والعَطْفُ والتوكيدُ أيضًا والبدلُ *** توابعٌ يُعْرَبنَ إعرابَ الأولْ
وهكذا الوصفُ إذا ضاهى الصّفهْ *** مَوْصوفُها مُنَكَّرًا أوْ مَعرِفَهْ
تقولُ خلّ المَزْحَ والمُجونا *** وأقْبَلَ الحُجَّاجُ أجْمَعونا
وامرُرْ بزيدٍ رَجُلٍ ظريفِ *** واعْطِفْ على سائِلِكَ الضعيفِ
أي أن هذه الأربعة يتبعن ما قبلهن في إعرابه، ومثَّل للعطف بقوله: “خل المزح”، والمجون: بضم الميم وهو الخروج من المزح إلى حد الخَلاعة بذكر ما يستحيا منه، “والمزح”: بفتح الميم، وسيأتي ذكر حروف العطف، ومثَّل للتأكيد بقوله: “وأقبل الحجاج أجمعونا” وهذا في تأكيد الجمع، وتقول: جاء الزيدان كلاهما، والهندان كلتاهما في التثنية، وجاء الأمير نفسه في المفرد، ومثَّل للبدل بقوله: “وامرر بزيد رجل ظريف” فرجل بدل من زيد، وأما ظريف فنعت لرجل مثل {لَنَسْفَعا بالناصيةِ* ناصيةٍ كاذبةٍ خاطِئةٍ} [سورة العلق/15-16] أو بدلٌ ثان، وهذا في بدل الكل من الكل، وتقول في بدل البعض من الكل: أكلت الرغيف أكثره أو نصفه أو نحو ذلك، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وصَمُّوا كثيرٌ مِنهُم} [سورة المائدة/71]، وفي بدل الاشتمال: أعجبني زيد علمه، وقد يبدل الفعل من الفعل نحو: {ومَنْ يَفعلْ ذلكَ يَلْقَ أثامًا* يُضاعَفْ} [سورة الفرقان/68-69]، ومثّل للوصف بقوله: “واعطف على سائلك الضعيف” فالضعيف: نعت للسائل وهو مُضاهٍ للموصوف أي مشابهٌ له في تعريفه كما شرط الشيخ، وكذا تذكيره وإعرابه، وقوله: “ضاهى الصفة” فعل وفاعل بمعنى ضاهت الصفة و”موصوفها” مفعول به، وتقول: مررت برجل ضعيف، فضعيف: وصف لرجل وهو منكر مثلُهُ، ولا يجوز أن يوصف المعرفة بالنكرة ولا النكرة بالمعرفة، وقد اختصر الناظم أحكام هذه التوابع جدًّا ولم يتعرض للبيان لأنه يصح أن يكون بدلاً غالبًا لكنه يكون جامدًا غير مشتق، كجاء زيد أخوك.
والعَطفُ قدْ يدخلُ في الأفعالِ *** كقولهم ثِبْ واسمُ للمعالي
أي وقد يعطف الفعل على الفعل كما يعطف الاسم على الاسم كقام وقعد وثب واسم للمعالي، وعما فعلا أمر من وثب يثب بالمثلثة، وسما يسمو، وأشار بهما إلى وجوب التناسب بين الفعلين بأن يكونا أمرين أو ماضيين أو مضارعين.
وأحرُفُ العطفِ جميعًا عشرهْ *** مَحصورةُ مأثورةٌ مُسْتَطَرهْ
الواوُ والفاءُ وثمَّ لِلْمَهلْ *** ولا وحتى ثمَّ أوْ وأمْ وبلْ
وبعدَها لكِنْ وإما إنْ كُسِرْ *** وجاءَ للتخييرِ فاحْفَظْ ما ذُكِرْ
أي وأحرف العطف عشرة محصورة أي معدودة مأثورة أي منقولة عن العرب مستطرة أي مكتوبة وإنما تعددت لأن لكل حرف منها معنى يخصّه، فالواو وهي أمّ الباب لا تقتضي ترتيبًا، والفاء تقتضيه بلا مهلة، وثم تقتضيه بمهلة، فإذا قلت: جاء زيد وعمرو جاز أن يكون عمرو جاء قبله أو بعده أو معه، وإن قلا: جاء زيد فعمرو أو ثم عمرو وجب أن يكون مجيئه بعد زيد، لكنه كان عقبه مع الفاء من غير مهلة وبمهلة مع ثم، وهذه الثلاثة تقتضي مشاركة المعطوف للمعطوف عليه في الإعراب وفي الحكم أيضًا وهي المجيء مثلاً بخلاف لا ولكن وبل فإنها تشارك المعطوف عليه في الإعراب دون الحكم نحو: جاء زيد لا عمرو، وما جاء زيد بل عمرو. وأما حتى فشرط معطوفها أن يكون بعضًا من المعطوف عليه غايةً له في العلو أو الدنو كقاتل الناس حتى السلطان أو حتى الصبيان، وأما أو فإنها تكون للتخيير في أحد الأمرين كخذ الدينار أو الثوب، وللشك في الأخبار كجاء زيد أو عمرو، ومثلها إما المكسورة بشرط أن تتكرر كقولك: خذ إما الدينار وإما الثوب، وجاء إما زيد وإما عمرو، والعاطفة هي الثانية وخصها الناظم بالتخيير لكونه أشهرَ معانيها، وكونها عاطفة هو مذهب سيبويه والجمهور، وذهب ابن مالك وأتباعه تبعًا لجماعة أنها ليست عاطفة وإنما العاطف الواو التي قبلها، وأما أم فيعطف بها مع همزة التسوية نحو قوله تعالى: {ءَأنْذرتَهُمْ أمْ لم تُنذِرهُم} [سورة البقرة/6] أي إنذارك وعدمه سواء، أو بعد الهمزة التي يطلب بها تعيين أحد الشيئين نحو: أجاء زيد أم عمرو بمعنى أيهما جاء.
تنبيه: يجوز عطف الاسم الظاهر على المضمر لكن إذا عطف على ضمير الرفع المتصل وجب الفصل بينه وبين المعطوف، فتقول: دخلت أنا وزيد، ودخلنا نحن وزيد، ودخلوا هم وزيد، وإذا عطف على الضمير المجرور وجب إعادة الجار مع المعطوف، فتقول: هذا لي ولزيد، ومررت بك وبعمرو، وسألت عنك وعن بكر.