الأربعاء ديسمبر 11, 2024

كتابُ أحكامِ الجهادِ

   أي القتالِ في سبيلِ الله أي لإقامة دين الله عزَّ وجلَّ.

  والأصلُ فيه قبل الإجماع ءاياتٌ وأخبارٌ كقولِهِ تعالى في سورةِ البقرةِ (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ) وقولِهِ تعالى في سُورةِ التوبةِ (وَقَٰتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمْ كَآفَّةً) وقولِهِ تعالى في سورة النساءِ (وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ) وحديثِ الشيخينِ وغيرِهِما الْمتواترِ أُمِرْتُ أنْ أقاتلَ الناسَ حتَّى يَشهدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ الحديثَ.

  ولِلْكُفارِ حالانِ إحداهُما أن يكونوا ببلادهم فالجهادُ فرضُ كفايةٍ على الْمسلمين في كل سنةٍ مرةً على الأقل فإذا فعله مَن فيه كفايةٌ منَ الْمسلمين سقطَ الحرَجُ عن الباقينَ والثاني أن يدخل الكفار بلدةً مِن بلاد الْمسلمين أو بلادِ أهلِ الذِّمة أو قريةً من قراهم أو ينزلوا فيما دون مسافةِ القصرِ منها فالجهادُ حينئذٍ فرضُ عينٍ على أهلِ ذلكَ البلدِ فيلزمُهُم دفعُ الكفارِ بما يُمْكِنُ منهم ولو بضربِ أحجارٍ أو نحوِها ويخرجون لقتالِهِم حتى الصبيانُ بلا إذنِ الأولياءِ والنساءُ بلا إذنِ الأزواجِ والعبيدُ بلا إذنِ السادة والْمَدينون بلا إذنِ أصحابِ الدُّيُون فإن لم يكن فيهم كفايةٌ لِدَفْعِهِم وجبَ على مَن يَلِيهِم إعانتُهُم فإن لم يَكْفُوا وجبَ على مَنْ يَلِيهم حتى يَعُمَّ ذلك كلَّ بلادِ الإسلامِ. ثم إنَّ الكفايةَ تحصل بشيئين أحدهما شحن الثغور بجماعةٍ يَكفُونَ مَن بإزائهم منَ العَدُوِّ فإن ضَعُفوا وجب على كل من وراءَهم مِنَ الْمسلمين أن يُمدوهم بمن يتقَوَّون به على قتالِ عدوِّهِم والثاني أن يدخلَ الإمامُ دارَ الكفار غزيًا بنفسه أو يبعث جيشًا ويؤمِّرَ عليهم مَن يصلح لذلك وأقلُّ ما يجب في السنة مرةً إن لم تدعُ الحاجةُ إلى زيادةٍ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يتركْهُ منذُ أُمِرَ به في كلِّ سنةٍ فإذا فعل ذلك مَن فيه كفايةٌ سقطَ الحرجُ عن الباقين. وأما إذا عجز الْمسلمون عن دفع الكفار بالقتال وكانوا يندفعون بمصانعةٍ بدفع مالٍ جاز ذلك بل تحرم مقاتَلَتُهُم إن كان قتالُهُم يُؤَدِّي إلى أن يَصْطَلِمَ الكفار الْمقاتلين ومَن وراءَهُم منَ الْمسلمين أي يُبِيدوهم وذلك لقول الله تعالى (وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ) فإنَّ هذه الآيةَ وإن كان نزولُهَا للنَّهْيِ عنِ التقاعس في أمرِ الجهادِ لَمَّا قالت الأنصارُ إن الله قد أعزَّ الإسلام وأرادوا الانصراف عن الجهاد إلى أمور معايِشِهم لكنها عامةُ الْمعنَى لهذا ولغيره والعبرةُ كما قال الأُصوليُّونَ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب اهـ ويدلُّ على ما ذكرناه حديثُ الترمذيِّ والبيهقيِّ لا ينبغِي لمسلمٍ أن يُذِلَّ نفسَه قالوا وكيف يُذِلُّ نفسَه يا رسولَ الله قال يتعرَّضُ لِمَا لا يُطِيق منَ البلاء اهـ