تكلم عن فضل الصبر.
قال الله تعالى فى سورة البقرة ﴿ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون﴾. الله تعالى أخبرنا فى هذه الآية عما يحصل لنا فى الدنيا فقال تعالى ﴿ولنبلونكم﴾ أى أن الله تعالى يبتلى عباده ﴿بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين﴾ أى المؤمنين الصابرين الراضين عن الله فلا يتسخطون عليه ولا يعترضون وإن كانت المصائب تقلقهم وتحزنهم وتؤذيهم فى أجسادهم ﴿الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله﴾ أى نحن خلق لله وملك له يفعل بنا ما يشاء هو الذى أحيانا وهو الذى يميتنا. ﴿وإنا إليه راجعون﴾ أى إننا صائرون إليه للجزاء. هؤلاء بشرهم الله تعالى بأنه تنالهم صلوات من الله أى رحمات مقرونة بالتعظيم أى الرحمات الخاصة لأن الرحمات العامة فى الدنيا يشترك بها المؤمن والكافر والبر والفاجر كالانتفاع بالهواء العليل والصحة والمال الوافر وغير ذلك من أنواع النعم الدنيوية، أما الرحمات الخاصة فلا ينالها إلا المؤمنون الصابرون المسلمون لله تسليما. فالصبر مع الإيمان درجة عالية فقد قال رسول الله ﷺ من يرد الله به خيرا يصب منه أى إذا أراد الله بعبده المؤمن خيرا أى رفعة فى الدرجة يبتليه بمصائب الدنيا ويحفظه من مصائب الدين. والمسلم الذى تكثر عليه المصائب مع سلامة الدين أفضل عند الله من المسلم الذى يعيش متقلبا فى الراحة ولا تصيبه المصائب إلا فيما ندر. وقد جاء عن الرسول ﷺ أنه قال عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، رواه مسلم. فالمؤمن فى الحالين على خير إن أصابته نعمة بسط ورخاء فى الرزق يشكر الله وإن أصابته ضراء أى بلية ومصيبة يصبر ولا يتسخط على ربه بل يرضى بقضاء الله فيكون له أجر بهذه المصيبة. وحكى أن رجلا من الصالحين كان مقطوع اليدين والرجلين مصابا بالعمى وزيادة على ذلك أصيب بمرض الآكلة وهو مرض يصيب الأطراف فيسود العضو المصاب ويهترئ ثم يتساقط، وكان شديد الفقر لا أحد يهتم به حتى رءاه الناس على الطريق والدبابير تأكل من رأسه، وكان رضى الله عنه مقطوع اليدين فلا يقدر على دفعها عنه ومقطوع الرجلين فلا يقدر على الهرب منها فمر من أمامه أناس فلما رأوه قالوا سبحان الله كم يتحمل هذا الرجل فسمعهم فقال الحمد لله الذى جعل قلبى خاشعا ولسانى ذاكرا وبدنى على البلاء صابرا إلهى لو صببت على البلاء صبا ما ازددت فيك إلا حبا، هكذا يكون الصالحون هكذا يكون طلاب الآخرة الذين عرفوا الله فأدوا حقه. اللهم اجعلنا من الصابرين.