الأربعاء ديسمبر 11, 2024

فصلٌ) في أحكامِ قاطعِ الطريقِ اي مانعِ الْمرورِ فيه وسُمِّيَ بذلك لامتناعِ الناسِ من سلوكِ الطريقِ خوفًا منه. ويُشترَطُ فيه أن يكونَ مُكَلَّفًا مُلتزمًا للأحكامِ له شَوْكَةٌ أي قوَّةٌ بالنسبةِ لِمَن يريدُ الظفرُ به ولا يُشترط فيه ذكورةٌ ولا عدَدٌ ولا حرِّيَّةٌ ولا يُشترطُ في الشوكةِ سلاحٌ فخرج بما ذكرنا الحربيُّ لأنه ليس ملتزمًا للأحكام والمجنونُ والصبيُّ والْمختلِسُ الذي ليست له شَوكةٌ بل يتعرض لآخِرِ القافلة ويعتمِدُ الهَرَبَ ودخل فيه السكرانُ الْمُتَعَدِّي بسُكْره فإنه في حكم الْمكلف.

  والأصلُ فيه قولُ الله تعالى في سورة الْمائدة (إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوْ يُصَلَّبُوٓاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَٰفٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلْأَرْضِ) أي يُطلَبُوا إلى أن يُؤخَذوا وأَوْ في الآية محمولةٌ على التَّنويعِ لا على التَّخيير (و)ذلك أنَّ (قُطَّاع الطريق على أربعة أقسام) لأنهم إمَّا أن يقتُلوا فقط أو أن يقتُلوا ويأخذوا الْمالَ أو أن يأخذوا الْمالَ فقط أو أن يخيفوا الْمَارَّةَ فقط فالحكمُ أنهم (إن قَتَلوا) أي عمدًا عدوانًا مَعصومًا يُكافِئُونه بقصدِ أخذِ الْمالِ (و)لكنهم (لم يأخذوا الْمالَ قُتِلوا) حتمًا فلا يسقطُ عنهم القتلُ بعفوِ وَلِيِّ الدَّمِ فإن قَتَلُوا لا بقصدِ أخْذِ الْمالِ لم يتحتَّم قتلُهُم. وإن قتلوا خَطأً أو شبهَ عمدٍ أو قَتَلوا مَنْ لا يُكافِئُهُم لم يُقتلوا.

  (فإن قَتَلُوا) عمدًا عدوانًا مَن يُكافِئُونه (وأخذوا الْمال) وهو نصاب السرقة مِن حرزِ مثلِهِ ولم يكن لَهُم فيه ملكٌ ولا شبهةٌ (قُتِلُوا وصُلِبُوا) أي عُلِّقُوا على خشبةٍ ونحوِها بعد غسلهم وتكفينهم والصلاة عليهم إن كانوا مسلمينَ.

  (وإن أخذوا الْمالَ) أي نصابَ السرقة مِن حِرْزِ مثلِهِ ولا شبهةَ لهم فيه ولا ملكَ (ولم يَقتلوا) معصومًا مكافِئًا (تُقطع أيديهم وأرجلُهم مِن خِلافٍ) فتقطع منهم أولًا اليدُ اليُمنَى من الكوعِ والرِّجْلُ اليسرَى من الكعبِ فإن عادوا فيدهم اليسرَى ورجلَهم اليمنَى فإن كانت اليدُ أو الرِّجْلُ مفقودةً اكتُفِي بالْموجودةِ.

  (فإنْ أخافُوا) الْمَّارِّين في (السبيلَ) أي الطريق (ولم يأخذُوا) منهم (مالًا ولم يَقتلوا) نفسًا (حُبِسوا) والأولى أن يكونَ حبسُهُم في غيرِ موضِعِهِم (وعُزِّرُوا) أي حبيَهُمُ الإمام وعزَّرهم وهذا من عطف الخاصِّ على العام إذ الحبسُ تعزيرٌ فيَحتمل أن يكون الْمقصود عزَّرَهم بِحَبْسِهم ويحتمل أنه أراد حَبَسَهُم وعزَّرَهم بشىءٍ ءَاخَرَ وذلك راجعٌ إلى ما يراه الإمام مصلحةً.

  (ومَن تابَ منهم) أي قطاعِ الطريقِ (قبل القدرةِ) منَ الإمام (عليه) وقبل الظفَرِ به (سقطَت عنه الحدودُ) أي العقوباتُ الْمختصة بقاطع الطريق وهيَ تحتُّمُ قَتْلِهِ وصَلْبُهُ وقطعُ يدِه ورجلِهِ من خلافٍ وأما غيرُ الْمُختصة به فلا تسقطُ (وأُخِذَ) بضم أوله أي طُولِبَ (بالحقوقِ) التي تتعلَّقُ بالآدميينَ كالقتل قِصاصًا غذا قتلَ مكافِئًا وحدِّ القذف وردِّ مالٍ فإنه لا يسقطُ شىءٌ منها عن قاطع الطريق بتوبتِهِ كما لا تسقُطُ حُدُودُ الزِّنَى والسرقةِ وشربِ الخمرِ ونحوِها مِن حدودِ الله تعالى بالتوبةِ.