الجمعة نوفمبر 22, 2024

مناظرة غيلان بن مروان القدري المعتزلىّ والإمام المجتهد الأوزاعي رضي الله عنه

روى الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق أن غيلان بن مروان القدري الضال المضل بدأ بنشر عقيدته الفاسدة بين الناس كان في زمن التابعين اعتقد ما لا يجوز اعتقاده وبدأ ينشر عقيدته الفاسدة بين الناس تعدى شره إلى الناس صار يتكلم في القدر صار يقول للناس (نحن خلقنا أعمالنا، الله ما خلق أعمالنا، الله ما خلق الشر)، بدأ ينشر هذا الكفر والضلال بين العباد، أما عقيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أن الله خلقنا وخلق أعمالنا التي نعملها باختيار منا أو التي تحصل بغير اختيار منا، لا خالق إلا الله، والله تعالى خلق الخير وخلق الشر، خلق الشر ولكنه لا يحب الشر، نهى عنه وأمر بالخير.
فكان من غيلان أن نشر هذه البدعة الاعتقادية الكفرية بين الناس فعلم بذلك سيدنا الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقال له (يا غيلان ما الذي بلغني عنك، تتكلم في القدر) وكان عمر له هيبة بالتقوى فخاف غيلان، فقال غيلان (يُكذب علي يا أمير المؤمنين ويقال عليّ ما لم أقل)، فقال له الخليفة عمر بن عبد العزيز (ويلك، والله لو علمت الذي بلغني عنك لضربت عنقك اقرأ من سورة يس)، فبدأ غيلان يقرأ، وهذا غيلان يدعي العلم والمشيخة يلبس العمامة ويرخي اللحية ويدور بين الناس يتكلم العربية الفصيحة ويحفظ من كتاب الله ومن حديث رسول الله ولكن الله أضله على علم، قال له عمر (اقرأ من سورة يس)، فقرأ الآية الكريمة (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ) 9 سورة يس، قال عمر (قف من الذي جعل بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا)؟ قال غيلان (لا أدري)، قال (ويلك، الله الذي جعل بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا) يعني أن الله تعالى هو خالق العباد وخالق أعمال العباد لا خالق إلا الله تعالى، فقال غيلان (أعاهد الله أن لا أعود فأتكلم في شىء من هذا أبدًا) فانطلق فلما ولى قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو من أهل الكشف والكرامة، ما اطمأن قلب عمر لكلام غيلان، فقال عمر (اللهم إن كان أعطاني بلسانه ومحنته في قلبه فأذقه حر السيف) فما عاد غيلان يتكلم في مسئلة القدر في زمن خلافة عمر بن عبد العزيز، بعدما مات عمر بن عبد العزيز رجع يتكلم غيلان في القدر، أعاد ما كان يخفيه على عمر، فلما وليَ الخلافةَ هشامُ بن عبد الملك استدعاه استدعى غيلان إلى دار الخلافة، قال له (يا عدو الله ألست عاهدت الله لعمر بن عبد العزيز أن لا تتكلم في هذا؟ اقرأ يا عدو الله فاتحة الكتاب) فبدأ غيلان بالقراءة (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 1 الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 2 الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 3 مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ 4 إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 5)، قال الخليفة هشام (قف يا عدو الله، علام تستعين الله، على أمر بيدك أم على أمر بيده، من ها هنا انطلقوا به فاضربوا عنقه واصلبوه)
فقال غيلان (أبرز لي يا أمير المؤمنين من يناظرني، فإن غلبني فهذه عنقي)، فقال الخليفة هشام (من لهذا القدري)؟ قالوا الأوزاعي رضي الله عنه، الإمام المجتهد الورع الزاهد العابد أبو عمرو الأوزاعي رضي الله عنه، فأرسل إلى الأوزاعي ليأتي من بيروت إلى دمشق، دخل على دار الخلافة، فقال الأوزاعي لغيلان (يا غيلان إن شئت ألقيت عليك ثلاثًا وإن شئت أربعًا وإن شئت واحدًا، أسألك أربعة أسئلة أم ثلاثة أم واحدًا)؟
قال (الق علي ثلاثًا)،
فقال الإمام الأوزاعي رحمه الله (يا غيلان أخبرني عن الله قضى على ما نهى، فقال غيلان لا أدري كيف هذا)،
قال الأوزاعي (هذه واحدة يا أمير المؤمنين)،
قال الأوزاعي (يا غيلان أخبرني عن الله أمر بأمر ثم حال دونه)،
فقال غيلان (لا أدري والله هذه أشد من الأولى)،
قال الأوزاعي (هاتان اثنتان يا أمير المؤمنين)،
قال الأوزاعي (يا غيلان، أخبرني عن الله حرم حراما ثم أحله)،
قال غيلان (لا أدري هذه أشد من الأولى ومن الثانية)،
قال الأوزاعي (كافر وربِ الكعبة يا أمير المؤمنين).
فأمر به الخليفة فقطعت يديه ورجليه وضربت عنقه وصلب على باب دمشق ولما أخذ لتنفيذ الحكم عليه قال غيلان أدركتني دعوة العبد الصالح عمر بن عبد العزيز.

فقال هشام (يا أبا عمرو أخبرنا عن هذه الثلاثة ما هي)؟
قال قلت له أخبرني عن الله قضى على ما نهى، فالله تبارك وتعالى نهى ءادم أن يأكل من الشجرة وقضى عليه أن يأكل منها فأكل، وأخبرته، قلت له أخبرني عن الله أمر بأمر ثم حال دونه، الله أمر إبليس أن يسجد لآدم وحال دونه أن يسجد، قلت له أخبرني عن الله حرم حرامًا ثم أحله فالله تعالى حرم أكل الميتة وأحلها للمضطر إليها صاحب الضرورة كالذي يكون في الصحراء وكاد أن يقتله الجوع إن لم يأكل فلم يجد إلا ميتة فهذه الميتة يأكل منها ما يسد هلاك الجوع ليس إلى حد الشبع، فهذه الأجوبة الثلاثة يا أمير المؤمنين، وبعد ذلك أرسل أحد علماء السلف وهو رجاء بن حيوة إلى الخليفة هشام يقول له والله يا أمير المؤمنين إن قتل هذا أفضل من قتل 1000 كافر معلن لأن خطر هؤلاء أشد على العوام من خطر الكفار المعلنين.