يذكر القرضاوي في كتابه المسمّى «ظاهرة الغلو في التكفير»([1]) كلامًا نقله عن بعض الأشخاص مقرًا وموافقًا له، ونص عبارته: «فلا بدّ من شرح الصدر بالكفر وطمأنينة القلب به وسكون النفس إليهِ، فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشرك لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام، ولا اعتبار بصدور فعل كفريّ لم يُرد به فاعله الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر ولا اعتبار بلفظ يلفظ به المسلم يدل على الكفر ولا يعتقد معناه».اهـ.
الرَّدُّ:
إنَّ القرضاوي فتح أوسع أبواب الكفر للناس فها هو يدعوهم إلى جهنَّم حيث اشترط للوقوع بالكفر شروطًا ما قال بها أحدٌ من المسلمين سوى الضالّ سيد سابق فلو أنّ شخصًا سبّ القرضاوي فهل يسأله هل أن منشرح الصدر؟ هل أنتَ مطمئن وساكن النفس لهذا الكلام؟ هل تعتقد هذا الكلام؟
لا والله لا يقول ذلكَ؛ بل يسبّ من سبّه من غير أن يسأله عن نيّته فإن كان القرضاوي لا يرضى ذلك لنفسه فكيف يرضاه لربّه.
إننا نشاهد القرضاوي في بعض الأحيان على الفضائيات يسب السائلين ويشتمهم ويرميهم بالجهل وقلة العلم والسخافة مع أنهم لا يسيئون إليهِ قيد أنملة.
فأنت أفتيت بغير علم يا من تدّعي الاجتهاد ألغيتَ يا قرضاوي الآية التي فيها حكم المكره وهي: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} الآية [سورة النحل: 106]. أعطت في المكره حكمين حكم يحكم عليه فيها بالكفر وحكم لا يحكم عليه بالكفر.
الحالة الأولى: إذا أكره بالقتل على كلمة الكفر أو فعل الكفر وهو شارح صدره بالكفر الذي أكره عليه.
والحالة الثانية: التي لا يحكم عليه بالكفر هو إذا ما قاله كلمة الكفر أو فَعَلَ فِعْلَ الكفْرِ كالسجود للشمسِ أو الصنم وهو غير شارح صدره بالكفر الذي تكلم به أو فعله ببدنه، هذا الحكم المأخوذ من الآية بالنسبة للمكره؛ أي: المهدد بالقتل على أن يكفر وأما غير المكره فليس داخلًا تحت الآية؛ بل يحكم عليه بالكفر لمجرد النطق بكلمة الكفر أو السجود للشمس أو الصنم إن كان شارحًا صدره بهذا أو غير شارح صدره هذا الذي أجمع عليه علماء الإسلام.
هذه كتب المذاهب الأربعة التي بين أيدي المسلمين لم يذكر فيها اشتراط شرح الصدر لغير المكره؛ بل نصّ الإمام المجتهد الحافظ المطلق ابن جرير الطبري في «تهذيب الآثار» بأنّ المسلم قد يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروجَ منه إلى دين غيره، وكذلك الحافظ الكبير أبو عوانةَ الذي عمل مستخرجًا على البخاريّ. وعلى هذا جرى عمل الصحابة من ذلكَ ما فعله الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري والصحابي الجليل معاذ بن جبل اللذين أرسلهما رسولُ الله ﷺ قاضيين على اليمينِ فقد روى البخاريّ([2]) أنّ أبا موسى حبسَ يهوديًا ارتدّ بعد أن أسلمَ فجاء معاذ بن جبل إليهِ فلمَّا رأى هذا اليهوديّ وهو مقيّد قال: ما شأن هذا؟! فقيل له يهوديّ أسلمَ ثمّ ارتدَ فقيل له انزل – أي: عن دابتك – فقال: لا أنزل حتى يقتل هذا فقتل فنزل معاذُ بن جبل عن بغلته، فهل سأل واحد منهما اليهوديّ هل كنتَ شارحًا صدرك لعلك لم تكن شارحًا صدرك إنما تلفظت فقط، كذلك سيدنا أبو بكر لما وجه جيشًا للذين ارتدوا من بني حنيفة وبني يربوع وكندة فلم يسأل هو ولا أمير الجيش الذي أمره خالد بن الوليد أولئك المرتدين هل كان تلفظكم بالكفر وأنتم شارحون صدرًا أم لا. ولا يوجد في كتب التواريخ الإسلامية أن حاكمًا من حكام المسلمين شهد عنده شاهان أن فلانًا ارتد ثم استدعاه الحاكم فقال الحاكم للذي شُهد عليه بالرّدة هل كنت شارحًا صدرك حين وقعت في الكفر وهل كنت ناويًا الخروج من دين الإسلام إلى غيره، اعلم يا قرضاوي أنك لا تستطيع أن تثبت أن حاكمًا من حكام المسلمين فعل هذا؛ بل المعروف عندهم أنه إن شهد على إنسان بالكفر يستدعيه الحاكم فإن أنكر يقول شهد عليك شاهدان عدلان عندنا فإما أن ترجع عن كفرك وتدخل في الإسلام وإلا قتلتك، فإن لم يرجع بعد ثلاثة أيام صار فرضًا عليه أن يقتله لقول الرسول ﷺ: «مَنْ بدَّل دينَه فاقتلوه» رواه البخاري وغيره([3])، فعند علماء الإسلام وحكامه المرتدّ حكمه أن يقتل ولا يشترط أن يكون محاربًا أو غير محارب، فقد كذب وافترى من قال إنه تشترط الحرابة وحرّف دينَ الله وخرج عن الإسلامِ وأهله.
ثمَّ أين تذهب يا قرضاوي بحديث رسول الله ﷺ الذي رواه البخاري([4]): «إنَّ العبدَ ليتكلَّم بالكلمةِ ما يتبيَّن فيها»، وفي رواية: «لا يلقي لها بالًا»، وفي رواية: «لا يرى بِها بأسًا يهوي بها في النارِ أبعدَ ممَّا بينَ المشرق والمغرب» وفي رواية الترمذي([5]): «يهوي بها في النّار سبعين خريفًا»؟!
وقد قال ابن حجر في «فتح الباري»([6]) وفيه أي حديث الخوارج قال: «وفيه أنّ من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه ومن غير أن يختار دينًا على دينِ الإسلامِ».
ثمَّ ما تقول بهذه الآيةِ الصريحة: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [سورة التوبة: 65، 66]، فهؤلاء وبحسب كلامك هؤلاء ما اعتقدوا فما كفروا، ولا انشرحت صدورهم للكفر ولا اطمأنت ولا سكنت له؛ بل قالوا: إنهم يلعبون ومع ذلكَ فالله ردّ عليهم، ويتضمن ذلك ردًّا عليكَ وعلى سيّد سابق بقوله: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}.
[1])) انظر: الكتاب (ص95).
[2])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي: باب: بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع.
[3])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب: لا يعذّب بعذاب الله، وفي كتاب استتابة المرتدين، باب: حكم المرتد والمرتدة، وأبو داود في سننه: كتاب الحدود، باب: الحكم فيمن ارتد، والترمذي في سننه، كتاب الحدود، باب: ما جاء في المرتد.
[4])) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب: حفظ اللسان.
[5])) أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الزهد، باب: فيمن تكلم بكلمة يضحك بها الناس.
[6])) انظر: الكتاب (12/301، 302).