ثم شرع الْمصنفُ في ذِكْرِ مَن يجب عليه القِصاصُ فقال (وشرائطُ وُجُوبِ القِصاصِ) أي ثُبُوتِهِ في القتلِ والقطعِ وإذالةِ الْمَعْنَى (أربعةٌ) بل خمسة بزيادةِ شرطِ كونِ الْمجنِيِّ عليه معصومًا على ما تقدَّمَ بيانه فالأولُ منَ الأربعة (أنْ يكونَ القاتلُ بالغًا) فلا قِصاصَ على صبِيٍّ ويُصَدَّقُ في دعواه الصِّبا بلا يمينٍ إن أمكنَ. والثاني أن يكونَ (عاقلًا) فيمتنعُ القِصاص مِن مجنونٍ إلا أن تَقَطَّعَ جنونُهُ فيُقتَصُّ منه إن ثبتَ أنه جَنَى زمنَ إفاقتِهِ ولو في حالِ جنونه. ونَفْيُ القِصاص عن الصبيِّ والمجنون لا سَستلزم نَفْيَ الدِّيَةِ فتجبُ الديةُ عليهما بخلافِ الكافرِ الحربيِّ وإن أسلمَ. ويجبُ القِصاصُ على مَن زالَ عقلُهُ بشربِ مسكرٍ متعدِّيًا في شربه فإن لم يَتَعدَّ بأن شرب شيئًا ظَّه غيرَ مُسْكِرٍ فزال عقله فلا قِصاصَ عليه. (و)الثالثُ (أن لا يكون) القاتلُ (والدًا) أبًا أو أمًّا منَ النسَبِ (للمقتول) وإن علا فلا قِصاصَ على والدٍ بقتلِ ولدِهِ وإن سفلَ الولدُ قال ابنُ كَجٍّ ولو حكم حاكم بقتل والدٍ بولَدِه نُقِضَ حكمُهُ اهـ وأما الولد فيُقتل بوالده ويُقتل الْمحارمُ بعضُهم ببعض فإذا قتل الأخُ أخاه قُتِلَ به. (و)الرابع (أن لا يكونَ الْمقتولُ أنقصَ منَ القاتل بكفرٍ أو رِقٍّ) فإن فضلَ القاتلُ الْمقتولَ بإسلامٍ أو حريةٍ أو أمانٍ أو سيادةٍ كمكاتَبٍ قتلَ مملوكَهُ أو أصالةٍ فلا يُقتل به وقد مرَّ بعضُ ذلك فلا يُقتل مسلمٌ بكافرٍ حربيًّا كان أو ذميًّا أو معاهَدًا كما لا يُقتل حرٌّ برقيقٍ ولا يُعتبر الاختلافُ بالسِّنِّ والحجمِ والشرفِ والجنسِ فيُقتل الشيخُ بالشَّابِّ والطويلُ بالقصيرِ والعالِمُ بالجاهِلِ والسلطانُ بالزَّبَّالِ والذَّكَرُ بالأنثى كعكسِ كُلِّ (وتُقْتَلُ الجماعةُ بالواحدِ) إذا تمالَئُوا على قتلِهِ وكافَأَهُم سواءٌ كان فِعْلُ كُلٍّ منهم قاتلًا بمفردِهِ أم لا وإن تفاوتَت الجراحات في العددِ والفُحْشِ والأرشِ طالَمَا كان لها دخَلٌ في الزُّهوقِ قوله (طالما كان لها دخَلٌ في الزُّهوقِ) هو القيدُ الْمناسبُ هنا لا كما قال الغزِّيُّ هنا أنَّ الشرطَ أن يكونَ فعلُ كلِّ واحدٍ لو انفردَ كان قاتلًا فإنه ليس بشرطٍ كما بيَّنَهُ في التحفةِ لابن حجرٍ الْمكِّيِّ وفي النهايةِ للرملِيِّ وغيرِهِما. وأما مَن كانت جراحاته ضعيفةً لا دخَلَ لها بالزُّهوقِ بقولِ أهلِ الخبرةِ كخدشةٍ خفيفةٍ فلا يُقتَلُ وعليه ضمانُ الجرحِ إن اقتضَى الحالُ ذلك والتعزيرُ إن اقتضاهُ الحالُ أيضًا وسواءٌ أقتلوه بمحَدَّدٍ أو بمثقَّلٍ كأن ألقَوْهُ مِن شاهِقٍ أو في بحرٍ. أمَّا غيرُ الْمُتمالِئِينَ فإن كان فِعْلُ كلِّ واحدٍ منهم يَقْتُلُ لو انفردَ قُتِلوا وإن كان لا يَقتل لو انفرد في صورة الضربات لكن له دخَلٌ في القتل فلا يُقتلونَ بل تجب الدِّيَةُ عندئذٍ لأنه شِبْهُ عمدٍ وتُوَزَّع عليهم بعدد ضرباتهم فإن كان فِعْلُ بعضِهم يقتلُ لو انفردَ في صورة الضربات وفِعْلُ الباقين لا يَقتل لو انفردَ لكن له دخَلٌ في القتلِ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ.
(وكلُّ شخصَين جَرَى القِصاصُ بينهما في النَّفْسِ يَجْرِي بينهما في الأطرافِ) كيدٍ ورجلٍ وأُذُنٍ وفي الْمَعانِي التي لتلكَ النفسِ كسمعٍ وبصرٍ وشمٍّ. ويُشْتَرَطُ لقِصاصٍ الطرَفِ والجُرْح ما شُرِطَ للنَّفْسِ أي مِن كونِ الجنايةِ محضًا عدوانًا ومِن كونِ الجاني مكلفًا ملتزمًا ومِن كون الْمجنِيِّ عليه معصومًا وكما يُشترط في القاتلِ كونُه مكلَّفًا لا والدًا للمقتول حتَّى يُقادَ منه بالقتلِ يُشترط في القاطع لطَرَفٍ أو الْمزيلِ لِمَعْنَىً كالسمعِ والبصرِ كونُه متصفًا بهذه الصفات حتَّى يُقتَصَّ منه. ويُفْهَمُ مِن هذه القاعدةِ أنَّ مَنْ لا يُقتل بشخصٍ لا يُقْطَعُ بطَرَفِهِ وهو كذلك.