الوهابية تقول: إن النار تفنى وينتهي عذاب الكفار فيها([1])، مكذّبين لأربعين آية في كتاب الله تدل على بقاء النار وخلود الكفار فيها، حيث يورد ابن قيم الجوزية مجموعة من الأقوال، وتراه يدخل الحق بالباطل والباطل بالحق، ليتوهم القارئ أن أمر بقاء جهنم غير مجمعٍ عليه.
ومن الآيات الدالّة على خلود الكفار في جهنم قول الله تعالى في حقهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّـهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا} [النساء: 168، 169].
ومن النصوص الحديثية:
قول النبيّ ﷺ: «يُقَالُ لِأهْلِ الجَنةِ: يا أهلَ الجنةِ خُلودٌ لَا مَوْتَ ولِأَهلِ النَّارِ: يَا أَهْلَ النَّارِ خُلودٌ لَا مَوْتَ»([2]).
وقول رسول الله ﷺ: «إِذَا صارَ أَهْلُ الجَنَّةِ إِلى الجَنَة وأهلُ النَّارِ إلى النارِ، جيء بالموتِ حتى يُجْعَلَ بَينَ الجَنةِ والنارِ ثُم يذبحَ، ثُم ينادِي منادٍ: يا أهل الجنة لا موتَ، يا أهل النارِ لا موتَ، فيزدادُ أهلُ الجنةِ فرحًا إلى فرحِهِم ويزدادُ أهلُ النارِ حُزنًا إلى حُزْنِهِمْ»([3]).
هذا والوهابية متناقضة في هذه المسألة أيضًا، يعني منهم من يرى على زعمه فناء جهنم، ومنهم من ردَّ على ابن تيمية في هذه المسألة.
وممّن ردّ على ابن تيمية من محبيه ومناصريه المدعو مُحمد بن إسماعيل الأمير الصنعانيّ (ت1182هـ) المعروف بحبه الشديد لابن تيمية والدفاع عنه، ويعتبر عند أنصار ابن تيمية من أهل الحديث والفقه حتى قالوا عنه بأنه «مجتهد»، فهو ذو شأن عندهم، ومع ذلك فقد جاء الصنعانيّ بعد أكثر من أربعمائة سنة ليردّ على ابن تيمية وابن القيّم في قولهما بفناء النار، والكتاب الذي ألّفه الصنعاني في الردّ عليهما سمّاه: «رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار»، وقد طبعه ما يُسمّى «المكتب الإسلاميّ»، الحريص على طبع مؤلفات ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم، وكانت الطبعة الأولى سنة 1984م بتحقيق الوهابيّ المدعو مُحمد ناصر الدين الألبانيّ([4]) الذي اعترف بصحة نسبة ذلك إلى ابن تيمية، ومما قاله الصنعاني([5]): «ليس في يد شيخ الإسلام شيء لا من كتاب ولا من سُنّة ولا من صحابيّ كما قرّرناه، فليس في يديه إلا دعوى بغير برهان» فلم يسعه إلا إثبات ذلك عنه، فماذا يكون جواب النافي؟!
وقد ردّ على ابن تيمية أيضًا من أحبابه والمتعلّقين بأهدابه المدعو ناصر الدين الألبانيّ، المجسّم الوهابيّ، المشهور بأنه من أشدّ المدافعين عن ابن تيمية المشبّه، وقلّما يَذكر ابن تيمية من دون أن يُلقِّبه بشيخ الإسلام، وهو الذي سعى لنشر كتاب «رفع الأستار» للصنعانيّ المذكور آنفًا، وقال في مقدّمته([6]): «فترانا هنا نردّ على شيخ الإسلام ابن تيمية قولَه بفناء النار، ولا نداريه، مع عظمته في نفوسنا، وجلالته في قلوبنا»، فهل يتهمون الألبانيّ بالكذب على ابن تيمية؟
ويقول الألبانيّ كذلك في معرض ردّه على ابن تيمية في المقدمة نفسها([7]) ناقلًا قول ابن تيمية: «ولو قدر عذاب لا آخر له لم يكن هناك رحمة ألبتَّة»! فكأنَّ الرحمة عنده لا تتحقق إلا بشمولها للكفار المعاندين الطاغين! أليس هذا من أكبر الأدلة على خطأ ابن تيمية وبُعْده هو ومن تبعه عن الصواب في هذه المسألة الخطيرة؟!
وحاشا أن يردّوا أو يكذّبوا قولَ الله سبحانه في الكفار: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر: 36].
وقولَه تعالى: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء: 97].
ومنه يتبيّن أن الوهابية المشبّهة يموهون في العقيدة ويضطربون كاضطراب الريح، وهم متنازعون في هذه المسألة الاعتقادية.
وينبغي العِلْم أن القول بفناء النار هو رأي جهم بن صفوان، كما تجد ذلك في «لسان الميزان»([8])، فجهم بن صفوان هو سلف من يقول بفناء النار.
[1])) ابن قيم الجوزية، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، ص248، 249، 255، 257.
[2])) الترمذيّ، سنن الترمذيّ، كتاب صفة الجنة، باب: ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار، ج4، ص690.
[3])) البخاريّ، صحيح البخاريّ، كتاب الرقاق، باب: صفة الجنة والنار، ج8، ص141.
[4])) أبو عبد الرحمٰن محمد بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم الأشقودري الألباني الأرنؤوطي المعروف باسم حمد ناصر الدين الألباني. تعرض للاعتقال مرتين إحداها قبل عام 1967 لمدة شهر في قلعة دمشق وهي القلعة عينها التي اعتقل فيها ابن تيمية، وعندما قامت حرب 1967م رأت الحكومة أن تفرج عن جميع المعتقلين. ولد الألباني عام 1333هـ الموافق 1914م، في مدينة أشقودرة عاصمة دولة ألبانيا، وتوفي قبيل يوم السبت سنة 1420هـ الموافق الثاني من أكتوبر 1999م في مدينة عمان عاصمة الأردن. (وهو من مجسِّمة هذا العصر). د.م، محمد ناصر الدين الألباني، ج1، ص4.
[5])) الصنعانيّ، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار، تعليق الألبانيّ، المقدمة، ص111.
[6])) الصنعاني، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار، تعليق الألبانيّ، المقدمة، ص28.
[7])) الصنعانيّ، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار، تعليق الألبانيّ، المقدمة، ص24.
[8])) ابن حجر، لسان الميزان، ترجمة أبي مطيع البلخي، ج3، ص247.