الإثنين ديسمبر 8, 2025

قول الفقيه ابن بَلْبَان الحنبليّ([1]) (ت 1083هـ)

قال الفقيه محمد بن بدر الدين بن بلبان الدمشقيّ([2]): «ويجب الجزم بأنه سبحانه وتعالى ليس بجوهر ولا جسم ولا عَرَض، لا تحلُّه الحوادث ولا يحلّ في حادث ولا ينحصر فيه، فمن اعتقد أو قال: إن الله بذاته في كل مكان أو في مكان فكافر. فيجب الجزم بأنه سبحانه بائن من خلقه([3])، فالله تعالى كان ولا مكان ثم خلق المكان وهو كما كان قبل خلق المكان. ولا يعرف بالحواسّ، ولا يقاس بالناس، ولا مدخل في ذاته وصفاته للقياس، لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، فهو الغنيّ عن كلّ شىء ولا يستغني عنه شىء، ولا يشبه شيئًا ولا يشبهه شىء، فمن شبّهه بشىء من خلقه فقد كفر، كمن اعتقده جسمًا أو قال: إنه جسم لا كالأجسام. فلا تبلغه سبحانه الأوهام ولا تدركه الأفهام ولا تُضرب له الأمثال، ولا يعرف بالقيل والقال. وبكل حال مهما خطر بالبال وتوهّمه الخيال فهو بخلاف ذي الإكرام والجلال، وهي ـ أي صفاته سبحانه وتعالى ـ قديمة توقيفية([4])، فلا يجوز أن نسمّيه ولا نصفه إلا بما ورد في الكتاب والسُّنَّة أو عن جميع علماء الأمة، فنكفّ عما كفّوا عنه، ونقف حيث وقفوا، ولا نتعدّى الكتاب والسُّنَّة وإجماع سلف الأمة في ذلك، فكلّ ما صحّ نقله عن الله تعالى أو رسوله ﷺ أو جميع أمته في أسماء الله وصفاته يجب قبوله والأخذ به وإمراره» اهـ. أي يجب إثباته لوروده في النصوص الشرعية، وإثباته إنما يكون بحمله على الوجه اللائق بذات الله وصفاته بلا تكييف ولا تشبيه.

[1] ) محمد بن بدر الدين بن عبد الحق بن بلبان، ت 1083هـ، فقيه حنبليّ، أصله من بعلبك، اشتهر وتوفي بدمشق، أخذ الحديث عنه جماعةٌ من كبراء عصره، منهم المحبـي صاحب خلاصة الأثر. له تآليف، منها: «كافي المبتدئ من الطلاب»، و«عقيدة في التوحيد»، و«بغية المستفيد في التجويد». الأعلام، الزركلي، 6/51. 

 

[2] ) مختصر الإفادات في ربع العبادات والآداب والزيارات، ابن بلبان، ص 489.

 

[3] ) معناه غير مشابه لجميع المخلوقات في الذاتِ أي ذاته لا يشبه ذوات المخلوقات أي حقيقته لا تشبه الحقائق، والصفاتِ أي صفاته لا تشبه صفات المخلوقات، والفعلِ أي فعله لا يشبه فعل المخلوقات لأن فعل الله تعالى أزليّ أبديّ والمفعول حادث أي المخلوقات كلها حادثة لها بداية.

 

[4] ) قال الإمام أبو الحسن الأشعريّ: «لا يجوز تسمية الله إلا بما ورد في الكتاب والسّنة الصحيحة أو الإجماع» اهـ. نقله عنه ابن فورك في كتابه مجرد مقالات الأشعري ص42، وهذا هو المعتمد،  فلا يجوز عند الإمام أبي الحسن الأشعريّ تسمية الله إلا بما صحّ وروده شرعًا أي بما ورد في القرآن أو الحديث الصحيح، أو بما أجمعت عليه الأمة، وأما بغير ما صحّ وروده شرعًا فلا يجوز عنده، هذا شرط قبوله عنده، لكن بعض أتباع أبي الحسن يقولون: يجوز تسمية الله بالوصف ولو لم يكن واردًا بشرط ألّا يوهم النقص، فعندهم يجوز تسمية الله «الطاهر» لأنه لا يوهم النقص، لأن «الطاهر» معناه المنـزّه عن الصفات التي لا تليق به، فتسمية الأب ابنَه «عبد الطاهر» عندهم يجوز، وهؤلاء أجازوا إطلاق اللفظ غير الوارد على الله إذا كان وصفًا غيرَ موهِم لما لا يليق بالله تعالى، واتفقوا على منع إطلاق اللفظ الموهِم ما لا يليق بالله على الله، وهذا في ما كان وصفًا لا في ما كان جامدًا من أسماء الأعيان كالروح فإنه ممنوع بالاتفاق، ومن ثّمَّ كان إطلاق سيد قطب «الريشة المبدعة» على الله ممنوع بالاتفاق لأنه ليس وصفًا، وكذلك إطلاقه «القوة» على الله ممنوعًا أيضًا بالاتفاق لأنه ليس وصفًا، «فالريشة» اسم من أسماء الأعيان أي الجمادات، أي ليست لفظًا من ألفاظ الوصف كالطَّاهر والنَّاصر اللذين هما على وزن فاعل. لكن قـول أبي الحسن الأشعريّ بأن أسماء الله توقيفية هو المعتمد، قال إمام الحرمين الجويني: «ما ورد الشرع بإطلاقه في أسماء الله تعالى وصفاته أطلقناه، وما منع الشرع من إطلاقه منعناه» اهـ. الإرشاد، الجويني، 9/279.