الأربعاء ديسمبر 11, 2024

(فصلٌ) في أحكام الأُضْحِيَّةِ بضم الهمزة وتشديد الياء وهيَ اسمٌ لِمَا يُذْبَحُ من النَّعَمِ يومَ عيد النحر وأيامَ التشريق تقرُّبًا إلى الله تعالى.

  والأصلُ فيها قبل الإجماع قوله تعالى في سورةِ الكوثرِ (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) كما رُوِيَ عن أنسِ بن مالكٍ وابن عباسٍ وسعيدِ بن جُبَيْر والحسنِ وعطاءٍ ومجاهدٍ وحجاجٍ وعِكرِمَةَ وغيرهم.

  (والأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ) على الكفاية لكلِّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ حرٍّ ومعنَى أنها على الكفاية أنه إذا أتى بها واحدٌ مِن أهلِ بيتٍ أي بحيث يكونون في نفقةٍ واحدةٍ سقطَ الطلبُ عن جميعهم والثوابُ للفاعِلِ. وأما الْمنفرد فهي سُنَّةُ عينٍ في حقِّه. والْمُخاطَبُ بها الْمسلمُ البالغُ العاقلُ الحُرُّ القادرُ عليها. ولا تجب إلا بالنَّذْرِ كقوله لله عليَّ أن أُضَحِّيَ بهذه الشاة مثلًا أو جعلتُ هذه أُضْحِيَّةً فإنَّ ذلك بمنزلة النَّذر ومتى قال هذه أضحيَّةٌ صارت واجبةً ولا يُقبل قولُهُ بعد ذلك اردتُ التطوُّعَ بها.

  (ويُجْزِئُ فيها الجَذَعُ مِنَ الضَّأنِ) وهو الذي أجذع أي أسقط مقدَّمَ اسنانه أو أتمَّ سنةً قمريَّةً سواءٌ كان ذكرًا أو أُنثَى أو خُنثَى أو ما له سنةٌ وطعنَ في الثانيةِ (و)الثَّنِيُّ مِنَ (الْمَعز) وهو ما له سنتانِ وطعنَ في الثالثة (و)الثَّنِيُّ من (الإبل) ما له خمسُ سنينَ وطعنَ في السادسة (و)الثَّنِيُّ من (البقر) ما له سنتانِ وطعن في الثالثة وذلك لخبر مسلم لا تذبحوا إلا مُسِنَّة إلا أن يعسُرَ عليكم فاذبحُوا جَذَعَةً منَ الضأن اهـ والْمُسِنَّةُ هيَ الثَّنِيَّة منَ الْمَعز والإبل والبقر ويُجزئُ ما فوقها والحديثُ محمولٌ على الندب عند الجمهور أي يُندَبُ لكم أن لا تذبحوا إلا مُسِنَّةً فإن عجَزْتُم فاذبحوا جذَعَةً منَ الشَّأن وليس الْمرادُ منه لزومَ هذا الترتيبِ. (وتجزئُ البَدَنَةُ) مِنَ الإبلِ (عن سبعةٍ) منَ الناسِ أو سبعةِ بيوتٍ اشتركوا في التَّضْحية بها. (و)تُجْزِئُ (البقرة عن سبعةٍ) كذلك. (و)تُجْزِئُ (الشاة عن) شخصٍ (واحدٍ) وهيَ أفضلُ من مشاركته في بعيرٍ فإن اشترك فيها اثنانِ لم تُجْزِئْ عن أيٍّ منهما بل لو اشترك اثنان في شاتَيْنِ لم يصِحَّ من أيٍّ منهما لأن أيًّا منهما لم يُضَحِّ بشاةٍ معيَّنةٍ. وأفضلُ أنواعِ الأُضْحِيَّةِ َنَعَم سبعُ شياهٍ أفضلُ مِنَ البَدَنَةِ لأنَّ لحمَ الغَنَمِ أطيبُ.

  (و)شرطُ إجزاءِ الأُضحيَّةِ سلامتُها مِن عيبٍ يَنْقُصُ لَحْمَها ولذا كانت (أربعٌ لا تجزئ في الضحايا) وهيَ (العوراءُ البَيِّنُ) أي الظاهرُ (عَوَرُها) بأن لم يكن خفيفًا لا يَمْنَعُ الضوءَ وإنما عبَّرَ بالبيِّنِ عَوَرُها لأنَّ الْمرادَ بالعوراءِ هنا التي عَلَا ناظرَها بياضٌ يمنع الضوء أخذًا بقول الشافعيِّ رضيَ الله عنه أصلُ العَوَرِ بياضٌ يُغَطِّي الناظرَ وغذا كان كذلك فتارةً يكون كثيرًا يمنعُ الضوء فيَضُرُّ وتارةً يكون يسيرًا لا يمنعُ الضوءَ فلا يضُرُّ (والعرجاءُ البَيِّنُ عَرَجُها) بحيث تتخلفُ عن صواحبها عند مشيها إلى الْمَرْعَى فلا تجزئ ولو كان حصول العرج لها عند إضجاعها للتضحية بها بسبب اضطرابها (والْمريضةُ البَيِّنُ مرضُها) بحيث يُوجِبُ الهُزالَ بخلاف ما كان يسيرًا لا يُفْسِدُ لحمَها ولا يُظهِرُ هُزالَهَا (والعَجْفاءُ) وهي (التي ذهبَ مُخُّها) أي دُهنُ عظامِها فيشملُ الرأسَ وغيرَهُ (مِنَ الهُزالِ) والْمُرادُ التي صارَت غلى حدٍّ بحيث لم يَعُدْ يَرْغَبُ بها أهلُ الرَّخاء مِن طلَبَةِ اللَّحْمِ. ولا تجزئ أيضًا العمياءُ والتي لا تَرْعَى والجرباء وإن كان جَرَبُها بسيرًا لأنه يُفسد اللحم والدهن والحاملُ وقريبة العهد بالولادة لرداءَةِ لحمِها. (ويُجْزِئُ الخَصِيُّ) أي الْمقطوعُ الخُصْيَتَينِ (والْمكسورةُ القَرْنِ) إن لم يَعِب اللحمَ وإلا ضرَّ وبه يُعلم إجزاءُ الجَلْحاءِ وهي فاقدةُ القرونِ نعم ذاتُ القرون أفضلُ لخبرِ الحاكمِ خيرُ الضحيةِ الكبشُ الأقرنُ اهـ (ولا تُجزئُ الْمقطوعةُ الأُذُنِ) كُلِّها أو بعضِها لِفَقْدِها جزءَ مأكولٍ ولا الْمخلوقةُ بلا أذنٍ (و)لا الْمقطوعةُ (الذَنَبِ) كُلِّهِ أو بعضِهِ ولا اللسانِ كلِّهِ أو بعضِهِ بخلاف الْمخلوقة بلا ذنَبٍ فإنها تُجْزِئ كالْمخلوقة بلا ضَرْعٍ ولا ألْيَةٍ لأنَّ هذه الثلاثةَ الذنَبَ والضَّرْعَ والأَلْيَةَ ليست لازمةً لكُلِّ حيوانٍ بخلافِ الأُذُن.

  (و)يدخل (وقت الذَّبح) للأُضحية (مِن وقت صلاة العيد) أي عيدِ النحر ومُضِيِّ قدرِ أخفِّ ما يُجزئُ من صلاة العيدِ وخُطبَتَيهِ ووقتُ صلاة العيد كما تقدم بطلوع الشمس فمن ذبح قبل ذلك لم يقع أضحيَّةً كما تقدَّمَ والأفضلُ تأخير الذَّبح إلى مُضِيِّ ذلك من ارتفاع الشمس كرمحٍ لا من أوَّلِ طلوعها خروجًا منَ الخلاف. ويَستمر وقت الذَّبح (إلى عروبِ الشمس مِ، ءَاخِرِ أيامِ التشريقِ) وهيَ الحادي عشَرَ والثاني عشَرَ والثالثَ عشَرَ مِن ذِي الحِجَّةِ فحُمْلةُ أيامِ الذبح أربعةٌ يومُ العيد وأيام التشريقِ الثلاثةِ أي ولياليها وإن كان الذبح في لياليها مكروهًا.