(فصلٌ) في أحكامِ الأطعمةِ الحلال منها وغيره.
والأصلُ فيه ءَاياتٌ كقولِهِ تعالى في سورةِ الأنعام (قُل لَّآ أَجِدُ فِى مَآ أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍۢ يَطْعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍۢ فَإِنَّهُۥ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِۦ ۚ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍۢ وَلَا عَادٍۢ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وقولِهِ تعالى (وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَٰٓئِثَ) وقولِهِ تعالى في سورةِ الْمائدةِ (ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ ۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ).
ومعرفةُ هذه الأحكامِ منَ الْمهمّاتِ في الدّين فقد روى البيهقيُّ مرفوعًا كلُّ لحمٍ نبتَ مِن سُحْتٍ فالنَّارُ أولى به اهـ والسُّحْتُ الحرامُ فلو أُكْرِهَ على مُحرَّمٍ وجب عليه أن يتقايأه إذا قدر عليه ومثلُ ذلك ما لو أكره على شُرب الخمر.
(وكلُّ حيوانٍ استطابَتْهُ العربُ) الذين كانوا زمنَ النبيِّ عليه الصلاة والسلام أي عَدُّوهُ طيِّبًا وكانوا أهل ثَرْوةٍ وخِصْبٍ وطِباعٍ سليمةٍ ورفاهيَةٍ لا سَنَةٍ وضرورةٍ (فهو حلالٌ) فإن لم يسبق فيه كلامٌ رُجع فيه في كلِّ زمنٍ إلى العرب الْموجودين فيه ويُكتَفَى في ذلك بقولِ عدلَينِ منهم (إلا ما) أي حيوانًا (ةردَ الشرعُ بتحريمِهِ) فلا يُرْجَعُ فيه لاستطابتهم له إذ لا عبرةَ بها مع ورود النصِّ الشرعيِّ (وكلُّ حيوانٍ اسْتَخْبَثَتْهُ العربُ) أي عَدَّتْهُ خبيثًا (فهو حرامٌ إلا ما ورد الشرع بإباحته) فلا يكون حرامًا لأنَّ الرجوع إلى استطابة العرب واستخباثهم إنما يكون عند عدمِ الدليلِ الشرعيِّ من نصٍّ من كتابٍ أو سنةٍ أو إجماعٍ.
ومما يحرُمُ أكلُهُ البغلُ والحمارُ الأهلِيُّ والغرابُ الأبقعُ والرَّخَمَةُ والحِدَأَة والبُغَاثَةُ وهي كالحِدَأة بيضاءُ بطيئةُ الطيران والبَبَّغا بموحّدتين مع تشديد الثانية وبالقصر والطاووسُ والخُطَّافُ ويُسَمَّى عُصفورَ الجَنَّة والصُّرَدُ والحشراتُ وهيَ صغار دوابّ الأرض كالحيةِ والعقربِ والفأرةِ والنَّمْلِ والذبابِ والبرمائيات كالتمساحِ والضِّفدِعِ والسرطانِ. (ويَحرم مِنَ السِّباعِ ما له نابٌ قويٌّ يَعدُو به) على غيرِهِ من الحيوانات كالأسد والنَّمِر والبَبَرِ وهو الْمخطَّطُ والذِّئبِ والدُّبِّ والفيلِ والقرد والكلب والخنزيز والفهد وابن ءَاوَى وهو فوق الثعلب ودون الكلب والهِرَّةِ ولو وحشيَّةَ بخلافِ ما ضعُفَ نابُهُ كالثعلبِ ويُسْتَثْنَى الضَّبُعُ فإنَّه يَحِلُّ ولو كانَ نابُهُ قويًّا كضَبُعِ الحبشة وذلك لِوُرُودِ النَّصِّ بتحليلِهِ. (ويَحْرُمُ مِنَ الطُّيورِ ما له مِخْلَبٌ) بكسر الْميم وفتح اللام أي ظُفُرٌ (قويٌّ يَجرح به) كعُقابٍ وصقرٍ وبازٍ وشاهينٍ وغيرِها مِن جوارحِ الطيرِ.
ومِمَّا يحِلُّ الخيلُ وحمارُ الوحشِ والضبُّ والأرنبُ واليَربوعُ وجمعُهُ يرابيعُ والسنجابُ والفَنَك بفتح الفاء والنون والسَمُّور بفتح السين وتشديد الْميم والقُنفذ والوَبْر بإسكان الْموحّدة وجمعُهُ وِبَارٌ والدُلْدُل وابنُ عِرْس وجمعُهُ بناتُ عِرس والكُركِيُّ والبطُّ والإوَزُّ والدجاجُ والحمام وهو كما قال الشافعيُّ كُلُّ ما عَبَّ وهَدَرَ العَبُّ هو جرعُ الْماء جَرْعًا وسائرُ الطيور تَنْقُرُ الْماء نَقْرًا وتشرب قطرةً قطرة الهديرُ ترجيعُ الصوتِ ومواصلتُهُ من غيرِ تقطيعٍ فكلُّ طيرٍ عبَّ وهَدَرَ فهو حمامٌ وإن تفرَّقَت أسماؤه فمنه اليمامةُ والدُّبْسِيُّ والقُمْرِيُّ والفاخِتَةُ وغير ذلك اهـ وما كان على شكل عصفور والزَّاغ ويقال له غرابُ الزَّرع وهو أسودُ صغيرٌ وقد يكون محمر الْمنقار والرجلين يأكل الزرع وأمَّا الغراب الأبقعُ والعَقْعَق والغُدَاف الكبير هو بضمِّ الغين المعجمةِ وتخفيف الدال الْمهملةِ جمعُهُ غِدْفان قال ابنُ فارس هو الغرابُ الضخمُ اهـ ويسمَّى أيضًا الغراب الجبلِيُّ فثلاثتُها حرامٌ واختلف في الغُدَافِ الصغيرِ.