سؤال موجه إلى هؤلاء القائلين بأن الرسولَ هو أول خلق الله،
يقال لهم ألستم تعتقدون أن إبليس خُلق قبل ءادم؟
فيقولون: بلى للنص الوارد في القرءان وهو قوله تعالى ﴿وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾،
فيقال لهم: وهل سَبْقُ إبليسَ ءادم عليه السلام بالخلق يقتضي أفضليته؟
فلا شك أنهم لا يقولون إن ذلك يقتضي أفضلية إبليس،
فيقال لهم: لماذا تتشبثون بقولكم (الرسول أولُ خلق الله) وأي طائل تحت قولكم هذا؟!
أيضًا لا معنى لقول هؤلاء إن الحديث الضعيف الإسناد إذا تلقته الأمة بالقبول فيكون صحيحًا لغيره كما ادعاه بعض من كتب في هذه المسألة من الهند وحديث أولية النور كذلك، فيقال لهم هذا لا ينطبق على هذا الحديث الموضوع لأن مرادهم بالأمة المجتهدون، فاذكروا لنا أيّ إمام من الأئمة المجتهدين الأربعة وغيرهم قال بذلك، فإن كان عندكم نص فأظهروه، وهل تستطيعون أن تثبتوا ذلك عن أحد من أصحاب الأئمة الأربعة الذين تلقوا عن هؤلاء؟ كل ما في الأمر أنكم وجدتم هذا الكلام الذي تقولونه من كلام بعض المتأخرين مثل الزرقاني وابن حجر الهيتمي والقسطلاني الذي هو من أهل القرن العاشر وأشباهـم ومن جاء بعد هؤلاء مثل يوسف النبهاني الذي هو من أهل القرن الرابع عشر والعجلوني وأبي بكر الأشخر وأمثالهم، فكيف تدَّعون أن هذا مما تلقته الأمة بالقبول؟!.
ومن سواهم ممن تحتجون بكلامهم متأخر عن ابن حجر الهيتمي.
إنما الذي ذكره العلماء في كتب الحديث أن الحديث الضعيف إذا تلقته الأمة بالقبول يكون صحيحًا لغيره مثل حديث (البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، وحديث النهي عن بيع الكالئ بالكالئ، هذان الحديثان أئمة السلف من الفقهاء والمحدثين ومن تبعهم من الحفاظ والفقهاء الذين جاءوا بعدهم قالوا بصحة هذين الحديثين لأن الأمة تلقتهما بالقبول، أي أنَّ جميع المجتهدين عملوا بهما مع ضعف إسناديهما فأين ما تدعون من هذا؟!
أما الحافظ ابن حجر العسقلاني فإنه لم يتعرض لما تقولونه بل صرح بما يُفهم من حديث (كان الله ولم يكن شىء غيره وكان عرشه على الماء) بما دل عليه الحديث، وأما عبد الرزاق الصنعاني صاحب المصنف فهو متقدم، فالثابت عنه ما في تفسيره من أولية الماء والعرش، ثم من شأن عبد الرزاق في مؤلفاته أن يورد الحديث من غير أن يصححه، فكتابه المصنف والجامع لا يتعرض فيهما للحكم على الأحاديث التي يذكرها بقول (صحيحٌ أو حسن أو ضعيف)، فلو ثبت أنَّ حديث جابر ذكره في مصنفه فلم يصححه ولم يحسنه، فهل يقول ذو إلمام بعلم الحديث بأن مجرد ذكر المحدث لحديث في تأليفه أنه صحيح، لا يقول هذا من مارس علم الحديث دراية.
وقد ادعى بعض المتعصبين لحديث أولية النور أنه وجد نسخة من المصنف فيها ذكر هذا الحديث ولم يُعرف لها أثرٌ منذ نحو خمس عشرة سنة منذ قالها هذا الرجل. فكيف ساغ لهم أن يحتجوا بحديث (أول ما خلق الله تعالى نور نبيك يا جابر) الذي لم يصححه أحد من الحفاظ.
على أن ابن حجر الهيتمي لما أورده في كتابه شرح الأربعين النووية لم ينقل أنَّ أحدًا من الحفاظ صحح حديث أولية النور المحمدي إنما قال عن نفسه أنَّ ما ارتضاه من قِبَلِ نفسه وحاول تقوية رأيه بتأويل حديث الترمذي (إن أول ما خلق الله تعالى القلم)، وهذا الحديث صححه الترمذي، لكن ابن حجر الهيتمي أوَّل هذا الحديث فقال أولية القلم نسبية وأولية النور المحمدي حقيقية، وكان الذي يليق به أن لا يتكلف هذا التأويل لأنَّ تأويل النصوص الثابتة لا يصار إليه إلا لدليل عقلي أو نقلي ثابت وهنا لا يوجد واحد منهما.
وأما دعوى بعض الذين كتبوا في تأييد هذا الحديث انَّ السيوطي ما ضعفه إنما ضعّف إسناده فلا ينافي ذلك ثبوته في نفسه من جهةٍ أخرى، فالجواب أن عبارته في قوت المغتذي تأبى ذلك لأنَّ عبارته فيه وهذا نصُّها:
وأما حديثُ أولية النور المحمدي فلا يثبت. اهـ فأضافَ نفي الثبوت إلى الحديث نفسه، فهذا حكم على الحديث بالضعف ولم يذكر الإسناد.