلِ
ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﲧﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﳃﱠ([12]) فَعَنْ أبي هريرةَ عنِ النبيِّ ﷺ قالَ: ((سبْعَةٌ يُظِلُّهُم اللَّه في ظِلِّهِ([13])
يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ وَشَابٌ نَشَأَ في عِبَادَةِ
اللَّهِ عَزَّ وَجلَّ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مَعلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ ورَجُلان
تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، ورَجُلٌ
دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فقال: إِنِّي أَخافُ اللَّه،
وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما
تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ))([14])
وأولُ هؤلاءِ
المذكورينَ في الحديثِ هوَ الإمامُ العادلُ الذي عَدَلَ بينَ الرعيةِ فِي الحكمِ كَالخلفاءِ
الراشدينَ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ رضيَ اللهُ عنهم أجمعينَ وكَعُمَرَ بنِ
عبدِ العزيزِ ، فقدْ حكموا بينَ النَّاسِ بالعدلِ، فَإِنَّه يُرْوَى أَنَّ الأرضَ
زُلزِلَتْ في زمنِ عمرَ بنِ الخطابِ فَحَمِدَ
اللهَ وأَثْنَى علَيْهِ والأرضُ تَرْجُفُ وَتَرْتَجُّ ثُمَّ ضَرَبَهَا بِالدُّرَّةِ
وقَالَ أَقِرِّي أَلَمْ أَعْدِلْ عليكِ فَاسْتَقَرَّتْ مِنْ وَقْتِهَا([15]).اهـ
ويُرْوَى أَنَّ رجلًا فِي خلافةِ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ قالَ: كنَّا نرعَى الشاءَ بكرمانَ فِي خلافةِ
عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ ، فكانتِ الشاءُ والذئبُ ترعَى فِي مَكانٍ واحدٍ، فبينَا
نحنُ ذاتَ ليلةٍ إذْ عَرَضَ الذئبُ لشاةٍ فقلتُ: مَا نَرى الرجلَ الصالحَ إلَّا قدْ
هَلَكَ قَالَ حَمَّادُ: فَحَدَّثَنِي هذَا أوْ غيرُهُ أَنَّهُم حَسَبُوا فَوَجَدُوْهُ
قَدْ هَلَكَ فِي تِلْكَ الليلةِ.
دُعَاءٌ: اللهم يَا حَكَمُ يَا اللهُ أَبْعِدْ عَنَّا
الأَهْوَاءَ الفَاسِدَةَ وَالأَفْكَارَ الْمَوْبُوْءَةَ يَا اللهُ.
([8]) قال ياقوت الحموي: صِفِّيْن: بكسرتين وتشديد الفاء، وهو موضع بقرب الرّقّة على شاطىء الفرات من الجانب الغربي بين
الرّقّة وبالس.اهـ معجم البلدان ج3 ص414.
([9]) وهؤلاء الخوارج بعد ذلك انقسموا إلى عشرين فرقة كل فرقة تكفر
الأخرى، ويكفرون من خالفهم بل وقد تجرأ بعضهم في زمان قريب على القول بأن كل من
على وجه الأرض وتحت أديم السماء كافر حلال الدم إلا جماعتهم حتى المؤذنين على
المنابر والأطفال الصغار والعياذ بالله، فهم يتقربون بدماء المسلمين بزعمهم إلى
الله تعالى، وها هي كثير من بلاد المسلمين تعاني ويلات هذه الأفكار الموبوءة التي
تؤدي إلى تفكك المجمتمعات وانعدام الأمن والأمان وإراقة دماء الأبرياء من المسلمين
نسأل الله أن يرفع البلاء عنهم بجاه سيدنا رسول الله ﷺ.