الأحد ديسمبر 7, 2025

(5) يدعي الألباني أن كل من تكلم بالكفر أو يكفر بالفعل في حكم المكره

   من ضلالات ناصر الدين الألباني قوله – في كتابه المسمى الانتصار لأهل التوحيد والرد على من جادل عن الطواغيت (ص/114 – 116) – :{ ولم تلاحظ أن هذا يستحيل أن يكون الكفر العملي خروج عن الملة إلا إذا كان الكفر قد انعقد في قلب الكافر عملا}. اهـ.

الرد: هذا من كفريات الألباني حيث إنه شرط أن يقارن الكفرَ الفعلي والقولي  الاعتقاد وهذا معناه إلغاء حكم ءاية الإكراه بأن الله تعالى استثنى المكره فشرط في الحكم عليه بالكفر أن يكون شارحا صدره أي معتقدا لكفره هذا، هذا الذي استثاه الله تعالى بهذه الآية من الحكم عليه بالتكفير، وناصر الدين الألباني جعل هذا عامّا في المكره وغيره وهو بهذا خالف الآية وخالف إجماع علماء الإسلام، فإنهم صرحوا في المذاهب الأربعة بأن الكفر ثلاثة أقسام أي كل قسم كفر بمفرده من غير أن ينضاف إليه الآخر، قالوا كفر قولي وكفر فعلي وكفر اعتقادي، فخالف الألباني علماء الإسلام فحصر الكفر في الاعتقاد فمعنى ذلك لا كفر إلا ما قارنه الاعتقاد، وأما ءاية الإكراه فقد ورد فيها ما يبين هذا المعنى، والدليل على ذلك ما ذكره الفقيه المحدث أمير الحاج تلميذ الحافظ ابن حجر في كتابه التقرير والتحبير قال ما نصه:{ ثم مما يدل على هذه الجملة ما روى إسحاق بن راهويه وعبد الرزاق وأبو نُعيم والحاكم والبيهقي بإسناد صحيح من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن أبيه قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سبّ النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ءالهتهم بخير، فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ ما وراءك}، قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك وذكرت ءالهتهم بخير، قال:{ فكيف تجد قلبك}، قال: مطمئنا بالإيمان، قال:{ فإن عادوا فعد}، وقال ابن عبد البر: أجمع أهل التفسير على أن قوله تعالى:{ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا مَن أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان} نزلت في عمار} اهـ.

   وقال الحافظ المجتهد ابن المنذر في الإشراف ما نصه:{ قال الله عز وجلّ:{ إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان} نزلت في عمار وغيره قال لهم كلمة أعجبتهم تقيَّةً فاشتد على عمار الذي كان تكلم به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ كيف كان قلبك حين قلت الذي قلت أكان منشرحا بالذي قلت أم لا؟} فأنزل الله عز وجل:{ إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان} الآية}. انتهى.

   وقال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ما نصه:{ وقد أخبر الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله:{ إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان} قال: أخبر الله أن من كفر بعد إيمانه فعليه غضب من الله، وأما من أُكره بلسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوة فلا حرج عليه، إن الله إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم، قلت: وعلى هذا فالاستثناء مقدم من قوله:{ فعليهم غضب} كأنه قيل:{ فعليهم غضب من الله إلا من أُكره} لأن الكفر يكون بالقول والفعل من غير اعتقاد، وقد يكون باعتقاد فاستثنى الأول وهو المكره} انتهى كلام الحافظ. فقد بان وظهر خروجك يا ألباني عن حكم هذه الآية والتفصيل الذي تضمنته لأنك جعلت كل من تكلم بالكفر أو يكفر بالفعل في حكم المكره حيث اشترطت للحكم عليه بالكفر الاعتقاد وفارقت بذلك المسلمين حتى عن فرقتك الوهابية فإليك نص أحدهم وهو عبد المنعم مصطفى حليمة حيث ردّ على ما ادعيت من أن شاتم الله أو الرسول لا تراه ردة على الإطلاق فقال ما نصه:{ بل هو كافر مرتد على الإطلاق، بهذا نطقت أدلة الكتاب والسنو وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان وتابعي تابعيهم من أئمة العلم والدين، لم يشذ عنهم إلا من كان في الإيمان مرجئ أو جهمي جلد} اهـ.

   فالاعتقاد هو شرح الصدر لأن الاعتقاد هو عقد القلب على شيء، والآية المذكورة لما نفت الحكم بالكفر عن هذا المكره أثبتت في غيره بلا شرح الصدر بمجرد النطق أو الفعل من غير أن يقال إنه اعتقد، فأفادت الآية حكمين الحكمَ المذكور على المكره والحكمَ على غير المكره بقول الكفر أو فعل الكفر من غير أن يقترن بهما اعتقاد، فأنت يا شاذ إمام الشاذين عطَّلت حكم الآية وخالفت علماء الإسلام سلفهم وخلفهم بما فيهم من الخلفاء والسلاطين والحكام فلن تجد خليفة من الخلفاء أو سلطانا من سلاطين المسلمين أو حاكما من حكامهم الشرعيين أنه أتي بمرتد فقال له: هل كنت شارحا صدرك، وهذا البخاري قد روى في صحيحه أن معاذ بن جبل قدم على أبي موسى وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيّم هذا؟ قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه، قال: لا أنزل حتى يقتل، قال: إنما جئ به لذلك، فاز~ل، قال: ما أنزل حتى يقتل، فأمر به فقتل ثم نزل، فهل سئل معاذ بن جبل: هل سألته هل كان شارحا بكفره الذي كفره أم لا، فإن ما ادعاه الألباني شرعٌ أحدثه من بنات أفكاره، فما أشد ولعه بالخلاف والتفرد عن العلماء، وأما سبق اللسان إلى الكفر بذون إرادة فهذا كغير الموجود أي كأنه لم يحصل.

   وأما احتجاجك بحديث الذي كان نباش القبور فأوصى أولاده بأن يُحرقوه إذا مات ويذروا رماده في يوم ريح شديدة وقال لهم:{ لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحد} وقال:{ لعلي أَضَلُّ الله}، فاحتجاجك بهذا باطل مردود لأن هذا الرجل خرج منه هذا الكلام ليس عن شك في قدرة الله عليه وإنما كان الرجل في حال دهشة فتلجلج لسانه فنطق بلا إرادة مثل الرجل الذي ورد في صحيح مسلم أنه أَضَلَّ ناقته وكان عليها طعامه وشرابه فنزل تحت شجرة فنام ثم استيقظ فلم يجدها ثم نام ثم استيقظ فوجدها قائمة عنده فقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ أخطأ من شدة الفرح}، وهذا حاله كحال هذا لأن شدة الحزن والكرب قد يسبب النطق بالكلام بشيء قبيح بدون إرادة كما أن شدة الفرح كفرح هذا الرجل قد يسبب ذلك، هذا هو الصحيح في توجيه حديث هذا الرجل الذي أوصى أن يحق إذا مات، قال الحافظ ابن الجوزي: لم يكن هذا الرجل على شكّ بقدرة الله عليه لأن الشك في قدرة الله كفر باتفاق، فيا ويلك يا ألباني ويا ويل من قلدك فتهور كما تهورت إلى أمر يجعل فاعله مرتدا كافرا لأن من خصائص الإسلام الإيمان بأن الله قادر على كل شيء كما أن خصائص الإسلام أن الله عالم بكل شيء، فكيف يصح الإسلام لمن شك في قدرة الله على كل شيء أو علم الله بكل شيء.

   وأما الاجتهاد بنوع من التأويل فإنما يمون عذرا في ترك تكفير فاعله فالشرط أن لا يكون ذلك في القطعيات لأنه لا يقبل التأويل في القطعيات ككفر ابن سينا في قوله بأزلية العالم وكان منتسبا إلى الإسلام فكفّره العلماء في قوله هذا ولم يعذروه فلم يقولوا هذا تأوّل بالاجتهاد فهو معذور لا يكفّر. كما كفّره زعيمكم  ابن تيمية  وهو موافقُهُ في هه الكفرية لا فرق بينه وبين ابن سينا يقول العالم قديم بمادته وصورته وزعيمكم ابن تيمية يقول العالم قديم بجنسه لا بنوعه وأفراده، ولزم من قوله هذا قدم الأفراد لأن الجنس والنوع لا وجود لهما إلا في ضمن الأفراد ولذلك قال الحافظ السبكي إن ابن تيمية قال لم يزل مع الله مخلوق، ولا يشك ذو فهم من لزوم هذا من قول ابن تيمية العالم قديم بنوعه، فكذّب قول الله تعالى:{ هو الأول} أي لا أوّل أوّلية مطلقة إلا الله، والآية:{ وخلق كل شيء} أي أبرز كل شيء من العدم إلى الوجود، وكذكل كذب حديث البخاري:{ كان الله ولم يكن شيء غيره}، لأن نوع العالم وأفراده غير الله كما أن المكان والجهات غير الله، وكذب حديث – رواه أحمد – :{ كان الله تبارك وتعالى قبل كل شيء}، ولفظ شيء يشمل النوع والأفراد، ومع هذا الكفر الذي صرح به في عدة من كتبه تسمونه شيخ الإسلام من باب العصبية الاعتقادية لأنكم وجدتموه زعيمكم الأول في تكفير المتوسلين بالأنبياء والأولياء. – من أراد معرفة حقيقة ابن تيمية وأقواله الشاذة فليطلع على كتاب المحدث العلامة الفقيه اللغوي الشيخ الكبير عبد الله الهرري المعروف بالحبشي غفر الله له ولوالديه، المسمى “المقالات السنية في كشف ضلالات أحمد بن تيمية” وفيه الرد الشافي الكافي على جميع أقوال ابن تيمية، وفيه أورد الشيخ حفظه الله أين ذكر ابن تيمية ذلك وغيرها من ضلالاته في كتبه، وهو من أهم الكتب التي ألفها الشيخ عبد الله حفظه الله تعالى – .

   ومن ضلالات الألباني ما ذكره في فتاويه ونص عبارته – ص267 -:{ ذلك لأن المسلم حقّا قد يخفى عليه حكم ما فيقع في الكفر المخرج عن الملة لكن هو لا يدري ولا يشعر ولذلك فلا يجوز أن نحكم على مسلم بعينه أنه كفر ولو كان وقع في الكفر – كفر ردة – إلا بعد إقامة الحجة عليه}. اهـ.

   فهذا فيه رد وإبطال لحكم شرع الله تعالى وهو أن المسلم إذا تكلم بكلمة كفرية أو فعل فعلا كفريا كَسَبِّ الله وسبِّ رسوله أو سجود للصنم أو للشمس فمن فعل ذلك بإرادة ولو من غير اعتقاد وانشراح صدر كفر وهو مجمع عليه عند العلماء.

   وأما احتجاج الألباني في بعض كلامه بآية:{ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} فهو احتجاج بالآية في غير محلّها، لأن هذه الآية تعني أن من لم يسمع بدعوة الأنبياء غير مكلف كالصبي فلا يُجرى عليهما قلم السيئات. فقد تبين أن هذا من جملة تحريفات الألباني لكتاب الله، لم يدر الألباني الفرق بين المشرك الذي بلغته دعوة نبي فعاند فأصرَّ على شركه وبين من لم تبلغه دعوة نبي من الأنبياء من المشركين حتى مات وهو على هذه الحال، فأين هذا مما ادعاه الألباني أن المسلم إذا تكلم بكلمة الكفر أو فعل فعلا كفريا لا يحكم عليه بالكفر إلا بعد إقامة الحجة عليه، فما أجرأ هذا الجل على تحريف الدين، وفليُحذر من تآليف هذا الرجل وليُحذَّر منها.

   ومن شدة تحريفه للدين رد عليه بعض فرقته الوهابية لمثل هذه المقالة وأشباهها ومنها عبد المنعم مصطفى حليمة كما رد بعض هؤلاء على سيد قطب بعد سكوتهم مدة طويلة.

   ومما يشهد على الألباني إلغاء ءاية الإكراه قوله في فتاويه ما نصه:{ نحن نبني قاعدة ونستريح الكفر المخرج عن الملة يتعلق بالقلب لا يتعلق باللسان}.اهـ، وهذا من أصرح ما وقفنا عليه من تحريف حكم الشرع في حكم ارتد عن الدين بالقول أو بالفعل، والعجب كيف يعتبر هذا الرجلَ المحرف لدين الله أناس طُمست قلوبهم أوحد علماء العصر وهو في الحقيقة أشد المحرفين لدين الله، وقوله هذا لم يقله قبله مسلم فهو بهذه المقالة ألغى الاستثناء الذي في الآية:{ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} والقاعدة  أن المستثنى يختلف مع المستثنى منه فهو جعل الاستثناء عدما، فعلى موجب قوله كان ينبغي أن تكون الآية هكذا: من كفر بالله من بعد إيمانه من غير اعتقاد وشرح صدر ليس عليه غضب من الله أي ليس عليه عقوبة، فعلى دين هذا الرجل الذي اخترعه لنفسه يقول الرجل ما شاء من سب الله وسب الإسلام وسب القرءان ويسجد للصنم والشمس وهو غير مكره بل باختياره ثم يقول أنا ما انشرح قلبي بهذا الكلام الذي قلته وبالفعل الذي فعلته فيتخلى سبيله من غير اعتراض عليه عند حكام الشريعة وغيرهم ويتزوج المسلمات ويرث من أقاربه المسلمين وما أعظم هذا فسادا.