الإثنين ديسمبر 23, 2024

 

القرضاوي ينكر نبوة سيدنا ءادم u

– القسم السادس –

  • يقول القرضاوي في كتابه المسمّى «وجود الله» ما نصّه([1]): «ما جاء به رسل الله المتتابعون من عهد نوح إلى محمد عليهم الصلاة والسلام».اهـ.
  • ويقول في كتابه المسمّى «الخصائص العامة للإسلام» ما نصّه([2]): «إنها إذن في جوهرها رسالة كل نبي جاء من عند الله منذ عهد نوح إلى محمد».اهـ.
  • ويقول في المصدر نفسه ما نصّه([3]): «ليس عجيبًا إذًا أن يتورط الإنسان في معصية الله وتغلبه شهوته وهواه فقديمًا عصى ءادم أبو البشرية ربه وغره الشيطان»، ثم قال: «لأن معصية ءادم كان سببها الضعف والنسيان».اهـ.

الرَّدُّ:

يبدو بوضوح أن القرضاوي يسير على نهج من أعجب به عنيت رشيد رضا وعلى نهج زميله في حزب الإخوان فيصل مولوي اللذين يريان إيمان منكر نبوة ءادم u.

فلقد لاحظت أن القرضاوي يعد الأنبياء من عهد نوح فمن بعده كما رأيت.

ولاحظت كلامه عن ءادم بكلام لا يقال عن نبي حيث قال: ليس عجيبًا أن يتورط الإنسان في معصية الله (تغلبه شهوته وهواه) هذه العبارة فيها قدح للعصمة وهذا من الضلال أن يقال عن نبي غلبته شهوته وهواه ثم في ءاخر النص نسب لسيدنا ءادم الضعف وهذا لا يليق بنبي، أي: الضعف أو الهوى والشهوة ولاحظنا أنه قال ءادم أبو البشر ولم يقل عنه نبيّ ولا رسول ولا قال ﷺ ولا قال عليه الصلاة والسلام؛ بل اكتفى بتسميته بأبي البشر وهذا تجاهل منه أيضًا لسيدنا إدريس وسيدنا إدريس كان قبل نوح.

وكأنّه جهل أو تجاهل قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} [سورة مريم: 56].

أما نبوّة ءادم فقد اتّفق المسلمون عليها وأجمعوا، ونقل إجماعهم أبو منصور التميمي البغدادي المتوفى سنة 429 هجرية في موضعين من كتابه فقال ما نصّه([4]): «أجمع أصحابُ التواريخ من المسلمين على أنّ عددَ الأنبياء عليهم السلام مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا كما وردت به الأخبار الصحيحة أوّلهم أبونا ءادم u وءاخرهم نبيّنا محمد ﷺ».اهـ.

وقال في موضع ءاخر([5]): «أجمع المسلمون وأهل الكتاب على أنّ أوّل مَن أرسل من النّاس ءادم u».اهـ.

وفي الحديث([6]) عن أبي سعيد الخُدري قال: قال رسول الله ﷺ: «أنا سيّد ولد ءادم يوم القيامة وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبيّ يومئذٍ ءادم فَمَن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أوّل مَن تنشق عنه الأرض ولا فخر».اهـ.

وأما تكفير منكر نبوّته فهو في الفتاوى الهندية([7]) ففيها ما نصّه: «عن أبي جعفر فيمن يقول: ءامنتُ بجميع أنبيائه ولا أعلم أنَّ ءادم نبيٌّ أم لا، يكفر كذا في العتابية».اهـ.

وقال ملا علي القاري في «الفقه الأكبر»([8]) ما نصّه: «والأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلّهم أي جميعهم الشامل لرسلهم ومشاهيرهم وغيرهم أولهم ءادم عليه الصلاة والسلام على ما ثبت بالكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمة فما نُقل عن بعضٍ من إنكار نبوّته يكون كفرًا».اهـ.

وفي قول الله تعالى: {قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّـهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (٢٨) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} الآية [سورة المائدة: 27 – 29] دليل على رسالة ءادم، وأن أبناءه كانوا على شريعة أنزلت على أبيهم، وفي حديث البخاري([9]): «لا تُقتل نفسٌ ظلمًا إلا كان على ابن ءادم الأوّل كِفْلٌ من دمها»، دليل أيضًا لأنّه لو لم يكن مرسلًا إلى أبنائه لم يكونوا مكلفين، فلم يكن يكتب على ابن ءادم الأول ذنب.

وقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه بفضل أبي البشر، ولو كان أولهم ءادم وأبناؤه عائشين بغير شريعة يعملون بها لكانوا كالبهائم ليس لهم ذلك الفضل الذي ناله أبوهم بإسجاد الملائكة له.

وروى ابن حبّان في صحيحه([10]) قال: «أخبرنا محمد بن عمر بن يوسف، حدَّثنا محمّد بن عبد الملك بن زنجويه، حدَّثنا أبو توبة، حدَّثنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام قال: سمعت أبا سلام قال: سمعت أبا أمامة أن رجلًا قال: يا رسول الله أنبيًّا كان ءادم؟ قال: «نعم مكلّم»، قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: «عشرة قرون»».

وفيه([11]) عن أبي ذرّ أنه قال: «قلت: يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: «مائة ألف وعشرون ألفًا» قلت: يا رسول الله كم الرسل من ذلك؟ قال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر جمًّا وغفيرًا» قال: قلت: يا رسول الله من كان أوّلهم؟ قال: «ءادم» قلت: يا رسول الله أنبي مرسل؟ قال: «نعم، خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وكلمه قبلًا». رواه ابن حبان وصحّحه، وكلام من تكلّم في إبراهيم بن هشام بن يحيـى الغسّاني أحد رواة هذا الحديث لا يضر تصحيحه؛ لأن ابن حبان ذكره في كتابه «الثقات»([12]).

ورواه الحافظ ابن حجر في «المطالب العالية»([13]) في عدة مواضع مطوّلًا وعزاه لمحمد بن أبي عمر، ومختصرًا وعزاه لإسحاق بن راهويه([14]).

وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذا الحديث في «شرح البخاري» عازيًا([15]) له لابن حبّان مع ذكر أن ابن حبّان صحّحه ولم ينتقده لكون ذلك الراوي المختلف فيه وجد لحديثه شواهد، وكثير من الأحاديث يكون في إسنادها من هو مختلف في توثيقه ويوجد لحديثه شاهد فيقوى بالشاهد([16]).

وقال في موضع ءاخر([17]): «قوله: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} الآية [سورة ءال عمران: 163]، قيل: قدّم ذكر نوح فيها لأنه أول نبي أرسل أو أول نبي عوقب قومه، فلا يرد كون ءادم أول الأنبياء مطلقًا كما سيأتي بسط القول في ذلك في الكلام على حديث الشفاعة».اهـ.

ويحتم كونه رسولًا أن النبي غير الرسول يكون تابعًا لرسول قبله ولم يكن قبل ءادم بشر حتى يكون فيهم رسول وءادم نبيًّا تابعًا له.

أما حديث البخاري([18]) الذي فيه أن الناس يأتون نوحًا يوم القيامة فيقولون: أنت أوّل الرسل إلى أهل الأرض، فمعناه: أنه أول رسول أُرسل إلى قبائل متعددة؛ لأن من كان قبله لم يكونوا كذلك؛ دلّ على ذلك كلمة «إلى أهل الأرض».

ومن الدليل على رسالة ءادم أنه أحلّ له أن يزوج بنيه من بناته الذكر من هذا البطن من الأنثى من البطن الآخر، ثم نسخ هذا الحكم بموته. ولولا أن فعل ءادم الذي فعله من تزويج بنيه من بناته بوحي أوحي إليه؛ لأنّه رسول من الله لكان ذلك التصرف تصرفًا باطلًا ولكان ذلك كتسافد الحمير، ولكان البشر الأول لا نسب لهم شرعي؛ بل كانوا أبناء زنى، وذلك منافٍ لكرامة ءادم عند الله؛ فنفي رسالة ءادم على الإطلاق تكذيب للدين فهو كفر. فهو كإنكار نبوته الذي نقل الإجماع على أنه كفر غير واحد منهم ابن حزم فقد ذكر: إن المخالف في ذلك متّفق على كفره وذلك في كتابه «مراتب الإجماع»([19]).

[1])) انظر: الكتاب (ص95).

[2])) انظر: الكتاب (ص107).

[3])) انظر: الكتاب (ص19).

[4])) أصول الدين (ص157).

[5])) أصول الدين (ص159).

[6])) أخرجه الترمذي، في كتاب المناقب، باب: في فضل النبي r وقال عقبه: حسن صحيح.

[7])) الفتاوى الهندية (2/263).

[8])) انظر: الفقه الأكبر (ص56).

[9])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب: قول النبي r: «يُعذّب الميت ببعض بكاء أهله عليه» إذا كان النوح من سنته.

[10])) انظر: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (8/24).

[11])) انظر: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (1/287، 289).

[12])) كتاب الثقات (8/79).

[13])) المطالب العالية (3/114).

[14])) المطالب العالية (3/269).

[15])) فتح الباري (6/361).

[16])) قال الشيخ المحدّث حبيب الرحمـٰن الأعظمي الهندي في تعليقه على هذا الحديث قال البوصيري: «رواه الطيالسي وابن أبي شيبة وابن أبي عمر وإسحـٰق بن راهويه وأبو يعلى وأحمد والحـٰرث فذكره مختصرًا وابن حبان فذكره بزيادة طويلة جدًّا».اهـ. انظر: تعليق الشيخ حبيب الرَّحمـٰن على المطالب العالية، لابن حجر العسقلاني (3/114).

[17])) فتح الباري (1/9).

[18])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب: قول الله U: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [سورة المؤمنون: 23].

[19])) مراتب الإجماع (ص173).