الخميس نوفمبر 21, 2024

بيان معنى قول الإمام الشافعي (أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية) وأنه ليس على ظاهره

قال العمراني في البيان، مسئلة، قال الشافعي رحمه الله (ولا ترد شهادة أحد من أهل الأهواء إذا كان لا يرى أن يشهد لموافقيه بتصديقه وقبول يمينه ولشهادة من يرى أن كذبه شرك بالله ومعصية تجب بها النار أولى أن تطيب النفس بقبولها ممن يخفف المأثم في ذلك فنص بهذا على قبول شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية، وقال في الأم ذهب الناس في تأويل القرءان والأحاديث والقياس أو من ذهب منهم إلى أمور اختلفوا فيها فتباينوا فيها تباينا شديدا واستحل فيها بعضهم من بعض ما تطول حكايته فكان ذلك منهم متقادما عن السلف ومن بعدهم إلى اليوم فلم يعلم أن أحدا ممن سلف من هذه الأمة يقتدى به ولا من التابعين بعدهم رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله ورءاه استحل منه ما حرم عليه، ولا ترد شهادة أحد بشئ من التأويل كان له وجه يتحمله وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال أو المفرط من القول فكذلك أهل الأهواء وجملة ذلك أنه لا خلاف بين أصحابنا في أن شهادة الخطابية غير مقبولة وهم أصحاب أبي الخطاب الكوفي يعتقدون أن الكذب لا يجوز فإذا ذكر بعضهم لبعض أن له على رجل حقا حلفه وصدقه على ذلك وشهد له بالحق الذي حلفه عليه لأنهم يشهدون بقول المدعي.
قال المسعودي إلا أن يفسر الشهادة فيقول أشهد أن فلانا أقر لفلان بكذا فحينئذ يقبل والأول أصح لأنه يجوز أن يشهد بالحق مفسرا معتمدا في تفسيره على يمين المدعي الذي حلف له.
قال الشيخ أبو حامد وكذلك إذا كان الرجل يعتقد أن رجلا مباح الدم يحل قتله فيشهد عليه بالقتل فلا تقبل شهادته عليه لأنها شهادة بالزور.
واختلف أصحابنا في قبول شهادة سائر أهل الأهواء غير الخطابية فقال ابن القاص والقفال لا ترد شهادة واحد منهم.
قال ابن الصباغ وهو ظاهر قول الشافعي رحمه الله وبه قال أبو حنيفة لأن لهم شبهة فيما يقولون لا يصل الإنسان إلى حلها إلا بعد إتعاب الفكر فلم ترد شهادتهم بذلك.
قال الشيخ أبو حامد أهل الأهواء على ثلاثة ضروب ضرب نخطئهم ولا نفسقهم فيهم الذين اختلفوا في الفروع التي يسوغ فيها الاجتهاد مثل أصحاب مالك وأبي حنيفة وغيرهما من أهل العلم الذين يخالفون في نكاح المتعة وهو النكاح بلا ولي ولا شهود وغير ذلك فهؤلاء لا نفسقهم ولا نرد شهادتهم قال وهذا الضرب هو الذي أراد الشافعي رحمه الله بأهل الأهواء الذين لم ترد شهادتهم دون غيرهم لأن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في مسائل كثيرة في الفروع وخطأ بعضهم بعضا وأغلظ بعضهم على بعض في القول في الخطإ في ذلك ولم يرد بعضهم شهادة بعض.
وأما الضرب الذين نفسقهم ولا نكفرهم فهم الروافض الذين يسبون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما والخوارج الذين يسبون عثمان وعليا رضي الله عنهما فلا تقبل شهادتهم لأنهم يذهبون إلى شئ لا يسوغ فيه الاجتهاد فهم معاندون مقطوع بخطئهم وفسقهم فلم تقبل شهادتهم هذا خلاف قول القفال.
وأما الضرب الذين نكفرهم فهم القدرية الذين يقولون إنهم يخلقون أفعالهم استقلالا دون الله تعالى (أي مع قولهم إن الله أعطاهم القدرة عليها فهم يرون أنهم يخلقون استقلالا فيكفرون ولو قالوا خلقنا فعلنا بقدرة أعطانا الله إياها) ومن يقول بخلق القرءان (يعني من يقول إن الله ليس له كلام صفة له إلا ما يخلقه في غيره).

زيادة: سئل الشيخ عن الضرب الذين نكفرهم من القدرية من ذلك ويقولون إن الله لا يرى يوم القيامة وكنا تعلمنا أنهم لا يكفرون هذا القول فكيف ذكر هنا فقال رضي الله عنه أضافوا إليه للعلم يضيفون هذا للعلم (أي للعلم أنهم يقولون هذه المقالة أيضا) ويقولون إن الله لا يرى يوم القيامة، والجهمية النافون عن الله تعالى الصفات لأن الشافعي رحمه الله تعالى قال في مواضع من كتبه من قال بخلق القرءان فهو كافر وإذا حكم بكفرهم فلا معنى لقبول شهادتهم والدليل على ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (القدرية مجوس هذه الأمة فإذا مرضوا فلا تعودوهم وإذا ماتوا فلا تشهدوهم) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من سب نبيا فقد كفر ومن سب صاحب نبي فقد فسق) وروي عن عمر أنه قال (لا تجالسوا القدرية) وأقل ما في هذا أن لا تقبل شهادتهم، قال علي رضي الله عنه (ما حكمت مخلوقا وإنما حكمت القرءان) وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد ولأن هذه المسائل قد نصب الله تعالى عليها أدلة إذا تأملها المتأمل حصل له العلم بها فنسبوا في مخالفتها إلى العناد كما ينسب المخالف في التوحيد. انتهى كلام أبي حامد
وقال أبو إسحاق في الشرح (من قدم عليا على أبي بكر وعمر في الإمامة فسق لأنه خالف الإجماع ومن فضل عليا على أبي بكر وعمر وعثمان أو فضل بعضهم على بعض لم أفسقه وأقبل شهادته وأما قول الشافعي رحمه الله لشهادة من يرى كذبه شركا بالله فهم الخوارج لأنهم يرون الكذب معصية وكفرا تجب به النار ولم يرد به أن شهادتهم تقبل وإنما أراد أن شهادتهم لا ترد لذلك لأن ذلك أدعى إلى قبول شهادتهم وإنما ترد شهادتهم لقولهم بخلق القرءان وأنهم يخلقون أفعالهم وغير ذلك). انتهى

ومراده بقوله (من سب صاحب نبي فقد فسق) من كان من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن كان على سيرتهم أما من ليس كذلك فليس مرادا بهذا الحديث فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في صحابي خطب فقال في خطبته (من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى) هذا حديث صحيح رواه مسلم فقد قال الرسول هذا الكلام لهذا الخطيب بسبب الكلام الفاسد المكروه وهو قول ذلك الخطيب (ومن يعصهما) حيث جمع بين الله والرسول في ضمير واحد وذلك لأن هذا الجمع يوهم التسوية بين الله ورسوله.