(فصلٌ) في أحكام العَقيقة.
وهي لغةً اسمٌ للشعر على رأس الْمولود وشرعًا ما سيأتي.
(و)حُكمها أي (العقيقة) أنها (مستحَبَّةٌ) بل هي سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ في حقِّ مَن تلزمُهُ نفقةُ الْمولود لو كان فقيرًا لِخَبر الترمذِيِّ وقال حسنٌ صحيحٌ الغلامُ مُرْتَهَنٌ بعقيقتِه قال الإمامُ أحمدُ معناه أنه لا يَشفع في والدَيه يومَ القيامة إن لم يُعَقَّ عنه اهـ وقال الخطَّابِيُّ إنه أجودُ ما قِيلَ فيه اهـ تُذبح عنه يومَ السابع ويُحْلَق رأسُهُ ويُسمَّى اهـ (و) شرعًا (الذبيحةُ عنِ الْمولود) ووقتُها مِن حين الولادة إلى بلوغه لكنها تُسَنُّ (يومَ سابعِه) أي يومَ سابعِ ولادتِه بحسابِ يوم الولادة منَ السَّبع وإن ماتَ قبلَهُ فلا تفوتُ بالْموتِ. فإن أُخِّرَت للبلوغ سقط حكمُها في حقِّ العاقِّ عن الْمولود أما هو فمخيَّرٌ في القِّ عن نفسه والتركِ.
(ويُذبحُ عنِ الغلامِ شاتانِ) متساويَتَانِ وتُجزئ شاةٌ واحدةٌ يحصُلُ بها أصلُ السُّنَّة (وعنِ الجاريةِ شاةٌ) أمَّا الخُنثَى فيحتمل إلحاقُه بالغلام احتياطًا أو بالجارية ثم إذا بانَت ذكورتُه أُمِر بالتدارك. وتتعدَّدُ العقيقةُ بتعدُّدِ الأولاد. ويُسَنُّ أن يُحْلَق في يوم الذبح بَعْدَهُ شعرُ الْمولود وأن يَتصدقَ بزنة شعره ذهبًا أو فضَّةً. (ويُطْعِمُ) العاقُّ مِنَ العقيقة (الفقراءَ والْمساكينَ) فيُسَنُّ أن يطبخَها بحُلْوٍ إلا رجلَها قوله (إلا رجلَها) قال في النهايةِ يتجهُ أن الْمرادَ بها إلى نهايةِ الفخِذِ اهـ فتُعْطَى نِيئَةً للقابلةِ كما روى الحاكمُ وأبو داود في الْمراسيلِ وغيرهما أحاديثَ مرسلةً موقوفةً ومرفوعةً في ذلك. ويُهدِي منها الفقراءَ والْمساكينَ الْمسلمينَ وإذا أهدَى منها شيئًا لغنِيٍّ مَلَكَهُ ولا يتخذُها دعوةً كالوليمةِ ولا يكسرُ عظمَها بل يقطعُ كلَّ عضوٍ مِن مَفْصِلِهِ. وسِنُّ العقيقةِ سلامتُها مِن عيبٍ يَنقص لحمها والأكلُ منها والتصدقُ ببعضِها وامتناعُ بيعِها وتعيُّنُها بالنذرِ حكمُه على ما سبقَ في الأُضحية قال أبو زرعةَ أحمدُ بنُ عبد الرحيم العراقيُّ في تحريرِ الفتاوَى قال شيخنا في تصحيح الْمنهاج لم نجد للشافعيِّ رضي الله عنه نصًّا يقتضِي التثليثَ في العقيقة وجاءت أحاديثُ في إعطاءِ القابلةِ رجلَها وذَكَر في أصل الروضة أنه مستحبٌّ فخرجت العقيقةُ عن تثليثِ الأُضحيَّة إن كانت الرِّجْلُ قبل التثليث وإن كانت مِن ثلث الهدية فليس ذلك كالأضحيَّة قال وفي إعطاء القابلةِ الرجلَ والنهْي عن إعطاء الجزار من الأُضحيَّة شيئًا دلالةٌ على الْمسامحة في العقيقة وإذا أُهدِيَ للغنِيِّ مِنَ العقيقةِ شىْءٌ مَلَكَهُ وفي الأُضحيَّةِ كلامُ الإمام وما تعقبناه والفرقُ أنَّ الأُضحيَّة ضيافةٌ عامة من الله تعالى للمؤمنين فلا يملكُها الأغنياء بالهدية بخلاف العقيقة اهـ.
ويُسَنُّ أن يُؤَذَّنَ في أُذُنِ الْمولودِ اليمنى حين يُولَدُ ون يُقام في أذنه اليسرى وأن يُحَنَّك الْمولودُ بتمر فيمضغَ ويُدْلَكَ به حَنَكُهُ داخاَ فمه لينزلَ منه شىْءٌ إلى الجوف فإن لم يوجد تمرٌ فرُطبٌ وإلا فشىْءٌ حُلْوٌ ويُسَنُّ أمن يكونَ مُحَنِّكُهُ من أهل الخير قوله (من أهل الخير) قال في الْمجموعِ فإن لم يكن رجلٌ فامرأةٌ صالحةٌ اهـ. وأن يُسَمَّى يومَ سابعِ ولادتِه ولا تفوتَ التسميةُ بالْموت قوله (ولا تفوتُ التسميةُ بالموت) بل قالوا يُسَنُّ تسميةُ السِّقط إذا نُفِخَتْ فيه الروحُ فلو مات قبل السابع سُنَّ تَسْمِيَتُهُ وأن يُسَمَّى باسمٍ حَسَنٍ كعبدِ اللهِ وعبدِ الرحمنِ وتُكْرَهُ تسميتُهُ باسمٍ قبيحٍ محربٍ ومُرَّةَ وتشتد الكراهةُ بنحو ستِّ الناس وستِّ العرب وسيدِ الناس وسيّد العلماء.
وتحرُمُ التسميةُ بعبدِ الكعبة وعبدِ الحسن وعبدِ علِيٍّ وكذا كلُّ ما أُضِيف بالعبودية لغيرِ أسمائه تعالى لإيهامِه التشريكَ. وكذا تحرمُ التسميةُ بعبد العاطي كما قال الباجورِيُّ والبجيرمِيُّ وغيرهما وعليه كان شيخنا الهرري رحمه الله إذ لم يرِدِ العاطي في أسماءِ اللهِ تعالى وأسماؤه عزَّ وجلَّ توقيفيَّةٌ ومثل ذلك تسميةُ بعضُ الأعاجم أولادهم بعبدِ السُّبْحانِ ونحوِه وربما أضافوا إلى اسمِ اللهِ تعالى ما لا يجوزُ إضافتُه إليه للتبركِ بزعمهم لعدمِ فهمِهم للمعنى بل ربما نادَى أحدُهُم الآخر يا رحمن وهو شديد القبحِ إذِ الرحمنُ مِنْ أسماءِ اللهِ التي لا يجوز أن يُسَمَّى بها غيره. وتحرم أيضًا التسميةُ بأقضى القضاةِ وملِك الأملاك وحاكمِ الحكَّام بخلاف التسمية بقاضي القضاة فإنها تُكره ولا تحرُم. وتحرُم التسمية بجار الله ونحوه كرفيقِ الله لإيهامه الْمحذور منَ التجسيم ونسبة الْمكان إلى الله تبارك وتعالى. ويحرُم تلقيبُ الإنسان بما يكره وإن كان فيه كالأعمش وإن جاز ذِكْره به للتعريف إذا لم يُع}رَفْ إلا بذلك ولا بأس بالألقاب الحَسَنَة. ويسن أن يُكْنَى أهلُ الفضل منَ الرجال والنساء ولا يُكْنَى كافرٌ قال الشبراملِسيّ في حاشيت على النهايةِ والجملُ في حاشيته على شرح المنهج أي لا يجوزُ ذلك اهـ ولا فاسقٌ ولا مبتدعٌ لغير عذر قوله (لغير عذر) أي كما كُنِيَ ابو لهبٍ بذلك في القرءان لاشتهارِهِ به وكان اسمُه عبد العُزَّى والعُزَّى صنم قال بعضهم ولذلك كُنِيَ ولم يُسَمَّ اهـ وكما قالوا أبو العباس ابن تيمية تمييزًا له من جده العالم السُّنِّيِّ الحنبليّ مِن خوف فتنةٍ أو تعريفٍ لهم لأنَّ الكنية للتكرمة وليسوا من أهلها بل أمرْنا بالإغلاظ عليهم. واللهُ تعالى أعلم.