الخميس أكتوبر 24, 2024

قول الإمام الجَصَّاص رحمه الله([1]) (ت 370هـ)

قال الإمام الجصّاص([2]): «ففي إنشاء الله تعالى السحابَ في الجو، وخلقِ الماء فيه، وتصريفه من موضع إلى موضع أدلُّ دليل على توحيده وقدرته وأنه ليس بجسم ولا مشبهٍ الأجسام؛ إذ الأجسام لا يمكنها فعل ذلك ولا ترومه([3]) ولا تطمع فيه» اهـ.

وقال     أيضًا([4]):  «قوله   تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ {190} (آل عمران) قد دلّت هذه الآيات المذكورة في الآية القرآنية الكريمة على أن خالق الأجسام لا يشبهها لأن الفاعل لا يشبه فعله، وفيها الدلالة على أن خالقها قادر لا يعجزه شىء؛ إذ كان خالقَها وخالق الأعراض المُضَمَّنة بها وهو قادر على أضدادها» اهـ.

ثم قال: «ويدلّ على أن فاعلها قديم لم يزل، لأن صحة وجودها متعلقة بصانع قديم، ولولا ذلك لاحتاج الفاعل إلى فاعل آخر إلى ما لا نهاية له، ويدلّ على أن صانعها عالم من حيث استحال وجود الفعل المتقن المحكم إلا من عالم به قبل أن يفعله، ويدلّ على أنه حكيم عدل لأنه مستغنٍ عن فعل القبيح عالمٌ بقبحه، فلا تكون أفعاله إلا عدلًا وصوابًا. ويدلّ على أنه لا يشبهها لأنه لو أشبهها لم يخلُ من أن يشبهها من جميع الوجوه أو من بعضها، فإن أشبهها من جميع الوجوه فهو محدَث مثلها، وإن أشبهها من بعض الوجوه فواجب أن يكون محدَثًا من ذلك الوجه لأن حكم المشبهَيْنِ واحد من حيث اشتبها، فوجب أن يتساويا في حكم الحدوث من ذلك الوجه.

ويدلّ وقوف السموات والأرض من غير عَمَد أن ممسكها([5]) لا يشبهها  لاستحالة وقوفها من غير عمد من جسم مثلها، إلى غير ذلك من الدلائل المضمنة بها. ودلالة الليل والنهار على الله تعالى أن الليل والنهار محدَثان لوجود كل منهما بعد أن لم يكن موجودًا، ومعلوم أن الأجسام لا تقدر على إيجادها ولا على الزيادة والنقصان فيها، وقد اقتضيا محدِثًا من حيث كانا مُحْدَثَيْنِ لاستحالة وجود حادث لا محدِث له، فوجب أن محدِثهما ليس بجسم ولا مشبه للأجسام لوجهين:

أحدهما: أن الأجسام لا تقدر على إحداث مثلها.

والثاني: المشبه للجسم يجرى عليه ما يجرى عليه من حكم الحدوث، فلو كان فاعلها حادثًا لاحتاج إلى محدِث، ثم كذلك يحتاج الثاني إلى الثالث إلى ما لا نهاية وذلك محال، فلا بدّ من إثبات صانع قديم لا يشبه الأجسام، والله أعلم» اهـ.

[1] ) أحمد بن علي الرازي، أبو بكر الجصَّاص، ت 370هـ، أصوليّ فقيه من أهل الري، سكن بغداد ومات فيها. انتهت إليه رئاسة الحنفية، وخوطب في أن يلي القضاء فامتنع. وألَّف كتاب «أحكام القرآن» وكتابًا في أصول الفقه. الأعلام، الزركلي، 1/171.

 

[2] ) أحكام القرآن، الجصاص، 1/128.

 

[3] ) «رام الشىء يرومه رومًا ومرامًا: طلبه» اهـ. لسان العرب، ابن منظور، مادة ر و م، 12/258.

 

[4] ) أحكام القرآن، الجصَّاص، 2/335.

 

[5] ) أي بقدرته لا بالجوارح .