الأحد ديسمبر 22, 2024

القرضاوي يرى في الطلاق ءاراءَ ما أنزل الله بها من سلطان فيكفر من طلق ثلاثًا بلفظ واحد ويرى أن طلاق الحائض لا يقع

– القسم الخامس –

فيقول في كتابه المسمّى «الحلال والحرام» (ص200) عن الطلاق: «نرى أن المسلم الذي يجمع هذه المرات الثلاث في مرة واحدة أو لفظة واحدة قد ضاد الله فيما شرعه وانحرف عن صراط الإسلام المستقيم».اهـ.

وقال في المصدر نفسه عن طلاق الحائض (ص198): «وقال طائفة من الفقهاء لا يقع؛ لأنه طلاق لم يشرعه الله تعالى البتة ولا أذن فيه فليس من شرعه فكيف يقال بنفوذه وصحته».اهـ.

وقال في حلقته الشهيرة عما يسمّى بالعلاقات الجنسية بين الزوجين قال جوابًا على سؤال: هل هناك حكم في الشرع أنه إذا أتى الزوج زوجته من دبرها تصبح طالقًا؟ قال القرضاوي: «لا، لا تصبح طالقًا، ولكن هناك بعض الفقهاء قالوا: إن من حق القاضي إذا عرف أن زوجين يفعلان ذلك يطلق المرأة».اهـ.

وفي مجلة المجلة بتاريخ 7/2/98: «سئل الشيخ من أحد عدول المغرب، وهو موظف توثيق عقود الزواج والطلاق، سئل عن شرعية حكم بالطلاق أصدرته محكمة ألمانية لصالح زوجة أحد المسلمين أجاب الشيخ: إن الحكم صحيح ويعتد به؛ لأن الزواج قد يكون مضارًا للزوجة».اهـ.

الرَّدُّ:

إن القرضاوي يعتبر أن من طلق ثلاثًا بلفظ واحد قد ضاد الله وانحرف عن صراط الإسلام المستقيم وهذا التكفير للمطلق بالثلاث ما سُبق به القرضاوي أبدًا وهذا دأبه في تكفير المسلمين.

وأما نقله عن بعض الفقهاء أن القاضي إذا بلغه أن رجلًا يأتي امرأته في دبرها فله أن يطلقها، أي: القاضي فهذا هراء وافتراء ما قاله إلا القرضاوي ولم يقل به إمام معتبر.

وأما إفتاؤه أن قاضيًا غير مسلم حكم بالطلاق لامرأة فاعتبر القرضاوي أن هذا الطلاق صحيح؛ لأنه قد يكون مضارًا للزوجة. وهنا لنا سؤال ومن أين للقاضي المسلم فضلًا عن غير المسلم أن يطلق امرأة من زوجها لمجرد أنها أصابها ضرر منه، نعم القاضي له أن يفسخ في بعض الأحيان العقد لاعتبارات شرعية دقيقة ونادرة ولا يقوم بهذا العمل بين المسلمين إلا القاضي المسلم الفقيه الذي يعرف الأحكام الشرعية فيفسخ على أساسها.

أما قول القرضاوي نقلًا عن ابن تيمية إن طلاق الثلاث بلفظ واحد يقع واحدًا فيقول ابن تيمية في فتاويه عند الكلام على من أوقع طلاقًا ثلاثًا في طهر واحد بكلمة واحدة أو كلمات ما نصّه([1]): «الثالث: أنه محرم ولا يلزم منه إلا طلقة واحدة».اهـ. ثم يقول بعد ذلك: «والقول الثالث هو الذي يدل عليه الكتاب والسُّنَّة».اهـ. ويقول فيه ما نصّه([2]): «وكذلك إذا طلقها ثلاثًا بكلمة أو كلمات في طهر واحد فهو محرَّم عند جمهور العلماء، وتنازعوا فيما يقع بها، فقيل: يقع بها الثلاث، وقيل: لا يقع بها إلا طلقة واحدة، وهذا هو الأظهر الذي يدل عليه الكتاب والسُّنَّة».اهـ. ثم قال: إنه ليس في الأدلة الشرعية: الكتاب، والسُّنَّة، والإجماع، والقياس ما يوجب لزوم الثلاث له([3]).

وأخيرًا: نلاحظ أن ابن تيمية لم يقل أن من طلق ثلاثًا بلفظ واحد فقد ضادَّ الله فيما شرعه وانحرف عن صراطه المستقيم فيمن أين أتى القرضاوي بهذا؟…

ويقول القرضاوي فيه عن الطلاق المعلَّق ما نصّه([4]): «حكمة حكم الحلف بالطلاق باتفاق الفقهاء».اهـ.

ويقول فيه أيضًا عن طلاق الحائض ما نصّه([5]): «وفي وقوعه قولان للعلماء، والأظهر أنه لا يقع».اهـ، وفي موضع يقول([6]): «والأظهر أنه لا يلزم».اهـ.

الرَّدُّ:

المشهور عن ابن تيمية القول بأنه يقع واحدة، ويحكي على ذلك الإجماع، وقد علم أهل العلم أن الإجماع من عهد عمر إلى زمانه منعقد على خلافه قال الحافظ ابن حجر في الفتح بعدما ذكر أجوبة العلماء عن الحديث الذي تمسك بظاهره ابن تيمية، وبعدما حكى خلافًا عن بعض الناس قال في ءاخر البحث([7]): «وفي الجملة فالذي وقع في هذه المسألة نظير ما وقع في مسألة المتعة سواء، أعني قول جابر: إنها كانت تفعل في عهد النبي ﷺ وأبي بكر وصدر من خلافة عمر، قال: ثم نهانا عمر عنها فانتهينا، فالراجح في الموضعين تحريم المتعة وإيقاع الثلاث للإجماع الذي انعقد في عهد عمر على ذلك، ولا يحفظ أن أحدًا في عهد عمر خالفه في واحدة منهما، وقد دل إجماعهم على وجود ناسخ وإن كان خفي عن بعضهم قبل ذلك حتى ظهر لجميعهم في عهد عمر، فالمخالف بعد هذا الإجماع منابذ له، والجمهور على عدم اعتبار من أحدث الاختلاف بعد الاتفاق».اهـ.

أما تعلق ابن تيمية لمسئلة الطلاق الثلاث بما رواه مسلم([8]) عن عبد الله بن عباس أنه قال: «كان الطلاق على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاقُ الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم».

فالجواب: هذا الحديث لا يجوز العمل بظاهره، والجواب عنه: إما أن يقال: إنه ضعيف بالشذوذ كما حكم الإمام أحمد بن حنبل عليه، وقد ذكر ذلك الحافظ ابن رجب الحنبلي في ردّه على من جعل الثلاث بلفظ واحد واحدًا، وبمخالفته لما ثبت عن عبد الله بن عباس أنه أفتى فيمن طلّق بالثلاث دفعة واحدة بأنه ثلاث، وقد تواتر ذلك عن ابن عباس، فقد ذكر البيهقي في السنن الكبرى بأسانيده عن ثمانية من ثقات تلاميذه أنه افتى بذلك([9]).

وإما أن يقال: إنه مؤول بأن معنى «كان الطلاق طلاق الثلاث واحدة» أن البتة كانت تستعمل للطلاق الواحد للتأكيد، ثم صار الناس يستعملونها في أثناء خلافة عمر بقصد الثلاث فأجرى عليهم عمر الحكم على موجَب قصدهم، وبيان ذلك أن قول الناس أنتِ طالق البتة كانت تستعمل في أوّل الأمر بنيّة تأكيد الطلقة الواحدة ثم اشتهرت للطلاق الثلاث، لذلك اختلف فيها مذاهب الأئمة، فكان منهم من يجعل البتة للثلاث، وكذلك أنتِ حرام عليّ وأنت بائن، ومنهم: من يجعلها على حسب القصد، ويدل لذلك أن في بعض نسخ صحيح مسلم: «كانت البتة في عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر وصدر من خلافة عمر واحدة»، كما ذكر ذلك الحافظ أبو بكر بن العربي في كتابه «القَبَس في شرح موطأ مالك بن أنس»([10]).

وأما أن يعارض هذا الحديث بالإجماع المنعقد على أن الثلاث بلفظ واحد ثلاث في عهد عمر، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في ءاخر بحث له واسع في هذه المسألة أي مسألة جمع الثلاث في شرحه على البخاري فقال ما نصه([11]): «فالمخالف بعد هذا الإجماع منابذ له، والجمهور على عدم اعتبار من أحدث الاختلاف بعد الاتفاق».اهـ. وأما ما نقله الحافظ ابن حجر أن ذلك روى عن عليّ وغيره فلم يذكره الحافظ بصيغة الجزم، إنما مراده أن بعض الناس نقل ذلك عن عليّ وغيره، فلا يناقض ما قرّره من الإجماع ءاخر المبحث في ذلك الشرح، فإنه لو كان عنده ثابتًا ذلك النقل عن عليّ ومن ذكر معه لم يختم المبحث بقوله: «المسألة إجماعية».

قال الحافظ تقي الدين السبكي في كتابه «الدرة المضية»([12]) في الرد على ابن تيمية ما نصه: «وكذلك حديث ابن عباس: «كان الطلاق على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر وصدر من خلافة عمر الثلاث واحدة فلما رءاهم عمر قد تتابعوا فيه قال: أجيزوهن عليهم». وهذا الحديث متروك الظاهر بالإجماع ومحمول عند العلماء على معانٍ صحيحة، وقد صحت الرواية عن ابن عباس بخلافه من وجوه عدة».اهـ.

وفي مسائل الإمام أحمد بن حنبل t ما نصّه([13]): «سألته – يعني: لأحمد بن حنبل – عن الرجل يقول لامرأته: أنتِ طالق، أنتِ طالق، أنتِ طالق، قال: إذا أراد أن يُفهمها طلاقها فهي واحدة، وإن كان نوى ثنتين فثنتان، وإن كان نوى ثلاثًا فثلاث».اهـ.

ولم يثبت عن أحد من مجتهدي أهل السُّنَّة الخلاف في هذه المسألة حتى إن ابن تيمية الذي أحيا هذا الخلاف كان صرّح قبل ذلك بأن هذه المسألة إجماعية وقال: إن من خالف فيها كافر، نقل ذلك عنه الحافظ أبو سعيد العلائي.

قال الشيخ أحمد الصاوي المالكي في حاشيته على الجلالين عند قوله تعالى: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ} الآية [سورة البقرة: 230] ما نصّه([14]): «أي: طلقة ثالثة سواء وقعت الاثنتان في مرة أو مرتين، والمعنى فإن ثبت طلاقها ثلاثًا في مرة أو مرات فلا تحل، كما إذا قال لها: أنتِ طالق ثلاثًا أو البتة، وهذا هو المجمع عليه. وأما القول بأن الطلاق الثلاث في مرة واحدة لا يقع إلا طلقة فلم يعرف إلا لابن تيمية من الحنابلة، وقد رد عليه أئمة مذهبه حتى قال العلماء: إنه الضال المضل، ونسبتها للإمام أشهب من أئمة المالكية باطلة».اهـ.

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه «بيان مشكل الأحاديث الواردة في أن الطلاق الثلاث واحدة» ما نصّه: «اعلم أنه لم يثبت عن أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من أئمة السلف المعتد بقولهم في الفتاوى في الحلال والحرام شيء صريح في أن الطلاق الثلاث بعد الدخول يحسب واحدة إذا سيق بلفظ واحد، وعن الأعمش أنه قال([15]): كان بالكوفة شيخ يقول: سمعت علي بن أبي طالب يقول: إذا طلق الرجل امرأته ثلاثًا في مجلس واحد ترد إلى واحدة، والناس عنق واحد إلى ذلك يأتون ويستمعون منه، فأتيته وقلت له: أهل سمعت علي بن أبي طالب يقول؟ قال: سمعت يقول: إذا طلق الرجل امرأته ثلاثًا في مجلس واحد فإنها ترد إلى واحدة، فقلت: أين سمعت هذا من علي؟ فقال: أخرج إليك كتابي، فأخرج كتابه، فإذا فيه بسم الله الرحمـٰن الرحيم هذا ما سمعت علي بن أبي طالب يقول: إذا طلق الرجل امرأته ثلاثًا في مجلس واحد فقد بانت منه، ولا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره. قلت: ويحك هذا غير الذي تقول، قال: الصحيح هو هذا ولكن هؤلاء أرادوني على ذلك».اهـ. ثم ساق ابن رجل حديث الحسن بن علي لما طلق زوجته أنه قال: لولا أني سمعت رسول الله ﷺ جدي، أو سمعت أبي يحدث عن جدي ﷺ أنه قال: «إذا طلق الرجل امرأته ثلاثًا عند الأقراء أو طلقها ثلاثًا مبهمة لم تحل له حتى تنكح زوجًا غيره»؛ لراجعتها وقال: «إسناده صحيح».اهـ.

وقال الإمام المجتهد أبو بكر بن المنذر في كتابه الإجماع ما نصّه([16]): «وأجمعوا على أنه إن قال لها: أنتِ طالق ثلاثًا إلا واحدة، أنها تطليقتين.

وأجمعوا على أنه إن قال لها: أنتِ طالق ثلاثًا إلا ثلاثًا أنها تطلق ثلاثًا».اهـ.

وقال في كتابه «الإشراف» ما نصّه([17]): «وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من طلق زوجته أكثر من ثلاث، أن ثلاثًا منها تحرمها عليه».اهـ.

وقال أبو الوليد محمد بن رشد في كتابه «المقدمات» بعد أن ذكر أن من طلق زوجته ثلاثًا في كلمة واحدة وقع ثلاثًا ما نصّه([18]): «وهو مذهب جميع الفقهاء وعامة العلماء، لا يشذ في ذلك عنهم إلا من لا يعتد بخلافه منهم».اهـ.

وذكر الإمام المجتهد محمد بن الحسن الشيباني قول ابن عباس t لما أتاه رجل فقال: إني طلقت امرأتي ثلاثًا، فقال ابن عباس: «يذهب أحدكم فيتلطخ بالنتن ثم يأتينا، اذهب فقد عصيت ربك، وقد حرمت عليك امرأتك، لا تحل لك حتى تنكح زوجًا غيرك» قال محمد بن الحسن عقبه([19]): «وبه نأخذ، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقول العامة لا اختلاف فيه».اهـ.

وقال القاضي أبو الوليد الباجي المالكي في «شرحه على الموطأ» ما نصّه([20]): «فرع: إذا ثبت ذلك فمن أوقع الطلاق الثلاث بلفظة واحدة لزمه ما أوقعه من الثلاث، وبه قال جماعة من الفقهاء، وحكى القاضي أبو محمد في إشرافه عن بعض المبتدعة يلزمه طلقة واحدة، وعن بعض أهل الظاهر لا يلزمه شيء، وإنما يروى هذا عن الحجاج بن أرطأة ومحمد بن إسحـٰق. والدليل على ما نقوله إجماع الصحابة؛ لأن هذا مروي عن ابن عمرو عمران بن حصين وعبد الله بن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وعائشة y، ولا مخالف لهم».اهـ.

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ما نصّه([21]): «وعن ابن بطة أنه قال: لا يفسخ نكاحٌ حكم به قاضٍ إذا كان قد تأوَّل فيه تأويلًا، إلا أن يكون قضى لرجل بعقد متعة، أو طلق ثلاثًا في لفظ واحدٍ وحكم بالمراجعة من غير زوج، فحكمه مردودٌ، وعلى فاعله العقوبة والنَّكال».اهـ.

وذكر الشيخ ابن قدامة المقدسي الحنبلي ما نصّه([22]): «وقال الأثرم: سألت أبا عبد الله – يعني: الإمام أحمد بن حنبل – عن حديث ابن عباس: بأي شيء تدفعه فقال: أدفعه برواية الناس عن ابن عباس من وجوهٍ خلافه، ثم ذكر عن عدة عن ابن عباس من وجوهٍ أنها ثلاث».اهـ.

وأخرج البيهقي([23]) عن مسلمة بن جعفر أنه قال لجعفر بن محمد الصادق: إن قومًا يزعمون أن من طلق ثلاثًا بجهالة رد إلى السُّنَّة، ويجعلونها واحدة يروونها عنكم، قال: معاذ الله، ما هذا من قولنا، من طلق ثلاثًا فهو كما قال.

وأما قول القرضاوي: إن طلاق الحائض لا يقع فهذه من ابن تيمية أيضًا وهو مردود أيضًا، فإن البخاري بوَّب في صحيحه([24]): «باب إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق». وأكثر تمسك لهم حديث ابن عمر t أنه طلق امرأته وهي حائض فأمره النبي ﷺ أن يراجعها، وقد أجاب عنه الحافظ ابن حجر في شرح البخاري فذكر فيه ما نصّه([25]): «وأجاب – أي: النووي – عن ابن عمر بالمراجعة بأن ابن عمر كان اجتنبها فأمره أن يعيدها إليه على ما كانت عليه من المعاشرة فحمل المراجعة على معناها اللغوي، وتعقب بأن الحمل على الحقيقة الشرعية مقدم على اللغوية اتفاقًا، وأجاب عن قول ابن عمر «حسبت علي بتطليقة» بأنه لم يصرح بمن حسبها عليه، ولا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ، وتعقب بأنه مثل قول الصحابي: «أمرنا في عهد رسول الله ﷺ بكذا» فإنه ينصرف إلى من له الأمر حينئذٍ وهو النبي ﷺ، كذا قال بعض الشراح، وعندي أنه لا ينبغي أن يجيء فيه الخلاف الذي في قول الصحابي أمرنا بكذا فإن ذاك محله حيث يكون اطلاع النبي ﷺ على ذلك ليس صريحًا، وليس كذلك في قصة ابن عمر هذه، فإن النبي ﷺ هو الآمر بالمراجعة وهو المرشد لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك، وإذا أخبر ابن عمر أن الذي وقع منه حسبت عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها عليه غير النبي ﷺ بعيدًا جدًّا مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك، وكيف يتخيل أن ابن عمر يفعل في القصة شيئًا برأيه وهو ينقل أن النبي ﷺ تغيظ من صنيعه كيف لم يشاوره فيما يفعل في القصة المذكورة؟! وقد أخرج ابن وهب في مسنده عن ابن أبي ذئب أن نافعًا أخبره «أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر رسول الله ﷺ عن ذلك فقال: «مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر» قال ابن أبي ذئب في الحديث عن النبي ﷺ: «وهي واحدة» قال ابن أبي ذئب: وحدَّثني حنظلة بن أبي سفيان أنه سمع سالمًا يحدث عن أبيه، عن النبي ﷺ بذلك، وأخرجه الدارقطني من طريق يزيد بن هارون، عن ابن أبي ذئب وابن إسحـٰق جميعًا عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ قال: «هي واحدة»، وهذا نص في موضع الخلاف فيجب المصير إليه. وقد أورده بعض العلماء على ابن حزم فأجابه بأن قوله: «هي واحدة» لعله ليس من كلام النبي ﷺ، فألزمه بأنه نقض أصله؛ لأن الأصل لا يدفع بالاحتمال. وعند الدارقطني في رواية شعبة عن أنس بن سيرين، عن ابن عمر في القصة: «فقال عمر: يا رسول الله أفتحتسب بتلك التطليقة؟ قال: «نعم»، ورجاله إلى شعبة ثقات. وعنده من طريق سعيد بن عبد الرحمـٰن الجمحي عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: «أن رجلًا قال: إني طلقت امرأتي البتة وهي حائض، فقال: عصيت ربك، وفارقت امرأتك. قال فإن رسول الله ﷺ أمر ابن عمر أن يراجع امرأته، قال: إنه أمر ابن عمر أن يراجعها بطلاق بقي له، وأنت لم يبق ما ترتجع به امرأتك» وفي هذا السياق رد على من حمل الرجعة في قصة ابن عمر على المعنى اللغوي.

وقد روى البيهقي في السنن([26]) أن رجلًا أتى عمر t فقال: «إني طلقت امرأتي، يعني: البتة وهي حائض، قال: عصيتَ ربك وفارقت امرأتك، فقال الرجل: فإن رسول الله ﷺ أمر ابن عمر رضي الله عنهما حين فارق امرأته أن يراجعها فقال له عمر t: إن رسول الله ﷺ أمره أن يراجع امرأته لطلاق بقي له، وإنه لم يبق لك ما ترتجع به امرأتك».

وقال الشافعي رحمه الله([27]): «بيّن يعني في حديث ابن عمر أن الطلاق يقع على الحائض؛ لأنه إنما يؤمر بالمراجعة من لزمه الطلاق، فأما من لم يلزمه الطلاق فهو بحاله قبل الطلاق».اهـ.

قال الحافظ الزبيدي في شرح الإحياء ما نصّه([28]): «إذا طلقت الحائض يعتد بذلك الطلاق، أجمع على ذلك أئمة الفتوى».اهـ.

([1]) مجموع فتاوى (33/8 – 9).

([2]) مجموع فتاوى (33/71).

([3]) مجموع فتاوى (33/92).

([4]) مجموع فتاوى (33/46).

([5]) مجموع فتاوى (33/66).

([6]) مجموع فتاوى (33/71).

([7]) فتح الباري (9/365).

([8]) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب: طلاق الثلاث.

([9]) الثمانية هم: عكرمة مولى ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، ومالك بن الحارث، ومحمد بن إياس بن البكير، ومعاوية بن أبي عياش الأنصاري. انظر: سنن البيهقي (7/237).

[10])) القبس في شرح الموطأ مالك بن أنس (2/724).

[11])) فتح الباري (9/365).

[12])) الدرة المضية في الرد على ابن تيمية (ص22، 23).

[13])) مسائل الإمام أحمد (1/224).

[14])) حاشية الصاوي (1/107).

[15])) السنن الكبرى، للبيهقي (7/339، 340).

[16])) الإجماع (ص103).

[17])) الإشراف (4/165).

[18])) المقدمات الممهدات (ص385).

[19])) الآثار (ص105).

[20])) المنتقى شرح الموطأ (4/3).

[21])) جامع العلوم والحكم (2/255).

[22])) المغني والشرح الكبير (8/244، 245).

[23])) السنن الكبرى (7/340).

[24])) صحيح البخاري، كتاب الطلاق، باب: إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق.

[25])) فتح الباري (9/353، 354).

[26])) السنن الكبرى (7/334).

[27])) السنن الكبرى (7/325).

[28])) إتحاف السادة المتقين (5/396).