الأحد ديسمبر 22, 2024

فتوى مفتي الديار المصرية الأسبق الشيخ محمد أحمد عليش المالكي فيمن أثبت الصوم على الحساب

بسم الله الرحمن الرحيم
مسائل الصيام

ما قولكم فيما وقع من بعض الشافعية مشهورًا بالعلم والديانة من اعتماده في ثبوت رمضان وشوال على حسابه سير القمر وعدم اعتباره لرؤية الهلال بالبصر واتفق له مرارًا صوم قبل عموم الناس بيوم وفطره قبلهم كذلك ويظهر ذلك لخواصه وأحبابه ويقلدونه فيه وربما تعدى الأمر لغيرهم فقلده أيضًا وكاد أن يتسع هذا الخرق وأهل العلم ساكتون عليه فهل هذا صحيح في مذهب الإمام الشافعي فيجوز موافقتهم عليه أو هو ضلال يجب إنكاره والنهي عنه حسب الإمكان وتحرم موافقتهم فيه أفيدوا الجواب؟

فأجبت بما نصه:
الحمد لله على توفيقه لطريق الصواب والصلاة والسلام على سيدنا محمد والآل والأصحاب، نعم هو ضلال، تحرم موافقتهم فيه، ويجب إنكاره، والنهي عنه حسب الإمكان، إذ هو هدم للدين ومصادم لصريح حديث سيد المرسلين ووقوعه من ذلك الرجل أدل دليل على جهله المركب وعدم ديانته واختلال عدالته ودناءة همته وعدم مروءته، وأنَّ مقْصوده الشهرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

والواقع من هذا وأتباعه لا يوافق مذهب الإمام الشافعي ولا غيره من الأئمة الذين يُنْجِي تقليدهم يوم الأهوال العظمى، وذلك لانعقاد الإجماع على أنه لا يجوز لأحد أن يعول في صومه وفطره على الحساب مستغنيًا عن النظر إلى الأهلة، وإنما اختلف العلماء فيمن كان من أهل الحساب وأغمي الهلال هل له أن يعمل على حسابه أم لا، فقال مطرف بن الشخير من كبار التابعين يعمل في خاصته على ذلك وقاله الشافعي في رواية، والمعلوم من مذهبه ما عليه الجمهور من أنه لا يعمل على ذلك، قال الإمام ابن رشد في كتاب الجامع من المقدمات بعد أن ذكر أن الاشتغال بالنجوم فيما يعرف به سمت القبلة وأجزاء الليل جائز بل مستحب، وأما النظر في أمرها فيما زاد على ذلك مما يتوصل به إلى معرفة نقصان الشهور من كمالها دون رؤية أهلتها فذلك مكروه، لأنه من الاشتغال بما لا يعني إذ لا يجوز لأحد أن يعول في صومه وفطره على ذلك فيستغني عن النظر إلى الأهلة بإجماع من العلماء، وإنما اختلف أهل العلم فيمن كان من أهل هذا الشأن إذا أغمي الهلال هل له أن يعمل على معرفته بذلك أم لا؟ فقال مطرف بن الشخير يعمل في خاصته على ذلك وقاله الشافعي أيضًا في رواية والمعلوم من مذهبه ما عليه الجمهور من أنه لا يعمل على ذلك. اهـ

وروى ابن نافع عن مالك في الإمام الذي يعتمد على الحساب أنه لا يقتدى به ولا يتبع. اهـ

قال ابن العربي كنت أنكر على الباجي نقله عن بعض الشافعية لتصريح أئمتهم بلغوه حتى رأيته لابن سريج، وقاله بعض التابعين، وقد رد ابن العربي في عارضته على ابن سريج وبالغ في ذلك وأطال.

ثم قال مفتى الديار المصرية الأسبق الشيخ محمد عليش (ومن المعلوم أنه يجب الاقتصار في القضاء والفتوى والعمل على المشهور أو الراجح وطرح الشاذ والضعيف، وبالجملة لا ننكر وجود رواية بجواز العمل بالحساب عندنا وعند الشافعية، بل نعترف بها في المذهبين ولكنها شاذة فيهما ومقيدة بخاصة النفس وبالغيم فبان أن ما وقع من هؤلاء القوم ضلال لا يوافق حتى الرواية الشاذة لأنهم يتجاهرون بالصوم أو الفطر قبل الناس ويدعونهم إليه مع الصحو وعدم إمكان الرؤية لضعف نور الهلال فيجب على من بسط الله تعالى يده بالحكم زجرهم وتأديبهم أشد الزجر والأدب لينسد باب هذه الفتنة الموجبة للخلل في ركن الدين ومخالفة سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى ءاله أجمعين والله سبحانه وتعالى أعلم). اهـ

من كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك، للشيخ أبي عبد الله محمد أحمد عليش المالكي مفتي الديار المصرية الأسبق المتوفى سنة 1299 هـ المجلد الأول صحيفة 168 دار الفكر.