باب اجتماع المسلمين بدار الأرقم
واتَّخذ النبيُّ دارَ الأرقمِ *** للصحبِ مُسْتَخفينَ عن قومهم
وقيلَ كانوا يخرجون تَتْرى *** إلى الشعابِ للصلاةِ سِرًا
حتى مضتْ ثلاثةٌ سنينا *** وأظهر الرحمنُ بعدُ الدّينا
وصدعَ النبيُّ جهرًا مُعلنًا *** إذ نزلتْ فاصدعْ بما فما ونى
وأنذرَ العشائرَ التي ذكِرْ *** بجمعهم إذْ نزلت وأنذِرْ
لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ودخل في الدين جماعة قليلة خافوا من المشركين، فاتخذ النبي دار الأرقم للصحب ليتجمعوا فيها مستخفين أي في خفية عن قومهم، وقيل: كانوا يخرجون وقت الصلاة تترى أي يتبع بعضهم بعضًا غير متواصلين خوفًا من كفار مكة إلى الشعاب لأجل الصلاة فيها سرًا لئلا يشعروا بهم، واستمروا على ذلك حتى تكاملوا أربعين نفسًا ءاخرهم عمر، ومضت عليهم وهم بها ثلاث من السنين، فكان رسول الله في تلك الثلاث يدعو الناس إلى الإسلام سرًا [1] ثم أظهر الرحمن سبحانه الدين فصدع بالدعوة أي أظهرها معلنًا بعد ما كان مسرًا لما نزل {فاصْدَعْ بما تُؤمر} [سورة الحجر] فبادر بجد وعزم وما ونى أي ما ضعف ولا تراخى عما أمر به، فدعا الناس كافة إلى الإسلام وصدع بالدعوة كما أمر به، وأنذر العشائر جمع عشيرة وهي القبيلة لا واحد لها من لفظها التي ذكرهن في كتابه بجمعهم أي بأجمعهم حين نزل عليه: {وأنذِرْ عشيرتكَ الاقربين} [سورة الشعراء] فصنع طعامًا وجمع بني عبد المطلب حتى أنذرهم ومن حينئذ اشتد الأمر بينه وبين أهله فمنهم من اتبعه ومنهم من أعرض واستهزأ به ومنهم من ءاذاه فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر. والشعاب جمع شعب وهو الطريق في الجبل، وقوله: “ثلاثة” بالتنوين للوزن، و”بعد” مبني على الضم.
[1] معنى سرًا أنه كان يقتصر على القدر الذي تحصل به المصلحة التي يرجوها، وليس معناه أنه كان يقتصر على قدر قليل جبنًا منه.