يقول القرضاوي في كتابه المسمّى «الإيمان والحياة» (ص238): «إن من يخشى غير الله فهو مشرك وجاعل غيرهُ أهلًا للخوف والطاعة وهذا ما لا يجتمع مع التوحيد أبدًا».اهـ.
الرَّدُّ:
هذا الإطلاق فاسد؛ لأن الخشية من غير الله نوعان: خشية على اعتقاد أن له حق الألوهية كخشية عبَّاد الأوثان لأوثانهم، والأخرى هي الخشية من مخلوق من ضرره من غير اعتقاد أنه يستحق التذلل له كالتذلل لله، وهذا لا ينافي الإيمان والتوحيد، والآيات في هذا كثيرة وعبارة العلماء والفقهاء طافحة بذلك.
فمن يجعل مطلق الخشية كفرًا فهو الكافر؛ لأنه كفَّر الأمة.
ومن جملة عبارة الفقهاء في كتب المذاهب الأربعة أن المسلمين يجوز لهم ترك التمادي في قتال الكفار في الحرب إذا خشوا أن يُصطلموا ولو بدفع مال لهم، ومثل هذا كثير في عبارتهم.
فهذا القائل بالإطلاق أي بأن الخشية من غير الله كفر بدون تفصيل فقد شرع شرعًا جديدًا لم ينزل له به من سلطان.
ثم إن القرضاوي بهذه الفتوى الخبيثة يكفر سيدنا زكريا u الذي قال الله حاكيًا عنه: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي} [سورة مريم: 5].
وفيه تكفير لسيدنا موسى u قال تعالى: {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ} [سورة الشعراء: 21]، وقال: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} [سورة القصص: 21]، وقال عن موسى وهارون {قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا} [سورة طه: 45].
وتكفير لسيدنا داود u قال تعالى: {إذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ} [سورة ص: 22].
وتكفير لسيدنا إبراهيم u قال تعالى: {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَف} [سورة الذاريات: 28].
وتكفير لصحابة رسول الله ﷺ قال تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ} [سورة الأنفال: 26].
وقال أيضًا: {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [سورة الأحزاب: 10، 11].