(ويجوز الاصطيادُ) أي فِعلُهُ ويَحِلُّ أكلُ الْمُصَادِ (بكل جارحَةٍ معلَّمَةٍ من السباعِ) كالفهد والكلب (ومن جوارح الطيرِ) كصقرٍ وبازٍ وعُقابٍ وشاهينٍ ويُؤْيُؤٍ في أيِّ موضعٍ كان الجرح إذا كانت معلَّمَةً لقوله تعالى في سورة الْمائدة (أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ) أي وأكلُ صيدِ ما علَّمْتُم منَ الجوارح. والجوارحُ جمعُ جارحةٍ وهي مشتقة مِنَ الجَرْحِ أي الكسبِ سُمِّيَت بذلك لأنها تكسِبُ الصيدَ على صاحبها. وشرطُ حِلِّ صيدِها سَبُعًا كانت أو طيرًا أن لا تُدْرَكَ فيه حياةٌ مستقرَّةٌ فإن أدركه صاحبه وفيه حياةٌ مستقرةٌ اشتُرِط لِحِلِّهِ ذَبْحُهُ.
(وشرائطُ تعليمِها) أي كونِ الجوارح معلَّمةً (أربعةٌ) أحدُها (أن تكونَ) بحيث (إذا أُرْسِلَت) أي أرسَلَها صاحبُها أطاعَتْهُ بأن (اسْتَرْسَلَت) فهاجَت بإغرائِهِ (و)الثاني وهو شرطٌ في السَّبُعِ دون الطير على الْمعتمَدِ أنها (إذا زُجِرَتْ) بضمِّ أَوَّلِهِ أي زَجَرَها صاحبُها ابتداءً أو بعد شِدَّة عدْوٍ طاوَعَتْهُ و(انزجرت) بأن تقفَ (و)الثالثُ أنها (إذا قَتَلَت صيدًا) بعد إرسالِهَا (لم تأكل منه شيئًا) لا مِن جلده ولا لحمه ولا حُشوته بضم الحاء وكسرها أي أمعائه قبل قتله أو عقبه بخلاف لعقِ الدم وتناولِ الفَرْثِ ونتفِ الريش والشعر فال أثر له لأنَّه لا يُقصد للصائد وكذا لا يُؤَثِّرُ أكلُه منه بعد قتلِه وانصرافِه (و)لا يخفَى أنَّ مَعَضَّ الكلب مِنَ الصيد مُتَنَجِّسٌ كغيرِهِ مِمَّا يُنَجِّسُه الكلبُ ولا يُعْفَى عنه فيكفِي غسلُه سبعًا إحداهُنَّ بالتراب ليطهرَ. والشرطُ الرابع أن (يتكرر ذلك) أي ما تقدَّمَ منَ الشروط (منها) بحيث يُظَنُّ تأَدُّبُها وتصيرُ تلك الأمورُ خُلُقًا لَهَا عند الخُبراء بالجوارح ولا يُرْجَعُ في التكرار لعددٍ بل الْمرجعُ فيه لأهل الخبرةِ بطباع الجوارح متَى ما قالوا تأدَّبَتْ حَلَّ صيدُها. (فإن عُدِمَت إحدَى الشرائط لم يَحِلَّ ما أخذتْهُ) الجارحةُ (إلا أنْ يُدْرَكَ حيًّا فَيُذَكَّى) تذكيةَ الْمقدور عليه فيحلُّ حينئذٍ.
(و)أما ءَالَةُ الذَّبح فإنه (تجوزُ الذكاةُ بكلِّ ما) أي بكلِّ مُحدَّدٍ (يَجرح) بِحَدِّهِ كحديد ونحاس وحجر وخشب (إلا بالسِّنِّ والظفْرِ) وباقي العظام من ءَادَمِيٍّ وغيرِهِ فلا تجوز التَّذطيةُ بها. فيُفهَمُ أنه لا تصِحُّ التذكيةُ بالْمُثَقَّلِ كبُندق الرصاص والطينِ وسهمٍ بلا نَصْلٍ فلا يحِلُّ أكلُ ما اصطيدَ بها لأنه منَ الْمَوْقُوذَةِ. ومثل الْمقتول بالْمُثَقَّل ما لو أصابه السهم ثم وقع على طرفِ جبل ثم سقط منه وفيه حياةٌ مستقرَّةٌ ثم مات فلا يَحِلُّ لأنه إنما مات بالسقوط منه وكذا لو مات بأُحْبولة كشبكة منصوبة له فإنّه منَ الْمُنْخَنِقة. ويجوز رميُ الصيدِ ببندقِ الطين مطلقًا ولا يجوز الرمُيُ ببندق الرصاص إلا بشرطين حذقُ الرَّامِي حتَّى لا يصيبَه في مقتلٍ وتحمُّلُ الْمَرْمِيِّ بحيث لا يموت منه غالبًا كالإوَزِّ بخلاف ما يموت منه غالبًا كالعصافير.
(وتَحِلُّ ذكاةُ كلِّ مسلمٍ) ولو صبيًّا مُمَيِّزًا إن أطاق الذبحَ ذكرًا كان أم أنثى ولو مجنونًا أو سكرانَ لأنَّ لهما قصدًا في الجُملةِ وذلك ذبحًا في الْمقدورِ عليه أو عقرًا حيثُ قدَرَ في غيرِهِ فيشملُ الصيدَ (و)كذا تحِلُّ ذكاةُ كلِّ (كتابيٍّ) يهوديٍّ أو نصرانِيٍّ ذكرٍ أو أنثى تَحِلُّ مُنَاكَحَتُنا لنساءِ مِلَّتِهِ. وتُكْرَهُ التذكيةُ منَ الْمجنونِ والسَّكرانِ. ويُكرَهُ ذبحُ الأعمى للمقدورِ عليه وأمَّا غيرُ الْمقدور عليه من نادٍّ أو صيد فلا يحلُّ إرسالُ الأعمى ءَالَةَ التذكيةِ إليه لانتفاءِ القصدِ الصحيحِ عنه. (ولا تَحِلُّ ذبيحةُ مجوسيٍّ ولا وَثَنِيٍّ) ونحوِهِ مِمَّن لا كتابَ له ولا ذبيحةُ مُرتَدٍّ. ولو أخبرَ فاسقٌ أو كتابيٌّ تَحِلُّ ذبيحتُه بأنَّهُ ذبحَ هذه الشاةَ مثلًا حلَّ أكلُها إن وقعَ في القلبِ صِدقُهُ. ولو جُهل الذابح هل هو مِمَّن تَحِلُّ ذبيحتُه كمسلم أو ممن لا تحلُّ ذبيحته كمجوسيٍّ لم يَحَلَّ أكلُ الحيوان الْمذبوح وكذا لو لم يُعرَف هل الحيوانُ مُذَكَّى أو لا للشكِّ في وجود الذبح الْمُبيح في الحالَينِ والأصلُ عدَمُه فلا يجوزُ أكلُهُ إجماعًا كما نقله السيوطيُّ في الأشباه والنظائر وغيرُهُ. نعم إن كان أكثرُ أهلِ البلد مِمَّن يَحِلُّ أكلُ ذبيحتِهِم ولم يَشُكَّ هل حصل الذبحُ من إنسانٍ أو بما يُعرَفُ في أيامنا بالآلاتِ الأُوتوماتيكيَّةُ التي يتِمُّ الذبحُ بواسطتها مِن غيرِ تحريكِ إنسانٍ في كلِّ مرةٍ ووجدَ اللحمَ مذبوحًا في البلدِ حلَّ له أكلُهُ من دونِ تحرٍّ عن الذابحِ. أمَّا ذبائحُ الآلةِ الأوتوماتيكيَّةِ فإن كان يحصُلُ تحريكُها للذبحِ في الْمرةِ الأولى مِمَّن يَحِلُّ ذَبْحُه حلَّ الْمذبوحُ الأولُ بها لا ما بعدَهُ وإلا لم يحِلَّ منها شَىءٌ.
(وذكاةُ الجنينِ) حاصلةٌ (بذكاة أمه) فلا يُحتاج لذبحِهِ إن خَرَجَ بذبح أمه ميتًا أو فيه حياةٌ غيرُ مستقِرَّةٍ ولم يوجد سبب ءَاخَرُ يُحالُ عليه موتُه كما لو ضُرِبَت أُمُّه على بطنها قبل الذبح فسكن ثم ذُبِحَت فوُجد ميتًا فإنّه لا يحِلُّ لإحالةِ موتِهِ على ضربِ أُمِّهِ (إلَّا أنْ يُدْرَكَ حيًّا) بحياةٍ مستقرةٍ بعد تمامِ خروجِه مِن بطن أُمِّه قوله (بعد تمام خروجه) قال الباجوريُّ فلو أخرج رأسه وفيه حياةٌ مستقرَّةٌ ثم ذُبحت أمُّه فمات قبل تمام خروجه حلَّ لأن خروجَ بعضِه كعدم خروجه في الغُرَّة ونحوِها فلا يجب ذبحُه وإن صار مقدورًا عليه بخروج رأسه اهـ (فيُذَكَّى) أي يُذبَح حينئذٍ وجوبًا لِيَحِلَّ.
(وما قُطِعَ من) حيوانٍ (حيٍّ فهو ميتٌ) أي حكمُه حكمُ الْمَيتة فهو نجس إن لم يكن من سمك وجراد وءَادَمِيٍّ (إلا الشُّعورَ) الْمقطوعَةَ من حيوانٍ مأكولٍ (الْمُنتفعَ بها في الْمَفارش) والْملابسِ (وغيرِها) وما جَرَى مَجْراها مِن صوفٍ وريشٍ ووَبَرٍ فإنها طاهرةٌ كفأرةِ الْمِسْكِ ونحوِها.