إنّه القرضاوي يدعي الاجتهاد وينكر على المقلدين ويدعو العموم إلى الاجتهاد وكما هو معلوم أنّ للاجتهاد ضوابط، ومن أهمّ شروطه المعرفة بالحديث سندًا ومتنًا، والتمييز بين الضعيف والصحيح، وهو يدعي أنّه لا يلتزم غير الصحيح وأحاديثه المتلفزة وكتبه ومقالاته مليئة بالأحاديث الموضوعة والمكذوبة على رسول الله ﷺ، وسنفرد لها بحثًا خاصًّا في هذا الكتاب.
وكان قد أنكر حديث: «ما منكم من أحدٍ إلا ويؤخذُ من قولِهِ ويُترك غير النبي ﷺ». فقد راح على قناة الجزيرة بتاريخ 26/9/1999 يهزأ بسائل استشهد بهذا الحديث وراح يشتمه ويعيره بالجهل وقال هذا الكلام ليس من كلام رسول الله، وكذلك أنكر ثبوت حديث افتراق الأمّة وحديث القدريَّة والمرجئة ومجوس هذه الأمَّة فقال في «مناهج تقريبية» العدد 13 (ص143): «إنّ حديث افتراق الأمّة قد يشوش على الوحدة المفروضة والمنشودة» ويقول: «هذا الحديث إن ثبت» ويقول عن حديث القدرية والمرجئة مجوس هه الأمة (ص147) من المصدر نفسه: «قال أبو محمد هذان حديثان لا يصحان أصلًا من طريق الإسناد وما كان هكذا فليس حجَّة عند من يقول بخبر الواحد فكيف من لا يقول به».اهـ.
الرَّدُّ:
إنّ هذا الحديث رواه الطبرانيّ([1]) بلفظ: «ليس أحد إلا ويؤخَذُ مِن قولِهِ ويُترَكُ غيْرَ النَّبيّ ﷺ» قال الحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي في «شرح الإحياء» ما نصّه([2]): «وقال العراقي: رواه الطبراني في «الكبير» من رواية مالك ابن دينار عن عكرمة، عن ابن عباس رفعه، فساقه بلفظ القوت، وإسناده حسن».اهـ قال الحافظ الهيثمي عن حديث الطبراني([3]). «ورجاله موثقون».اهـ. وهذا دليل على جهلك الكبير بعلم الحديث.
وكذلك قولك قال رسول الله ﷺ: «مَن ءاذى ذمَيًّا فقد ءاذاني» جعلتَه حديثًا وليس لك مستَنَدٌ في ذلك ولعلَّك أوردتَ ذلكَ في كتابك «الحلال والحرام».
ويدلّ على ذلك أيضًا ذكرك في كتابك المسمَّى «غير المسلمين في المجتمع الإسلاميّ» هذا الحديث الذي هو ضعيف بلا خلاف([4]) ولم يصحّحه ولم يحسّنه أحد من علماء الحديث؛ بل هو لم يُورَد إلا بإسناد منقطع أورده ابنُ هشام بإسنادٍ منقطع اتّباعًا لأصل مغازي ابن إسحاق، وابن إسحاق ليس من المعتمدين كما في كتب «الجرح والتعديل»، قال فيه الإمام مالك t في مناسبتين: دجالٌ من الدَّجاجلة.
ثمَّ هذا يخالف الأدلَّة الشرعيَّة الثابتة فقد سمَّى رسول الله ﷺ نفسَه الماحي قال: «وأنا الماحي الذي يمحو الله بيَ الكفر» الحديث، الرسول جاء لمحو الكفر ما جاء لتقرير الكفر فأنت تنسب إليهِ تقرير الكفر وكفاك هذا ضلالًا وتهوُّرًا. وهذا شبيه بما صنعه سيد سابق موافقك في بعض ضلالاتك حيث إنّه استدلّ بحديث: «إنما الأعمال بالنّيات» لما ادعاه من أن الذي يتكلم بكلمات الكفر لا يكفر إلا أن يكونَ شارحًا صدره وناويًا ومعتقدًا فأنتما متشابهان في تحريف دين الله والتّقوّل على الرسول. وفقهاء الإسلام جعلوا هذا الحديث حجةً لقبول الأعمال الحسنة، أي: أنّ الأعمال الحسَنة لا تقبل إلا بالنيَّة.
ومما يشهد لجهلك في علم الحديث زيادتك في حديث «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم» كلمة «ومسلمة» فإنّها لا وجودَ لها في كتب الحديث المعتبَرَة، والحديث أورده المحدثون بدون «ومسلمة».
ويشهد لذلك نفيك صِحَّة حديث افتراق الأمَّة إلى ثلاث وسبعين فرقة، وحديث: «القدرية مجوسُ هذه الأمَّة» فحديث افتراق الأمَّة أخرجه ابن حبّان وصححه الطبراني، وأخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي([5]) ومن لا يُحصى من المحدّثين.
وأما حديث([6]): «القدريَّة مجوسُ هذه الأمَّة» فأبو حنيفة أورده في مَعرِض الاحتجاج به والمجتهد إذا أوردَ حديثًا في مَعرض الاحتجاج به فهو صحيح عنده كما قرّر ذلك في كتب المصطلح. ثم هناك ما يؤيده مما صححه بعض كبار الحفاظ وهو حديث: «صنفان من أمّتي ليس لهما نصيب في الإسلام المرجئة والقدريَّة» رواه الحافظ ابن جرير الطبري في «تهذيب الآثار» وصححه([7])، وابن حزم معروف بالشذوذ فهو الذي قال: إن بال الشخص في الماء حكمه يختلف عما إذا بِيْل في إناء ثم صبّ هذا البول في الماء، جعلتَ هذا حجَّةً في نفي حديثين مشهورين بين علماء الحديث.
فتبيّن لذي عينين من هو الجاهل بالحديث وأنه لما يؤسف له أنه اتصل بك يا قرضاوي شخص تونسي واسمه علي زيتوني بتاريخ 24/10/99 ورد عليك بعلم فأغلقتم الهاتف بوجهه يا أدعياء الديمقراطية والاعتدال والوسطية.
ثم من جهلك قلت عن حديث افتراق الأمة إن هذا الحديث إن ثبت يشوش على الوحدة المفروضة، أتسمي رسول الله مشوشًا؟!!، أم تنسب علماء الأمة الذين أوردوا هذا الحديث في كتبهم للتشويش ولتفريق وحدة الأمة، أم أن هذا الحديث بزعمك يشوش وحدة الأمة في عصرنا فقط!.
يا أيها القرضاوي ألا تخجل وقد ناهزت السبعين حتى وصلت إلى حد أن تطعن برسول الله ﷺ.
[1])) المعجم الكبير (11/339).
[2])) إتحاف السادة المتقين (1/432).
[3])) مجمع الزوائد (1/179).
[4])) انظر: الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة (ص346).
[5])) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السُّنَّة، باب: شرح السُّنَّة، والترمذي في سننه، كتاب الإيمان، باب: ما جاء في افتراق هذه الأمة، وابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب: افتراق الأمم، وابن حبّان في صحيحه. انظر: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان (8/48)، والطبراني في المعجم الأوسط (5/247).
[6])) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السُّنَّة، باب: في القدر، وصححه الحاكم في المستدرك (1/85)، ووافقه الذهبي.
[7])) تهذيب الآثار (2/653).