الخميس نوفمبر 21, 2024

المبحث الخامس عشر

تحريم الوهابية الاستعانة والنداء والاستغاثة بغير الله

الوهابية تحرّم النداء، أي قول: يا محمد؛ بل يعتبرونه عبادة لغير الله([1]) مهما كانت نية القائل. ولا نرى هذا إلا تكفيرًا للأمة الإسلامية ولعبد الله بن عمر رضي الله عنهما على الخصوص، مهما كانت نيته كما تزعم الوهابية، فقد روى البخاري([2]) في كتاب الأدب المفرد عن عبد الرحمٰن سعد([3]) قال: «خَدِرَتْ رِجْلُ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقيل له: اذكر أحب الناس إليك، فقال: يا محمد، فذهب خدر رجله». فما هذه الجرأة على صحابة رسول الله ﷺ… يا وهابية!

الوهابية تقول: من البدع المكفرة دعاء الأموات والغائبين والاستعانة بهم والوهابية بذلك تكفّر بلال بن الحارث المزني([4]) الصحابي الجليل الذي قصد قبر النبي ﷺ وتوسل به؛ بل إن عبد العزيز بن باز وصف فعل هذا الصحابي بالشرك([5]).

وأما هذا الحديث فقد رواه البيهقي([6]) بإسناد صحيح عن مالك الدار([7]) وكان خازن عمر رضي الله عنه، قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر رضي الله عنه فجاء رجل إلى قبر النبي ﷺ فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأُتِيَ الرجل في المنام (أي: أُرِيَ في المنام أن رسول الله ﷺ يُكَلِّمُه) فقيل له: أقرئ عمر السلام (أي: سلّم لي عليه) وأخبره أنهم يُسْقَوْن، وقل له: عليك الكَيْسَ الكَيْسَ. فأتى الرجل عمر رضي الله عنه فأخبره، فبكى عمر رضي الله عنه وقال: يا رب، ما آلو إلا ما عجزت (أي: لا أقصر إلا ما عجزت، أي سأفعل ما في وسعي لخدمة الأمة).

وقد جاء في تفسير هذا الرجل أنه بلال بن الحارث المزني الصحابي. فهذا الصحابي قد قصد قبر الرسول ﷺ للتبرك، فلم ينكر عليه عمر رضي الله عنه ولا غيره. فبطل دعوى الوهابية بأن فعل هذا الصحابي شرك.

ويبدو أن جهل الوهابية لم يقتصر على أحاديث رسول الله ﷺ بل على ما جاء في سيرة الصحابة، فقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استسقى بالعباس وتوسل به إلى الله، حيث قال: «اللَّهُمَّ إنَّا كنَّا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعمّ نبينا فاسقنا». رواه البخاري([8]). وقد قال الحافظ ابن حجر([9]) عقب هذه القصة: «ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة»، أيّ إجماع هذا الذي يدعيه ابن باز؟ وإجماع من؟ أم أنه لا يعرف معنى الإجماع؟ أم هو إجماع الوهابية الذين يعتبرون أنفسهم المسلمين فقط؟ وهل يعتبر ابنُ باز عمرَ بن الخطاب والعباسَ رضي الله عنهما والحافظَ ابن حجر الذي نقل استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة قد خرقوا الإجماع؟

وقد ذكر ابن باز في كتابه المسمّى «فتاوى في العقيدة»([10]) (رسائل إرشادية لرئاسة الحرس الوطني) تكفيره للمستغيثين والمتوسلين بالأنبياء والأولياء، وأنهم مشركون كفرة لا تجوز مناكحتهم ولا دخولهم المسجد الحرام ولا معاملتهم معاملة المسلمين، ولو ادعوا الجهل، ولا يلتفت إلى كونهم جهالًا؛ بل يجب أن يعاملوا معاملة الكفار. فتراه – والعياذ بالله – يدخل من باب الخبث مع هذه العبارات كلمة «والنذر لهم» فمن من المتوسلين والمتبركين بالأولياء والصالحين ينذر لهم؛ بل النذر لله؛ وإنما هو من باب التلبيس على الناس.

والوهابية تكفر من استعان بغير الله – أي: طلب العون([11]) – ويرد هذا بقوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]، وبحديث رسول الله ﷺ: «إِنَّ للهِ مَلائكةً سيَّاحينَ في الأرضِ سِوَى الحَفَظةِ يكتُبونَ ما يَسْقُطُ مِنْ وَرَقِ الشَّجرِ، فإذا أصابَ أَحدكُم عَرْجةٌ بِأَرْضٍ فَلاةٍ فلْيُنَادِ: أَعِيْنُوا عِبَادَ اللهِ». رواه البزار([12]) في مسنده([13])، وقال الحافظ الهيثمي([14]): «ورجاله ثقات»([15]). فكيف يكون مجرد طلب العون عند الضيق أو غيره، مع اعتقاد أنه لا ضار ولا نافع على الحقيقة إلا الله، شركًا بالله؟ وقد قال رسول الله ﷺ: «واللهُ في عونِ العبدِ ما دام العبدُ في عونِ أخيهِ». رواه أبو داود([16]) في سننه([17]).

 

[1])) محمد بن جميل زينو (المجسم)، الكتاب المسمّى توجيهات إسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع، ص9.

[2])) البخاري، الأدب المفرد، باب: ما يقول الرجل إذا خدرت رجله، ج1، ص335.

[3])) عَبْد الرَّحمٰن بن سعد بن مالك بن سنان الأنْصارِيّ الخزرجي، أبُو حفص. ذكره ابنُ حِبَّان في كتاب «الثقات»، مات سنة اثنتي عشرة ومائة، وهو ابن سبع وسبعين سنة. جمال الدين المزي، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، ج17، ص134.

[4])) بلال بن الحارث بن عاصم بن سعيد بن قرة، أبو عبد الرحمٰن المزني وهو من قبيلة مزينة، وهو مدني قدم على النبي r في وفد مزينة في رجب سنة خمس، وكان يحمل لواء مزينة يَوْم فتح مكة، ثم سكن البصرة. روى عنه: ابنه الحارث، وعلقمة بن وقاص. توفي سنة ستين آخر أيام معاوية، وهو ابن ثمانين سنة. عز الدين بن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج1، ص413.

[5])) ابن باز (معلّقًا)، الكتاب المسمّى أخطاء فتح الباري في العقيدة، ص8.

[6])) البيهقي، دلائل النبوة، ج7، ص47. وصحح إسناده ابن كثير، البداية والنهاية، ج7، ص92. وابن حجر، فتح الباري، ج2، ص495.

[7])) مالك بن عياض المعروف بمالك الدار المدني، مولى عمر بن الخطاب، ويقال له: الجيلاني، سمع أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل. وروى عنه أبو صالح السمان وعبد الرحمٰن بن سعيد بن يربوع. وقدم مع عمر بن الخطاب الشام، وشهد مه فتح بيت المقدس وخطبته بالجابية، وكان مالك الدار خازنًا لعمر. ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج56، ص489.

[8])) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الاستسقاء، باب: سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، ج1، ص341.

[9])) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، ج2، ص497.

[10])) ابن باز، الكتاب المسمّى فتاوى في العقيدة، ص13.

[11])) مُحمد بن عبد الوهاب، الكتاب المسمّى مجموعة التوحيد، ص24.

[12])) أبو بكر أحمد بن عَمْرو بن عَبْد الخالق البَزَّاز البصِرْي صاحب المسند، أحد حفَّاظ الدّنيا، بقي بمَكَّة أشهرًا فَولي الْحِسْبَة. توفي بالرملة سنة 292هـ. أبو الشيخ الأصبهاني، طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها، ج3، ص386، رقم الترجمة: 421.

[13])) البزار، مسند البزار، مسند ابن عباس t، ج2، ص178.

[14])) علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، نور الدين، أبو الحسن، محدث، حافظ، رافق العراقي في السماع ولازمه، ولد سنة 735هـ وتوفي سنة 807هـ بالقاهرة في 19 رمضان. من تصانيفه: «موارد الظمآن في زوائد صحيح ابن حبان»، «مجمع الزوائد ومنبع الفوائد»، «زوائد المعجمين الأصغر والأوسط للطبراني»، «بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث»، و«تقريب البغية في ترتيب أحاديث الحلية». عمر ابن رضا كحالة، معجم المؤلفين، ج7، ص45.

[15])) الهيثمي، مجمع الزوائد، ج10، ص132.

[16])) أبو داود السِّجِسْتانيّ، سليمان بن الأشعث بن شدّاد بن عمرو بن عامر، وقيل: سليمان بن الأشعث ابن بشْر بن شدّاد، الإمام، مقدّم الحفّاظ، محدّث البصرة، رحل وجمع وصنّف وبرع في هذا الشأن. قال الخطيب أبو بكر: يقال: إنه صنّف كتابه «السُّنن» قديمًا، وعرضه على أحمد بن حنبل فاستجاده واستحسنه، وقيل عنه إنه كان من فرسان الحديث. ولد سنة 202هـ، توفّي في سادس عشر شوّال، سنة 275هـ. الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج9، ص113 – 121، رقم الترجمة: 2473.

[17])) أبو داود، سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب: في المعونة للمسلم، ج4، ص442.