الأربعاء ديسمبر 11, 2024

(صِفَاتُ اللَّهِ الثَّلاثَ عَشْرَةَ) الَّتِى يَجِبُ مَعْرِفَتُهَا عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ

   (جَرَتْ عَادَةُ الْعُلَمَاءِ الْمُؤَلِّفِينَ فِى الْعَقِيدَةِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى قَوْلِهِمْ إِنَّ الْوَاجِبَ الْعَيْنِىَّ الْمَفْرُوضَ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَىِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ ثَلاثَ عَشْرَةَ صِفَةً الْوُجُودَ وَالْقِدَمَ) أَىِ الأَزَلِيَّةَ (وَالْمُخَالَفَةَ لِلْحَوَادِثِ) أَىْ عَدَمَ مُشَابَهَتِهَا (وَالْوَحْدَانِيَّةَ) فِى الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالأَفْعَالِ (وَالْقِيَامَ بِنَفْسِهِ) أَىْ عَدَمَ الْحَاجَةِ إِلَى الْغَيْرِ (وَالْبَقَاءَ) بِلا انْتِهَاءٍ (وَالْقُدْرَةَ) عَلَى كُلِّ شَىْءٍ (وَالإِرَادَةَ) الشَّامِلَةَ (وَالْحَيَاةَ وَالْعِلْمَ) بِكُلِّ شَىْءٍ (وَالْكَلامَ وَالسَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَ)زَادَ بَعْضُهُمْ سَبْعَ صِفَاتٍ يَأْتِى بَيَانُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِوُجُوبِ مَعْرِفَتِهَا بَلِ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ مُجْمِعُونَ عَلَى وُجُوبِ مَعْرِفَةِ هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلاثَ عَشْرَةَ الْقَائِمَةِ بِذَاتِ اللَّهِ أَىِ الثَّابِتَةِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ حِفْظُ أَلْفَاظِهَا وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وُجُوبَ مَعْرِفَةِ هَذِهِ الصِّفَاتِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ مِنْهُمُ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْمُتَأَخِّرُونَ بِذِكْرِ الْعَدَدِ. وَقَالُوا أَىِ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ (إِنَّهُ يَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ مَا يُنَافِى هَذِهِ الصِّفَاتِ. وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ ذُكِرَتْ كَثِيرًا فِى النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ) مِنْ قُرْءَانٍ وَحَدِيثٍ بِحَيْثُ كَانَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا لِكُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (قَالَ الْعُلَمَاءُ يَجِبُ مَعْرِفَتُهَا وُجُوبًا عَيْنِيًّا أَىْ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ بِعَيْنِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِوُجُوبِ مَعْرِفَةِ عِشْرِينَ صِفَةً فَزَادُوا سَبْعَ صِفَاتٍ مَعْنَوِيَّةً قَالُوا وَ)هِىَ (كَوْنُهُ تَعَالَى قَادِرًا وَمُرِيدًا وَحَيًّا وَعَالِمًا وَمُتَكَلِّمًا وَسَمِيعًا وَبَصِيرًا. وَالطَّرِيقَةُ الأُولَى هِىَ الرَّاجِحَةُ) لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ تَسْمِيَةِ هَذِهِ السَّبْعِ صِفَاتٍ وَالْقَوْلِ بِوُجُوبِ مَعْرِفَتِهَا أَنْ يَعْقِلَ الشَّخْصُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِالْقُدْرَةِ مَثَلًا وَأَنَّهَا قَائِمَةٌ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهَذَا يُعْلَمُ بِمَعْرِفَةِ الصِّفَاتِ الثَّلاثَ عَشْرَةَ فَلا حَاجَةَ لِلتَّكْرَارِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى مُجَرَّدِ ذَلِكَ فَيَظْهَرُ ضَعْفُ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ مَعْرِفَتِهِ عَيْنًا أَكْثَرَ إِذْ لا دَلِيلَ عَلَيْهِ.

   وَالصِّفَاتُ الثَّلاثَ عَشْرَةَ مِنْهَا صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ وَهِىَ الْوُجُودُ وَثَمَانِ صِفَاتٍ هِىَ صِفَاتُ مَعَانٍ الْقُدْرَةُ وَالإِرَادَةُ وَالْعِلْمُ وَالْحَيَاةُ وَالْبَقَاءُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْكَلامُ وَكُلٌّ مِنْهَا مَعْنًى قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ لَهُ وُجُودٌ زَائِدٌ عَلَى إِثْبَاتِ الأَذْهَانِ لَهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ رُؤْيَتُهَا لَوْ كُشِفَ الْحِجَابُ عَنِ الْعَبْدِ إِذْ إِنَّ الشَّىْءَ لَهُ وُجُودَاتٌ أَرْبَعَةٌ وُجُودٌ فِى الْحَقِيقَةِ وَوُجُودٌ فِى الأَذْهَانِ وَهُوَ إِدْرَاكُ الْعَقْلِ لِمَعْنَى الْحَقِيقَةِ وَوُجُودٌ فِى اللِّسَانِ وَهُوَ ذِكْرُ اللِّسَانِ الْحَقِيقَةَ وَوُجُودٌ بِالْبَنَانِ وَهُوَ كِتَابَةُ الْبَنَانِ الْحَقِيقَةَ وَالصِّفَاتُ الأَرْبَعُ الْبَاقِيَةُ تُسَمَّى صِفَاتٍ سَلْبِيَّةً وَهِىَ الْقِدَمُ وَالْوَحْدَانِيَّةُ وَالْقِيَامُ بِالنَّفْسِ وَالْمُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِثِ وَكُلٌّ مِنْهَا هُوَ سَلْبُ أَىِ انْتِفَاءُ نَقْصٍ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْقِدَمُ هُوَ انْتِفَاءُ الْحُدُوثِ وَالْوَحْدَانِيَّةُ هِىَ انْتِفَاءُ الشَّرِيكِ وَالْقِيَامُ بِالنَّفْسِ هُوَ انْتِفَاءُ الْحَاجَةِ وَالْمُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِثِ هِىَ انْتِفَاءُ الشَّبِيهِ وَالْمَثِيلِ.

   وَزَادَ بَعْضُهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ سَبْعَ صِفَاتٍ أَوْجَبُوا مَعْرِفَتَهَا سَمَّوْهَا صِفَاتٍ مَعْنَوِيَّةً وَهِىَ كَوْنُهُ تَعَالَى عَالِمًا وَكَوْنُهُ قَادِرًا وَكَوْنُهُ مُرِيدًا وَكَوْنُهُ حَيًّا وَكَوْنُهُ سَمِيعًا وَكَوْنُهُ بَصِيرًا وَكَوْنُهُ مُتَكَلِّمًا وَسُمِّيَتْ مَعْنَوِيَّةً لِأَنَّ تَعَقُّلَهَا فرعُ تَعَقُّلِ صِفَاتِ الْمَعَانِى السَّبْعِ لِأَنَّ الصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةَ لازِمَةٌ لِصِفَاتِ الْمَعَانِى فَمَنْ قَالَ بِالْحَالِ وَأَثْبَتَهَا قَالَ إِنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ عَالِمًا صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى قِيَامِ الْعِلْمِ بِالذَّاتِ وَهَذَا مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ وَمَنْ قَالَ بِنَفْىِ الأَحْوَالِ وَأَنَّهُ لا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الأَشْعَرِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فَالصِّفَاتُ الَّتِى تَقُومُ بِالذَّاتِ عِنْدَهُ هِىَ صِفَاتُ الْمَعَانِى وَأَمَّا هَذِهِ فَعِبَارَةٌ عَنْ قِيَامِ صِفَاتِ الْمَعَانِى بِالذَّاتِ فَمَعْنَى كَوْنِهِ عَالِمًا مَثَلًا هُوَ قِيَامُ الْعِلْمِ بِهِ وَلَيْسَ لِذَلِكَ مَعْنًى زَائِدٌ يَتَّصِفُ الذَّاتُ بِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ عِدَّةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ إِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مَعْرِفَتُهُ ثَلاثَ عَشْرَةَ صِفَةً مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ اتِّصَافِهِ تَعَالَى بِالْحَيَاةِ مَثَلًا يُفْهَمُ مِنْهُ كَوْنُهُ حَيًّا وَمَعْرِفَةَ اتِّصَافِهِ بِالْقُدْرَةِ يُفْهَمُ مِنْهُ كَوْنُهُ قَدِيرًا وَهَكَذَا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ.

الصِّفَةُ الأُولَى (الْوُجُودُ)

   (اعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَوْجُودٌ أَزَلًا وَأَبَدًا) قَالَ الإِمَامُ الأَشْعَرِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ وُجُودَهُ تَعَالَى هُوَ عَيْنُ ذَاتِهِ اﻫ فَعَلَى مَذْهَبِهِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ يَكُونُ عَدُّهُ صِفَةً تَسَامُحًا لِأَنَّ الذَّاتَ لَيْسَ صِفَةً لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْوُجُودُ يُوصَفُ بِهِ الذَّاتُ فِى اللَّفْظِ فَيُقَالُ ذَاتُ اللَّهِ أَوْ ذَاتُ مَوْلانَا جَلَّ وَعَزَّ مَوْجُودٌ صَحَّ أَنْ يُعَدَّ صِفَةً عَلَى الْجُمْلَةِ فَعِنْدَ الإِمَامِ الأَشْعَرِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ هُنَاكَ حَقَائِقُ مُتَخَالِفَةٌ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَفْظُ الْوُجُودِ فَمِنْ ثَمَّ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ وُجُودَ الشَّىْءِ عَيْنُهُ. وَذَاتُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا بِدَايَةَ لَهُ (فَلَيْسَ وُجُودُهُ تَعَالَى بِإِيجَادِ مُوجِدٍ) لِأَنَّ الْمُحْتَاجَ إِلَى الْمُوجِدِ هُوَ الْحَادِثُ الَّذِى لِوُجُودِهِ بِدَايَةٌ وَأَمَّا الَّذِى لَمْ يَسْبِقْ وُجُودَهُ عَدَمٌ فَلا يَحْتَاجُ إِلَى مُحْدِثٍ يُحْدِثُهُ (وَقَدِ اسْتَنْكَرَ بَعْضُ النَّاسِ قَوْلَ اللَّهُ مَوْجُودٌ لِكَوْنِهِ) أَىْ لِكَوْنِ لَفْظِ مَوْجُودٍ (عَلَى وَزْنِ مَفْعُولٍ) فَيَقْتَضِى بِزَعْمِهِمْ وُقُوعَ الْفِعْلِ عَلَيْهِ وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ فِى حَقِّهِ تَعَالَى (وَالْجَوَابُ أَنَّ مَفْعُولًا قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ فِعْلُ الْغَيْرِ كَمَا نَقُولُ اللَّهُ مَعْبُودٌ) وَكَمَا يُقَالُ فُلانٌ مَزْهُوٌّ أَىْ مُتَكَبِّرٌ مُتَعَاظِمٌ فِى نَفْسِهِ (وَ)لا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى وُقُوعِ فِعْلٍ عَلَيْهِ فَالْحَقِيقَةُ أَنَّ (هَؤُلاءِ) الْمُسْتَنْكِرِينَ مُتَشَبِّهُونَ بِأَهْلِ الْعِلْمِ (ظَنُّوا بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّ لَهُمْ نَصِيبًا فِى عِلْمِ اللُّغَةِ وَلَيْسُوا كَمَا ظَنُّوا. قَالَ اللُّغَوِىُّ الْكَبِيرُ شَارِحُ الْقَامُوسِ) الْحَافِظُ الْمُحَدِّثُ الْفَقِيهُ مُحَمَّدُ مُرْتَضَى (الزَّبِيدِىُّ) الشَّرِيفُ الْحُسَيْنِىُّ (فِى شَرْحِ الإِحْيَاءِ مَا نَصُّهُ وَالْبَارِئُ تَعَالَى مَوْجُودٌ فَصَحَّ أَنْ يُرَى) اﻫ (وَقَالَ الْفَيُّومِىُّ اللُّغَوِىُّ صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ) أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الْهَمْدَانِىُّ (الْمَوْجُودُ خِلافُ الْمَعْدُومِ) اﻫ فَالْعِبْرَةُ بِكَلامِ أَهْلِ الْعِلْمِ الثِّقَاتِ فِى النَّقْلِ عَنِ الْعَرَبِ الْقُدَمَاءِ أَهْلِ اللُّغَةِ لا بِمَنْ يَتَطَفَّلُ عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمٍ.

الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ (الْقِدَمُ)

   (يَجِبُ لِلَّهِ) تَعَالَى (الْقِدَمُ بِمَعْنَى الأَزَلِيَّةِ) أَىِ انْتِفَاءِ الْبِدَايَةِ أَىْ أَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَسْبِقْ وُجُودَهُ عَدَمٌ (لا بِمَعْنَى تَقَادُمِ الْعَهْدِ وَ)طُولِ (الزَّمَنِ لِأَنَّ) مُتَقَادِمَ الْعَهْدِ لِوُجُودِهِ بِدَايَةٌ فَيَحْتَاجُ إِلَى مُوجِدٍ أَوْجَدَهُ وَخَالِقٍ أَبْدَعَهُ فَيَكُونُ مُحْدَثًا مَخْلُوقًا مُحْتَاجًا إِلَى خَالِقٍ خَلَقَهُ وَأَمَّا (لَفْظُ الْقَدِيمِ وَالأَزَلِىِّ إِذَا أُطْلِقَا عَلَى اللَّهِ كَانَ الْمَعْنَى) فِى هَذِهِ الْحَالِ (أَنَّهُ لا بِدَايَةَ لِوُجُودِهِ) سُبْحَانَهُ (فَيُقَالُ) عَلَى هَذَا الْمَعْنَى (اللَّهُ أَزَلِىٌّ اللَّهُ قَدِيمٌ وَإِذَا أُطْلِقَا عَلَى الْمَخْلُوقِ كَانَا بِمَعْنَى تَقَادُمِ الْعَهْدِ وَالزَّمَنِ) كَمَا (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى الْقَمَرِ) فِى سُورَةِ يس (﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾) أَىْ كَعِذْقِ النَّخْلِ الَّذِى مَضَى عَلَيْهِ زَمَانٌ طَوِيلٌ فَيَبِسَ وَتَقَوَّسَ (وَقَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ) الْمُحِيطِ (الْفَيْرُوزَابَادِىُّ الْهَرَمَانِ بِنَاءَانِ أَزَلِيَّانِ) أَىْ مَضَى عَلَيْهِمَا زَمَانٌ طَوِيلٌ (بِمِصْرَ) اﻫ

   (وَأَمَّا بُرْهَانُ قِدَمِهِ تَعَالَى فَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا لَلَزِمَ حُدُوثُهُ) فَيَكُونُ مُحْدَثًا مَخْلُوقًا (فَيَفْتَقِرُ إِلَى مُحْدِثٍ) وَهَذَا الْمُحْدِثُ كَذَلِكَ يَفْتَقِرُ إِلَى مُحْدِثٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا أَزَلِيًّا وَهَكَذَا (فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ) أَىْ تَوَقُّفُ وُجُودِ الشَّىْءِ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قِيلَ زَيْدٌ أَوْجَدَهُ عَمْرٌو وَعَمْرٌو أَوْجَدَهُ زَيْدٌ فَهَذَا مَعْنَاهُ وَقْفُ وُجُودِ زَيْدٍ عَلَى وُجُودِ عَمْرٍو الْمُتَوَقِّفِ وُجُودُهُ عَلَى وُجُودِ زَيْدٍ وَهَذَا أَمْرٌ لا يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّى إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّىْءَ مَخْلُوقٌ لِمَخْلُوقِهِ وَهُوَ يَقْتَضِى أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الشَّىْءُ قَبْلَ نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ خَالِقِيَّتِهِ وَبَعْدَ نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ مَخْلُوقِيَّتِهِ (أَوْ) يَلْزَمُ (التَّسَلْسُلُ) وَهُوَ تَوَقُّفُ وُجُودِ شَىْءٍ عَلَى شَىْءٍ قَبْلَهُ يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ عَلَى شَىْءٍ قَبْلَهُ وَهَكَذَا إِلَى غَيْرِ ابْتِدَاءٍ وَهَذَا لا يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ أَيْضًا لِأَنَّ وُجُودَ الْحَادِثِ الْحَالِىِّ عَلَى مُقْتَضَى هَذَا الْقَوْلِ لا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ انْتِهَاءِ الْحَوَادِثِ الَّتِى قَبْلَهُ الَّتِى لا نِهَايَةَ لِعَدَدِهَا وَانْتِهَاءُ مَا لا نِهَايَةَ لَهُ مُسْتَحِيلٌ مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِآخَرَ لا أُعْطِيكَ دِرْهَمًا حَتَّى أُعْطِيَكَ قَبْلَهُ دِرْهَمًا وَهَكَذَا لا إِلَى أَوَّلٍ فَإِنَّهُ لا يَحْصُلُ عَلَى الدِّرْهَمِ الْمَوْعُودِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (وَ)إِذَا كَانَ (كُلٌّ مِنْهُمَا) بَاطِلاً وَثَبَتَ أَنَّهُ (مُحَالٌ) تَبَيَّنَ بُطْلانُ مَا يَقْتَضِيهِمَا وَهُوَ حُدُوثُ ذَاتِهِ عَزَّ وَجَلَّ (فَثَبَتَ أَنَّ حُدُوثَهُ تَعَالَى مُحَالٌ وَقِدَمَهُ ثَابِتٌ).

الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ (الْبَقَاءُ)

   وَهِىَ مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِى عِنْدَ الإِمَامِ أَبِى الْحَسَنِ وَجَرَتْ عَادَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الأَشَاعِرَةِ بِعَدِّهَا مِنَ الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ فَيَكُونُ مَعْنَاهَا عِنْدَهُمُ انْتِفَاءَ الْفَنَاءِ عَنْهُ سُبْحَانَهُ فَيَقُولُونَ (يَجِبُ الْبَقَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى أَنَّهُ لا يَلْحَقُهُ فَنَاءٌ لِأَنَّهُ لَـمَّا ثَبَتَ وُجُوبُ قِدَمِهِ تَعَالَى عَقْلًا وَجَبَ لَهُ الْبَقَاءُ لِأَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَلْحَقَهُ الْعَدَمُ) لَكَانَ وُجُودُهُ جَائِزًا لا وَاجِبًا وَلَاحْتَاجَ إِلَى مُخَصِّصٍ يُخَصِّصُهُ بِالْوُجُودِ وَيُرَجِّحُ وُجُودَهُ عَلَى عَدَمِهِ وَلَكَانَ بِذَلِكَ حَادِثًا وَ(لَانْتَفَى عَنْهُ الْقِدَمُ، فَهُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْبَاقِى لِذَاتِهِ) وَ(لا بَاقِىَ لِذَاتِهِ غَيْرُهُ وَأَمَّا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَبَقَاؤُهُمَا لَيْسَ بِالذَّاتِ بَلْ لِأَنَّ اللَّهَ شَاءَ لَهُمَا الْبَقَاءَ) أَىْ فَبَقَاؤُهُمَا لَيْسَ كَبَقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى (فَالْجَنَّةُ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا يَجُوزُ عَلَيْهَا الْفَنَاءُ وَكَذَلِكَ النَّارُ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا يَجُوزُ عَلَيْهَا الْفَنَاءُ) فَهُمَا بَاقِيَتَانِ بِإِبْقَاءِ اللَّهِ لَهُمَا فَبَقَاءُ اللَّهِ ذَاتِىٌّ وَبَقَاؤُهُمَا بِغَيْرِهِمَا فَبَطَلَ بِذَلِكَ مَا يُورِدُهُ بَعْضُ الْمَلاحِدَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّهُ لا يَجُوزُ وَصْفُ اللَّهِ بِالْبَقَاءِ إِذْ لَوِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ لَكَانَ بَاقِيًا وَلَكَانَتِ الْجَنَّةُ بَاقِيَةً وَالنَّارُ بَاقِيَةً فَثَبَتَتِ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَهُمَا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَقَاءَ إِذَا أُطْلِقَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لا يُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الَّذِى يُرَادُ عِنْدِ إِطْلاقِ الْبَقَاءِ عَلَى الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ فَانْتَفَتِ الْمُشَابَهَةُ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمُوَافَقَةُ فِى اللَّفْظِ وَهِىَ لا تُوجِبُ اشْتِرَاكًا وَلا مُمَاثَلةً. ثُمَّ إِنَّ الْبَقَاءَ الَّذِى هُوَ نَعْتُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مَعْنَاهُ مُرُورُ زَمَانٍ بَعْدَ زَمَانٍ عَلَيْهِمَا وَهَكَذَا لا إِلَى ءَاخِرٍ وَأَمَّا بَقَاءُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ بِمُرُورِ زَمَانٍ قَطْعًا. وَالدَّلِيلُ مِنَ الْمَنْقُولِ عَلَى اتِّصَافِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَقَاءِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى سُورَةِ الرَّحْمٰنِ ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ فَالْوَجْهُ هُنَا يَتَعَيَّنُ تَفْسِيرُهُ بِالذَّاتِ وَلا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِالصِّفَةِ لِأَنَّ الذَّاتَ هُوَ الَّذِى يُوصَفُ بِذِى الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ لا الصِّفَةَ فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَيَبْقَى ذَاتُ رَبِّكَ.

 

الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ (السَّمْعُ)

 

   (وَهُوَ صِفَةٌ أزَليَّةٌ ثَابِتَةٌ لِذَاتِ اللَّهِ) يَنْكَشِفُ بِهَا[1] كُلُّ مَوْجُودٍ عَلَى مَا هُوَ بِهِ انْكِشَافًا لَيْسَ هُوَ انْكِشَافَ الْبَصَرِ وَالْعِلْمِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ شَرْحِ الْمُقَدِّمَاتِ[2] وَغَيْرُهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ مَوْجُودٍ أَىْ بِالذَّوَاتِ وَصِفَاتِهَا وَقَالَ ءَاخَرُونَ كَالسَّعْدِ[3] إِنَّ السَّمْعَ صِفَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْمُوعَاتِ (فَهُوَ) تَعَالَى (يَسْمَعُ الأَصْوَاتَ بِسَمْعٍ أَزَلِىٍّ أَبَدِىٍّ لا كَسَمْعِنَا لَيْسَ بِأُذُنٍ وَصِمَاخٍ فَهُو تَعَالَى لا يَعْزُبُ أَىْ لا يَغِيبُ عَنْ سَمْعِهِ مَسْمُوعٌ وَإِنْ خَفِىَ أَىْ عَلَيْنَا وَبَعُدَ أَىْ عَنَّا كَمَا يَعْلَمُ بِغَيْرِ قَلْبٍ) وَلا يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِ سَمْعِهِ عَزَّ وَجَلَّ قِدَمُ الْمَسْمُوعِ كَمَا لا يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ قِدَمُ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَقْدُورَاتِ. (وَدَلِيلُ وُجُوبِ السَّمْعِ لَهُ عَقْلًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِالسَّمْعِ لَكَانَ مُتَّصِفًا بِالصَّمَمِ وَهُوَ نَقْصٌ عَلَى اللَّهِ وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ مُحَالٌ) قَالَهُ الأَشْعَرِىُّ فِى اللُّمَعِ.

   وَوَقَعَ مِنْ بَعْضِ مَنْ لَمْ يَتَعَلَّمِ التَّنْزِيهَ بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى حِفْظِ الْقُرْءَانِ وَتَعَلُّمِ قِرَاءَاتِه مِنْ غَيْرِ تَلَقٍّ لِلْفَرْضِ الْعَيْنِىِّ مِنْ عِلْمِ الدِّينِ تَفَهُّمًا مِنْ أَفْوَاهِ الْعُلَمَاءِ أَنْ حَرَّفَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِى رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِى سُنَنِهِ لَلَّهُ أَشَدُّ أَذَنًا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ أَىْ أَشَدُّ اسْتِمَاعًا فَزَعَمَ أَنَّ لَفْظَهُ لَلَّهُ أَشَدُّ ءَاذَانًا بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ فَاعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ أُذُنٌ وَنَسَبَ إِلَيْهِ الْجَارِحَةَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا تَشْبِيهٌ مَحْضٌ (فَمَنْ قَالَ إِنَّهُ) تَعَالَى (يَسْمَعُ بِأُذُنٍ فَقَدْ أَلْحَدَ وَكَفَرَ).

 

الصِّفَةُ الْخَامِسَةُ (الْبَصَرُ)

 

   (يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى عَقْلًا) وَشَرْعًا (الْبَصَرُ أَىِ الرُّؤْيَةُ) وَهُوَ صِفَةُ مَعْنًى قَدِيمَةٌ يَنْكَشِفُ لَهُ تَعَالَى بِهَا كُلُّ مَوْجُودٍ عَلَى مَا هُوَ بِهِ انْكِشَافًا لَيْسَ هُوَ انْكِشَافَ السَّمْعِ وَالْعِلْمِ فَعَلَى هَذَا[4] هِىَ مُتَعَلِّقَةٌ بِكُلِّ مَوْجُودٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَالسَّعْدِ هِىَ صِفَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمُبْصَرَاتِ فَتُدْرَكُ إِدْرَاكًا تَامًّا لا عَلَى سَبِيلِ التَّخَيُّلِ أَوِ التَّوَهُّمِ وَلا عَلَى طَرِيقِ تَأَثُّرِ حَاسَّةٍ وَوُصُولِ ضَوْءٍ (فَهُوَ) سُبْحَانَهُ (يَرَى بِرُؤْيةٍ أَزَلِيَّةٍ أَبَدِيَّةٍ الْمَرْئِيَّاتِ جَمِيْعَهَا فَيَرَى ذَاتَهُ بِغَيْرِ حَدَقَةٍ وَجَارِحَةٍ لِأَنَّ الْحَوَاسَّ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ). وَلا يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِ الْبَصَرِ قِدَمُ الْمُبْصَرَاتِ كُلِّهَا عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ فِى السَّمْعِ. وَالرَّاجِحُ مِنَ التَّعْرِيفَيْنِ الأَوَّلُ أَىْ أَنَّ الْبَصَرَ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ مَوْجُودٍ.

   (وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الْبَصَرِ لَهُ عَقْلًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَصِيرًا رَائِيًا لَكَانَ أَعْمَى وَالْعَمَى أَىْ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ نَقْصٌ عَلَى اللَّهِ وَالنَّقْصُ عَلَيْهِ مُسْتَحِيلٌ) قَالَهُ الأَشْعَرِىُّ فِى اللُّمَعِ (وَدَلِيلُ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ السَّمْعِىُّ الآيَاتُ وَالأَحَادِيثُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى) فِى سُورَةِ الشُّورَى (﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾) وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِى سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ﴾ وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِى سُورَةِ طَهَ ﴿إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ وَفِى سُورَةِ النِّسَاءِ ﴿وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ (وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى تَعْدَادِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَهُوَ فِى حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِىُّ) فِى كِتَابِ الدَّعَوَاتِ مِنْ سُنَنِهِ (وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ) كَمَا فِى كِتَابِ الرَّقَائِقِ مِنَ الإِحْسَانِ.

 

الصِّفَةُ السَّادِسَةُ (الْكَلامُ)

 

   (الْكَلامُ هُوَ صِفَةٌ) ذَاتِيَّةٌ مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِى (أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ هُوَ) تَعَالَى (مُتَكَلِّمٌ بِهَا ءَامِرٌ نَاهٍ وَاعِدٌ مُتَوَعِّدٌ لَيْسَ كَكَلامِ غَيْرِهِ بَلْ) هُوَ وَاحِدٌ مُنَزَّهٌ عَنِ التَّعَدُّدِ وَالتَّعَاقُبِ وَالتَّأْلِيفِ وَالتَّقَطُّعِ وَتَقْدِيمِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَتَأْخِيرِهِ فَهُوَ (أَزَلِىٌّ بِأَزَليَّةِ الذَّاتِ) إِذْ لَوْ كَانَ حَادِثًا لَكَانَ الذَّاتُ حَادِثًا لِاسْتِحَالَةِ قِيَامِ الْحَوَادِثِ بِالْقَدِيمِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فَهُوَ مَعْنًى قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى (لا يُشْبِهُ كَلامَ الْخَلْقِ وَلَيْسَ بِصَوْتٍ يَحْدُثُ مِنَ انْسِلالِ الْهَوَاءِ أَوِ اصْطِكَاكِ الأَجْرَامِ وَلا بِحَرْفٍ يَنْقَطِعُ بِإِطْبَاقِ شَفَةٍ أَوْ) يَحْدُثُ بِسَبَبِ (تَحْرِيكِ لِسَانٍ). وَالدَّلِيلُ الْعَقْلِىُّ عَلَى وُجُوبِ الْكَلامِ لَهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا لَكَانَ أَخْرَسَ وَهُوَ صِفَةُ نَقْصٍ لا تَلِيقُ بِاللَّهِ قَالَهُ الأَشْعَرِىُّ فِى اللُّمَعِ.

   هَذَا قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ نَصَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى (وَ)قَالَ الْمُعْتَزِلَةُ اللَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ خَالِقٌ لِلْكَلامِ فِى غَيْرِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ إِذْ لا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ قَائِمًا بِغَيْرِهِ ثُمَّ يَكُونُ هُوَ مُتَكَلِّمًا بِهِ دُونَ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يُسَمَّى اللَّهُ مُصَوِّتًا لِأَنَّهُ خَلَقَ الأَصْوَاتَ فِى غَيْرِهِ وَنَائِمًا لِأَنَّهُ خَلَقَ النَّوْمَ فِى غَيْرِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لا يُشَكُّ فِى بُطْلانِهِ وَيَلْزَمُهُمْ إِذْ قَالُوا ذَلِكَ وَزَعَمُوا بِنَاءً عَلَيْهِ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَسْمَعْ كَلامَ اللَّهِ الذَّاتِىَّ بَلْ سَمِعَ كَلامًا مَخْلُوقًا فِى شَجَرَةٍ أَنْ تَكُونَ الشَّجَرَةُ قَدْ كَلَّمَتْ سَيِّدَنَا مُوسَى وَقَالَتْ إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَهَذَا مِمَّا يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ كَيْفَ وَقَدْ أَسْنَدَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَلامَ إِلَى نَفْسِهِ وَأَكَّدَهُ بِالْمَصْدَرِ فَقَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ النِّسَاءِ ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ وَالتَّأْكِيدُ بِالْمَصْدَرِ يُفِيدُ نَفْىَ الْمَجَازِ وَقَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الأَعْرَافِ ﴿إِنِّى اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِى وَبِكَلامِى﴾ بَلْ (نَعْتَقِدُ أَنَّ مُوسَى) عَلَيْهِ السَّلامُ (سَمِعَ كَلامَ اللَّهِ الأَزَلِىَّ) الْوَاحِدَ (بِغَيْرِ حَرْفٍ وَلا صَوْتٍ كَمَا يَرَى الْمُؤْمِنُونَ ذَاتَ اللَّهِ فِى الآخِرَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا وَلا عَرَضًا لِأَنَّ الْعَقْلَ لا يُحِيلُ سَمَاعَ مَا لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلا صَوْتٍ وَ)إِنْ كُنَّا لا نَسْتَطِيعُ تَصَوُّرَ ذَلِكَ وَتَخَيُّلَهُ إِذْ أَنَّنَا عَاجِزُونَ عَنْ إِدْرَاكِ حَقِيقَةِ صِفَاتِ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ كَعَجْزِنَا عَنْ إِدْرَاكِ ذَاتِهِ عَزَّ وَجَلَّ.

   فَإِنْ قُلْتَ إِذًا (كَلامُهُ تَعَالَى) عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ الْمَعْنَى (الذَّاتِىُّ) الْقَائِمُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِى (لَيْسَ حُرُوفًا مُتَعَاقِبَةً كَكَلامِنَا) فَهَلْ يُطْلَقُ كَلامُ اللَّهِ أَيْضًا عَلَى اللَّفْظِ الْمُنَزَّلِ عَلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا قَرَأَ الْقَارِئُ مِنَّا) هَذَا الْكَلامَ الْمُنَزَّلَ هَلْ يُقَالُ إِنَّهُ قَرَأَ (كَلامَ اللَّهِ) مَعَ أَنَّ جَوَارِحَهُ مَخْلُوقَةٌ وَأَلْفَاظَهُ حَادِثَةٌ (فَقِرَاءَتُهُ حَرْفٌ وَصَوْتٌ) وَ(لَيْسَتْ أَزَلِيَّةً) الْجَوَابُ نَعَمْ يُطْلَقُ عَلَى اللَّفْظِ الْمُنَزَّلِ كَلامُ اللَّهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ َكَلامَ اللَّهِ لَهُ إِطْلاقَانِ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْكَلامُ الذَّاتِىُّ الَّذِى هُوَ صِفَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَدْ نُقِلَ هَذَا التَّفْصِيلُ) أَىْ أَنَّ كَلامَ اللَّهِ يُطْلَقُ عَلَى الصِّفَةِ الْقَائِمَةِ بِهِ تَعَالَى الَّتِى لَيْسَتْ حَرْفًا وَلا صَوْتًا (عَنِ) الإِمَامِ (أَبِى حَنِيفَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مِنْ) رُؤُوسِ (السَّلَفِ) فَإِنَّهُ (أَدْرَكَ شَيْئًا مِنَ الْمِائَةِ الأُولَى) إِذْ وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانِينَ (ثُمَّ تُوُفِّىَ سَنَةَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ هِجْرِيَّةً) فَإِنَّهُ (قَالَ وَاللَّهُ يَتَكَلَّمُ لا بِآلَةٍ وَحَرْفٍ وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِآلَةٍ وَحَرْفٍ) وَنَصُّ كَلامِهِ وَيَتَكَلَّمُ لا كَكَلامِنَا نَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِالآلاتِ مِنَ الْمَخَارِجِ وَالْحُرُوفِ وَاللَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِلا ءَالَةٍ وَلا حَرْفٍ اﻫ (فَلْيُفْهَمْ ذَلِكَ. وَلَيْسَ الأَمْرُ كَمَا تَقُولُ الْمُشَبِّهَةُ بِأَنَّ السَّلَفَ مَا كَانُوا يَقُولُونَ بِأَنَّ اللَّهَ مُتَكَلِّمٌ بِكَلامٍ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَإِنَّمَا هَذَا بِدْعَةُ الأَشَاعِرَةِ) وَمُرَادُهُمْ بِهَذَا صَرْفُ النَّاسِ عَنِ التَّنْزِيهِ إِلَى اعْتِقَادِهِمُ الْبَاطِلِ الَّذِى لا يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ إِذْ زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِأَصْوَاتٍ وَحُرُوفٍ تَقُومُ بِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ فَجَعَلُوا الْحُرُوفَ الْحَادِثَةَ الَّتِى يَبْدَأُ بَعْضُهَا بَعْدَ انْتِهَاءِ الْبَعْضِ الآخَرِ وَيَنْتَهِى بَعْضُهَا قَبْلَ ابْتِدَاءِ الْبَعْضِ الآخَرِ قَائِمَةً بِذَاتِ اللَّهِ الأَزَلِىِّ وَزَعَمُوا مَعَ ذَلِكَ أَنَّهَا قَدِيمَةٌ لا ابْتِدَاءَ لَهَا مَعَ أَنَّ حُدُوثَهَا مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْحِسِّ فَخَرَجُوا عَنْ دَائِرَةِ الْعَقْلِ وَرُبَّمَا زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذِهِ الشَّنَاعَةِ شَنَاعَةً أُخْرَى فَقَالَ بِأَنَّ الْمِدَادَ إِذَا كُتِبَ بِهِ حُرُوفُ الْقُرْءَانِ صَارَ قَدِيمًا لا بِدَايَةَ لَهُ وَلَيْسَ هَذَا إِلَّا جُنُونًا وَمُضَاهَاةً لِلنَّصَارَى فِى قَوْلِهِمْ بِاتِّحَادِ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَسَادِ الْعَقْلِ وَالشُّذُوذِ فِى الِاعْتِقَادِ.

   (وَهَذَا الْكَلامُ مِنَ) الإِمَامِ (أَبِى حَنِيفَةَ) عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ وَالرِّضْوَانُ (ثَابِتٌ) عَنْهُ (ذَكَرَهُ فِى) رِسَالَةِ الْفِقْهِ الأَكْبَرِ لَهُ وَهِىَ (إِحْدَى رَسَائِلِهِ الْخَمْسِ) الَّتِى صَحَّتْ نِسْبَتُهَا إِلَيْهِ كَمَا قَالَ الْمُحَدِّثُ الْحَافِظُ اللُّغَوِىُّ الْفَقِيهُ الْحَنَفِىُّ مُحَمَّدُ مُرْتَضَى الزَّبِيدِىُّ فِى شَرْحِهِ عَلَى إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ.

   (وَ)لِزِيَادَةِ إِيضَاحِ هَذِهِ الْمَسْئَلَةِ نَقُولُ (الْقُرْءَانُ لَهُ إِطْلاقَانِ يُطْلَقُ عَلَى اللَّفْظِ الْمُنْـزَّلِ عَلَى) سَيِّدِنَا (مُحَمَّدٍ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِى قَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الإِسْرَاءِ ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ﴾ الآيَةَ وَكَمَا فِى قَوْلِكَ قَرَأْتُ رُبُعَ الْقُرْءَانِ أَوْ نِصْفَهُ (وَ)يُطْلَقُ (عَلَى الْكَلامِ الذَّاتِىِّ الأَزَلِىِّ الَّذِى لَيْسَ هُوَ بِحَرْفٍ وَلا صَوْتٍ وَلا لُغَةٍ عَرَبِيَّةٍ وَلا غَيْرِهَا) وَهُوَ بِهَذَا الإِطْلاقِ بِمَعْنَى الْقَوْلِ الْقَائِمِ بِذَاتِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهُوَ الَّذِى يُرِيدُهُ عُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ بِقَوْلِهِمُ الْقُرْءَانُ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ (فَإِنْ قُصِدَ بِهِ) أَىِ بِالْقُرْءَانِ وَكَذَا بِالإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالتَّوْرَاةِ (الْكَلامُ الذَّاتِىُّ فَهُوَ أَزَلِىٌّ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلا صَوْتٍ وَإِنْ قُصِدَ بِهِ وَبِسَائِرِ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ فَمِنْهُ مَا هُوَ بِاللُّغَةِ الْعِبْرِيَّةِ) كَالتَّوْرَاةِ وَالزَّبُورِ (وَمِنْهُ مَا هُوَ بِاللُّغَةِ السُّرْيَانِيَّةِ) كَالإِنْجِيلِ وَمِنْهُ مَا هُوَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَىِ الْقُرْءَانُ (وَهَذِهِ اللُّغَاتُ وَغَيْرُهَا مِنَ اللُّغَاتِ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فَخَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَصَارَتْ مَوْجُودَةً وَاللَّهُ تَعَالَى كَانَ قَبْلَ كُلِّ شَىْءٍ وَكَانَ مُتَكَلِّمًا قَبْلَهَا وَلَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا وَ)لِذَلِكَ لا يَقْبَلُ الْعَقْلُ أَنْ يَكُونَ (كَلامُهُ الَّذِى هُوَ صِفَتُهُ) الْقَدِيمَةُ الأَزَلِيَّةُ بِلُغَةٍ مِنْ هَذِهِ اللُّغَاتِ الْمَخْلُوقَةِ الْحَادِثَةِ بَلْ هُوَ مَعْنًى قَدِيمٌ قَائِمٌ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ (أَزَلِىٌّ أَبَدِىٌّ وَهُوَ كَلامٌ وَاحِدٌ) لا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُتَعَدِّدٌ وَلا بِأَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا أَوْ تَأْخِيرًا (وَهَذِهِ الْكُتُبُ الْمُنْزَلَةُ) الْمُرَكَّبَةُ مِنْ أَلْفَاظٍ تَتَعَاقَبُ وَحُرُوفٍ تَتَوَالَى فَيَسْبِقُ بَعُضُهَا بَعْضًا وَيَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا (كُلُّهَا عِبَارَاتٌ عَنْ ذَلِكَ الْكَلامِ الذَّاتِىِّ الأَزَلِىِّ الأَبَدِىِّ) تَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ عَيْنَهُ (وَلا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْعِبَارَةِ حَادِثَةً كَوْنُ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ حَادِثًا أَلا تَرَى أَنَّنَا إِذَا كَتَبْنَا عَلَى لَوْحٍ أَوْ جِدَارٍ) لَفْظَ (اللَّهِ فَقِيلَ هَذَا اللَّهُ فَهَلْ مَعْنَى هَذَا أَنَّ أَشْكَالَ الْحُرُوفِ الْمَرْسُومَةَ هِىَ ذَاتُ اللَّهِ) الْمَعْبُودُ (لا يَتَوَهَّمُ هَذَا عَاقِلٌ) وَ(إِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ عِبَارَةٌ عَنِ الإِلَهِ الَّذِى هُوَ مَوْجُودٌ مَعْبُودٌ خَالِقٌ لِكُلِّ شَىْءٍ) وَتَدُلُّ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَلامِ اللَّهِ الذَّاتِىِّ الأَزَلِىِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ (وَمَعَ هَذَا لا يُقَالُ الْقُرْءَانُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مَخْلُوقٌ) لِأَنَّ هَذَا الإِطْلاقَ يُوهِمُ أَنَّ صِفَةَ الْكَلامِ الأَزَلِيَّةَ مَخْلُوقَةٌ لا سِيَّمَا وَقَدْ ذَهَبَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ لَفْظَ الْقُرْءَانِ إِذَا أُطْلِقَ يَنْصَرِفُ إِلَى الصِّفَةِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِ اللَّهِ (لَكِنْ يُبَيَّنُ فِى مَقَامِ التَّعْلِيمِ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُنَزَّلَ لَيْسَ قَائِمًا بِذَاتِ اللَّهِ بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ لِأَنَّهُ حُرُوفٌ يَسْبِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَمَا كَانَ كَذَلِكَ) فَهُوَ (حَادِثٌ مَخْلُوقٌ قَطْعًا لَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَصْنِيفِ مَلَكٍ وَلا بَشَرٍ فَهُوَ) كَمَا قَدَّمْنَا (عِبَارَةٌ عَنِ الْكَلامِ الذَاتِىِّ الَّذِى لا يُوصَفُ بِأَنَّهُ عَرَبِىٌّ وَلا بِأَنَّهُ عِبْرَانِىٌّ وَلا بِأَنَّهُ سُرْيَانِىٌّ وَكُلٌّ يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَلامُ اللَّهِ أَىْ أَنَّ صِفَةَ الْكَلامِ الْقَائِمَةَ بِذَاتِ اللَّهِ يُقَالُ لَهَا كَلامُ اللَّهِ، وَاللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ الَّذِى هُوَ عِبَارَةٌ عَنْهُ يُقَالُ لَهُ كَلامُ اللَّهِ وَالإِطْلاقَانِ مِنْ بَابِ الْحَقِيقَةِ) لا الْمَجَازِ (لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إِمَّا لُغَوِيَّةٌ وَإِمَّا شَرْعِيَّةٌ وَإِمَّا عُرْفِيَّةٌ) فَالْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ هِىَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِى الْمَعْنَى الَّذِى وُضِعَ بِإِزَائِهِ فِى أَصْلِ اللُّغَةِ وَالْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ هِىَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِى الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ عِنْدَ حَمَلَةِ الشَّرْعِ وَالْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ هِىَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِى الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ فِى الْعُرْفِ وَإِطْلاقُ الْقُرْءَانِ عَلَى الصِّفَةِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِ اللَّهِ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَشَرْعِيَّةٌ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ حَقِيقَةً عَقْلِيَّةً (وَإِطْلاقُ الْقُرْءَانِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُنَزَّلِ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَلْيُعْلَمْ ذَلِكَ. وَتَقْرِيبُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ) وَكَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِتَأْكِيدِ تَقْرِيرِ الْمَعْنَى عِنْدَ الْمُطَالِعِ (أَنَّ لَفْظَ الْجَلالَةِ اللَّه عِبَارَةٌ عَنْ ذَاتٍ أَزَلِىٍّ أَبَدِىٍّ، فَإِذَا قُلْنَا نَعْبُدُ اللَّهَ فَذَلِكَ الذَّاتُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَإِذَا كُتِبَ هَذَا اللَّفْظُ فَقِيلَ مَا هَذَا يُقَالُ اللَّهُ بِمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الذَّاتِ الأَزَلِىِّ الأَبَدِىِّ لا بِمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ هِىَ الذَّاتُ الَّذِى نَعْبُدُهُ) وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ التَّكْوِيرِ ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ فَإِنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَقْرُوءُ جِبْرِيلَ وَلَوْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ عَيْنَ كَلامِ اللَّهِ الذَّاتِىِّ لَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّهُ قَوْلُ جِبْرِيلَ الْمُرَادِ بِالرَّسُولِ الْكَرِيمِ فِى هَذِهِ الآيَةِ بِاتِّفَاقِ الْمُفَسِّرِينَ.

الصِّفَةُ السَّابِعَةُ (الإِرَادَةُ)

 

   (اعْلَمْ أَنَّ الإِرَادَةَ وَهِىَ الْمَشِيئَةُ وَاجِبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَهِىَ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ) مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِى قَائِمَةٌ بِذَاتِ اللَّهِ أَىْ ثَابِتَةٌ لَهُ (يُخَصِّصُ اللَّهُ) تَعَالَى (بِهَا الْجَائِزَ) أَىِ الْمُمْكِنَ (الْعَقْلِىَّ بِالْوُجُودِ بَدَلَ الْعَدَمِ) الَّذِى كَانَ جَائِزًا بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ (وَبِصِفَةٍ دُونَ أُخْرَى) وَبِمَكَانٍ دُونَ ءَاخَرَ (وَبِوَقْتٍ دُونَ ءَاخَرَ. وَبُرْهَانُ وُجُوبِ الإِرَادَةِ لِلَّهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُرِيدًا لَمْ يُوجَدْ شَىْءٌ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ لِأَنَّ الْعَالَمَ مُمْكِنُ الْوُجُودِ فَوُجُودُهُ لَيْسَ وَاجِبًا لِذَاتِهِ عَقْلًا[5] وَالْعَالَمُ مَوْجُودٌ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ مَا وُجِدَ إِلَّا بِتَخْصِيصِ مُخَصِّصٍ لِوُجُودِهِ وَتَرْجِيحِهِ لَهُ عَلَى عَدَمِهِ، فَثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ مُرِيدٌ شَاءٍ) أَىْ مُتَّصِفٌ بِالإِرَادَةِ. (ثُمَّ الإِرَادَةُ بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ) لا الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَى[6] (عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ شَامِلَةٌ لِأَعْمَالِ الْعِبَادِ جَمِيعِهَا الْخَيْرِ مِنْهَا وَالشَّرِّ) إِذْ لَوِ اخْتَصَّتْ بِبَعْضِ الْمُمْكِنَاتِ لَاحْتَاجَتْ إِلَى الْمُخَصِّصِ وَلَزِمَ حُدُوثُهَا وَقَدْ قَامَ الْبُرْهَانُ عَلَى قِدَمِ صِفَاتِهِ تَعَالَى فَتَعَيَّنَ عُمُومُ إِرَادَتِهِ تَعَالَى فِى جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِى سُورَةِ الأَنْعَامِ ﴿مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (فَكُلُّ مَا دَخَلَ فِى الْوُجُودِ مِنْ أَعْمَالِ الشَّرِّ وَالْخَيْرِ وَمِنْ كُفْرٍ أَوْ مَعَاصٍ أَوْ طَاعَةٍ فَبِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقَعَ وَحَصَلَ) كَمَا قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ فِى سُورَةِ فَاطِرٍ ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ وَكَمَا قَالَ فِى سُورَةِ ءَالِ عِمْرَانَ ﴿تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ﴾[7] (وَهَذَا كَمَالٌ فِى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ شُمُولَ الْقُدْرَةِ وَالْمَشِيئَةِ لائِقٌ بِجَلالِ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَقَعُ فِى مِلْكِهِ مَا لا يَشَاءُ لَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ الْعَجْزِ وَالْعَجْزُ مُسْتَحِيلٌ علَى اللَّهِ) وَادَّعَى الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ خَاصَّةٌ بِالْخَيْرِ دُونَ الشَّرِّ وَلا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى سِوَى التَّحَكُّمِ وَالتَّوَهُّمِ وَالتَّحْسِينِ بِالْعُقُولِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ إِرَادَةَ وُجُودِ الْعَمَلِ الْقَبِيحِ مِنَ اللَّهِ قَبِيحٌ وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَمَا قَالُوهُ بَاطِلٌ فَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ وُجُودَ الذَّوَاتِ الْقَبِيحَةِ وَالْخَبِيثَةِ كَالْخَنَازِيرِ وَالْقِرَدَةِ وَالشَّيَاطِينِ وَلَيْسَ ذَلِكَ قَبِيحًا مِنْهُ تَعَالَى فَكَذَلِكَ إِرَادَةُ وُجُودِ قَبَائِحِ الأَفْعَالِ لَيْسَتْ قَبِيحَةً مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْتَ شِعْرِى مَاذَا يَصْنَعُونَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الآىِ وَبِالأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ اﻫ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ اﻫ وَهِىَ كَلِمَةٌ أَجْمَعَتْ عَلَيْهَا الأُمَّةُ بِلا خِلافٍ.

   وَلا تَتَعَلَّقُ الْمَشِيئَةُ بِالْوَاجِبِ الْعَقْلِىِّ وَلا بِالْمُسْتَحِيلِ الْعَقْلِىِّ إِذْ لَوْ تَعَلَّقَتْ بِالْوَاجِبِ لَكَانَ مُمْكِنًا لا وَاجِبًا وَلَوْ تَعَلَّقَتْ بِالْمُسْتَحِيلِ لَكَانَ جَائِزًا لا مُسْتَحِيلًا.

   (وَالْمَشِيئَةُ تَابِعَةٌ لِلْعِلْمِ أَىْ أَنَّهُ مَا عَلِمَ) تَبَارَكَ وَتَعَالَى (حُدُوثَهُ فَقَدْ شَاءَ حُدُوثَهُ وَمَا عَلِمَ أَنَّهُ لا يَكُونُ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَكُونَ[8]. وَلَيْسَتِ الْمَشِيْئَةُ تَابِعَةً لِلأَمْرِ) كَمَا زَعَمَ الْمُعْتَزِلَةُ (بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ وَلَمْ يَشَأْ لَهُ ذَلِكَ) فَلَمْ يَقَعِ الذَّبْحُ وَلَوْ كَانَتِ الْمَشِيئَةُ تَابِعَةً لِلأَمْرِ لَوَقَعَ (فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَأْمُرُ بِمَا لَمْ يَشَأْ وُقُوعَهُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ يَأْمُرُ بِمَا لَمْ يَشَأْ) ابْتِلاءً لِلْعِبَادِ كَمَا ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأَمْرِهِ بِذَبْحِ وَلَدِهِ فَظَهَرَ مَا عِنْدَ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ لِلطَّاعَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ الذَّبْحُ بَلْ فُدِىَ إِسْمَاعِيلُ بِالكَبْشِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَذَلِكَ (كَمَا أَنَّهُ عَلِمَ) سُبْحَانَهُ (بِوُقُوعِ شَىْءٍ مِنَ الْعَبْدِ وَ)مَعَ ذَلِكَ (نَهَاهُ عَنْ فِعْلِهِ)[9] وَقَدْ رُوِىَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِبَعْضِ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْتَ الَّذِى تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُعْصَى فَقَالَ لَهُ وَيْحَكَ فَمَنْ حَالَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ مَا أَرَادَ اﻫ[10]

 

الصِّفَةُ الثَّامِنَةُ (القُدْرَةُ)

 

   (يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى الْقُدْرَةُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ) وَهِىَ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِى قَائِمَةٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا يُوجِدُ اللَّهُ وَيُعْدِمُ عَلَى وَفْقِ الإِرَادَةِ وَالدَّلِيلُ النَّقْلِىُّ عَلَى اتِّصَافِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى سُورَةِ التَّغَابُنِ ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ (وَالْمُرَادُ بِالشَّىْءِ هُنَا الْجَائِزُ الْعَقْلِىُّ فَخَرَجَ بِذَلِكَ الْمُسْتَحِيلُ الْعَقْلِىُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْوُجُودِ فَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِتَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ، وَخَالَفَ فِى ذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ) فِى جُمْلَةِ مَا خَالَفَ فِيهِ بِسَبَبِ قُصُورِ عَقْلِهِ (فَقَالَ) فِى الْمُحَلَّى مِنْ كُتُبِهِ (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَادِرٌ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا، إِذْ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لَكَانَ عَاجِزًا، وَهَذَا الَّذِى قَالَهُ غَيْرُ لازِمٍ لِأَنَّ اتِّخَاذَ الْوَلَدِ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ) أَىْ مُسْتَحِيلٌ عَقْلِىٌّ (وَالْمُحَالُ الْعَقْلِىُّ لا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرةِ) فَلا يُقَالُ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا وَلا يُقَالُ إِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ ذَلِكَ بَلْ يُقَالُ هَذَا مُسْتَحِيلٌ عَقْلِىٌّ وَالْقُدْرَةُ لا تَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَحِيلِ[11] وَذَلِكَ كَمَا أَنَّنَا لا نَقُولُ عَنِ الْحَجَرِ عَالِمٌ وَلا جَاهِلٌ بَلْ نَقُولُ الْحَجَرُ لا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْعِلْمِ وَلا بِالْجَهْلِ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ لِلِاتِّصَافِ بِالْعِلْمِ أَوْ بِالْجَهْلِ هُوَ الْحَيَاةُ وَالْحَجَرُ لَيْسَ حَيًّا فَظَهَرَ أَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِنَا إِنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ لا تَتَعَلَّقُ بِاتِّخَاذِ الْوَلَدِ نِسْبَةُ عَجْزٍ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ (وَ)ذَلِكَ أَنَّ (عَدَمَ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِالشَّىْءِ تَارَةً يَكُونُ لِقُصُورِهَا عَنْهُ وَذَلِكَ) يَحْصُلُ (فِى الْمَخْلُوقِ وَتَارَةً يَكُونُ لِعَدَمِ قَبُولِ ذَلِكَ الشَّىْءِ الدُّخُولَ فِى الْوُجُودِ أَىْ حُدُوثَ الْوُجُودِ لِكَوْنِهِ مُسْتَحِيلًا عَقْلِيًّا أَوْ لِعَدَمِ قَبُولِ ذَلِكَ الشَّىْءِ الْعَدَمَ لِكَوْنِهِ وَاجِبًا عَقْلِيًّا) فَلا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ لا إِيجَادًا وَلا إِعْدَامًا (وَالْعَجْزُ هُوَ الأَوَّلُ الْمَنْفِىُّ عَنْ قُدْرَتِهِ تَعَالَى لا الثَّانِى فَلا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ وَلا عَاجِزٌ قَالَ بَعْضُهُمْ كَمَا لا يُقَالُ عَنِ الْحَجَرِ عَالِمٌ وَلا جَاهِلٌ) وَقَدْ تَقَدَّمَ (وَكَذَلِكَ) أَىْ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ (يُجَابُ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُلْحِدِينَ هَلِ اللَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُ) فَيُقَالُ إِنَّ السُّؤَالَ خَطَأٌ (وَ)تَنَاقُضٌ فَإِنَّ (هَذَا) السُّؤَالَ (فِيهِ تَجْوِيزُ الْمُحَالِ الْعَقْلِىِّ) وَالْمُحَالُ لا يَكُونُ جَائِزًا (وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَزَلِىٌّ وَلَوْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ لَكَانَ أَزَلِيًّا) فَيَنْحَلُّ كَلامُ السَّائِلِ هَلْ يَخْلُقُ الأَزَلِىُّ أَزَلِيًّا مِثْلَهُ (وَ)لَكِنِ (الأَزَلِىُّ لا) يُقَالُ فِيهِ (يُخْلَقُ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ) لَمْ يَسْبِقْهُ عَدَمٌ (فَكَيْفَ يُخْلَقُ الْمَوْجُودُ) فَتَبَيَّنَ أَنَّ السُّؤَالَ بَاطِلٌ وَدَالٌّ عَلَى سَخَافَةِ عَقْلِ سَائِلِهِ. (أَمَّا الْمُسْتَحِيلُ الْعَقْلِىُّ فَعَدَمُ قَبُولِهِ الدُّخُولَ فِى الْوُجُودِ) الَّذِى تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ (ظَاهِرٌ وَأَمَّا الْوَاجِبُ الْعَقْلِىُّ فَلا يَقْبَلُ حُدُوثَ الْوُجُودِ لِأَنَّ وُجُودَهُ أَزَلِىٌّ) لَمْ يَسْبِقْهُ عَدَمٌ فَكَيْفَ يَحْدُثُ وَ(فَرْقٌ بَيْنَ الْوُجُودِ وَبَيْنَ الدُّخُولِ فِى الْوُجُودِ فَالْوُجُودُ يَشْمَلُ الْوُجُودَ الأَزَلِىَّ وَالْوُجُودَ الْحَادِثَ) وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُسَمَّى وُجُودًا (أَمَّا الدُّخُولُ فِى الْوُجُودِ فَهُوَ الْوُجُودُ الْحَادِثُ) فَقَطْ (فَالْوَاجِبُ الْعَقْلِىُّ اللَّهُ وَصِفَاتُهُ فَاللَّهُ وَاجِبٌ عَقْلِىٌّ وُجُودُهُ أَزَلِىٌّ وَصِفَاتُهُ أَزَلِيَّةٌ وَ)لِذَلِكَ (لا يُقَالُ لِلَّهِ وَلا لِصِفَاتِهِ دَاخِلٌ فِى الْوُجُودِ لِأَنَّ وُجُودَهُمَا أَزَلِىٌّ فَقَوْلُنَا إِنَّ الْوَاجِبَ الْعَقْلِىَّ لا يَقْبَلُ الدُّخُولَ فِى الْوُجُودِ صَحِيحٌ لَكِنْ) قَدْ (يَقْصُرُ عَنْهُ أَفْهَامُ الْمُبْتَدِئِينَ فِى الْعَقِيدَةِ) إِنْ لَمْ يُشْرَحْ لَهُمُ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ (أَمَّا عِنْدَ مَنْ مَارَسَ فَهِىَ) عِبَارَةٌ (وَاضِحَةُ الْمُرَادِ) وَالدَّلِيلُ الْعَقْلِىُّ عَلَى وُجُوبِ الْقُدْرَةِ لِلَّهِ تَعَالَى هُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا لَكَانَ عَاجِزًا وَلَوْ كَانَ عَاجِزًا لَمْ يُوجَدْ شَىْءٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لَكِنَّ الْمَخْلُوقَاتِ مَوْجُودَةٌ بِالْمُشَاهَدَةِ فَثَبَتَ اتِّصَافُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ.

 

الصِّفَةُ التَّاسِعَةُ (الْعِلْمُ)

 

   (اعْلَمْ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ قَدِيمٌ أَزَلِىٌّ كَمَا أَنَّ ذَاتَهُ) قَدِيمٌ (أَزَلِىٌّ فَلَمْ يَزَلْ عَالِمًا بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَا يُحْدِثُهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَمَا كَانَ شَائِيًا وَلَمَا قَدَرَ عَلَى إِيجَادِ شَىْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّ شَرْطَ التَّخْلِيقِ الْعِلْمُ كَمَا قَالَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِى سُورَةِ الْمُلْكِ ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ وَعِلْمُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاحِدٌ لا يَتَعَدَّدُ وَلا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَلا النُّقْصَانَ وَلَيْسَ كَعِلْمِ الْمَخْلُوقِينَ (فَلا يَتَّصِفُ) سُبْحَانَهُ (بِعِلْمٍ حَادِثٍ) عَرَضٍ كَعِلْمِنَا الَّذِى يَقُومُ بِأَجْسَادِنَا (لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ اتِّصَافُهُ بِالْحَوادِثِ لَانْتَفَى عَنْهُ الْقِدَمُ لِأَنَّ مَا كَانَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ حَادِثًا) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالدَّلِيلُ النَّقْلِىُّ عَلَى اتِّصَافِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعِلْمِ وَعَلَى شُمُولِ عِلْمِهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ فِى سُورَةِ الأَنْعَامِ ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ﴾ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ النِّسَاءِ ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ مُّحِيطًا﴾ فَإِنَّ الإِحَاطَةَ الْمَقْصُودَةَ هُنَا هِىَ الإِحَاطَةُ بِالْعِلْمِ. وَعِلْمُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعَمُّ مِنَ الإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ فَإِنَّ الإِرَادَةَ وَالْقُدْرَةَ تَتَعَلَّقَانِ بِالْمُمْكِنَاتِ الْعَقْلِيَّةِ أَمَّا عِلْمُهُ تَعَالَى فَيَتَعَلَّقُ بِالْوَاجِبِ الْعَقْلِىِّ وَالْمُسْتَحِيلِ الْعَقْلِىِّ وَالْمُمْكِنِ الْعَقْلِىِّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِذَاتِهِ وَبِصِفَاتِهِ وَمَا يُحْدِثُهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ عَالِمٌ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ بِعِلْمٍ وَاحِدٍ أَزَلِىٍّ أَبَدِىٍّ لا يَتَغَيَّرُ وَلا يَتَطَوَّرُ وَلا يَزِيدُ وَلا يَنْقُصُ (وَمَا أَوْهَمَ تَجَدُّدَ الْعِلْمِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنَ الآيَاتِ الْقُرْءَانِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى) فِى سُورَةِ الأَنْفَالِ (﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ ذَلِكَ) أَىْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ خَفَّفَ عَنْكُمُ الآنَ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْكُمْ مِنْ مُقَاوَمَةِ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِأَضْعَافٍ كَثِيرةٍ مِنَ الْكُفَّارِ بِإِيجَابِ مُقَاوَمَةِ وَاحِدٍ لِاثْنَيْنِ مِنَ الْكُفَّارِ لِأَنَّهُ الآنَ عَلِمَ بِالضَّعْفِ الَّذِى فِيكُمْ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ التَّخْفِيفَ حَصَلَ الآنَ وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ الأَزَلِىِّ مَا فِيكُمْ مِنَ الضَّعْفِ (وَ)بِعِبَارَةٍ أُخْرَى نَقُولُ (قَوْلُهُ ﴿وَعَلِمَ﴾ لَيْسَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ ﴿الآنَ﴾ بَلِ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى خَفَّفَ عَنْكُمُ الآنَ لِأَنَّهُ عَلِمَ بِعِلْمِهِ السَّابِقِ فِى الأَزَلِ أَنَّهُ يَكُونُ) أَىْ يُوجَدُ (فِيكُمْ ضَعْفٌ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى) فِى سُورَةِ مُحَمَّدٍ (﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ مَعْنَاهُ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِالْقَتْلِ وَجِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ (حَتَّى نُمَيِّزَ أَىْ نُظْهِرَ لِلْخَلْقِ مَنْ يُجَاهِدُ وَيَصْبِرُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَالِمًا قَبْلُ) أَىْ فِى الأَزَلِ قَبْلَ وُجُودِ الْمَخْلُوقَاتِ (كَمَا نَقَلَ الْبُخَارِىُّ ذَلِكَ) فِى كِتَابِ التَّفْسِيرِ مِنْ صَحِيحِهِ (عَنْ أَبِى عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بنِ الْمُثَنَّى) مِنْ فَطَاحِلِ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ (وَهَذَا شَبِيهٌ بِقَوْلِه تَعَالَى) فِى سُورَةِ الأَنْفَالِ (﴿لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾) أَىْ لِيُظْهِرَ اللَّهُ لِعِبَادِهِ مَنْ هُوَ الْخَبِيثُ وَمَنْ هُوَ الطَّيِّبُ.

 

الصِّفَةُ الْعَاشِرَةُ (الْحَيَاةُ)

 

   (يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى الْحَيَاةُ فَهُوَ حَىٌّ لا كَالأَحْيَاءِ إِذْ حَيَاتُهُ) صِفَةٌ (أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ) مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِى لا تُشْبِهُ حَيَاةَ الْمَخْلُوقِينَ وَ(لَيْسَتْ بِرُوحٍ) وَلَحْمٍ (وَدَمٍ. وَالدَّلِيلُ) الْعَقْلِىُّ (عَلَى وُجُوبِ حَيَاتِهِ وُجُودُ هَذَا الْعَالَمِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا لَمْ يُوجَدْ شَىْءٌ مِنَ الْعَالَمِ) لِأَنَّ وُجُودَهُ هُوَ بِإِيجَادِ خَالِقٍ عَالِمٍ مُرِيدٍ قَادِرٍ وَلا يَصِحُّ الِاتِّصَافُ بِالْعِلْمِ وَالإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ إِلَّا لِمَنْ اتَّصَفَ بِالْحَيَاةِ فَلِذَلِكَ قَالُوا لَوْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ تَعَالَى حَيًّا لَمَا وُجِدَ الْعَالَمُ (لَكِنَّ وُجُودَ الْعَالَمِ ثَابِتٌ بِالْحِسِّ وَالضَّرُورَةِ بِلا شَكٍّ) فَثَبَتَ اتِّصَافُهُ تَعَالَى بِالْحَيَاةِ. وَأَمَّا الْبُرْهَانُ النَّقْلِىُّ عَلَى اتِّصَافِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَنُصُوصٌ مِنْهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِى ءَايَةِ الْكُرْسِىِّ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ﴾.

 

الصِّفَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (الْوَحْدَانِيَّةُ)

 

   وَ(مَعْنَى الْوَحْدَانِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ ذَاتًا مُؤَلَّفًا مِنْ أَجْزَاءٍ) فَهِىَ صِفَةٌ سَلْبِيَّةٌ مَعْنَاهَا انْتِفَاءُ التَّعَدُّدِ وَالتَّرْكِيبِ وَالشَّرِيكِ عَنْهُ سُبْحَانَهُ (فَلا يُوجَدُ ذَاتٌ مِثْلُ ذَاتِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ صِفَةٌ كَصِفَتِهِ أَوْ فِعْلٌ كَفِعْلِهِ) فَلَيْسَ ذَاتُهُ مُرَكَّبًا مِنْ أَجْزَاءٍ وَإِلَّا لَكَانَ جِسْمًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا كَسَائِرِ الأَجْسَامِ الْمُرَكَّبَةِ وَلَافْتَقَرَ إِلَى الْمُخَصِّصِ وَالْمَكَانِ وَالْمِقْدَارِ وَالتَّحَيُّزِ وَالْجِهَاتِ فَيَكُونُ حَادِثًا فَيَفْتَقِرُ إِلَى مُحْدِثٍ وَهَذَا مُحَالٌ وَهُوَ مَا يُعَبِّرُ عَنْهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِنَفْىِ الْكَمِّ الْمُتَّصِلِ عَنْهُ سُبْحَانَهُ وَأَمَّا مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ نَفْىِ الْكَمِّ الْمُنْفَصِلِ فَهُوَ نَفْىُ النَّظِيرِ وَالشَّرِيكِ عَنْهُ سُبْحَانَهُ الَّذِى عَبَّرَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ فَلا يُوجَدُ ذَاتٌ مِثْلُ ذَاتِهِ. (وَ)ظَهَرَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ (لَيْسَ الْمُرَادُ بوَحْدَانِيَّتِهِ وَحْدَانِيَّةَ الْعَدَدِ إِذِ الْوَاحِدُ فِى الْعَدَدِ لَهُ نِصْفٌ وَأَجْزَاءٌ أَيْضًا بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لا شَبِيهَ لَهُ) كَمَا قَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ وَاحِدٌ لا مِنْ طَرِيقِ الْعَدَدِ[12] وَلَكِنْ مِنْ طَرِيقِ أَنَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ.

   (وَبُرْهَانُ وَحْدَانِيَّتِهِ هُوَ أَنَّهُ لا بُدَّ لِلصَّانِعِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَيًّا قَادِرًا عَالِمًا مُرِيدًا مُخْتَارًا، فَإِذَا ثَبَتَ وَصْفُ الصَّانِعِ بِمَا ذَكَرنَاهُ قُلْنَا لَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَيًّا قَادِرًا عَالِمًا مُرِيدًا مُخْتَارًا وَالْمُخْتَارَانِ يَجُوزُ) اتِّفَاقُهُمَا وَ(اخْتِلافُهُمَا فِى الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُما غَيْرُ مُجْبَرٍ عَلَى مُوَافَقَةِ الآخَرِ فِى اخْتِيَارِه، وَإِلَّا لَكَانَا مُجْبَرَيْنِ وَالْمَجْبُورُ لا يَكُونُ إِلَـهًا) لِأَنَّهُ لا يَكُونُ مُخْتَارًا (فَإِذَا صَحَّ هَذَا) فَإِنِ اتَّفَقَا فَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ الْفِعْلَ مِنْ غَيْرِ مُشَارَكَةٍ فِيهِ فَيَلْزَمُ قَهْرُهُ وَعَدَمُ عُمُومِ قُدْرَتِهِ وَنُفُوذِ إِرَادَتِهِ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْفِعْلَ لِشَرِيكِهِ وَيَلْزَمُ فِى الآخَرِ مَا لَزِمَ فِى الأَوَّلِ لِأَنَّهُمَا مِثْلانِ فَمَا جَازَ عَلَى أَحَدِهِمَا جَازَ عَلَى الآخَرِ فَيَحْتَاجَانِ لِلْمُخَصِّصِ وَإِمَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِى ذَلِكَ الشَّىْءِ فَإِنِ اخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ بِجُزْءٍ لَزِمَهُمَا مِنْ ذَلِكَ الْعَجْزُ وَالْحَاجَةُ لِلْمُخَصِّصِ وَإِنْ فُرِضَتِ الْمَسْئَلَةُ فِى مَا لا يُمْكِنُ انْقِسَامُهُ كَالْجَوْهَرِ الْفَرْدِ فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْمُحَالُ الَّذِى هُوَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ لِأَنَّ الأَثَرَ الْوَاحِدَ لا يَدْخُلُ تَحْتَ مُؤَثِّرَيْنِ وَلا الْمَقْدُورُ تَحْتَ قُدْرَتَيْنِ[13]. هَذَا كُلُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الِاتِّفَاقِ وَأَمَّا إِنْ فُرِضَ اخْتِلافُهُمَا (فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا خِلافَ مُرَادِ الآخَرِ فِى شَىْءٍ كَأَنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا حَيَاةَ شَخْصٍ وَأَرَادَ الآخَرُ مَوْتَهُ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَتِمَّ مُرَادُهُمَا أَوْ لا يَتِمَّ مُرَادُهُمَا أَوْ يَتِمَّ مُرَادُ أَحَدِهِمَا وَلا يَتِمَّ مُرَادُ الآخَرِ، وَمُحَالٌ تَمَامُ مُرَادَيْهِمَا لِتَضَادِّهِمَا أَىْ إِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا حَيَاةَ شَخْصٍ وَأَرَادَ الآخَرُ مَوْتَهُ) مَثَلًا (يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّخْصُ حَيًّا وَمَيِّتًا فِى ءَانٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ مُرَادُهُما فَهُمَا عَاجِزَانِ وَالْعَاجِزُ لا يَكُونُ إِلَـهًا وَإِنْ تَمَّ مُرَادُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَتِمَّ مُرَادُ الآخَرِ فَإِنَّ الَّذِى لَمْ يَتِمَّ مُرَادُهُ عَاجِزٌ وَلا يَكُونُ الْعَاجِزُ إِلَـهًا وَلا قَدِيمًا وَهَذِهِ الدِّلالَةُ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْمُوَحِّدِينَ تُسَمَّى بِدِلالَةِ التَّمَانُعِ) كَمَا (قَالَ تَعَالَى) فِى سُورَةِ الأَنْبِيَاءِ (﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا) أَىْ لَهُمَا (ءَالِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾) أَىْ لَمَا انْتَظَمَتَا أَىْ لَمَا وُجِدَتَا فَانْتَظَمَتَا. وَقَدْ قُرِّرَتْ صِفَةُ الْوَحْدَانِيَّةِ فِى الْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ وَتَكَرَّرَ ذِكْرُهَا بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَسَالِيبَ مُتَنَوِّعَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ النِّسَاءِ ﴿إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ فِى سُورَةِ الإِخْلاصِ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ وَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ فِى سُورَةِ الزُّمَرِ ﴿سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾. وَابْتَدَعَ الْوَهَّابِيَّةُ وَهُمْ مُجَسِّمَةُ عَصْرِنَا بِدْعَةً لَمْ تُعْرَفْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُمْ فَإِنَّ ابْنَ تَيْمِيَةَ الْحَرَّانِىَّ وَإِنْ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّهَا فَإِنَّهَا لَمْ تَنْتَشِرْ وَلَمْ تَفْشُ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مَا تَرَكُوا لَهُ مَجَالًا لِنَشْرِ بِدْعَتِهِ وَقَدْ أَخَذَهَا مِنْهُ الْوَهَّابِيَّةُ أَتْبَاعُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ النَّجْدِىِّ فَنَشَرُوهَا بَعْدَمَا صَارَتْ لَهُمْ دَوْلَةٌ وَصَوْلَةٌ وَهَذِهِ الْبِدْعَةُ هِىَ تَقْسِيمُهُمُ التَّوْحِيدَ إِلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَتَوْحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ وَتَوْحِيدِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَزَعَمُوا أَنَّ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ وَحْدَهُ لا يَكْفِى لِلإِيمَانِ لِاشْتِرَاكِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ فِيهِ بِزَعْمِهِمْ بَلْ لا بُدَّ مِنْ تَوْحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ لِذَلِكَ وَتَوْحِيدِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِيَتَوَصَّلُوا إِلَى تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُنَزِّهُونَ اللَّهَ تَعَالَى عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَيُجَوِّزُونَ التَّوَسُّلَ بِالأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَنِدَاءَ الْغَائِبِ وَالِاسْتِغَاثَةَ بِهِ وَزِيَارَةَ قُبُورِ الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ طَالَمَا أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنَّ الأَنْبِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا فَإِنَّ الْوَهَّابِيَّةَ زَعَمُوا أَنَّ هَذَا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ إِخْلالٌ بِتَوْحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ وَأَنَّ اعْتِقَادَهُمْ أَنَّ الْخَالِقَ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ هُوَ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ وَهُوَ غَيْرُ كَافٍ لِلنَّجَاةِ وَمَا جَاءُوا بِهِ لَمْ يُذْكَرْ فِى الْقُرْءَانِ وَلا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا حَكَمَ بِهِ صَحَابِىٌّ أَوْ تَابِعِىٌّ وَلَوْ كَانَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ كَمَا زَعَمُوا لَمَا أَهْمَلَ سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ بَيَانَهُ وَلَمَا أَهْمَلَ نَقْلَهُ عَنْهُ الصَّحَابَةُ وَلا التَّابِعُونَ فَأَيْنَ دَعْوَى هَؤُلاءِ الْمُبْتَدِعَةِ اتِّبَاعَ السَّلَفِ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَا تَسَمِّيهِمْ بِالسَّلَفِيَّةِ إِلَّا تَدْلِيسٌ وَخِدَاعٌ بَلْ إِنَّ النُّصُوصَ الشَّرْعِيَّةَ تَشْهَدُ لِفَسَادِ مَا زَعَمُوا وَلِضِدِّ مَا قَالُوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتَفِى لِلْحُكْمِ عَلَى الشَّخْصِ بِالإِسْلامِ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرِطَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِى الإِسْلامِ الِاعْتِقَادَاتِ الَّتِى زَعَمُوهَا وَقَدْ جَاءَ فِى حَدِيثِ سُؤَالِ الْقَبْرِ الَّذِى رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ الإِنْسَانَ يُسْأَلُ عَنْ رَبِّهِ وَعَنْ نَبِيِّهِ وَعَنْ دِينِهِ فَيُجِيبُ الْمُؤْمِنُ اللَّهُ رَبِّى وَالإِسْلامُ دِينِى وَمُحَمَّدٌ نَبِيىِّ وَيَكْتَفِى مِنْهُ الْمَلَكَانِ بِذَلِكَ وَلا يَقُولانِ لَهُ تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ لا يَكْفِى بَلْ لا بُدَّ مَعَهُ مِنْ تَوْحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ كَمَا زَعَمَتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ فَمَا أَعْظَمَ مُصِيبَةَ الْمُسْلِمِينَ بِهَا.

 

الصِّفَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ (الْقِيَامُ بِالنَّفْسِ)

 

   (اعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى قِيَامِهِ بِنَفْسِهِ هُوَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ) فَهِىَ مِنَ الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ وَهِىَ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِغْنَائِهِ تَعَالَى عَنِ الْفَاعِلِ (فَلا يَحْتَاجُ) رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى (إِلَى مُخَصِّصٍ لَهُ) بِصِفَةٍ دُونَ صِفَةٍ وَ(بِالْوُجُودِ) دُونَ الْعَدَمِ (لِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ إِلَى الْغَيْرِ يُنَافِى قِدَمَهُ) سُبْحَانَهُ (وَقَدْ ثَبَتَ وُجُوبُ قِدَمِهِ وَبَقَائِهِ) فَلا يَنْتَفِعُ رَبُّنَا تَعَالَى بِطَاعَةِ الطَّائِعِينَ كَمَا أَنَّهُ لا يَنْضَرُّ بِعِصْيَانِ الْعُصَاةِ وَكُلُّ شَىْءٍ سِوَاهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ وَلا يَسْتَغْنِى عَنْهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى طَرْفَةَ عَيْنٍ.

 

الصِّفَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ (الْمُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِثِ)

 

   (يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْحَوَادِثِ) كُلِّهَا فِى الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالأَفْعَالِ وَهِىَ أَىِ الْمُخَالَفَةُ لِلْحَوَادِثِ مِنَ الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ (بِمَعْنَى أَنَّهُ) تَعَالَى (لا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ) فَهِىَ عِبَارَةٌ عَنْ نَفْىِ الْمُمَاثَلَةِ لِلْحَوَادِثِ (فلَيْسَ هُوَ بِجَوْهَرٍ يَشْغَلُ حَيِّزًا وَلا عَرَضٍ) يَقُومُ بِالْجَوْهَرِ وَلا لازِمٍ لَهُمَا كَالْجِرْمِيَّةِ وَالْمَقَادِيرِ وَالْقِصَرِ وَالطُّولِ وَالْعُمْقِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالْجِهَاتِ السِّتِّ يَمِينٍ وَشِمَالٍ وَأَمَامٍ وَخَلْفٍ وَفَوْقٍ وَتَحْتٍ وَمَا هُوَ بِمَعْنَاهَا كَنَحْوِ جَانِبٍ وَقُدَّامٍ وَوَرَاءٍ وَأَسْفَلٍ وَالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ بِالْمَسَافَةِ. (وَالْجَوْهَرُ مَا لَهُ تَحَيُّزٌ وَقِيَامٌ بِذَاتِهِ كَالأَجْسَامِ وَالْعَرَضُ مَا لا يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَإِنَّما يَقُومُ بِغَيْرِهِ كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ وَالأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ) وَبُرْهَانُ وُجُوبِ الْمُخَالَفَةِ لِلْحَوَادِثِ لِلَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ شَابَهَ الْحَوَادِثَ أَوْ شَيْئًا مِنْهَا فِى الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ لَجَازَ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهَا مِنَ التَّغَيُّرِ وَالتَّطَوُّرِ وَالْعَجْزِ وَالضَّعْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَوْ جَازَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَاحْتَاجَ إِلَى مَنْ يُخَصِّصُهُ وَيُغَيِّرُهُ فَيَكُونُ حَادِثًا مُحْتَاجًا إِلَى مُحْدِثٍ وَهُوَ مُحَالٌ (وَلِذَلِكَ قَالَ الإِمَامُ أبُو حَنِيفَةَ فِى بَعْضِ رَسَائِلِهِ فِى عِلْمِ الْكَلامِ) وَهِىَ رِسَالَةُ الْفِقْهِ الأَكْبَرِ (أَنَّى يُشْبِهُ الْخَالِقُ مَخْلُوقَهُ) اﻫ (مَعْنَاهُ لا يَصِحُّ عَقْلًا وَلا نَقْلًا أَنْ يُشْبِهَ الْخَالِقُ مَخْلُوقَهُ) وَكَلامُ الإِمَامِ هَذَا أَخَذَهُ مِنَ الْبَرَاهِينِ النَّقْلِيَّةِ لِوُجُوبِ مُخَالَفَتِهِ تَعَالَى لِلْحَوَادِثِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الشُّورَى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ وَهُوَ أَوْضَحُ دَلِيلٍ نَقْلِىٍّ فِى ذَلِكَ جَاءَ فِى الْقُرْءَانِ لِأَنَّ هَذِهِ الآيَةَ تُفْهِمُ التَّنْزِيهَ الْكُلِّىَّ لِأَنَّ لَفْظَ شَىْءٍ فِيهَا وَرَدَ فِى سِيَاقِ النَّفْىِ وَالنَّكِرَةُ إِذَا وَرَدَتْ فِى سِيَاقِ النَّفْىِ كَانَتْ لِلشُّمُولِ فَأَفْهَمَتْ هَذِهِ الآيَةُ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا يُشْبِهُ أَىَّ شَىْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ وَالشَّىْءُ يَشْمَلُ الأَجْرَامَ وَالأَعْرَاضَ فَنَفَى تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ مُشَابَهَةَ ذَوِى الأَرْوَاحِ وَمُشَابَهَةَ الْجَمَادَاتِ مِنَ الأَجْرَامِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ نَفْىَ الشَّبَهِ عَنْهُ بِهَذِهِ الآيَةِ بِجَوْهَرٍ دُونَ جَوْهَرٍ أَوْ عَرَضٍ دُونَ عَرَضٍ أَوْ نَوْعٍ مِنَ الْحَوَادِثِ دُونَ نَوْعٍ فَأَفَادَتِ الآيَةُ نَفْىَ مُشَابَهَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمَخْلُوقَاتِ بِأَىِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَهَذَا يَشْمَلُ تَنْزِيهَهُ تَعَالَى عَنِ الْكَيْفِيَّةِ وَالشَّكْلِ وَالصُّورَةِ وَالْكَمِيَّةِ وَالْحَدِّ وَالْمِقْدَارِ (وَ)لِذَلِكَ (قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ) حَمْدٌ (الْخَطَّابِىُّ إِنَّ الَّذِى يَجِبُ عَلَيْنَا وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْلَمَهُ أَنَّ رَبَّنَا لَيْسَ بِذِى صُورَةٍ وَلا هَيْئَةٍ فَإِنَّ الصُّورَةَ تَقْتَضِى الْكَيْفِيَّةَ وَهِىَ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ صِفَاتِهِ مَنْفِيَّةٌ) اﻫ ذَكَرَهُ فِى شَرْحِهِ عَلَى الْبُخَارِىِّ عِنْدَ الْكَلامِ عَنْ حَدِيثِ رُؤْيَةِ اللَّهِ فِى الآخِرَةِ وَ(رَوَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِىُّ فِى الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَ)لَكِنْ (قَدْ تُطْلَقُ الْكَيْفِيَّةُ بِمَعْنَى الْحَقِيقَةِ) فَتُضَافُ بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَى اللَّهِ تَعَالَى (كَمَا فِى قَوْلِ بَعْضِهِمْ) مِنَ الْبَسِيطِ

             (كَيْفِيَّةُ الْمَرْءِ لَيْسَ الْمَرْءُ يُدْرِكُهَا         فَكيْفَ كَيْفِيَّةُ الْجَبَّارِ فِى الْقِدَمِ

   وَمُرَادُ هَذَا الْقَائِلِ) بِالْكَيْفِيَّةِ (الْحَقِيقَةُ. وَهَذَا الْبَيْتُ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِىُّ) فِى تَشْنِيفِ الْمَسَامِعِ وَنَسَبَهُ إِلَى سَيِّدِنَا عَلِىٍّ (وَ)ذَكَرَهُ (ابْنُ الْجَوْزِىِّ) فِى دَفْعِ شُبْهَةِ التَّشْبِيهِ (وَغَيْرُهُمَا) كَابْنِ الْعِمَادِ الْحَنْبَلِىِّ.

   قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ قِيلَ

حَقِيقَةُ الْمَرْءِ لَيْسَ الْمَرْءُ يُدْرِكُهَا     فَكَيْفَ يُدْرِكُ كُنْهَ الْخَالِقِ الأَزَلِىِّ

لَكَانَ أَحْسَنَ فَإِنَّ فِى التَّعْبِيرِ بِكَيْفِيَّةِ الْجَبَّارِ بِشَاعَةً اﻫ

   (وَ)لَخَّصَ بَعْضُهُمْ مَا تَقَدَّمَ فِى قَاعِدَةٍ وَجِيزَةٍ نَافِعَةٍ كَمَا (قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِىُّ) أَحْمَدُ بنُ سَلامَةَ الْمِصْرِىُّ (وَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِى الْبَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ) اﻫ (وَ)أَبُو جَعْفَرٍ مَعْرُوفٌ بِالْعِلْمِ كَبِيرُ الْمَحَلِّ فِى الْفَضْلِ وَ(هُوَ مِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ الثَّالِثِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِى حَدِيثِ خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ اﻫ رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ) فِى سُنَنِهِ (وَالْقَرْنُ الْمُرَادُ بِهِ مِائَةُ سَنَةٍ كَمَا قَالَ ذَلِكَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بنُ عَسَاكِرَ فِى كِتَابِهِ تَبْيِينُ كَذِبِ الْمُفْتَرِى الَّذِى أَلَّفَهُ فِى التَّنْوِيهِ بِأَبِى الْحَسَنِ الأَشْعَرِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ).

 

(صِفَاتُ اللَّهِ كُلُّهَا كَامِلَةٌ)

 

   (صِفَاتُ اللَّهِ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ لِأَنَّ الذَّاتَ أَزَلِىٌّ فَلا تَحْصُلُ لَهُ صِفَةٌ لَمْ تَكُنْ فِى الأَزَلِ) وَلا تَتَطَوَّرُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ وَلا يَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةٍ وَلا بِنُقْصَانٍ (أَمَّا صِفَاتُ الْخَلْقِ فَهِىَ حَادِثَةٌ تَقْبَلُ التَّطَوُّرَ مِنْ كَمَالٍ إِلَى أَكْمَلَ) عَلَى خِلافِ مَا ذَكَرْنَا فِى صِفَاتِ اللَّهِ (فَلا يَتَجَدَّدُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى شَىْءٌ) فَلا يَزِيدُ (وَ)لا يَنْقُصُ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ تَغَيَّرٌ وَهُوَ عَلامَةُ الْحُدُوثِ كَمَا قَدَّمْنَا فَنَقُولُ (اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ شَىءٍ بِعلْمِهِ الأَزَلِىِّ وَقُدْرَتِهِ الأَزَلِيَّةِ وَمَشِيئَتِه الأَزَلِيَّةِ. فَالْمَاضِى وَالْحَاضِرُ وَالْمُسْتَقْبَلُ بِالنِّسْبَةِ لِلَّهِ أَحَاطَ بِهِ بِعِلْمِهِ الأَزَلِىِّ) حَتَّى أَنْفَاسَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ الَّتِى تَتَجَدَّدُ بِلا انْقِطَاعٍ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى تَفَاصِيلَهَا (وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى) فِى سُورَةِ مُحَمَّدٍ (﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ فَلَيسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّه سَوْفَ يَعْلَمُ الْمُجَاهِدِينَ بَعْدَ أَنْ لَم يَكُنْ عَالِمًا بِهِم بِالِامْتِحَانِ وَالِاخْتِبَارِ، وَهَذَا يَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ مَعْنَى الآيَةِ حَتَّى نُمَيِّزَ أَىْ حَتَّى نُظْهِرَ لِلْعِبَادِ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ مِنْ غَيْرِهِمْ) فَتَعْرِفُ الْمَلائِكَةُ وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ هَذَا صَادِقٌ صَابِرٌ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَابِرٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ (وَيَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالى يَكْتَسِبُ عِلْمًا جَدِيدًا) لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ فِى الأَزَلِ. (وَصِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى كُلُّهَا كَامِلَةٌ) كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى (قَالَ تَعَالَى) فِى سُورَةِ الأَعْرَافِ (﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَائِهِ﴾ أَىْ فَلِلَّهِ تَعَالَى الأَسْمَاءُ الَّتِى تَدُلُّ عَلَى الْكَمَالِ فَلا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى اسْمٌ لا يَدُلُّ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ يُوهِمُ نَقْصًا كَمَا فَعَلَ سَيِّدُ قُطْبٍ فِى بَعْضِ كُتُبِهِ حَيْثُ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى رِيشَةً وَفِعْلُهُ هَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ النَّهْىِ الْمَذْكُورِ فِى الآيَةِ السَّابِقَةِ وَهُوَ مِنَ الإِلْحَادِ فِى أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَنْ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى رُوحًا أَوْ جَارًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَقَدْ نَصَّ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ[14] وَالإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الأَشْعَرِىُّ[15] وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ لا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَصِفَ اللَّهَ إِلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَلا أَنْ نُسَمِّيَهُ بِاسْمٍ إِلَّا مَا ثَبَتَ فِى الْقُرْءَانِ أَوْ فِى السُّنَّةِ أَوْ بِإِجْمَاعِ الأُمَّةِ (وَ)قَدْ (قَالَ تَعَالَى) فِى سُورَةِ النَّحْلِ (﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾) أَىْ وَلِلَّهِ صِفَاتُ الْكَمَالِ الَّتِى لا تُشْبِهُ وَصْفَ غَيْرِهِ (فَيَسْتَحِيلُ فِى حَقِّهِ تَعَالَى أَىُّ نَقْصٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى) فِى سُورَةِ ءَالِ عِمْرَانَ (﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾) فَفِيهِ إِسْنَادُ الْمَكْرِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ فِى سِيَاقِ الْمُشَاكَلَةِ فَلا يَكُونُ كَمَكْرِ الْعِبَادِ (فَالْمَكْرُ مِنَ الْخَلْقِ خُبْثٌ وَخِدَاعٌ لإِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَى الْغَيْرِ بِاسْتِعْمَالِ حِيلَةٍ وَأَمَّا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُجَازَاةُ الْمَاكِريِنَ بِالْعُقُوبَةِ مِنْ حَيْثُ لا يَدْرُونَ. وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى إِنَّ اللَّهَ) تَعَالَى (أَقْوَى فِى إِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَى الْمَاكِرِينَ منْ كُلِّ مَاكِرٍ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى مَكْرِهِمْ فَالْمَكْرُ بِمَعْنَى الِاحْتِيَالِ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى) فِى سُورَةِ الْبَقَرَةِ (﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾) فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْتَخِفُّ بِالْمُنَافِقِينَ كَمَا يَسْتَخِفُّ الْعِبَادُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ إِنَّمَا جَاءَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ (أَىْ) كَلِمَةُ يَسْتَهْزِئُ فِى الْقُرْءَانِ فِى سِيَاقِ الْمُشَاكَلَةِ أَيْضًا عَلَى مَعْنَى الْمُجَازَاةِ لِلْكُفَّارِ عَلَى اسْتِهْزَائِهِمْ فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا عِنْدَمَا يَجْتَمِعُونَ بِأَمْثَالِهِمْ يَتَكَلَّمُونَ بِذَمِّ الإِسْلامِ وَكَرَاهِيَتِهِ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَبِعِبَادِ اللَّهِ الْمُسْلِمِينَ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ (يُجَازِيهِمْ) بِمَا يَلِيقُ بِهِمْ (عَلَى اسْتِهْزَائِهِمْ) وَسَمَّى هَذِهِ الْمُجَازَاةَ اسْتِهْزَاءً مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِثَالُهَا قَوْلُ الشَّاعِرِ

قَالُوا تَمَنَّ شَيْئًا نُجِدْ لَكَ طَبْخَهُ    قُلْتُ اطْبُخُوا لِى جُبَّةً وَقَمِيصًا

   وَعَلَى مِثْلِ ذَلِكَ يُحْمَلُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ التَّوْبَةِ ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ أَىْ تَرَكُوا طَاعَةَ اللَّهِ بِالإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَرَكَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ رَحْمَتِهِ خَالِدِينَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ عَذَابُهَا.

   (وَ)إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَبَيَّنَ حُكْمُ إِضَافَةِ الْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالْعَيْنِ وَالرِّضَا وَالْغَضَبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ شَرَحَهُ الْمُصَنِّفُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَقَالَ (اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِإِثْبَاتِ مَا وَرَدَ فِى الْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالْعَيْنِ وَالرِّضَا وَالْغَضَبِ وَغَيْرِهَا) مِمَّا أُضِيفِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى (عَلَى) وَجْهِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ فَنَعْتَقِدُ (أَنَّهَا صِفَاتٌ يَعْلَمُهَا اللَّهُ) أَىْ يَعْلَمُ حَقِيقَتَهَا وَ(لا) نُحِيطُ نَحْنُ بِحَقِيقَتِهَا وَلا نَحْمِلُهَا (عَلَى أَنَّهَا جَوَارِحُ وَانْفِعَالاتٌ كَأَيْدِينَا وَوُجُوهِنَا وَعُيُونِنَا وَغَضَبِنَا فَإِنَّ الْجَوَارِحَ) وَالِانْفِعَالاتِ (مُسْتَحِيلَةٌ عَلَى اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى) فِى سُورَةِ الشُّورَى (﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ وَقَوْلِهِ) تَعَالَى فِى سُورَةِ الإِخْلاصِ (﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾) أَىْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَدِيلٌ[16] وَلا مَثِيلٌ (قَالُوا لَوْ كَانَ لِلَّهِ عَيْنٌ بِمَعْنَى الْجَارِحَةِ وَالْجِسْمِ لَكَانَ لَهُ أَمْثَالٌ فَضْلًا عَنْ مِثْلٍ وَاحِدٍ وَلَجَازَ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْمُحْدَثَاتِ مِنَ الْمَوْتِ وَالْفَنَاءِ وَالتَّغَيُّرِ وَالتَّطَوُّرِ وَلَكَانَ ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ مُقْتَضَى الْبُرْهَانِ الْعَقْلِىِّ عَلَى اسْتِحَالَةِ التَّغَيُّرِ وَالتَّحَوُّلِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ عَلَى اللَّهِ لِأَنَّ الدَّلائِلَ الْعَقْلِيَّةَ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ) أَظْهَرُهَا (طُرُوءُ صِفَاتٍ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ وَالتَّحَوُّلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَلا يَصِحُّ إِهْمَالُ الْعَقْلِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لا يَأْتِى إِلَّا بِمُجَوَّزَاتِ الْعَقْلِ) أَىْ إِلَّا بِمَا يَجُوزُ فِى حُكْمِ الْعَقْلِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الأُصُولِ مِنْهُمْ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِىُّ وَأَبُو إِسْحَقَ الشِّيرَازِىُّ وَغَيْرُهُمَا (أَىْ) فَلا يَأْتِى الشَّرْعُ (إِلَّا بِمَا يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ لِأَنَّهُ) أَىِ الْعَقْلَ (شَاهِدُ الشَّرْعِ) كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْحَجِّ ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِى الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْمُلْكِ ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ (فَالْعَقْلُ يَقْضِى بِأَنَّ الْجِسْمَ وَالْجِسْمَانِيَّاتِ أَىِ الأَحْوَالَ الْعَارِضَةَ لِلْجِسْمِ مُحْدَثَةٌ لا مَحَالَةَ وَأَنَّهَا مُحْتَاجَةٌ لِمُحْدِثٍ فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَّصِفُ بِهَا لَهُ مُحْدِثٌ) فَيَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى غَيْرِهِ (وَلا تَصِحُّ الأُلُوهِيَّةُ لِمَنْ) يَتَغَيَّرُ وَيَتَحَوَّلُ وَ(يَحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ) كَمَا سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. هَذَا فِى الإِضَافَاتِ الَّتِى قَامَتِ الأَدِلَّةُ عَلَى أَنَّهَا إِضَافَاتُ صِفَاتٍ وَأَمَّا مَا أُضِيفَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا لَمْ يَقُمِ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لَهُ سُبْحَانَهُ فَلا يَصِحُّ إِجْرَاؤُهُ مُجْرَاهَا فَلا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مَثَلًا إِنَّ النَّاقَةَ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِى سُورَةِ الشَّمْسِ ﴿نَاقَةَ اللَّهِ﴾ وَلا أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْكَعْبَةَ صِفَةٌ لَهُ سُبْحَانَهُ لِأَنَّنَا نُسَمِّيهَا بَيْتَ اللَّهِ بَلِ الإِضَافَةُ هُنَا إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ وَمِلْكٍ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْجَنْبُ وَالإِصْبِعُ وَالصُّورَةُ وَالْقَدَمُ فَلا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْجَنْبَ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِى سُورَةِ الزُّمَرِ إِخْبَارًا عَنِ الْكُفَّارِ ﴿يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فرَّطْتُ فِى جَنْبِ اللَّهِ﴾ وَلا أَنْ يُقَالَ إِنَّ الإِصْبِعَ صِفَةٌ لِلَّهِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبِعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمٰنِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ اﻫ وَلا أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ مُتَّصِفٌ بِالصُّورَةِ لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِىِّ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ ءَادَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمٰنِ اﻫ وَلا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْقَدَمَ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لِحَدِيثِ فَيَضَعُ الْجَبَّارُ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَقُولُ قَطٍ قَطٍ اﻫ بَلْ مَعْنَى تَحَسُّرِ الْكَافِرِ عَلَى مَا فَرَّطَ فِى جَنْبِ اللَّهِ أَىْ عَلَى تَقْصِيرِهِ فِى الْقِيَامِ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهِ الأَصَابِعُ أَنَّ قُلُوبَ الْعِبَادِ فِى قَبْضَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحَدِيثُ الَّذِى فِيهِ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمٰنِ أَىْ عَلَى الصُّورَةِ الْمُشَرَّفَةِ عِنْدَ الرَّحْمٰنِ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ هِىَ بِلَفْظِ عَلَى صُورَتِهِ بِالإِضَافَةِ إِلَى الضَّمِيرِ إِذْ رَوَى الْبُخَارِىُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِىَّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ قَالَ إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ ءَادَمَ عَلَى صُورَتِهِ اﻫ أَىْ عَلَى صُورَةِ الْمَضْرُوبِ فَاحْتَمَلَ احْتِمَالًا قَوِيًّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الرُّوَاةِ قَدْ ظَنَّ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ يَرْجِعُ إِلَى لَفْظِ الْجَلالَةِ اللَّه فَرَوَاهُ بِلَفْظٍ مِنْ عِنْدِهِ فَأَخْطَأَ وَمَعْنَى وَضْعِ الْجبَّارِ قَدَمَهُ فِى النَّارِ إِدْخَالُ الْفَوْجِ الَّذِينَ يُقَدَّمُونَ إِلَى النَّارِ فَتَمْتَلِئُ بِهِمْ كَمَا قَالَ النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ وَالأَزْهَرِىُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ الَّتِى فِيهَا وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَيُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا ءَاخَرَ اﻫ وَمِنَ الإِلْحَادِ فِى صِفَاتِ اللَّهِ وَأَسْمَائِهِ أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ جَالِسٌ لا كَجُلُوسِنَا أَوْ إِنَّ اللَّهَ جِسْمٌ لا كَالأَجْسَامِ فَإِنَّ الْجُلُوسَ لا يَكُونُ إِلَّا مِنْ ذِى نِصْفَيْنِ أَعْلَى وَأَسْفَل وَمَقْعَدَةٍ يُلاقِى بِهَا الْجَالِسُ مَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ إِنَّ اللَّهَ جَالِسٌ فَقَدْ نَسَبَ إِلَيْهِ صِفَاتِ النَّقْصِ هَذِهِ وَأَثْبَتَهَا لَهُ إِذْ لا تَحْتَمِلُ عِبَارَتُهُ غَيْرَ هَذَا فَلا يَنْفَعُهُ قَوْلُهُ لا كَجُلُوسِنَا بَعْدَ ذَلِكَ وَصَارَ حَالُهُ كَحَالِ الْقَائِلِ إِنَّ اللَّهَ نَائِمٌ لا كَنَوْمِنَا أَوْ عَاجِزٌ لا كَعَجْزِنَا فَإِنَّ عِبَارَةَ لا كَنَوْمِنَا وَعِبَارَةَ لا كَعَجْزِنَا لا تَنْفَعَانِ شَيْئًا فِى نَفْىِ الْكُفْرِ عَمَّنْ يَنْسُبُ النَّوْمَ وَالْعَجْزَ إِلَى الرَّبِّ جَلَّ وَعَزَّ وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ لا كَجُلُوسِنَا لا تُفِيدُ شَيْئًا فِى نَفْىِ الضَّلالِ عَمَّنْ يَنْسُبُ الْجُلُوسَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى[17]. وَعَلَى مِثْلِ هَذَا يَجْرِى الْحُكْمُ فِى حَقِّ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ لا كَالأَجْسَامِ فَإِنَّ الْجِسْمَ هُوَ مَا لَهُ أَبْعَادٌ ثَلاثَةٌ طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ وَإِطْلاقُ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ صَرِيحٌ فِى إِضَافَةِ النَّقْصِ إِلَيْهِ فَلا تَنْفَعُ عِبَارَةُ لا كَالأَجْسَامِ بَعْدَ ذَلِكَ فِى مَنْعِ الْحَرَجِ عَنْ قَائِلِهَا. وَلا تَنْسَ رَحِمَكَ اللَّهُ بِتَوْفِيقِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لا يَجُوزُ وَصْفُ اللَّهِ وَلا تَسْمِيَتُهُ بِمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ الْقُرْءَانُ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ فِى السُّنَّةِ أَوْ لَمْ تُجْمِعْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ وَلا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِى الشَّرْعِ إِطْلاقُ الْجُلُوسِ عَلَى اللَّهِ وَلا إِطْلاقُ الْجِسْمِ عَلَيْهِ.

(51) أَىْ يُدْرَكُ بِهَا.

(52) أَىِ السَّنُوسِىُّ.

(53) أَىِ التَّفْتَازَانِىِّ.

(54) أَىْ فَعَلَى تَعْرِيفِ الْبَصَرِ أَنَّهُ صِفَةٌ يَنْكَشِفُ لَهُ تَعَالَى بِهَا كُلَّ مَوْجُودٍ هِىَ مُتَعَلِّقَةٌ بِكُلِّ مَوْجُودٍ خِلافًا لِمَا ذَكَرَ السَّعْدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَيْثُ التَّعَلُّقُ.

(55) أَىْ لِثُبُوتِ حُدُوثِهِ عَقْلًا كَمَا مَرَّ.

(56) لِأَنَّ الإِرَادَةَ تَأْتِى بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ الْمُعَرَّفَةِ فِى الْمَتْنِ وَتَأْتِى بِمَعْنَى الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَى فَبَيَّنَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالإِرَادَةِ هُنَا

     الْمَشِيئَةُ.

(57) أَىْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ فَيُجْرِى عَلَى أَيْدِيهِمْ مَا شَاءَ مِنْ                

     خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَيَنْزِعُهُ مِمَّنْ شَاءَ وَلا يُنْسَبُ بِذَلِكَ إِلَى سَفَهٍ أَوْ ظُلْمٍ سُبْحَانَهُ.

(58) أَىْ لَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَشِيئَةَ تَابِعَةٌ لِلْعِلْمِ فِى الْوُجُودِ أَىْ تَالِيَةٌ لَهُ فَصِفَاتُهُ تَعَالَى الْوَاجِبَةُ لَهُ كُلُّهَا أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى

     هُوَ مَا بَيَّنَهُ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ.

(59) أَىْ لإِظْهَارِ مَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ كَائِنٌ مِنَ الْعَبْدِ إِقَامَةً لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِ.

(60) مَعْنَى كَلامِ الرَّجُلِ أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُطَاعَ فَبَيَّنَ لَهُ السُّنِّىُّ أَنَّ اللَّهَ لَوْ أَرَادَ أَنْ لا يُعْصَى لَمْ يُعْصَ فَلا يَمْنَعُ نَفَاذَ مَشِيئَتِهِ

     أَحَدٌ إِذْ لَوْ مَنَعَ نَفَاذَهَا مَانِعٌ لَكَانَ اللَّهُ مَقْهُورًا فَحَاجَّهُ مِنْ كَلامِهِ.

(61) لِأَنَّ وَظِيفَةَ الْقُدْرَةِ إِيجَادُ الْمُمْكِنِ الْعَقْلِىِّ وَإِعْدَامُهُ وَالْمُسْتَحِيلُ الْعَقْلِىُّ لا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ أَصْلًا لِذَاتِهِ فَلا تَعَلُّقَ لِلْقُدْرَةِ  

     بِهِ.

(62) أَىْ لا مِنْ طَرِيقِ الْعَدَدِ فَيُتَوَهَّمَ لَهُ ثَانٍ.

(63) أَىْ لا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتَيْنِ مُؤَثِّرَتَيْنِ أَىْ بِالإِبْرَازِ مِنَ الْعَدَمِ.

(64) قَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فِى رِوَايَةِ أَبِى يُوسُفَ عَنْهُ وَلا يَنْبَغِى لِأَحَدٍ أَنْ يَنْطِقَ فِى اللَّهِ بِشَىْءٍ مِنْ ذَاتِهِ

    وَلَكِنْ يَصِفُهُ بِمَا وَصَفَ نَفْسَهُ وَلا يَقُولُ فِيهِ بِرَأْيِهِ شَيْئًا اﻫ ذَكَرَهُ الْبَيَاضِىُّ فِى الإِشَارَاتِ وَرَوَاهُ ابْنُ صَاعِدٍ عَنِ الإِمَامِ.

(65) قَالَ الإِمَامُ الأَشْعَرِىُّ فِى اللُّمَعِ فَالأَسْمَاءُ لَيْسَتْ إِلَيْنَا وَلا يَجُوزُ أَنْ نُسَمِّىَ اللَّهَ تَعَالَى بِاسْمٍ لَمْ يُسَمِّ بِهِ نَفْسَهُ وَلا سَمَّاهُ بِهِ

    رَسُولُهُ وَلا أَجْمَعَ الْمُسْلِمِونَ عَلَيْهِ وَلا عَلَى مَعْنَاهُ اﻫ

(66) أَىْ مُعَادِلٌ أَىْ مُسَاوٍ.

(67) أَىْ فَيُؤَاخَذُ بِنِسْبَتِهِ النَّقْصَ إِلَى اللَّهِ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لا كَجُلُوسِنَا لا يَنْفِى أَنَّهُ نَسَبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لا يَلِيقُ.