الأربعاء ديسمبر 11, 2024

(مَا يُسْتَثْنَى مِنْ) أَلْفَاظِ (الْكُفْرِ الْقَوْلِىِّ)

   (يُسْتَثْنَى مِنَ الْكُفْرِ اللَّفْظِىِّ) خَمْسُ حَالاتٍ لا يَكْفُرُ فِيهَا قَائِلُهُ الْحَالَةُ الأُولَى هِىَ (حَالَةُ سَبْقِ اللِّسَانِ أَىْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِشَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ) أَىْ بِلَفْظٍ كُفْرِىٍّ (مِنْ غَيْرِ إِرَادَةٍ بَلْ جَرَى) الْكَلامُ (عَلَى لِسَانِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ أَنْ يَقُولَهُ بِالْمَرَّةِ) وَذَلِكَ كَأَنْ يَقْصِدَ أَنْ يَقُولَ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَيَسْبِقَ لِسَانُهُ إِلَى النُّطْقِ بِمَا لَمْ يُرِدِ النُّطْقَ بِهِ فَيَقُولَ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لا مُؤَاخَذَةَ عَلَيْهِ عِنْدَئِذٍ.

   (وَ)الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ (حَالَةُ غَيْبُوبَةِ الْعَقْلِ أَىْ عَدَمِ صَحْوِ الْعَقْلِ) فَإِنَّ مَنْ غَابَ عَقْلُهُ فَنَطَقَ فِى أَثْنَاءِ ذَلِكَ بِكَلامٍ كُفْرِىٍّ لا يُكَفَّرُ لِارْتِفَاعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ حِينَذَاكَ. وَيَشْمَلُ هَذَا النَّائِمَ وَالْمَجْنُونَ وَنَحْوَهُمَا كَالْوَلِىِّ إِذَا غَابَ عَقْلُهُ بِالْوَجْدِ فَتَكَلَّمَ فِى حَالِ الْغَيْبُوبَةِ بِمَا يُخَالِفُ شَرْعَ اللَّهِ مِمَّا هُوَ مِنْ أَلْفَاظِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ لا حَرَجَ عَلَيْهِ عِنْدَئِذٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا الْمَجْذُوبَ وَالْمَجْنُونَ يُنْهَيَانِ عَنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ.

   (وَ)الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ (حَالَةُ الإِكْرَاهِ) مِنْ قَادِرٍ عَلَى تَنْفِيذِ تَهْدِيدِهِ لِمَنْ يُصَدِّقُهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ وَلا يَجِدُ طَرِيقَةً لِلْخَلاصِ مِنْ تَنْفِيذِ التَّهْدِيدِ إِلَّا بِالنُّطْقِ بِمَا طُلِبَ مِنْهُ (فَمَنْ نَطَقَ بِالْكُفْرِ بِلِسَانِهِ) فِى هَذِهِ الْحَالِ (مُكْرَهًا بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ) أَىْ مِمَّا يُفْضِى إِلَى الْقَتْلِ (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ فَلا يَكْفُرُ) وَأَمَّا إِذَا أُكْرِهَ فَنَطَقَ بِسَبَبِ ذَلِكَ بِالْكُفْرِ لَكِنَّ صَدْرَهُ انْشَرَحَ بِهِ عِنْدَ النُّطْقِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ كَمَا (قَالَ تَعَالَى) فِى سُورَةِ النَّحْلِ (﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَّنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ﴾ الآيَةَ) وَأَمَّا غَيْرُ الْمُكْرَهِ فَلا يُشْتَرَطُ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ انْشِرَاحُ الصَّدْرِ وَلا مَعْرِفَةُ حُكْمِ مَا قَالَهُ وَأَنَّهُ كُفْرٌ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِىِّ وَغَيْرِهِ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِى بِهَا فِى النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا اﻫ وَبِهِ يُعْلَمُ فَسَادُ مَا قَالَهُ سَيِّدُ سَابِقٍ وَبَعْضٌ ءَاخَرُونَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ مِنْ أَنَّ الأَلْفَاظَ الْكُفْرِيَّةَ لا تُؤَثِّرُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا شَارِحًا صَدْرَهُ بِهَا وَنَاوِيًا مَعْنَاهَا وَمُعْتَقِدًا لَهُ فَإِنَّهُمْ بِقَوْلِهِمْ هَذَا جَعَلُوا كُلَّ الْعِبَادِ فِى حُكْمِ الْمُكْرَهِ عَلَى خِلافِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِى جَعَلَ لِلْمُكْرَهِ حُكْمًا خَاصًّا لا يَتَجَاوَزُهُ إِلَى غَيْرِهِ.

  فَائِدَةٌ. الْمُكْرَهُ إِذَا ثَبَتَ فَلَمْ يُجِبِ الْكُفَّارَ لِمَا أَرَادُوا مِنْهُ فَهُوَ أَحْسَنُ وَإِذَا قَتَلُوهُ يَكُونُ قَدْ فَازَ بِالشَّهَادَةِ.

   تَنْبِيهٌ. يُشْكِلُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ مَا يَقُولُهُ الْفُقَهَاءُ فِى بَابِ الإِكْرَاهِ مِنْ عَدِّهِمُ الضَّرْبَ وَالْحَبْسَ وَأَخْذَ الْمَالِ وَقَطْعَ الإِصْبَعِ مِنْ أَنْوَاعِ الإِكْرَاهِ فَيَظنُّونَ أَنَّ هَذَا إِكْرَاهٌ يَجُوزُ بِهِ النُّطْقُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ كَمَا اخْتَلَطَ الأَمْرُ عَلَى بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى الْمَذْهَبِ الْحَنَفِىِّ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا وَلَيْسَ هَذَا مَا قَصَدَهُ الْعُلَمَاءُ عِنْدَ عَدِّهِمْ لِهَذِهِ الأَشْيَاءِ فِى أَنْوَاعِ الإِكْرَاهِ بَلْ أَرَادُوا أَنَّ كُلًّا مِنْهَا يَكُونُ إِكْرَاهًا فِى بَعْضِ الأَحْوَالِ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الأُمُورِ كَالطَّلاقِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلنُّطْقِ بِالْكُفْرِ فَالْمُعْتَبَرُ مِنَ الإِكْرَاهِ عِنْدَئِذٍ هُوَ الْقَتْلُ وَمَا أَفْضَى إِلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَا بَلْ قَالَ بَعْضُهُمُ الْمُعْتبَرُ الْقَتْلُ فَقَطْ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الضَّرْبَ وَالْحَبْسَ وَقَطْعَ الإِصْبَعِ وَمَا شَابَهَ لا يُعَدُّ إِكْرَاهًا عَلَى الْقَتْلِ وَهُوَ دُونَ الْكُفْرِ فَكَيْفَ بِالْكُفْرِ، عَلَى أَنَّ الإِكْرَاهَ وَلَوْ بِالْقَتْلِ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ[1] لا يُبِيحُ لِلْمُكْرَهِ قَتْلَهُ وَأَمَّا الإِكْرَاهُ عَلَى الْكُفْرِ فَيُبِيحُ النُّطْقَ بِهِ مَعَ عَدَمِ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ كَمَا تَقَدَّمَ.

   فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ. الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الإِكْرَاهَ عَلَى الْفِعْلِ الْكُفْرِىِّ كَالإِكْرَاهِ عَلَى النُّطْقِ بِالْكُفْرِ فِى حُكْمِهِ وَتَفْصِيلاتِهِ.

   تَنْبِيهٌ ثَانٍ. تَهْدِيدُ الشَّخْصِ بِقَتْلِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ وَلَدِهِ لَيْسَ إِكْرَاهًا لَهُ وَلا يُجِيزُ لَهُ التَّلَفُّظَ بِالْكُفْرِ.

   وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ هِىَ (حَالَةُ الْحِكَايَةِ لِكُفْرِ الْغَيْرِ فَلا يَكْفُرُ الْحَاكِى كُفْرَ غَيْرِهِ) أَىِ الَّذِى يَنْقُلُ الْكَلامَ الْكُفْرِىَّ الَّذِى قَالَهُ غَيْرُهُ مُسْتَعْمِلًا أَدَاةَ الْحِكَايَةِ أَىْ (عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الرِّضَى وَالِاسْتِحْسَانِ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَمُسْتَنَدُنَا فِى اسْتِثْنَاءِ مَسْئَلَةِ الْحِكَايَةِ) ءَايَاتٌ وَأَحَادِيثُ مِنْهَا (قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى) فِى سُورَةِ التَّوْبَةِ (﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾) وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْمَائِدَةِ (﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ ثُمَّ الْحِكَايَةُ الْمَانِعَةُ لِكُفْرِ حَاكِى الْكُفْرِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِى أَوَّلِ الْكَلِمَةِ الَّتِى يَحْكِيهَا عَمَّنْ تَكَلَّمَ بِكُفْرٍ أَوْ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْكَلِمَةَ عَقِبَهَا وَقَدْ كَانَ نَاوِيًا أَنْ يَأْتِىَ بِأَدَاةِ الْحِكَايَةِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَةَ الْكُفْرِ فَلَوْ قَالَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ قَوْلُ النَّصَارَى أَوْ قَالَتْهُ النَّصَارَى فَهِىَ حِكَايَةٌ مَانِعَةٌ لِلْكُفْرِ عَنِ الْحَاكِى).

   (وَ)الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ (حَالَةُ كَوْنِ الشَّخْصِ مُتَأَوِّلًا بِاجْتِهَادِهِ فِى فَهْمِ الشَّرْعِ) أَىْ أَنْ يَفْهَمَ شَخْصٌ ءَايَةً أَوْ حَدِيثًا عَلَى خِلافِ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ تَفْسِيرَهُ لا يُوَافِقُ لُغَةَ الْعَرَبِ وَلِسَانَهُمْ أَوْ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَسَّرَ النَّصَّ الَّذِى تَأَوَّلَهُ عَلَى خِلافِ مَا فَسَّرَهُ بِهِ أَوْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ أَيَّامِ الصَّحَابَةِ فَهِمُوا مِنْهُ خِلافَ مَا فَهِمَ (فَإِنَّهُ لا يَكْفُرُ الْمُتَأَوِّلُ) فِى هَذِهِ الْحَالِ (إِلَّا إِذَا كَانَ تَأَوُّلُهُ فِى الْقَطْعِيَّاتِ) أَىْ مَا كَانَ التَّأْوِيلُ فِيهِ يَنْقُضُ التَّوْحِيدَ أَوْ يَنْقُضُ الإِيمَانَ بِنَبِىِّ اللَّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتَيْنِ بِالأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ (فَأَخْطَأَ فَإِنَّهُ لا يُعْذَرُ) لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ لا يَكُونُ قَدْ حَصَّلَ أَدْنَى الإِيمَانِ وَلا فَهِمَ مَعْنَى الإِلَهِ وَلا مَعْنَى النَّبِىِّ أَوِ الرَّسُولِ رَغْمَ تَلَفُّظِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ كَانَ قَطْعِىَّ الثُّبُوتِ فِى حَدِّ ذَاتِهِ وَلا سَبِيلَ إِلَى الْعِلْمِ بِهِ إِلَّا بِالنَّقْلِ وَالسَّمَاعِ كَالْحَوْضِ وَالصِّرَاطِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْمَلائِكَةِ وَفَضْلِ الْخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ وَالأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ مِنْ وَاجِبٍ وَمُحَرَّمٍ وَمَكْرُوهٍ وَمَنْدُوبٍ وَمُبَاحٍ مِمَّا أُجْمِعَ عَلَيْهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا ثَبَتَ بِالْقَطْعِ كَوْنُهُ مِنَ الدِّينِ فَلَمْ يَبْلُغِ الصَّوَابُ فِيهِ مُسلمًا وَلَمْ يُنْقَلْ إِلَيْهِ فَتَأَوَّلَ ءَايَةً أَوْ حَدِيثًا عَلَى خِلافِ حُكْمِ الشَّرْعِ فِيهِ لِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِى فَهْمِ النَّصِّ فَلا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا مَنْ تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ بِحَيْثُ يَرْجِعُ خَطَؤُهُ بِالإِبْطَالِ عَلَى أَصْلِ الْعَقِيدَةِ وَالإِيمَانِ فَإِنَّهُ لا يُعْذَرُ (كَتَأَوُّلِ الَّذِينَ قَالُوا بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَأَزَليَّتِهِ كَابْنِ تَيْمِيَةَ) الْحَفِيدِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ الْحَلِيمِ مِنْ مُتَأَخِّرِى الْمُنْتَسِبِينَ زُورًا إِلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ (وَأَمَّا مِثَالُ مَنْ لا يَكْفُرُ مِمَّنْ تَأَوَّلَ فَهُوَ كَتَأُوُّلِ الَّذِينَ مَنَعُوا الزَّكَاةَ فِى عَهْدِ) سَيِّدِنَا (أَبِى بَكْرٍ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ مُتَأَوِّلِينَ ذَلِكَ (بِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِى عَهْدِ الرَّسُولِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِأَنَّ صَلاتَهُ كَانَتْ عَلَيْهِمْ سَكَنًا لَهُمْ أَىْ رَحْمَةً وَطُمَأْنِينَةً وَطُهْرَةً وَأَنَّ ذَلِكَ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُكَفِّرُوهُمْ لِذَلِكَ لِأَنَّ هَؤُلاءِ فَهِمُوا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى) فِى سُورَةِ التَّوْبَةِ (﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ﴾ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ ﴿خُذْ﴾ أَىْ يَا مُحَمَّدُ الزَّكَاةَ لِتَكُونَ إِذَا دَفَعُوهَا إِلَيْكَ سَكَنًا لَهُمْ وَأَنَّ هَذَا لا يَحْصُلُ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلا يَجِبُ عَلَيْهِمْ دَفْعُهَا لِأَنَّهُ قَدْ مَاتَ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِأَخْذِهَا مِنْهُمْ) فَقَالُوا الَّذِى كَانَ يُصَلِّى علَيَنْاَ قَدْ مَاتَ فَلِمَ يَأْخُذُ أَبُو بَكْرٍ أَمْوَالَنَا فَامْتَنَعُوا مِنْ دَفْعِهَا لِذَلِكَ (وَلَمْ يَفْهَمُوا) مِنْ نُصُوصِ الشَّرْعِ وَلا كَانُوا عَلِمُوا (أَنَّ الْحُكْمَ عَامٌّ فِى) زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ أَىْ فِى (حَالِ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنَّما قَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ كَمَا قَاتَلَ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ فِى دَعْوَاهُ النُّبُوَّةَ) وَالآخَرِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا غَيْرَ مُسَيْلِمَةَ مِنَ الْمُتَنَبِّئينَ الْكَذَّابِينَ (لِأَنَّهُ مَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمُ) الزَّكَاةَ (قَهْرًا بِدُونِ قِتَالٍ لِأَنَّهُمْ) تَجَمَّعُوا لِمَنْعِهَا وَ(كَانُوا ذَوِى قُوَّةٍ فَاضْطُرَّ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ (إِلَى الْقِتَالِ) وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْحُرُوبُ حُرُوبَ الرِّدَّة لِأَنَّ أَهْلَ الإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ حَارَبُوا فِيهَا مَعَ الْخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الإِسْلامِ وَمَنِ ارْتَدَّ عَنْ دَفْعِ الزَّكَاةِ وَلَيْسَ لِأَنَّ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ كَانَ مُرْتَدًّا عَنِ الإِسْلامِ كَمَنِ اتَّبَعَ مُدَّعِى النُّبُوَّةِ الْكَذَّابِينَ.

   (وَكَذَلِكَ) لَمْ يُكَفِّرِ الصَّحَابَةُ (الَّذِينَ فَسَّرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى) فِى سُورَةِ الْمَائِدَةِ (﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنْتَهُونَ﴾ بِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ) بَيْنَ شُرْبِ الْخَمْرِ وَبَيْنَ تَرْكِ شُرْبِها (وَلَيْسَ تَحْرِيمًا لِلْخَمْرِ فَشَرِبُوهَا لِأَنَّ) هَؤُلاءِ لَمْ يَفْهَمُوا الآيَةَ عَلَى وَجْهِهَا فَظَنُّوا أَنَّهَا لا تَعْنِى تَحْرِيمَ الْخَمْرِ وَلَمْ يَبْلُغْهُمُ اجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَلِهَذَا فَإِنَّ سَيِّدَنَا (عُمَرَ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ (مَا كَفَّرَهُمْ وَإِنَّمَا قَالَ اجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ ثُمَّ إِنْ عَادُوا) أَىْ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ شُرْبَهَا جَائِزٌ (فَاقْتُلُوهُمْ اﻫ) أَىْ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَكُونُونَ قَائِلِينَ بِحِلِّهَا بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِإِطْبَاقِ الأُمَّةِ عَلَى تَحْرِيمِهَا فَيَكُونُونَ مُرْتَدِّينَ تَجْرِى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُهُمْ. وَالْحَدِيثُ الْمَوْقُوفُ (رَوَاهُ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ) وَهَكَذَا فِى زَمَانِنَا هَذَا مَنْ كَانَ يَعِيشُ بَعِيدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بَعِيدًا مِمَّنْ يَعْلَمُ مِثْلَ هَذَا الْحُكْمِ فَلَمْ يَبْلُغْهُ لِذَلِكَ تَحْرِيمُ شُرْبِ الْخَمْرِ لَمْ يُحْكَمْ بِرِدَّتِهِ إِذَا اعْتَقَدَ لِخَطَإٍ فِى التَّأْوِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَ(إِنَّمَا كَفَّرُوا) أَىِ الصَّحَابَةُ (الآخَرِينَ) مِمَّنْ حَارَبُوهُمْ فِى حُرُوبِ الرِّدَّةِ أَىِ (الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلامِ لِتَصْدِيقِهِمْ لِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ الَّذِى ادَّعَى الرِّسَالَةَ فَمُقَاتَلَتُهُمْ لِهَؤُلاءِ الَّذِينَ تَأَوَّلُوا مَنْعَ الزَّكَاةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَانَ لِأَخْذِ الْحَقِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ فِى أَمْوَالِهِمْ وَذَلِكَ كَقِتَالِ الْبُغَاةِ) الَّذِينَ يَخْرُجُونَ عَنْ طَاعَةِ الْخَلِيفَةِ وَيُحْوِجُونَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ لِيُرْجِعَهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ (فَإِنَّهُمْ لا يُقَاتَلُونَ لِكُفْرِهِمْ بَلْ يُقَاتَلُونَ لِرَدِّهِمْ إِلَى طَاعَةِ الْخَلِيفَةِ كَالَّذِينَ قَاتَلَهُمْ سَيِّدُنَا عَلِىٌّ فِى الْوَقَائِعِ الثَّلاثِ وَقَعْةِ الْجَمَلِ) ضِدَّ مَنْ نَكَثَ بِبَيْعَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ (وَوَقَعْةِ صِفِّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ) وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ الَّذِينَ حَادُوا عَنِ الْحَقِّ (وَوَقْعَةِ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ) الْمَارِقِينَ مِنَ الدِّينِ[2] عَلَى وَفْقِ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ عَلِىٌّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أُمِرْتُ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ اﻫ رَوَاهُ النَّسَائِىُّ فَإِنَّ سَيِّدَنَا عَلِيًّا وَمَنْ مَعَهُ قَاتَلُوهُمْ لِرَدِّهِمْ إِلَى الْحَقِّ لا عَلَى أَنَّهُمْ خَارِجُونَ مِنَ الإِسْلامِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُجْرُوا عَلَيْهِمْ أَحْكَامَ قِتَالِ الْكُفَّارِ فَلَمْ يَسْلِبُوهُمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَبِعُوا مُدْبِرَهُمْ وَلا أَجْهَزُوا عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلا قَتَلُوا أَسْرَاهُمْ (عَلَى أَنَّ مِنَ الْخَوَارِجِ صِنْفًا هُمْ كُفَّارٌ حَقِيقَةً فَأُولَئِكَ لَهُمْ حُكْمُهُمُ الْخَاصُّ) وَسَيَأْتِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ زِيَادَةُ بَيَانٍ لِحَالِهِمْ. (قَالَ الْحَافِظُ أَبُو زُرْعَةَ) ابْنُ الْحَافِظِ زَيْنِ الدِّينِ (الْعِرَاقِيُّ فِي نُكَتِهِ وَقَالَ شَيْخُنَا أَيْضًا يَعْنِى الْبُلْقِينِىَّ يَنْبَغِى أَنْ يُقَالَ بِلا تَأْوِيلٍ لِيَخْرُجَ الْبُغَاةُ وَالْخَوَارِجُ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ) بِالتَّأْوِيلِ (دِمَاءَ أَهْلِ الْعَدْلِ) أَىِ الَّذِينَ هُمْ فِى طَاعَةِ الْخَلِيفَةِ (وَأَمْوَالَهُمْ وَيَعْتَقِدُونَ) مُتَأَوِّلِينَ أَيْضًا (تَحْرِيمَ دِمَائِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ وَ)لِيَخْرُجَ (الَّذِينَ أَنْكَرُوا وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّأْوِيلِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمْ يُكَفِّرُوهُمْ اﻫ) أَىْ لَمْ يُكَفِّرُوا هَؤُلاءِ الْبُغَاةَ وَلا الْخَوَارِجَ وَلا مَانِعِى الزَّكَاةِ (وَهَذَا شَاهِدٌ مِنْ مَنْقُولِ الْمَذْهَبِ لِمَسْئَلَةِ التَّأْوِيلِ بِالِاجْتِهَادِ. وَمِمَّا يَشْهَدُ مِنَ الْمَنْقُولِ) أَىْ مِنْ مَنْقُولِ الْمَذْهَبِ (فِى مَسْئَلَةِ الِاجْتِهَادِ بِالتَّأَوُّلِ وَحِكَايَةِ الْكُفْرِ قَوْلُ شَمْسِ الدِّينِ) مُحَمَّدِ بنِ شِهَابِ الدِّينِ أَحْمَدَ (الرَّمْلِىِّ فِى شَرْحِهِ عَلَى مِنْهَاجِ الطَّالِبِينَ فِى أَوَائِلِ كِتَابِ الرِّدَّةِ فِى شَرْحِ قَوْلِ) الشَّيْخِ يَحْيَى (النَّوَوِىِّ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (الرِّدَّةُ قَطْعُ الإِسْلامِ بِنِيَّةٍ أَوْ قَوْلِ كُفْرٍ مَا نَصُّهُ فَلا أَثَرَ لِسَبْقِ لِسَانٍ أَوْ إِكْرَاهٍ وَاجْتِهَادٍ وَحِكَايَةِ كُفْرٍ اﻫ وَقَوْلُ الْمُحَشِّى أَيْ صَاحِبِ الْحَاشِيَةِ عَلَى الشَّرْحِ نُورِ الدِّينِ عَلِىٍّ الشَّبْرَامَلِّسِى الْمُتَوَفَّى سَنَةَ أَلْفٍ وَسَبْعٍ وَثَمَانِينَ عِنْدَ قَوْلِ الرَّمْلِىِّ وَاجْتِهَادٍ مَا نَصُّهُ أَيْ لا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَا سَيَأْتِى مِنْ نَحْوِ كُفْرِ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ مَعَ أَنَّهُ بِالِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِدْلالِ اﻫ قَالَ الْمُحَشِّى الآخَرُ عَلَى الرَّمْلِىِّ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْمَعْرُوفُ بِالْمَغْرِبِىِّ الرَّشِيدِىِّ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ أَلْفٍ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ قَوْلُهُ وَاجْتِهَادٍ أَيْ فِى مَا لَمْ يَقُمِ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى خِلافِهِ بِدَلِيلِ كُفْرِ نَحْوِ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ مَعَ أَنَّهُ بِالِاجْتِهَادِ اهـ وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مُتَأَوِّلٍ يَمْنَعُ عَنْهُ تَأْوِيلُهُ التَّكْفِيرَ، فَلْيَجْعَلْ طَالِبُ الْعِلْمِ قَوْلَ الرَّشِيدِىِّ الْمَذْكُورَ فِى مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى ذُكْرٍ يَعْنِى) يَنْبَغِى (أَنْ يَكُونَ مُسْتَحْضِرًا لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ) الَّتِى هِىَ قَيْدٌ فِى الْمَسْئَلَةِ (فِى قَلْبِهِ لِأَنَّهَا مُهِمَّةٌ) وَذَلِكَ (لِأَنَّ التَّأَوُّلَ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ لا يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ عَنْ صَاحِبِهِ) وَالْمُرَادُ بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ هُنَا كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ شَيْئَانِ أَوَّلُهُمَا قَطْعِىٌّ يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِالْعِلْمِ بِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ مُخَالِفُهُ نَاقِضًا لِأَصْلِ التَّوْحِيدِ كَالدَّلِيلِ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ فَإِنَّ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ وَزَعَمَ أَزَلِيَّتَهُ بِالنَّوْعِ أَوْ بِالأَفْرَادِ فَقَدْ كَذَّبَ بِوَحْدَانِيَّةِ الْخَالِقِ جَلَّ وَعَزَّ وَالثَّانِى قَطْعِىٌّ يُعْلَمُ ثُبُوتُهُ لِلشَّخْصِ بِالنَّقْلِ كَعِلْمِهِ بِفَرْضِيَّةِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِنَقْلِ الْكَافَّةِ عَنِ الْكَافَّةِ فَمَنْ بَلَغَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ ثُبُوتُ أَمْرٍ فِى الشَّرْعِ ثُمَّ رَدَّهُ بِدَعْوَى التَّأْوِيلِ أَوِ الِاجْتِهَادِ فَقَدْ كَذَّبَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْرَى[3] بِالْوَحْىِ الَّذِى أُنْزِلَ عَلَيْهِ. (وَقَوْلُنَا فِى الْخَوَارجِ بِاسْتِثْنَاءِ بَعْضِهِمْ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يُكَفَّرُوا لِثُبُوتِ مَا يَقْتَضِى التَّكْفِيرَ فِى بَعْضِهِمْ) الآخَرِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالذَّنْبِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى الْحُكْمِ بِكُفْرِ كُلِّ مَنْ خَالَفَهُمْ أَوِ اسْتِحْلالِ قَتْلِ أَطْفَالِ الْمُخَالِفِينَ أَوْ إِنْكَارِ بَعْضِ سُوَرِ الْقُرْءَانِ فَهَذَا الصِّنْفُ الثَّانِى كُفَّارٌ بِلا شَكٍّ (كَمَا) حَكَمَ بِذَلِكَ أَبُو مَنْصُورٍ التَّمِيمِىُّ وَغَيْرُهُ وَ(يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ رَوَوْا أَحَادِيثَ الْخَوَارِجِ) فَإِنَّ فِى مَا رَوَوْهُ أَوْصَافًا أُطْلِقَتْ عَلَى الْخَوَارِجِ تَقْتَضِى كُفْرَهُمْ مِثْلَ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ وَكِلابُ النَّارِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ (وَأَمَّا مَا يُرْوَى عَنْ سَيِّدِنَا عَلِىٍّ مِنْ أَنَّهُ قَالَ إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِلْحُكْمِ عَلَى جَمِيعِهِمْ بِالإِسْلامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ إِسْنَادًا عَنْ) سَيِّدِنَا (عَلِىٍّ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ بَلْ رَوَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِىُّ بِإِسْنَادٍ غَيْرِ قَائِمٍ وَالْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ أَنَّ عَلِيًّا رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِى أَهْلِ الْجَمَلِ لا فِى الْخَوَارِجِ وَيُقَوِّى ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِى ذَمِّهِمْ مِنْ أَحَادِيثَ إِذْ يَبْعُدُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُعَبِّرَ سَيِّدُنَا عَلِىٌّ فِيهِمْ بِقَوْلِ إِخْوَانُنَا لا سِيَّمَا (وَ)يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ (قَدْ قَطَعَ الْحَافِظُ الْمُجْتَهِدُ) مُحَمَّدُ (بنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِىُّ بِتَكْفِيرِهِمْ) كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْحَافِظُ فِى الْفَتْحِ (وَ)قَطَعَ (غَيْرُهُ) مِنَ الأَئِمَّةِ بِذَلِكَ أَيْضًا (وَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلافِ أَحْوَالِ الْخَوَارِجِ بِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ وَصَلَ إِلَى حَدِّ الْكُفْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَصِلْ).

 (وَهَذِهِ الْمَسْئَلَةُ) أَىْ عَدَمُ تَكْفِيرِ مَنْ أَنْكَرَ حُكْمًا ظَاهِرًا مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِتَأْوِيلٍ (بَعْضُهُمْ عَبَّرَ عَنْهَا بِالِاجْتِهَادِ وَبَعْضُهُمْ عَبَّرَ عَنْهَا بِالتَّأْوِيلِ فَمِمَّنْ عَبَّرَ بِالتَّأْوِيلِ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ الشَّافِعِىُّ سِرَاجُ الدِّينِ) عُمَرُ بنُ رَسْلانَ (البُلْقِينِىُّ الَّذِى قَالَ فِيهِ) الْفَيْرُوزَابَادِىُّ (صَاحِبُ الْقَامُوسِ) الْمُحِيطِ فِى اللُّغَةِ (عَلَّامَةُ الدُّنْيَا وَعَبَّرَ بَعْضُ شُرَّاحِ مِنْهَاجِ الطَّالِبِينَ بِالِاجْتِهَادِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ كُلُّ ذَلِكَ (وَكِلْتَا الْعِبَارَتَيْنِ لا بُدَّ لَهُمَا مِنْ قَيْدٍ مَلْحُوظٍ) كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا (وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مُتَأَوِّلٍ يَمْنَعُ عَنْهُ تَأْوِيلُهُ التَّكْفِيرَ فَلا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ مُطْلَقٌ لِأَنَّ الإِطْلاقَ فِى ذَلِكَ انْحِلالٌ وَمُرُوقٌ مِنَ الدِّينِ) وَفَتْحُ بَابٍ وَاسِعٍ لِنَقْضِ عُرَاهُ وَإِدْخَالِ عَقَائِدِ الْبَاطِنِيَّةِ عَلَى أَهْلِهِ (أَلا تَرَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الإِسْلامِ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْفَلْسَفَةِ مَرَقُوا مِنَ الدِّينِ بِاعْتِقَادِهِمُ الْقَوْلَ بِأَزَلِيَّةِ الْعَالَمِ اجْتِهَادًا مِنْهُمْ وَمَعَ ذَلِكَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْمُحَدِّثُ الْفَقِيهُ بَدْرُ الدِّينِ الزَّرْكَشِىُّ فِى شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْفَرِيقَيْنِ مِنْهُمُ الْفَرِيقَ الْقَائِلَ بِأَزَلِيَّةِ الْعَالَمِ بِمَادَّتِهِ وَصُورَتِهِ وَالْفَرِيقَ الْقَائِلَ بِأَزَلِيَّةِ الْعَالَمِ بِمَادَّتِهِ أَىْ بِجِنْسِهِ فَقَطْ مَا نَصُّهُ وَقَدْ ضَلَّلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِى ذَلِكَ وَكَفَّرُوهُمْ) اﻫ (وَكَذَلِكَ الْمُرْجِئَةُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لا يَضُرُّ مَعَ الإِيمَانِ ذَنْبٌ كَمَا لا تَنْفَعُ مَعَ الْكُفْرِ حَسَنَةٌ) هُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْفِرَقِ الَّتِى ضَلَّتْ بِالتَّأْوِيلِ فَإِنَّهُمْ (إِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ) أَىْ لا يَضُرُّ مَعَ الإِيمَانِ ذَنْبٌ وَكَذَّبُوا مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا وَعُلِمَ بَيْنَهُمْ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ فَاعِلَ الذَّنْبِ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ (اجْتِهَادًا) مِنْهُمْ (وَتَأْوِيلًا لِبَعْضِ النُّصُوصِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا) فَإِنَّهُمْ حَمَلُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ سَبَإٍ ﴿وَهَلْ نُجَازِى إِلَّا الْكَفُورَ﴾ عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ فَقَالُوا إِنَّ الذَّنْبَ مِنَ الْمُؤْمِنِ لَيْسَ سَبَبًا لِلْعَذَابِ فِى الآخِرَةِ مَهْمَا كَانَ فَأَخْطَأُوا التَّأْوِيلَ وَجَانَبُوا الصَّوَابَ وَأَنْكَرُوا الْمَعْلُومَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ (فَلَمْ يُعْذَرُوا) وَحُكِمَ بِكُفْرِهِمْ لَمَّا تَأَوَّلُوا الْقَطْعِىَّ عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الآيَةِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ أَنَّهُ لا يُجَازَى بِهَذَا الْجَزَاءِ الَّذِى هُوَ الْخُلُودُ فِى النَّارِ إِلَّا الْكَفُورُ.

   (وَكَذَلِكَ ضَلَّ فِرَقٌ غَيْرُهُمْ وَهُمْ مُنْتَسِبُونَ إِلَى الإِسْلامِ) كَالْمُعْتَزِلَةِ وَأَسْلافِهِمْ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ (كَانَ زَيْغُهُمْ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ بِالتَّأْوِيلِ) فِى الْقَطْعِيَّاتِ (نَسْأَلُ اللَّهَ الثَّبَاتَ عَلَى الْحَقِّ).

(24) بِأَنْ يَقُولَ الْمُكْرِهُ اقْتُلْ فُلانًا الْمُسْلِمَ أَوْ أَقْتُلُكَ.

(25) أَىِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَنْ مَا جَاءَ بِهِ الدِّينُ فِى مُخَالَفَتِهِمْ لِلْجَمَاعَةِ اعْتِقَادًا وَعَمَلًا.

(26) أَىْ نَقَّصَهُ وَاحْتَقَرَهُ.