الأربعاء ديسمبر 11, 2024

(فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ)

 

   (حُكْمُ مَنْ يَأْتِى بِإِحْدَى أَنْوَاعِ هَذِهِ الْكُفْرِيَّاتِ) الِاعْتِقَادِيَّةِ أَوِ الْفِعْلِيَّةِ أَوِ الْقَوْلِيَّةِ (هُوَ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُهُ الصَّالِحَةُ وَحَسَنَاتُهُ جَمِيعُهَا فَلا تُحْسَبُ لَهُ ذَرَّةٌ مِنْ حَسَنَةٍ كَانَ سَبَقَ لَهُ أَنْ عَمِلَهَا مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ صِيَامٍ أَوْ صَلاةٍ وَنَحْوِهَا) بَلْ يَخْسَرُ كُلَّ حَسَنَاتِهِ السَّابِقَةِ وَلا يَكُونُ لَهُ حَسَنَةٌ بِمَا يَعْمَلُ مِنَ الصَّدَقَاتِ وَغَيْرِهَا مِنَ الأُمُورِ الْمُسْتَحْسَنَةِ فِى أَثْنَاءِ رِدَّتِهِ (إِنَّمَا تُحْسَبُ لَهُ الْحَسَنَاتُ الْجَدِيدَةُ الَّتِى يَقُومُ بِهَا بَعْدَ تَجْدِيدِ إِيمَانِهِ) أَىْ بَعْدَ دُخُولِهِ فِى الإِسْلامِ مِنْ جَدِيدٍ بِالشَّهَادَتَيْنِ (قَالَ تَعَالَى) فِى سُورَةِ الْمَائِدَةِ (﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾) وَلا تَرْجِعُ لَهُ حَسَنَاتُهُ الَّتِى خَسِرَهَا بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى الإِسْلامِ وَأَمَّا الْكَافِرُ الأَصْلِىُّ إِذَا أَسْلَمَ فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّ مَا عَمِلَهُ قَبْلَ إِسْلامِهِ مِنَ الأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ الَّتِى لا تَحْتَاجُ فِى صِحَّتِهَا إِلَى نِيَّةٍ كَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابٌ عَنْهَا اﻫ مُتَأَوِّلِينَ بِذَلِكَ حَدِيثَ حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ اهـ وَهَذَا الَّذِى قَالُوهُ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَعْدَ إِسْلامِهِ يُثَابُ عَلَى مَا يَعْمَلُهُ مِنْ مِثْلِ تِلْكَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الإِسْلامُ قَدْ مَحَا كُلَّ ذُنُوبِهِ الَّتِى كُتِبَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ لِحَدِيثِ أَحْمَدَ الإِسْلامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ اﻫ أَىْ يَمْحُو مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ السَّيِّئَاتِ.

   (وَإِذَا قَالَ) الْمُرْتَدُّ (أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ قَبْلَ أَنْ يُجَدِّدَ إِيمَانَهُ بِقَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَىْ (وَهُوَ) مَا زَالَ (عَلَى حَالَتِهِ هَذِهِ) مِنَ الْكُفْرِ (فَلا يَزِيدُهُ قَوْلُهُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلَّا إِثْمًا وَكُفْرًا لِأَنَّهُ يُكَذِّبُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى) فِى سُورَةِ مُحَمَّدٍ (﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ وَقَوْلَهُ تَعَالَى) فِى سُورَةِ النِّسَاءِ (﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾) فَمَنْ قَالَ كَلِمَةَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَهُوَ عَلَى الرِّدَّةِ كَانَ مَعْنَى كَلامِهِ يَا رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِى مِنْ غَيْرِ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى الإِسْلامِ مَعْ أَنَّكَ أَخْبَرْتَ فِى كِتَابِكَ أَنَّكَ لا تَغْفِرُهُ فِى هَذِهِ الْحَالِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ يَا رَبِّ كَذِّبْ نَفْسَكَ وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَلِّمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ الِاسْتِغْفَارَ حِينَ كَانَ لا يَزَالُ عَلَى الْكُفْرِ بَلْ عَلَّمَهُ أَنْ يَقُولَ غَيْرَ ذَلِكَ ثُمَّ لَمَّا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ كَمَا (رَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ عِمْرَانَ بنِ الْحُصَيْنِ) رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ (أَتَى رَسُولَ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَجُلٌ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ) جَدُّكَ (عَبْدُ الْمُطَّلِبِ خَيْرٌ لِقَوْمِهِ مِنْكَ كَانَ يُطْعِمُهُمُ الْكَبِدَ وَالسَّنَامَ) أَىْ سَنَامَ الإِبِلِ وَهُوَ طَعَامٌ فَاخِرٌ عِنْدَ العَرَبِ (وَأَنْتَ تَنْحَرُهُمْ) أَىْ تَقْتُلُهُمْ أَىْ فِى الْجِهَادِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا شَاءَ اللَّهُ) لَهُ أَنْ يَقُولَ فِى الرَّدِّ عَلَى مَا قَالَ (فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ قَالَ) سَائِلًا (مَا أَقُولُ) أَىْ عَلِّمْنِى شَيْئًا أَقُولُهُ (قَالَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُلِ اللَّهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِى وَاعْزِمْ لِى عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِى فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ ثُمَّ) رَجَعَ بَعْدَ مُدَّةٍ وَكَانَ قَدْ ءَامَنَ وَ(قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنِّى أَتَيْتُكَ فَقُلْتُ عَلِّمْنِى فَقُلْتَ قُلِ اللَّهُمَّ قِنِى شَرَّ نَفْسِى وَاعْزِمْ لِى عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِى فَمَا أَقُولُ الآنَ حِينَ أَسْلَمْتُ قَالَ قُلِ اللَّهُمَّ قِنِى شَرَّ نَفْسِى وَاعْزِمْ لِى عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِى اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى مَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا عَمَدْتُ وَمَا أَخْطَأْتُ وَمَا جَهِلْتُ) اﻫ وَفِى الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَنْ يَدْعُوَ الْكَافِرُ بِمَا يُوَافِقُ الشَّرْعَ.

   (وَمِنْ أَحْكَامِ الرِّدَّةِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَفْسُدُ صِيَامُهُ وَتَيَمُّمُهُ) فَوْرَ وُقُوعِهِ فِى الْكُفْرِ (وَ)يَفْسُدُ (نِكَاحُهُ) إِذَا حَصَلَ مِنْهُ الْكُفْرُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَ(قَبْلَ الدُّخُولِ) مِنَ الزَّوْجِ بِالزَّوْجَةِ (وَكَذَا بَعْدَهُ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى الإِسْلامِ فِى الْعِدَّةِ) فَإِذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ الدُّخُولِ حُكِمَ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ الَّذِى بَيْنَهُمَا بِكَوْنِهِ مَوْقُوفًا فَلا يَحِلُّ لَهُمَا أَنْ يَتَعَاشَرَا مُعَاشَرَةَ الأَزْوَاجِ فَإِنْ رَجَعَ الَّذِى ارْتَدَّ مِنْهُمَا إِلَى الإِسْلامِ فِى خِلالِ الْعِدَّةِ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَنْفَسِخْ بَيْنَهُمَا وَإِذَا لَمْ يَرْجِعْ إِلَى الإِسْلامِ حَتَّى مَضَتِ الْعِدَّةُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا قَدِ انْفَسَخَ مِنْ وَقْتِ حُصُولِ الرِّدَّةِ فَتُحْسَبُ الْعِدَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهِىَ كَعِدَّةِ الطَّلاقِ ثَلاثَةُ أَطْهَارٍ فِى حَقِّ مَنْ تَحِيضُ وَثَلاثَةَ أَشْهُرٍ لِمَنْ لا تَحِيضُ وَبِالْوَضْعِ لِلْحَامِلِ (وَلا يَصِحُّ عَقْدُ نِكَاحِهِ لا عَلَى مُسْلِمَةٍ وَلا كَافِرَةٍ وَلَوْ مُرْتَدَّةً مِثْلَهُ) وَإِذَا حَصَلَ جِمَاعٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِى حَالِ رِدَّةِ أَحَدِهِمَا فَالإِثْمُ عَلَيْهِمَا إِذَا عَرَفَ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا بِرِدَّةِ الآخَرِ وَجِمَاعُهُمَا زِنًى فَإِنْ لَمْ يَعْرِفِ الْمُسْلِمُ فَالإِثْمُ عَلَى الْمُرْتَدِّ مِنْهُمَا فَقَطْ ثُمَّ فِى هَذِهِ الْحَالِ الأَخِيرَةِ إِذَا كَانَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا هُوَ الرَّجُلُ فَالْوَلَدُ الْمُنْعَقِدُ مِنْ هَذَا الْجِمَاعِ وَلَدُ زِنًى وَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ هِىَ الَّتِى ارْتَدَّتْ فَالْوَلَدُ عِنْدَئِذٍ يُنْسَبُ إِلَى الزّوْجِ. هَذَا بِخِلافِ الْكُفَّارِ الأَصْلِيِّينَ فَإِنَّ نِكَاحَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ نِكَاحٌ يَثْبُتُ بِهِ نَسَبُ الْوَلَدِ وَزِنَاهُمْ زِنًى أَلا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ وَخَالِدُ بنُ الْوَلِيدِ وَسَعْدُ بنُ أَبِى وَقَّاصٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الْجَرَّاحِ فَيُنْسَبُونَ إِلَى ءَابَائِهِمْ مَعْ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ قَدْ وُلِدُوا مِنْ نِكَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ.