الرَّدُّ العِلمي عَلَى ضَلَالَاتِ محمد راتب النابلسي-2
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى إخوانه النبيين والمرسلين، وعلى ءاله الطيبين وأصحابه الطاهرين، وعلى مَن سار على هُداهُم وترَسَّم خطاهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد،
فإن الله تعالى يقول في القرءان الكريم (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ) آل عمران 110.
فامتدح الله أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما سبق في الآية المباركة، كما أنه ذمَّ الذين كفروا من بني إسرائيل بقوله (كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)) المائدة 79.
ثم إنَّ عمل أشرف خلق الله، أنبياء الله تعالى، لا يسبقه عمل، بل هو أشرف الأعمال وأعظمها على الإطلاق، واتِّبَاع سبيلهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أولى الطرق وأنجحها لمريد الفلاح في الدنيا والآخرة.
وقد بَيَّنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بذلك بقوله (مَن رأى منكم منكرًا فليُغَيِّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) (1).
وإن من أعظم ما ابتُلِيَت به هذه الأمة أناسٌ دعاة على أبواب جهنم، اندلقت ألسنتهم بالباطل واندلعت أصواتهم بالضلال بحجج واهية فاسدة ينجذب إليها كل غافل أو قليل البضاعة في العلم.
وما كلامنا عن هؤلاء وأمثالهم إلا من باب البيان الواجب تبيانه للعامة والخاصة، ولا يَظُنُّ ظانٌّ أن هذا من باب الغيبة المحرمة، فمن المعروف في تاريخنا أن السلف الصالح كانوا لا يسكتون على الباطل بل كانت ألسنتهم وأقلامهم سيوفًا حدادًا على أهل البدع والأهواء.
ومن هؤلاء الضَّالِّين رجل من أهل عصرنا بعيدٌ عن منهج أهل العلم منتَسِبٌ لأهل السنة والجماعة وهم منه براء، تطفَّل على هذه العقيدة المباركة زاعمًا أنه يريد أن يبين صحيح شرحها، يُدْعَى محمد راتب النابلسي، مع أنه لم يكن إلَّا كحاطب ليل، يخلط الجيد بالرديء، والحسن بالقبيح، تمايلت به رياح الهوى والشر، فأودته في أرضٍ قفر، لا زرع فيها ولا قطر، طالع كتب المبتدعة، فسار خلفها سير الأعمى الذي لا عصا له، يخالف في كلامه ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والأئمة وأهل العلم والأمة المحمدية، بل وما يقتضيه العقل الصحيح السليم.
فمِن هنا كان لا بد لنا أن نضعه في الميزان ليراه الناس على صورته الحقيقية، وليكونوا على بَيِّنةٍ منه، ويتوقف البعض عن اتِّباعه اتباعًا أعمى، فالعاقل هو من اتبع الدليل والبرهان السَّليم وعمل على ترك العصبية والتمسك بالهوى. وإنَّ هذه الرسالة قد أُلِّفت على عجلٍ وما ذاك إلا للحدِّ من النزيف الذي سبَّبه النابلسي في بعض المجتمعات، فما هي إلا عرضٌ لبعض أقواله والردود عليها لبيان الحقِّ، ولم يكن المقصود منها التوسُّع في ذكر الأدلة والردود النقلية السمعية والعقلية مع كونها كثيرةً، ولم يكن المراد مخاطبة العلماء والمشايخ والأئمة بقدر ما هي خطابٌ للعامة للحذر والتحذير من هذا الخطر الذي استشرى وانتشر وعم.
وعملًا بالواجب الشرعي وحفظًا للناس من الوقوع في الضلال نحذر من قراءة واقتناء كتب محمد راتب النابلسي، لأنها محشوة بالأفكار الشنيعة والمريعة من تطرف خارج عن عقيدة المسلمين وتعقيد واعتزال ونسبة التجسيم لله والحلول، ومخالفة الإجماع في عشرات المسائل، ومخالفته لصريح الكتاب والسنة، وللعقل الذي هو شاهد للشرع، كما سنُبَيِّن ذلك فيما يلي بإذن الله.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان، رقم (49).