فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ
هُنَاكَ مَسَائِلُ عَدِيدَةٌ يَظُنُّهَا بَعْضُ النَّاسِ مُجْمَعًا عَلَيْهَا عِنْدَ كُلِّ عُلَمَاءِ الإِسْلامِ وَالأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَمِثَالُ ذَلِكَ الأَكْلُ فِى رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَنْتَهِى بِدُخُولِ الْفَجْرِ وَهَذَا مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الإِسْلامِ وَهُوَ الْحَقُّ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ مِنَ التَّابِعِينَ غَلِطَ فَقَالَ يَجُوزُ الأَكْلُ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَمْ يُكَفِّرِ الْعُلَمَاءُ الْقَائِلَ بِذَلِكَ فَلا يَجُوزُ التَّسَرُّعُ فِى التَّكْفِيرِ.
الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ مَضَوْا اخْتَلَفُوا فِى مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ كِقِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ فِى الصَّلاةِ فَإِنَّ مِنَ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ مَنْ قالَ مَنْ أَتَمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ فَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ أَىْ وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا مِنَ الْقُرْءَانِ فِى قِيَامِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ لَيْسَ رُكْنًا لِلدُّخُولِ فِى الصَّلاةِ بَلْ تَكْفِى النِّيَّةُ بِدُونِ التَّكْبِيرِ فَإِذَا نَوَى أَنَّهُ يُصَلِّى صَلاةَ كَذَا يَكْفِى لِلصِّحَّةِ مِنْ دُونِ أَنْ يُكَبِّرَ وَقَائِلُ هَذَا الْكَلامِ هُوَ الإِمَامُ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِىُّ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَهُنَاكَ مَسَائِلُ أُخْرَى مِنْ هَذَا النَّوْعِ فَلا يَنْبَغِى التَّسَرُّعُ وَلا يَنْبَغِى أَنْ يَبْنِىَ الشَّخْصُ التَّكْفِيرَ عَلَى حَسَبِ الْوَهْمِ بَلْ يَنْبَغِى أَنْ يَبْنِيَهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ مَعَ النَّظَرِ فِى حَالِ الْمَسْئَلَةِ هَلْ هِىَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا أَوْ لا ثُمَّ هَلْ هِىَ مَعْلُومَةٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَوْ لا وَبَعْدَ ذَلِكَ يَتَكَلَّمُ فِى حُكْمِ قَائِلِهَا.
أَمَّا مَا كَانَ اسْتِخْفَافًا بِاللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ أَوْ مَلائِكَتِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ شَعَائِرِ الإِسْلامِ أَوْ كَانَ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ تَشْبِيهِ اللَّهِ بِالْعَالَمِ أَوْ نَفْيًا لِلصِّفَاتِ الثَّلاثَ عَشْرَةَ الْوَاجِبَةِ لِلَّهِ أَوِ اعْتِقَادَ أَنَّ بَعْضَ الْمَخْلُوقَاتِ تُوجَدُ بِغَيْرِ مَشِيئَةِ اللَّهِ فَلا يَنْبَغِى التَّوَقُّفُ فِى تَكْفِيرِ مَنْ صَدَرَتْ مِنْهُ مَهْمَا كَانَ غَارِقًا فِى الْجَهْلِ. وَمَنْ سَمِعَ شَرْحَ هَذِهِ الأُمُورِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ وَمَنْ لَمْ يَسْمَعْ فِى هَذَا سَوَاءٌ. أَمَّا مَنْ أَنْكَرَ الصِّفَاتِ الَّتِى لا يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِإِدْرَاكِهَا لَكِنْ وَرَدَتْ فِى الْقُرْءَانِ كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالْعَيْنِ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْقَصَصِ ﴿كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ وَقَوْلِهِ فِى سُورَةِ الْفَتْحِ ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ وَقَوْلِهِ فِى سُورَةِ الْقَمَرِ فِى سَفِينَةِ نُوحٍ ﴿تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا﴾ فَلا يُكَفَّرُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلِمَ وُرُودَهَا فِى الْقُرْءَانِ وَمَعَ ذَلِكَ أَنْكَرَ إِضَافَتَهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ قَالَ اللَّهُ لَيْسَ لَهُ يَدٌ لَيْسَ لَهُ عَيْنٌ لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِى الْقُرْءَانِ فَلا يُكَفَّرُ لَكِنْ يُقَالُ لَهُ هَذَا وَارِدٌ فِى الْقُرْءَانِ فَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِوُرُودِهِ فِى الْقُرْءَانِ كَفَرَ وَقَدْ ذَكَرَ الإِمَامُ الشَّافِعِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ صِفَاتِ اللَّهِ الَّتِى لا تُدْرَكُ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِىِّ وَبِالرَّوِيَّةِ [أَىْ بِالنَّظَرِ الْعَقْلِىِّ] لا يُكَفَّرُ بِذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ ثُبُوتَ ذَلِكَ شَرْعًا فَإِنْ أَنْكَرَ بَعْدَ الْعِلْمِ يَكْفُرُ.
وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ فَسَّرَ الْيَدَ وَالْوَجْهَ وَالْعَيْنَ الْمَذْكُورَةَ فِى الآيَاتِ الآنِفَةِ الذِّكْرِ بِالْجِسْمِ فِى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا أَرَادَ بِهَا وَجْهًا كَوَجْهِ الْخَلْقِ وَلا يَدًا كَيَدِ الْخَلْقِ وَلا عَيْنًا كَعَيْنِ الْخَلْقِ لِأَنَّ الْوَجْهَ وَالْيَدَ وَالْعَيْنَ فِى حَقِّ الْمَخْلُوقِ أَجْسَامٌ فَوَجْهُ الْمَلَكِ مَثَلًا وَيَدُهُ وَعَيْنُهُ جِسْمٌ لَطِيفٌ وَوَجْهُ الإِنْسَانِ وَيَدُهُ وَعَيْنُهُ جِسْمٌ كَثِيفٌ فَمَنْ فَسَّرَ الْوَجْهَ وَالْيَدَ وَالْعَيْنَ الْمُضَافَاتِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى الْجِسْمِ كَفَرَ لِأَنَّهُ شَبَّهَ خَالِقَهُ بِخَلْقِهِ لِأَنَّ الْعَالَمَ جِسْمٌ لَطِيفٌ وَجِسْمٌ كَثِيفٌ وَاللَّهُ هُوَ الَّذِى أَنْشَأَ الْجِسْمَ وَأَوْجَدَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَعْدُومًا سَوَاءٌ كَانَ جِسْمًا لَطِيفًا أَمْ كَثِيفًا فَكَيْفَ يَكُونُ اللَّهُ جِسْمًا لَطِيفًا كَالْمَلائِكَةِ وَالنُّورِ أَىِ الضَّوْءِ أَوْ جِسْمًا كَثِيفًا كَالْبَشَرِ.
لَوْ كَانَ اللَّهُ جِسْمًا لَطِيفًا أَوْ كَثِيفًا لَكَانَ مِثْلًا لَنَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ وَالْمَرَضُ وَالضَّعْفُ وَالزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَيْنَا وَهَذَا يَمْنَعُهُ الْعَقْلُ وَيَمْنَعُهُ الشَّرْعُ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الشُّورَى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ فَهَذِهِ الآيَةُ صَرِيحَةٌ فِى أَنَّ اللَّهَ لا يُشْبِهُ الْعَالَمَ اللَّطِيفَ وَلا الْعَالَمَ الْكَثِيفَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.