بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلّمه البيان، وأنزل القرءان بأفصح لسان، على نبيّه المبعوث إلى الإنس والجان، محمد المصطفى من عدنان، صلى الله عليه وءاله وسلم على ممرّ الدهور والأزمان، وءاله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد، فهذا شرح علّقته على مُلحة الإعراب وسنخةِ [1] الآداب، اختصرته من شرح ناظمها رحمه الله تعالى وضممت إلى ذلك فوائدَ جمة وزوائد مهمة، واقتصرت فيه على حلّ عباراتها وإيراد أمثلتها وإشاراتها، وتفسير الغريب من لغاتها، والمشكل من إعرابها، بعبارة قريبة إلى الأفهام، ظاهرة للخاص والعام، ليكون تبصرةً للطالب المبتدي، وتذكرة للراغب المنتهي، واللهَ أسألُ أن ينفع به إنه قريب مجيب، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
قال الشيخ الإمام العلامة جمال الدين أبو محمد القاسم بن علي الحريري البصري:
أقولُ مِنْ بعدِ افتِتاحِ القَوْلِ *** بِحَمْدِ ذي الطَّوْلِ الشديدِ الحَوْلِ
إنما افتتح بحمد الله تعالى بعد البسملة اقتداء بكتاب الله العزيز، وسنة نبيه ورسوله صلى الله عليه وءاله وسلم، لأن أوَّلَ القرءان العظيم الحمدُ لله بعد البسملة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالابتداء بعد البسملة بالحمدلة في أوائل الرسائل ونحوها، و”الطَّول” الفضل والسعة، و”الحول” القوة، وإضافة الشديد إليه من باب إضافة الصفة إلى الموصوف أي ذي الحَول الشديد وكذا نظائره كالصحيح المعرفة، والمَقُول المحكيُّ بقوله “أقول” هو يا سائلي إلى ءاخر المنظومة:
وَبَعدَهُ فأفضلُ السلامِ *** على النبيّ سيدِ الأنامِ
وءالِهِ الأطْهارِ خَيْرِ ءالِ *** فاحْفَظْ [2] كلامي واسْتَمِعْ مَقالي
أي بعد افتتاح القول بحمد الله تعالى فأقول “أفضل السلام على النبي” محمد “سيد الأنام” صلى الله عليه وسلم، ولو قال الشيخ وأفضل الصلاة والسلام برفع [3] أفضل أو جره [4] لكان أحسنَ وسيأتي في ختمها الاعتذار عن الشيخ في إفراد اسلام هنا عن الصلاة وإفرادِها عنه هناك، و”الأنام” الخلق وهو صلى الله عليه وءاله وسلم سيّد الخلق فاستغنى بهذا الوصف المتعين له عن اسمه العلم، وإنما فعل ذلك شكرًا له صلى الله عليه وسلم على ما منَّ الله به على عباده من هدايتهم على يديه، “وءاله” هم أهل بيته، و”الأطهار” جمع طاهر كالأصحاب جمع صاحب وقد قال تعالى: {إنًّما يُريدُ اللهُ ليُذهِبَ عنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البيتِ ويُطَهِّرَكُمْ تطهيرًا} [سورة الأحزاب/33]. ثم أمر الطالب بحفظ كلامه بقلبه والاستماع إليه، والكلام والمقال متقاربا المعنى فقال:
يا سائِلي عنِ الكلامِ المُنتَظِمْ *** حَدًّا ونَوعًا وإلى كَمْ يَنْقَسِمْ
أي أقول يا سائلي، وانتصاب “حدًّا ونوعًا” على التمييز، و”المنتظم” المركب كما سيأتي:
اسمعْ هُديتَ الرُّشدَ ما أقولُ *** وافهَمْهُ فهْمَ مَنْ لهُ مَعْقُولُ
أي عقلٌ، ثم بيَّن حد الكلام بقوله:
[1] السنخة: الأصل وأصل الشئ سِنخُهُ، تقول: سِنخ السهم وهو ما دخل من السهم في النصل، والملحة بالضم الطرفة.
[2] في نسخة: “فافهم”.
[3] على الابتداء.
[4] معطوف على بحمد.