بيانُ أَنَّ النبيَّ ﷺ لا يَطلبُ
الرحمةَ لكافرٍ عَلِمَ أنَّه ماتَ على الكُفْرِ:
لا يجوزُ اعتقادُ أَنَّ النبيَّ ﷺ
طلبَ الرحمةَ لكافرٍ عَلِمَ أنَّه ماتَ على الكفرِ كما يزعمُ البعضُ أنَّه صلَّى
على عبدِ اللهِ بنِ أبيِّ ابنِ سلول وهوَ يعلمُ أنَّه ماتَ على الكفرِ والعياذُ
باللهِ تعالى، فقدْ أخبرَ اللهُ تعالى نبيَّه في القرءانِ بقولِه: ﱡﭐ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊﱠ([1])
وحاشا أنْ يطلبَ الرسولُ المغفرةَ لكافرٍ ماتَ على الكفرِ، فقد ثبتَ أنَّ النبيَّ ﷺ
كان صلَّى على عبدِ اللهِ بنِ أُبيّ ابن سلول لما ماتَ ولكنَّهُ لم يكنْ يعرِفُ
بأنَّه ماتَ على النفاقِ فنزلتِ الآيةُ: ﭐﱡﭐ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﱠ([2])
أي ماتوا كافرينَ باللهِ تعالى فلا
مغفرةَ لهم ولا ينتفعونَ بدعاءِ داعٍ بعد موتِهم.
فعبدُ اللهِ
بن أُبَيِّ ابنِ سلول رأسُ المنافقينَ في المدينةِ في مرضِ وفاتِه تظاهرَ أنَّه رجَعَ
عن النفاقِ وأظهرَ النَّدَمَ وطلبَ قميصَ النبيِّ ﷺ ليُكَفَّن
بهِ طلبًا لبركةِ رسولِ اللهِ ﷺ، فاعتقدَ
النبيُّ ﷺ إسلامَه ظنَّه مسلمًا فهو ﷺ أَجْرَى
الحكمَ عليه على ظاهرِ أمرِه لذلك عندما ماتَ صلَّى عليه، فالنبيُّ ﷺ لم يعلمْ
تلك الساعةَ أنَّ هذا الرجلَ ما زالَ على الكفرِ فنزلتِ الآيةُ تُبَيِّن أنَّه ما زالَ
منافقًا يعتقدُ الكفرَ ويُظهرُ الإسلامَ، إذْ يستحيلُ على النبيِّ ﷺ أنْ يصليَ
على مشركٍ ويستغفرَ لهُ معَ عِلمِهِ بكفرِه قالَ اللهُ تعالى: ﭐﱡﭐ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱠ([3]). قالَ
الحافظُ ابنُ حجرٍ العسقلانيُّ: “وصلَّى عليهِ إجراءً لهُ على ظاهرِ حكمِ
الإسلامِ “ ([4])
اهـ وقالَ ابنُ عطيةَ الأندلسيُّ([5]):
“ومُحَالٌ أنْ يصلِّيَ –النبيُّ ﷺ– على كافرٍ
ولكنَّه راعى ظواهرَه مِنَ الإقرارِ ووكَّلَ سريرَتَه إلى اللهِ عزَّ وجلَّ“.. إلى أنْ قالَ :”وصلَّى عليهِ
رسولُ اللهِ ﷺ لموضِعِ إظهارِه الإيمانَ ومُحَالٌ
أنْ يصليَ عليه وهو يتحقَقُ كفرَه “([6])اهـ فقد
ثبت في قواعدِ عقائدِ المسلمينَ أن الرسولَ عليه الصلاةُ والسلام معصومٌ مِنَ الكفرِ، والصلاةُ على الكافرِ
معَ اعتقادِ أنَّهُ ماتَ كافرًا تكذيبٌ للقرآنِ وذلك ينافي العِصمةَ، وهذا أيضًا
تلاعبٌ في الدينِ والرسولُ معصومٌ عن ذلك. فالرسولُ ﷺ لم يصلِّ عليه إلا لاعتقادِه تلك الساعةَ أنه ذهب عنه النفاقُ وأخلَصَ في
إسلامِهِ وإيمانِهِ كمَا ذكرَ ذلكَ الحافظُ ابنُ حجرٍ وغيرُه.
فنحنُ
نعلمُ مَا قالَ اللهُ تعالى: ﱡﭐﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫﲬﱠ([7]) وإنَّ النفاقَ في الاعتقادِ مرضٌ قلبيٌّ خبيثٌ ومعناهُ التظاهرُ بالإسلامِ
ظاهرًا وإضمارُ وإبطانُ الكفرِ والضلالِ، فالمنافقونَ مخادعونَ أصحابُ نفوسٍ خبيثةٍ
يدَّعونَ الانتسابَ للإسلامِ ظاهرًا وأمَّا بواطنُهم وقلوبُهم فتعتقدُ الكفرَ
([8])،
وهم متلوِّنونَ كالحِرباءِ يُخادعونَ الناسَ ويُشَكِّكُوْنَ بالحقِّ، ولكنَّ اللهَ
تباركَ وتعالى يعلَمُ خائنةَ الأعينِ وما تُخفي الصدور يعلَم حقيقتَهم لأنَّهُ
سبحانه لا يخفى عليهِ شىءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ لهذا قالَ اللهُ تعالى: ﱡﭐﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲈ ﲉ
ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﲒﱠ([9]).
تنبيهٌ: إذا قالَ لكَ قائلٌ: كيفَ تقولُ إنَّ النبيَّ ﷺ لم يعلمْ أنَّه منافقٌ وقدْ أوحَى اللهُ إليهِ بأسماءِ المنافقينَ في
المدينةِ؟ فقل: إنَّ النبيَّ ﷺ لم يوحَ إليهِ بكلِّ أسماءِ المنافقينَ في المدينةِ كمَا جاءَ في كتابِ
اللهِ تعالى: ﱡﭐﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴﱵﱠ([10]).
([5]) القاضي أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية
المحاربي، ولد سنة ثمانين وأربعمائة واعتنى به والده ولحق به الكبار، توفي في ليلة
خامس عشر رمضان سنة اثنتين وقيل إحدى وقيل ست وأربعين وخمسمائة.اهـ سير أعلام
النبلاء للذهبي ج19 ص587.
([8])
هؤلاء المنافقون في الاعتقاد يتظاهرون بالإسلام من حيث الظاهر
وذكر النبي ﷺ وصفهم فقال: ((إِنَّ
لِلْمُنَافِقِينَ عَلَامَاتٍ يُعْرَفُونَ بِهَا: تَحِيَّتُهُمْ لَعْنَةٌ،
وَطَعَامُهُمْ نُهْبَةٌ، وَغَنِيمَتُهُمْ غُلُولٌ، وَلَا يَقْرَبُونَ الْمَسَاجِدَ
إِلَّا هَجْرًا، وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا دَبْرًا، مُسْتَكْبِرِينَ، لَا
يَأْلَفُونَ وَلَا يُؤْلَفُونَ، خُشُبٌ بِاللَّيْلِ، صُخُبٌ بِالنَّهَارِ)) مسند
أحمد ج 2 ص 268.