لاَ يَجُوزُ أَنْ نُسَاوِيَ بَيْنَ الأَنْبِيَاء وَالأَوْلِيَاء فَمَنْ جَعَلَ الأَوْلِيَاءَ مَعَ الأَنْبِيَاءِ سَوَاءً بِسَوَاء فَقَدْ ضَلَّ وَكَفَر
الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم قَال (فَإِنْ يكن فِي أُمَّتِي أَحَدٌ مِنْهُم فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب) رَضِيَ الله عَنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ الملْهَم فِي أُمَّتِي هُوَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب هُوَ لاَ يَشُكُّ أَنَّ فِي أُمَّتِهِ كَثِيرًا مِنَ الملْهَمِين لاَ يَشُكُّ بلْ يَعْلَم أَنَّ فِي أُمَّتِه كَثيرًا مِنَ الأَوْلِيَاء المكَاشَفِين الَّذِينَ يُكَاشِفُهُمُ الله تَعَالَى يُعْطِيْهِم فِرَاسَة فَيُدْرِكُونَ كَثِيرًا مِنَ الأُمُورِ الخَفِيَّة بِالنُّورِ الَّذِي وَضَعَهُ الله تَعَالَى فِي قُلُوبِهِم.
يَعْلَمُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلاَءِ فِي أُمَّتِهِ لَكِنَّهُ أَرَادَ تَأْكِيدَ أَمْرِ عُمَرَ ابْنِ الخَطَّاب فِي نُفُوسِ أُمَّتِهِ حَتَّى يَعْرِفُوا لَه هَذَا الفَضْلَ العَظِيم فَقَال (فَإِنْ يَكُن فِي أُمَّتِي أَحَدٌ مِنْهُم فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب).
فَالجَاهِلُون الَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ أَحْكَامَ الشَّرِيعَة الَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ مَا هُوَ الجَائِزَ لِلْوَلِيّ مِنَ الصِـّفَات إِلَى أَيْنَ حَدُّ الوَلِيّ الَّذِي لاَ يَتَجَاوَزُهُ وَإِلَى أَيْنَ حَدُّ النَّبِيِّ الَّذِي لاَ يَتَجَاوَزُهُ الَّذِي لاَ يَعْرِف مَرَاتِبَ الأَنْبِيَاءِ الَّذِي لاَ يُمَيِـّز بَيْنَ مَراتِب الأَنْبِيَاء وَمَرَاتِبِ الأَوْلِيَاء وَمَنْ دُونَهُم تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الأُمُور فَيَعْتَقِدُ لِلأَوْلِيَاء مَا لاَ يَجُوزُ لِلأَوْلِيَاء يَعْتَقِدُ فِيهِم مَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِلاَّ لله.
كَانَ أَحَدُ الغُلاَةِ يَقُول مِنْ شِدَّةِ مَا غَرقَ فِي الاعْتِقَادِ فِي شَيخِهِ لاَ يَكُونُ فِي الكَوْنِ حَرَكَةٌ وَلاَ سُكُون إِلا بِتَصَرُّفِ الشَّيْخ، جَعَلَهُ مُدَبِـّرَ العَالَم، شَيْخُهُ هَذَا أَعْرِفُهُ أَنَا كَانَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ فُلاَّةَ، فُلاَّة هَذِهِ مِن أَفْرِيقْيَة لَمْ يَكُن مِنَ الصَّالِحِين كَانَ مِنَ التِـجَانِيِـّين هَؤُلاَءِ التِـجَانِيّيون طَرِيقَتُهم طَرِيقَةٌ مُنْحَرِفَة زَائِغَة عِنْدَهُم مِنَ الضَّلاَلاَتِ الشَّىءُ الكَثِير مِنْ جُمْلَةِ مَا يَقُولُونَهُ إِنَّ شَيْخهم أَبَا العَبَّاس التِـجَانِي وَكَانَ مِنْ أَهْلِ القَرْنِ الثَّانِي عَشَر أَيْ مُنْذُ مِائَتَي سَنَةٍ تَقْرِيبًا كَانُوا يَقُولُونَ عَنْهُ فِي كُتُبِهِم الَّتِي أَلَّفُوهَا وَطَبَعُوها وَنَشَرُوها فِي مَشَارِقِ الدُّنْيا وَمَغَارِبِها وَأَصْلُهُ مَغْرِبِيٌّ مِنْ مَرَّاكِش هُوَ لَعلَّهُ مُفْتَرًى عَلَيْه، المنْتَسِبُونَ إِلَيْه افْتَرَوْا عَلَيْه يَقُولُون إِنَّهُ اجْتَمَع بِسَيِـّدِنا مُحَمَّد يَقَظَةً فَقَالَ لَهُ مَنْ أَحَبَّكَ مَنْ تَعَلَّقَ بِكَ فَلَهُ كَذَا فَلَهُ كَذَا فَلَهُ كَذَا وَأَمَّا مَنْ أَخَذَ وِرْدَكَ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، يُعَدِّدُونَ أَشْيَاءَ كَثِيرَة.
ثُمَّ يَقُولُون إِنَّ لَهُم وردًا يَقْرأونَهُ يَوْمَ الجُمُعَة يَفْرِشُونَ شَاشَةً بَيْضَاء فِي وَسَطِ الحَلقَة الَّتِي هُمْ يُحَلِـّقُونَ حَوْلَهَا ويَقُولُونَ إِنَّ الرَّسُولَ يَحْضُرُ وَيَجْلِسُ عَلَى هَذِهِ الشَّاشَة هَؤُلاَءِ المفْتَرُون عَلَى الله وَعَلَى رَسُولِ الله عِنْدَهُم ضَلاَلاَتٌ وَكُفْرِيَّات كَثِيرَة، مِنْ جُمْلَةِ مَا عِنْدَهُم مِنَ الافْتِرَاءَات الَّتِي يَخْدَعُونَ بِها الجُهَّال الَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ مَا يَصِحُّ فِي الدِّينِ وَمَا لاَ يَصِحّ يَقُولُون إِنَّ الرَّسُولَ قَالَ لَهُ مَنْ تَعَلَّقَ بِكَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ هُوَ وَأَبُوهُ وَأُمُّهُ وَكَذَا وَكَذَا إِلَى سَبْعَةِ أَنْفُسٍ يدخلون الجَنَّةَ بِلاَ حِسَابٍ وَلاَ عِقَاب يَقُولُونَ إِنَّ الرَّسُول قَال لَهُ يَقَظَةً مَنْ تَعَلَّقَ بِكَ إِنْ أَحَبَكَّ حُبًّا قَوِيًّا إِنَّهُ يَدْخُلُ الجَنَّةَ هُوَ وَأَبُوهُ وَأُمُّهُ وَأَرْبَعَةٌ ءَاخَرُون بِسَبَبِهِ الجَنَّةَ بِلاَ حِسَابٍ وَلاَ عِقَاب.
وَيَقُولُونَ أَيْضًا إِنَّ مَنْ أَخَذَ وِرْدَهُم صَارَ أَفْضَلَ مِنَ القُطْبِ مِنْ غَيْرِهِم.
فالَّذِي يَتَصَدَّى لأَخْذِ الطَّرِيق مِنْ أَيِّ شَيْخٍ كَانَ فإِنَّهُ قَدْ وَقَفَ عَلَى مَشَارِف الخَطَر إِلاَّ إِذَا كَان هَذَا الإِنْسَان تَعَلَّمَ مِن عِلْمِ الدِّينِ القَدْرَ الكَافِي، مِنْ أَهْلِ المعْرِفَة أَهْلِ الكَفَاءَة وَالثِـّقَة إِذَا أَخَذَ القَدْرَ الكَافِي هَذَا إِنْ اخْتَلَطَ بِهِم أَوْ سَمِعَ كَلاَمَهُم يَكُون عَلَى حَذَرٍ لاَ يُقَلِـّدُهُم تَقْلِيدًا أَعْمَى بَلْ يَعْرِفُ الزَّيْغَ الَّذِي عِنْدَهُم فَلاَ يَنْخَرِطُ فِي ضَلاَلِهِم وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَتَزَوَّد بِالقَدْرِ الكَافِي مِنْ عِلْمِ الدِّين فَإِنَّهُ يَهْلِكُ مَعَهُم كَمَا هَلَكُوا.
لاَ يَجُوزُ أَنْ نُسَاوِيَ بَيْنَ الأَنْبِيَاء وَالأَوْلِيَاء فَمَنْ جَعَلَ الأَوْلِيَاءَ مَعَ الأَنْبِيَاءِ سَوَاءً بِسَوَاء فَقَدْ ضَلَّ وَكَفَر.
النَّبِيُّ مِنْ أَنْبِيَاءِ الله أَفْضَلُ مِنَ الملاَئِكَة أَفْضَلُ مِن جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَمِن حَمَلَةِ العَرْش وَمِن كُلِّ أَفْرَادِ البَشَر، النَّبِيُّ مِنْ أَنْبِيَاءِ الله تَعَالَى أَفْضَلُ عِنْدَ الله، الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَال فِي حَقِّ الأَنْبِيَاء فِي تَفْضِيلهِمِ عَلَى العَالَمِين (وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وموسى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين وَزَكَرِيَّا ويحيى وعيسى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصالحين وَإِسْمَاعِيلَ واليسع وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى العالمين). يَعْنِي أَنَّ الأَنْبِيَاء أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِم مِنْ مَلاَئِكَةٍ وَإِنْسٍ وَجِنٍّ.
رحم الله من كتبه ومن نشره.