27 أحكام الرضاع
ننتقل إلى فصل ءاخر متعلِّق بأحكام الرَّضَاع. شرعاً الرضاع المراد هنا وصول لَبَن أي حليبِ امرأة مخصوصة إلى جوفِ ءادمىّ مخصوص على وجه مخصوص. الجوف يعنى إلى داخل الدماغ أو إلى المعدة. ولا يُشترط أن يكون ذلك بمصِّ الثدىّ إنما لو أُخِذَ لبنُ المرأة فشَرِبَه بالكوب يكون حصل الوصول. لما قلنا أن يصل لبن ءادمية مخصوصة إلى جوف ءادمىّ مخصوص عنينا بذلك أن يكون حيًّا حياةً مستقرة وأن لا يكون عمره فوق سنتين. لما قلنا على وجهٍ مخصوص أردنا به خمسَ رضعاتٍ أو أكثر. ويشترط فى المرأة كذلك أن تكون حيَّة لما أُخِذَ منها الحليب وأن تكون بلغت تسعَ سنين قمرية، وعند ذلك لا فرق بين أن تكون المرضعة بكراً أو ثيبًا، خليةً أو متزوجةً. فإذا أرضعت المرأة بلبَنِها ولداً فوصَلَ إلى جوفه صار الرضيعُ وَلَدَها من الرضاع بشروط ذَكَرَ منها أبو شجاع شرطين. الشرطان اللذان تَرَكَهُما أبو شجاع: وصول اللبن فى كل رضعة إلى جوف الطفل من المعدة أو الدماغ وكونُ الطفل حيًا حياةً مستقرة. والشرطان اللذان ذكرهما أحدُهُما أن يكون الرضيع لم يزد عمُرُه عن سنتين قمريتين على اليقين، يعنى لا بد أن تكون الرضعات فى الحولين على اليقين لحديث لا رَضاعَ إلا فى الحولَين اهـ رواه الدارقطنىّ. أما من بَلَغَ السنتين ارتضاعُهُ بعد ذلك لا يؤثر تحريمًا. وأما الحديث الذي رواه مسلم عن عائشة رضى الله عنها أن زوجةَ أَبِى حُذيفة قالت للنبىّ عليه الصلاة والسلام إن سالِمًا مولى أبى حذيفة معنا فى البيت وقد بَلغ ما يبلُغُ الرجال يعنى ربياه وهو ليس ابنَها، فقال النبىّ عليه الصلاة والسلام أرضعيه تَحْرُمِى عليه، أرضعيه يعنى من غير نظر إلى عورة ولا مس، يعنى دعيه يشرب حليبَك، يُجمع الحليب له فيشرب، فهذا خاص بتلك الحالة، حكم خاص بتلك الحالة لا يُعَمَّم، لذلك لما سُئلت زوجاتُ النبى صلى الله عليه وسلم عن هذا قلن ذاك أمرٌ كان خاصًّا بسالم وليس عامًّا فلم يَسْمَحْنَ بتعميم الحكم فى غيره باستثناء عائشة، السيدة عائشة قالت الرضاع مع الكِبَر من غير نظر إلى عورة ولا مس يؤثر تحريماً، احتجت بهذا الحديث لكن قولُها على خلاف قول جمهور الصحابة وعلى خلاف قول الأئمة الأربعة. والشرط الثاني الذي ذكره المصنف هو أن ترضِعَه المرضِعة يقيناً خمس رضعات متفرقات. وقال بعض الأئمة يكفى رضعة واحدة، الإمام مالك وأبو حنيفة هكذا قالا. وما يُعَدُّ عرفاً رضعةً يُحْسَبُ رضعة، طال أم قَصُرَ فلا يشترط أن تكون الرضعات مشبِعات. فلو رَضَعَ الولد ثم أَعْرَضَ عن الثدى أي ما عاد يريده ثم بعد مدة عاد ثم أعرض، ثم بعد مدة عاد ثم أعرض، ثم بعد مدة عاد ثم أعرض، ثم بعد مدة عاد، تكون الرضعات تمت خمسًا ولو فى يومٍ واحدٍ. كذلك لو قطعته هى المرضعة لوقت طويل لانشغالها بشىء ليس هو أعرض إنما هى قطعته وانشغلت بشىء لوقت طويل ثم عادت ثم انشغلت بشىء فقطعته لوقت طويل ثم عادت تتعدَّدُ الرضعات. أما لو قَطَعَ ليس إعراضًا إنما قطعَ لأنه تلهّى لشىء قصير بشىء، حصل أمامه شىء ألهاه ثم رجع أو قطع لأنه يريد أن يبلع ما تجمع فى فمه ونحو ذلك فهذا لا يُعَدّ قطعًا للرضعة، ما زال فى نفس الرضعة. أما إن طال لهوُه أو نومُه أو نحو ذلك انقَطَع. ولو حُلِبَ منها اللبن دَفعة واحدة، مرة واحدة فأُوجِرَهُ الطفل خمسَ مرات عُدَّ ذلك رضعةً واحدة ومثلُه لو حُلِبَ منها فى خمس مراتٍ مختلفات وأُعطِىَ للطفل فى مرة واحدة عُدَّ رضعةً واحدة، إذًا لما نقول خمسَ مرات متفرقات لا بد أن يَتَفَرَّق الخمس من حيث الأخذ من المرضعة ومن حيث الإطعام للطفل. إذا صار ذلك يصير زوجُ المرضعة أبًا للرضيع بالرضاع لا الزانى، أما الزانى لا يصير أباهُ بالرضاع. وعند ذلك هذا الولد الذي أُرضع يَحْرُمُ عليه أن يتزوج إليها وإلى أصولِها وإلى فصولها يعنى أولادِها، وإلى حواشيها يعني أخواتِها وعمَّاتِها وخالاتها. ويَحْرُمُ عليها التزويج إلى الْمُرْضَع وإلى وَلَدِه لا إلى إخوَتِهِ ولا ءابائِه. وقد ذكرنا قبل فى فصل محرمات النكاح ما يحرُمُ بالنسب وبالنكاح.