الخميس نوفمبر 21, 2024

الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ

   مَنِ اعْتَقَدَ مَا هُوَ كُفْرٌ بِالإِجْمَاعِ أَوْ فَعَلَ فِعْلًا مُجْمَعًا عَلَى كَوْنِهِ كُفْرًا أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ صَرِيحَةٍ مُجْمَعٍ عَلَى كَوْنِهَا كُفْرًا لا يَنْفَعُهُ التَّشَهُّدُ مَعَ الشَّكِّ فِى الْحُكْمِ بَلْ لا بُدَّ أَنْ يَتَشَهَّدَ لِلتَّبَرُّئِ مِنْ الْكُفْرِ مَعَ جَزْمِهِ بِأَنَّ مَا وَقَعَ فِيهِ كُفْرٌ. وَلا يُفِيدُهُ التَّشَهُّدُ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَنِ الْكُفْرِ كَمَا يَحْصُلُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَنْطِقُونَ بِأَلْفَاظٍ كُفْرِيَّةٍ ثُمَّ يَتَشَهَّدُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْهَا أَىْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفُوا أَنَّهَا كُفْرٌ فَيَتَبَرَّؤُوا مِنْهَا فِى قُلُوبِهِمْ فَتَشَهَّدُهُمْ هَذَا لا يَنْفَعُهُمْ.

   وَلَوْ تَشَهَّدَ شَخْصٌ لِلتَّبَرُّؤِ مِنْ كُلِّ كُفْرٍ إِنْ كَانَ حَصَلَ مِنْهُ ثُمَّ بَعْدَ فَتْرَةٍ تَيَقَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَصَلَ مِنْهُ قَبْلَ تَشَهُّدِهِ كُفْرٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُ تَشَهُّدٌ ثَانٍ أَوْ يَكْفِيهِ التَّشَهُّدُ الأَوَّلُ، الْحُكْمُ هُنَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ حَالِهِ فَإِنْ كَانَ حِينَ تَشَهُّدِهِ بِنِيَّةِ التَّبَرُّؤِ مِنَ الْكُفْرِ عَالِمًا بِحُكْمِ الْمَسْئَلَةِ الَّتِى تَذَكَّرَهَا فِيمَا بَعْدُ كَفَاهُ تَشَهُّدُهُ الأَوَّلُ وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ مِنْ جَدِيدٍ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْكُفْرِ.

   وَإِذَا رَجَعَ الشَّخْصُ عَنِ الْكُفْرِ وَتَشَهَّدَ لا يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِى قَلْبِهِ عِنْدَ ذَلِكَ عِبَارَةً بِعَيْنِهَا مِنْ نَحْوِ نَوَيْتُ الدُّخُولَ فِى الإِسْلامِ بَلِ اشْتِرَاطُ اسْتِحْضَارِ ذَلِكَ لا مَعْنًى لَهُ بَلْ إِذَا عَرَفَ أَنَّهُ كَفَرَ فَرَجَعَ وَتَشَهَّدَ لِيَخْلُصَ مِنَ الْكُفْرِ فَهَذَا هُوَ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِنَا لِلْكَافِرِ تَشَهَّدْ بِنِيَّةِ الدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ أَىِ اعْلَمْ أَنَّكَ كَافِرٌ وَأَقْلِعْ عَنِ الْكُفْرِ وَتَشَهَّدْ لِتَصِيرَ مُسْلِمًا فَلا ضَرَرَ فِى هَذَا.

   تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ مَنْ كَفَرَ ثُمَّ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الإِسْلامِ بِالشَّهَادَتَيْنِ لا يَنْفَعُهُ قَوْلُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ شَيْئًا بَلْ يَزْدَادُ كُفْرًا لِأَنَّهُ يَطْلُبُ الْمَغْفِرَةَ وَهُوَ عَلَى الْكُفْرِ وَاللَّهُ لا يَغْفِرُ كُفْرَ الْكَافِرِ وَلا ذُنُوبَهُ وَهُوَ عَلَى كُفْرِهِ.

   تَنْبِيهٌ ءَاخَرُ مَنْ وَقَعَ فِى كُفْرٍ لَمْ يَعْرِفْ كَوْنَهُ كُفْرًا ثُمَّ عِنْدَمَا تَعَلَّمَ الْحُكْمَ أَنَّهُ كُفْرٌ لَمْ يَتَذَكَّرْ وُقُوعَهُ فِيهِ وَصَارَ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَلَفَّظُ بِالشَّهَادَتَيْنِ دُونَ اسْتِحْضَارٍ لِمَا حَصَلَ مِنْهُ مِنَ الْكُفْرِ عَلَى عَادَتِهِ لا بِنِيَّةِ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ بِالتَّلَفُّظِ بِهِمَا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ تَذَكَّرَ أَنَّهُ وَقَعَ فِى ذَلِكَ الْكُفْرِ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ بِنِيَّةِ الْخَلاصِ مِنَ الْكُفْرِ لِكَوْنِهِ كَانَ غَيْرَ ذَاكِرٍ وُقُوعَهُ فِيهِ فَشَهَادَتُهُ الَّتِى كَانَ تَشَهَّدَهَا عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ نَفَعَتْهُ وَلا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ لِأَنَّهُ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ فِى حَالِ كَوْنِهِ مُتَرَاجِعًا عَنِ الْكُفْرِ غَيْرَ مُعَانِدٍ.

   وَإِذَا تَلَفَّظَ امْرُؤٌ بِكَلامٍ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ مَعْنًى وَبَعْضُ مَعَانِيهِ كُفْرٌ دُونَ الْبَعْضِ الآخَرِ وَشَكَّ هَلْ قَصَدَ عِنْدَ نُطْقِهِ الْمَعْنَى الْكُفْرِىَّ أَوْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّشَهُّدُ احْتِيَاطًا عَلَى الْفَوْرِ وَكَذَا إِذَا عَلِمَ حُكْمَ عِبَارَةٍ أَنَّهُ كُفْرٌ وَشَكَّ هَلْ حَصَلَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ مِنْهُ أَوْ لَمْ تَحْصُلْ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ إِلَى التَّشَهُّدِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ وَيَنْفَعُهُ هَذَا التَّشَهُّدُ فِى حَالِ كَانَ قَدْ وَقَعَ فِى الْكُفْرِ عَلَى الْحَقِيقَةِ.