فصلٌ في بيانِ الدَّيَةِ.
الدِّيَةُ مأخوذةٌ منَ الوَدْيِ يُقال وَدَيْتُ القتيلَ أَدِيه وَدْيًا إذا دفعتُ دِيَتَه.
وهيَ شرعًا المالُ الواجبُ على الحُرِّ بالجنايةِ في نفسٍ أو طرفٍ أو معنًى. والراجحُ أنها بدلٌ عن القصاص.
والأصلُ فيها قبل الإجماع قولُهُ تعالى في سورةِ النساءِ (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَـًٔا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍۢ مُّؤْمِنَةٍۢ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهْلِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَصَّدَّقُواْ) الآيةَ وأحاديث كحديثِ مالكٍ والنسائيِّ وإنَّ في النفْسِ مِائَةً منَ الإبل اهـ وحديثِ الأئمةِ الشافعيِّ وأحمدَ وغيرِهِما ألا إنَّ في قتيلِ العمدِ الخطإ بالسَّوط والعصا مِائَةً منَ الإبل مُغَلَّظَةً منها أربعونَ خَلِفَةً في بطونها أولادُها اهـ
(والدِّيةُ على ضربينِ مغلَّظَةٌ) مِن ثلاثةِ وجوهٍ في العمدِ ومِن وجهٍ في شبهِهِ (ومحففةٌ) مِن ثلاثةِ ودوهٍ في الخطإ ومِن وجهينِ في شِبْهِهِ (فالْمُغَلَّظةُ) بسبب قتلِ الذكَرِ الحر الْمسلم عمدًا أو شبهَه (مِائَةٌ من الإبل) حالَّةٌ في مالِ القاتلِ في العمد ومُؤَجَّلةٌ في ثلاثِ سنينَ على عاقلته في شِبْهِهِ وهِيَ في الحالَينِ مُثَلَّثَةٌ (ثلاثثون حِقةً) أتمَّت ثلاثَ سنوات ودخلت في الرابعة (وثلاثون جذعةً) أتمَّت أربعَ سنواتٍ ودخلت في الخامسةِ وسبقَ معناهما في كتاب الزكاة (وأربعون خَلِفَةً) بفتح الخاء الْمعجمة وكسر اللام وبالفاء وهيَ مَن (في بطونِها أولادُها) والْمعنى أنَّ الأربعينَ حواملٌ ويَثْبُتُ حملُها بقولِ عدلَين مِن أهل الخُبْرَةِ بالإبل (والْمُخَفَّفَةُ) بسبب قتلِ الذَّكَرِ الحُرِّ الْمسلمِ خطأٌ (مِائةٌ من الإبل) مؤجلةٌ على عاقلةِ القاتلِ مُخَمَّسَةٌ (عشرونَ حِقَّةً وعشرونَ جذَعَةً وعشرون بنتَ لبونٍ وعشرون بنتَ مخاضٍ وعشرون ابنِ لَبُون) على أن تكونَ أي إبلُ الديةِ سليمةً ليس فيها معيبةٌ بعيبٍ يُثْبِتُ الردَّ في البيع إلا إن رَضِيَ الْمستحِقُّ. هذا إذا كان حرًّا ملتزمًا للأحكام ولو امرأةً وأما إذا كان عبدًا فقتلَ غيرَ سيِّدِهِ فالواجبُ عليه عندئذٍ أقلُّ مِن قيمتِهِ والدِّيةِ. ويجري التغليظُ والتخفيفُ أيضًا في دية الأطرافِ والجروحِ باستثناءِ الأطراف التي لا ديةَ فيها كاليد الشَّلَّاء باستثناءِ القيمةِ في الرقيق فلا تغليظَ فيها. ولا تغليظَ كذلك في الأطرافِ والجروحِ في الحَرَم ولا في الأشهر الحُرُم ولا في الرَّحِم الْمَحْرَم خلافًا لتغليظِ الديةِ في القتل الخطإ فيها على ما يأتي إن شاء اللهُ.
ومتى وجَبَت الإبلُ على قاتلٍ أو عاقلةٍ أُخِذَت مِن نوعِ إبلِ مَن وجبَت عليه وإبلِ عاقلتِهِ أو غالبِ أبلِ بلدِهِ فإن لم يكن له إبلٌ فتُؤخذ مِن غالبِ إبلِ بلدةِ بلديٍّ أو قبيلةِ بدويٍّ فإن لم يكن في البلدة أو القبيلة إبلٌ فتُؤخَذُ مِن غالبِ إبلِ أقربِ البلاد إلى موضع المؤدِّي ويلزمُهُ النَّقلُ إن قرُبَت فإن بعُدَت أي إلىمسافةِ القصرِ كما ضبط بعضُهُم البُعدَ وعَظُمَت الْمُؤنَةُ والْمشقَّةُ لم يلزمْهُ وسقطَت الْمطالبةُ بالإبلِ (فإن عُدِمَت الإبلُ) حِسًّا أو شرعًا (انتُقِلَ إلى قيمتِها) وفي نسخةٍ أخرَى (فإن اَعْوَزَتِ الإبلُ انتقلَ إلى قيمتِها) فيقوِّمُها بغالبِ نقدِ البلدِ بالغةً ما بلغَت مع مراعاةِ صفاتِها هذا الجديدُ الصحيحُ (وقِيل) وهو القديمُ (ينتقلُ) الْمُسْتَحقُّ (إلى ألفِ دينارٍ) مِنَ الْمضروبِ الخالصِ في حقِّ أهلِ الدنانيرِ (أو) يَنتقلُ إلى (اثْنَيْ عَشَرَ ألفَ درهمٍ) في حقِّ أهل الدراهِمِ وسواءٌ فيما ذُكِرَ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ والْمُخَفَّفَةُ لأنَّ التغليظَ في الإبِلِ إنما وردَ بالسِّنِّ والصِّفةِ لا بزيادةِ العدَدِ ولا يوجَدُ ذلك في الدراهمِ والدنانيرِ (و)قيلَ (إنْ غُلِّظَتْ زِيد عليها الثُّلثُ) أي قدرُهُ فَفِي الدنانير ألفٌ وثلاثُمِائَةٍ وثلاثةٌ وثلاثون دينارًا وثلثُ دينارٍ وفي الفضة ستةَ عشرَ ألفَ درهمٍ والصحيحُ على القديمِ خلافُهُ وأنه لا يزاد شىْءٌ كما تقدَّمَ.
(وتُغَلَّظُ دِيَةُ الخطإ) بتثليثِها (في ثلاثةِ مواضعَ) أحدُها (إذا قَتَلَ) مسلمًا (في الحرَمِ) أي حرمِ مكةَ سواءٌ كان القاتلُ والْمقتولُ فيه أو كان القاتلُ والْمقتولُ خارجَهُ أو بالعكسِ أو كانا في الحِلِّ فرماه بسهمٍ مثلًا فقطع السهمُ في مروره هواءَ الحرَمِ (أو قتلَ) مسلمًا أو كافرًا معصومًا (في الأشهرِ الحُرُمِ) وهيَ أربعةٌ ثلاثةٌ سَرْدٌ ذو القَعْدَةِ بفتحِ القافِ على الْمشهور وذو الحِجةِ بكسر الحاء على الْمشهور والْمُحَرَّمُ وهو اسمٌ إسلاميٌّ وواحدٌ فَرْدٌ وهو رَجَبٌ ولا يُلْحَقُ بها في ذلك رمضانُ مع أنه سَيِّدُ الشهورِ لأنَّ الْمُتَّبَعَ التوقيفُ (أو قَتَلَ) قريبًا له مسلمًا أو كافرًا معصومًا (ذا رَحِمٍ مَحْرَمٍ) والرَّحِمِية قيدٌ والْمَحْرميَّىُ قيدٌ فلا بدَّ أن تكون الْمَحرمية نشأَتْ مِنَ الرَّحِمِية لا من رضاعٍ مثلًا فلا تغليظَ في قتلِ بنتِ العَمِّ ولا الأختِ بالرَّضاعِ. ولا تغليظَ أيضًا بالقتلِ في حَرَم الْمدينة أو في حالِ الإحرامِ.
(ودِيَةُ الْمرأةِ) الحرَّةِ الْمسلمةِ أو الكافرةِ والخُنْثَى الْمُشْكِلِ (على النصفِ من ديةِ الرجلِ) نَفْسًا وجرحًا ففي ديةِ حرَّةٍ مسلمةٍ في قتلِ عمدٍ أو شبهِ عمدٍ خمسون من الإبل خمس عشرة حِقَّة وخمسَ عشرة جَذَعَة وعشرون خَلِفَة إبلًا حواملَ وفي قتلٍ خَطَإٍ عشرُ بناتِ مخاضٍ وعشرُ بناتِ لبونٍ وعشرةُ بنِي لبون وعشرُ حِقاقٍ وعشرُ جِذاعٍ. (وديةُ اليهوديِّ والنصرانيِّ) الذِّمِّيِّ والْمُسْتَأْمَنِ والْمُعاهَدِ (ثلثُ ديةِ الْمسلمِ) نفسًا وجرحًا (وأما الْمجوسِيُّ) الْمعصومُ (ففيه ثُلثا عُشْرِ ديةِ الْمسلم) وأخصرُ منه ثلثُ خمسِ ديةِ الْمسلمِ.
(وتَكمُلُ ديةُ النفْسِ) أي أنَّهُ تجبُ دِيَةٌ كاملةٌ (في) قطع (اليدين) كليهما مِنَ الكوعين (والرِّجْلَينِ) كليهما منَ الكَعبينِ كَدِيَةِ نفسِ صاحبِها فيجبُ في يدٍ أو رجلٍ لذكرٍ مسلمٍ حرٍّ خمسون من الإبل وفي قطعِهِما مِائَةٌ مِنَ الإبل ولأُنْثَى حرةٍ مسلمةٍ في يدٍ أو رِجْلٍ خمسةٌ وعشرونَ من الإبلِ وفي قطعِهِما خمسونَ منَ الإبلِ. هذا في العضو الأصلِيِّ مِمَّا مرَّ ذِكْرُهُ السليمِ منَ العيب ففي اليد الزائدة أو الشَّلاء وفي الرِّجل الزائدةِ أو الشَّلَّاء حكومةٌ الحُكومة جُزْءٌ منَ الدِّيَةِ نسبتُهُ إلى ديةِ النفسِ نقصِها أي الجناية مِن قيمة الْمَجْنِيِّ عليه لو كان رقيقًا بصفاته التي هو عليها فلو كانت قيمةُ الْمَجْنِيِّ عليه بلا جنايةٍ على يدِهِ مثلًا عشرةً وبها تسعةٌ فالنقص عشرٌ فالواجبُ عشرُ ديةِ النفس والأعرجُ كالسَّليم. وفي كلِّ أصبع مِن أصابع اليدين أو الرجلين عُشْرُ ديةِ صاحبها فَتَكمل الديةُ بالتقاطِ أصابعِ اليدينِ وبالتقاطِ أصابعِ الرِّجْلين.
(و)تَكمُل الديةُ كذلك في قطع (الأنف) أي في قطع ما لانَ منه وهو الْمَارِنُ مِن غير فرقٍ بين الأخْشَمِ وغيرِه. وفي قطعِ كلٍّ مِن طرفيه والحاجزِ ثلثُ ديةٍ.
(و)تكمل الدِّية في قطع (الأذنين) مِن أصلهما أو قلعِهما بغير أيضاحٍ ولو لغيرِ سميعٍ أي ما لم تكونا يابستَينِ ففيهما عندئذٍ الحكومة فإن حَصَلَ مع قلعهما إيضاحٌ للعظمِ منَ اللحمِ وجبَ أرشُ الإيضاحِ وهو نصفُ عُشْرِ ديةِ صاحبِهِ. وفي كلِّ أذنٍ نصفُ دِيَةٍ ولا فرقَ فيما ذُكِرَ بين أُذُنِ السميع وغيره. ولو جَنَى عليه فأيبس أُذُنَيه وجبَت الديةُ.
(و)تكمُلُ كذلك في إبانة (العينين) إجماعًا كما حكاه ابنُ الْمنذر وفي كلٍّ منهما نصفُ ديةٍ وسواءٌ في ذلك عينُ أحولَ وأعورَ أي ففي عينِ الأعورِ السليمةِ نصفُ دية وأعمشَ هو من يسيل دمعه غالبًا مع ضعف رؤيته للأشياء. (و)تكمُلُ في (الجفون الأربعة) وفي كل جَفْنٍ منها ربعُ ديةٍ.
(و)تكمُلُ في إبانةِ (اللسانِ) لناطقٍ قال الغزيُّ هنا (لناطقٍ سليمِ الذَّوْقِ) فشرطَ سلامةَ الذوقِ للديةِ الكاملةِ وهو وجهٌ ضعيفٌ كما قاله الشمسُ الرمليُّ فقد قال إنَّ إبانةَ اللسانِ فيها الديةُ كاملةً ولو كان ناطقًا فاقدَ الذوقِ قال وإن قال الْماورديُّ إنَّ فيه الحكومةَ كالأخرسِ اهـ واعتمده ابنُ حجرٍ المكِّيُّ وضعَّفَ ما ذهبَ إليه الْماورديُّ وصاحبُ الْمهذَّبِ اهـ وقال النوويُّ في الروضةِ في إبطالِ الذوقِ كمالُ الدِّية اهـ إجماعًا كما نقله ابنُ الْمنذر ولو كان ألثغَ أو أرتَّ. (و)كذا في إبانةِ (الشفتين) أو إشلالِهِما والشفةُ طولًا ما بين الشدقين وعرضًا ما غطَّى اللِّثَةَ وفي قطع إحداهُما نصفُ ديةٍ.
(و)كذا تكملُ الديةُ في (ذهاب الكلام) كلِّه ولو مع بقاء اللسان إذا قال أهل الخبرة إنَّهُ لا يعود. وإذا استأصلَ لسانَهُ بالقطعِ وأبطلَ كلامَهُ لم يَلْزَمْهُ إلا ديةٌ واحدةٌ. وأمَّا في ذهابِ بعضِ كلامِهِ فيثبُتُ قسطُهُ مِنَ الدية إن بقيَ له كلامٌ مفهومٌ وإلا وجبَت على الجاني كلُّ الدية لأنه أبطل منفعة كلامه. والحروفُ التي تُوَزَّعُ الديةُ عليها ثمانيةٌ وعشرونَ حرفًا في لغة العرب فإن كان كلامُهُ بغير لغة العرب وُزِّعَت الدية على حروفها قلَّت أو كثرت وإن تكلم بلغتين غير العربية وُزِّعَت على أكثرِهما حروفًا.
(و)تكملُ الدِّيةُ كذلك في (ذهابِ) ضوءِ (البصرِ) منَ العينين ولو مع يقاء الحدقة وفي إذهابِهِ مِن إحداهما نصفُ ديةٌ ولا فرقَ في العينِ بين صغيرة وكبيرة وعين شيخ وطفل وحادَّةٍ وكالَّةٍ وصحيحةٍ وعليلةٍ. فلو فقأ عينيه لم يَزِدْ على الديةِ ديةً أخرَى كالبطش في اليدين والْمَشْيِ في الرِّجلين والكلامِ في اللسام بخلافِ إبطالِ السمعِ مع إزالةِ الأذنين والشمِّ مع الأنفِ والذوقِ مع اللسانِ ففي ذلك دِيَتانِ على الْمعتمد.
(و)تكمُلُ في (ذهابِ السمعِ) منَ الأذنين ففي إذهابِه مِن إحداهما نصفُ دية فإن نقصَ مِن أذنٍ واحدةٍ سُدَّت وضُبِطَ مُنْتَهى سماعِ الأخرى وسُدَّت الأخرَى وضُبِطَ منتهَى سماعِ الناقصةِ ووجبَ قسطُ التفاوت وأُخذ بنسبتِه من تلك الدية.
(و)تكمُلُ الدِّيةُ في (ذهابِ العقلِ) فإن زالَ بجرحٍ على الرأس له أرشٌ مُقَدَّرٌ أو حكومةٌ وجبَت الديةُ مع الأرشِ أو الحكومةِ. والْمرادُ العقل الغَرِيزيُّ الذي عليه مدارُ التكليف بخلاف الْمكتسَبِ مِنَ الْمخالطة مع الناس الذي به حسنُ التصرف فإنَّ فيه حكومةً.
(و)في (الذَّكَرِ) السليمِ ولو ذكرَ صغيرٍ وشيخٍ وعِنِّيْنٍ ديةٌ. وقطعُ الحشفةِ كالذَّكَرِ ففي قطعِها وحدَها ديةٌ. (و)في (الأنثيين) أي البيضتين مع جلدتهما وهما الخَصيتان ولو من عِنِّين ومجبوب وطفل وشيخ وغيرهم ديةٌ. وفي قطع إحداهما نصفُ ديةٍ. فإن قطعهما دون الجلدتين بأن سلهما منها نقصت حكومة من الدية. وإن قطع الجلدتين فقط ففيهما حكومةٌ سواء كانت اليُمنَى أم اليُسرَى. وفي قطعِ شُفْرَيِ الْمرأةِ ديتُها لأنَّ فيهما جمالًا ومنفعةً وهما اللحمان الْمشرفانِ على الْمنفذ وفي أحدهِما نصفُ الدية ويَستوي في ذلك السمينةُ والهزيلةُ والبِكرُ والثيِّبُ والرَّتقاء والقرناء.
(وفي الْمُوضِحَة والسِّنِّ) مِنَ الذكرِ الحرِّ الْمسلم نصفُ عشرِ الدية أي (خمسٌ من الإبِلِ) أي في السِّنِّ الأصليَّةِ التامَّةِ الْمثغورةِ غيرِ الْمُقَلقلة بيضاء كانت أو سوداءَ كبيرةً أو صغيرةً مِن غير فرقٍ بين الثَّنِيَّةِ والنابِ والضرسِ وسواءٌ قلعَها مع السِّنْخِ بكسر السين وخاء معجمة وهو أصلها الْمستتر باللحم أو كسَرَ الظاهرَ فقط منها دون السِّنْخِ لأنه تابعٌ لها كالكفِّ مع الأصابع. أما الأنثَى والخنثَى ففي الْمُوضِحة والسن منهما بعيران ونصفٌ. ومنَ الرقيق نصفُ عشر قيمتِهِ. ومنَ الكتابيِّ بعيرٌ وثلثان. ومنَ الْمجوسِيِّ ونحوِه ثلثُ يعيرٍ فما ذكرَهُ الْمصنف رحمه الله في الْموضحة والسن إنما هو بالنظر للكامل فيهما ولو قال نصف عشرِ ديةِ صاحبهما لكان أشملَ.
(و) إذهابِ (كلِّ عضوٍ لا منفعةَ فيه) كاليد الشَّلَّاءِ والذَّكَرِ الأشَلِّ (حكومةٌ) والذَّكرُ الأشلُّ منقبضٌ لا يَنبسط أو منبسطٌ لا يَنقبض.
(وديَةُ) الْمعصومِ لا الْمُرْتَدِّ (قيمتُهُ) بالغةً ما بلغت سواءٌ كانت الجناية عمدًا أو خطأً مِن غير فرقٍ بين الْمُكاتَبِ والْمُدَبَّر وغيرِهما والأمةُ كذلك فيجب فيها قيمتُها ولو كانت أمَّ ولد ولو زادت قيمةُ كلٍّ مِنَ العبد والأمة على دية الحُرِّ. وفي تعبيره بدِيَةِ العيد تَجَوُّزٌ لمشاكلة ديةِ الحر لأنها تجبُ فيما تجب فيه ديةُ الحُرِّ فلو قال وفي الرقيق قيمتُهُ لكان أولَى. ويجبُ نصفُها فيما يجبُ فيه نصفها في الحر. وعلى وزانِ ذلك لو قُطِعَ ذكَرُ عبدٍ وأنثياهُ وجبَ قيمتانِ في الأظهر لأنه يجب فيهما في الحُرِّ دِيَتان.
(وديةُ الجنينِ الحرِّ) قوله (الجنين) قال الإمامُ الشافعيُّ رضيَ اللهُ عنه في الأُمِّ والْمختصر وأقلُّ ما يكون به جنينًا أن يفارقَ الْمُضْغَةَ والعَلَقَةَ حتَّى يَتَبَيَّنَ منه شَىْءٌ مِن خَلْقِ ءَادَمِيٍّ أُصْبُعٌ أو ظُفْرٌ و عينٌ أو ما أشبَهَ ذلك اهـ وقال النوويُّ في الروضة وغيرُهُ إنَّه يكفِي ظهورُ صورةِ ءَادَمِيٍّ في طرفٍ واحدٍ منَ الجنينِ لوجوبِ الغرةِ فإن لم يظهرْ شَىْءٌ من ذلك لكن شهد القوابلُ أنَّ فيه صورةً خفيَّةً يختصُّ بمعرفتها أهلُ الخبرةِ وجبت الغُرَّةُ أيضًا أما إن قُلنَ ليس فيه صورةٌ خفيَّةٌ لكنه أصلُ ءَادَمِيٍّ ولو بَقِيَ لتصَوَّرَ لم تجب الغُرَّةُ على الْمذهبِ وإن شَكَكْنَ هل هو أصلُ ءَادَمِيٍّ أو لا لم تجب قطعًا اهـ الْمسلمِ تَبَعًا لأحدِ أبوَيهِ وإن لم تكُن أُمُّهُ معصومةً حالَ الجنايةِ (غُرَّةٌ) أي نَسَمَةٌ منَ الرقيقِ (عبدٌ) مُمَيِّزٌ (أو أمةٌ) مُمَيِّزةٌ ولو قبل سبع سنين كلٌّ منهما سليمٌ مِن عيبِ مبيعٍ ويُشترطُ بلوغُ الغُرَّةِ نصفَ عشرِ ديةِ أبِ الجنينِ إن كانَ وإلَّا كولدِ الزِّنا فعُشْرُ ديةِ الأُمِّ والْمعتبرُ قيمةُ الديةِ الْمغلَّظةِ إذا كانت الجنايةُ شِبْهَ عمدٍ. وإن ألقت جنينَينِ وجبَ دِيتانِ وهكذا. وإذا فُقِدَت الغُرَّة وجبَ بدلُها وهو خمسةُ أبعِرةٍ فتُؤخَذُ الديةُ في هذه الحالِ إذا كانت مغلَّظةً حِقَّةً ونصفًا وجذَعةً ونصفًا وخَلِفَتَين. قاله في التحفةِ وغيرُهُ. وإنما تجبُ الغُرَّةُ على عاقلة الجاني لانتفاءِ العمد في الجناية على الجنين وإن تعمَّدَ الجناية على أُمِّهِ وتكونُ أو بدلُهَا لورثة الجنين على حسب فرائض الله تعالى. وتجبُ إذا انفصل ميتًا بجنايةٍ على أمِّهِ الحيَّةِ مؤثرةٍ فيه سواءٌ انفصل في حياتها بتلك الجناية أو بعد موتها بجناية عليها وسواءٌ كانت الجناية بالقول كالتهديد والتخويف الْمُفْضِي إلى سقوط الجنين أو بالفعل كالضرب وشرب الدواء الذي تُلْقِي به الجنين أو بالتركِ كأن تُمْنَع أو يمنعَها أحدٌ عن الطعام والشراب أو تصومَ ولو في رمضان حتَّى تُلْقِيَ الجنين فإذا صامَت فأُجْهِضَت ضُمِنَت الغُرَّةُ على عاقلتها ولا ترثُ منَ الجنين لأنها قاتلتُه. فإن فُقدت الغُرَّةُ حسًّا بأن لم توجد أو شرعًا بأن وُجدت بأكثرَ من ثمن مثلها وجب بدلُها وهو خمسة أبعرةٍ في الحر الْمسلم وفي غيره بنسبتِهِ فإن فُقِدَ بَدَلُهَا وهو الأبعرةُ وجبت قيمتُه.
(وديةُ الجنينِ الرقيقِ عشرُ قيمةِ أُمِّهِ) أي أقصى قِيَمِ أُمِّهِ مِن وقت الجناية إلى وقت الإجهاض على قياس الغصب وهو أرجحُ من اعتبارِ القيمة يومَ الجناية عليها. ويكون ما وجبَ لسيدها لأنه مالكُ الجنين. ومحل ذلك إذا انفصل عن أمه ميتًا بالجناية فلو انفصل حيًّا ومات مِن أثر الجناية وجبَت قيمتُهُ يومَ الانفصال وإن نقصت عن عُشر قيمةِ أمِّهِ.
ويجبُ في الجنينِ اليهوديِّ أو النصرنيِّ غُرَّةٌ كثلثِ مسلمٍ وبدلُهَا بعيرٌ وثُلُثا بعيرٍ.