(فصلٌ) يتعلَّقُ بالسبب الثالثِ لوجوبِ النفقةِ وهو الزوجيةُ فهو في أحكامِ نفقة الزوجة وما يتعلقُ بها. ولفظُ فصل ساقطٌ في بعض النسخ كالنسخة التي شرح عليها الغزيُّ قال بعضُهُم والأوْلَى إثباتُهُ. وعبَّر بالنفقة لأنها الأغلب والْمؤنة أعمُّ منها وهي الْمرادةُ.
(وفقةُ الزوجةِ الْمُمَكِّنةِ) تمكينًا تامًّا (مِن نفسها) بالْمعنى الشامل لسائر الْمُؤَنِ (واجبةٌ) بالتمكين يومًا بيوم فتجب بفجر كل يوم على الزوج أمَّا الناشزُ فلا تجبُ نفقتُها حتَّى تراجعَ وكذا غيرُ الْمُمَكِّنةِ طولَ اليومِ كالْمُمَكِّنةِ نهارًا دون الليلِ أو بالعكسِ فلا يجبُ لهَا إلا قسطُ ما مكَّنَتْ فيه. (وهيَ) أي النفقةُ (مقدَّرَةٌ) أي عيَّنَ الشرعُ لها مقدارًا معلومًا فإن كانت رشيدةً وأكلَتْ برضاها مع زوجها كالعادة كفَى وسقطَتْ نفقتُها لجريان الناس عليه في الأعصار والأمصار مِن غير إنكار. وهي تختلفُ باختلافِ حالِ الزوجِ (فإن كان الزوجُ موسِرًا) بأن كان عنده ما يكفيه بقيةَ العمرِ الغالبِ أي ستينَ سنةً وزاد عليه مُدَّان وبعتبرُ يسارُه بطلوعِ فجرِ كلِّ يوم (فمدان) مِن طعام واجبان عليه كلَّ يومٍ مع ليلتِه الْمتأخرةِ عنه لزوجتِه مسلمةً كانت أو ذميةً حرةً كانت أو رقيقةً. ويكونُ الْمُدَّانِ (من غالب قوتها) أي محلِّ إقامةِ الزوجةِ مِن حنطة أو شعير أو غيرهما حتى الأقِطِ في حقِّ أهلِ باديةٍ يَقْتاتُونه عادةً. (ويجب) لَهَا ما جرَتْ به عادةُ البلدِ (منَ الأُدْمِ) وهو يختلفُ باختلافِ الفصول فيجب في كل فصلٍ ما جرَتْ به عادةُ الْمُوسِرينَ فيه ومِنَ اللحمِ ما يليقُ بحالِ زوجِها جنسًا وقدرًا ووقتًا ولا تُكَلَّفُ أكلَ الخبزِ وحدَهُ ولو جرَتْ عادتُها بذلك. ويجب لها أيضًا الفاكهة التي تغلب في أوقاتها كخوخ وتين ومشمش ونحوُ ذلك مِمَّا جرَتْ به العادة منَ الكعك والسمكِ والنقلِ في العيدِ والسراج في أول الليل قال بعضُ الْمتأخِّرينَ وكذا ضرابُ البُنِّ إن اعتادَتْ شُرْبَهُ اهـ فلو اختلفا في قَدْر الأُدْم قدَّره القاضي باجتهاده.
(و)يجبُ لها منَ (الكسوةِ) بكسرِ الكافِ وضمِّها كسوةٌ لكلِّ فصلٍ أي كسوةٌ للصيفِ وكسوةٌ للشتاء على (ما جرت به العادةُ) في البلدِ مِن أمثالِهِ جنسًا وجودةً بفتحِ الجيم وضمِّها كما في الْمصباح فإن جرت العادةُ فيها بالحريرِ مثلًا وجب عملًا بالعادةِ ويلزمه تجديدُها أولَ كلِّ ستةِ أشهرٍ بخلافِ الفراشِ ونحوِهِ مِمَّا يدوم سنةً فأكثر كالجُبَّةِ والْمِشْطِ فلا يجبُ كلَّ سنةٍ وإنما يجدَّدُ وقتَ تجديدِهِ عادةً. والفصلُ عندهم ستةُ أشهر فيجب للزوجة لكلِّ ستةِ أشهر كسوةٌ وهيَ قميصٌ وسراويلُ وخِمارٌ ومِكْعَبٌ بكسر الميم وسكون الكاف أو بضم الميم وفتح الكاف وتشديد العين وهو الْمَدَاس كالبابوجِ والصرمة ويُزاد في الشتاء لدفع البرد جبةٌ محشوَّةٌ أة فروةٌ أو نحوهما بحسب العادة ويجبُ لها ما يتبعُ ذلك مِن كُوفِيَّةِ الرأس وهيَ تُلْبَسُ في الرأسِ تحتَ الخِمار وتِكَّةُ لباسٍ ليستمسك السراويلُ وزِرُّ قميصٍ وجُبَّةٌ وخيطُ خياطةٍ ونحوُ ذلك.
ويجب لها أيضًا ما تقعد عليه مِن بساطٍ ثخينٍ له وَبَرَةٌ كبيرةٌ وهو الْمُسَمَّى بالسجادة في الشتاء ونطُعٍ بكسر النون وفتحها مع سكون الطاء وهو الجلدُ كالفروةِ التي يُجلَس عليها في الصيف بالنسبة للموسر قوله (للموسر) قال الشيخانِ تبعًا للمتولِّي في التّتِمَّة ويُشبِهُ أن تكونَ الطِّنْفِسَةُ والنِّطْعُ بعد بسطِ زِلِّيَّةٍ أو حصيرٍ فإنَّ الطِّنْفِسَةَ والنِّطْعَ لا يُبسطانِ وحدَهما ومِن نحو لِبْدٍ في الشتاء وحصيرٍ في الصيف بالنسبة للمُعسر وعلى الْمتوسِّطِ زِلِّيَّةٌ زِلِّيَّة بكسر الزاي وتشديد اللام قال في النجم الوهاج جمعُها زَلالِي وهيَ القطيفةُ وقيل بساطٌ صغيرٌ اهـ. ويجبُ عليه أيضًا أن يُعطِيهَا ما تنامُ عليه منَ الفِراش كالطَّرَّاحة والْمِخَدَّة بكسر الْميم وما تَتَغَطَّى به كاللِّحاف في البرد والْمِلْحَفَة أي الْمُلاءَة التي تَلتحف بها بدل اللحاف في الصيف أو البلاد الحارَّةِ ولا يجب تجديد ذلك في كلِّ فصلٍ كما تقدَّمَت الإشارةُ إليه وإنما تصليحُهُ كلما احتاج لذلك على حسب العادة وهو الْمُسَمَّى عند الناس في الشام وغيرِها بالتنجيد ومثلُهُ تَبْيِيضُ النحاسِ الْمعروفُ. وإذا لم تَسْتَغْنِ في البلاد الباردة بالثِّياب عن الوقودِ يجبُ منَ الحطب أو الفحمِ أو نحوِهِما بقدرِ الحاجةِ.
(وإن كان) الزوجُ رقيقًا أو (معسرًا) وهو هنا مسكينُ الزكاةِ ويُعتبر إعسارُه بطلوعِ فجرِ كلِّ يومٍ ويدخُلُ تحته الرقيقُ ولو مبعَّضًا ومكاتَبًا (فمدٌّ) أي فالواجبُ عليه لزوجتِه مدُّ طعامٍ (من غالبِ قوتِ البلدِ) الذي تعيش فيه الزوجةُ كلَّ يومٍ مع ليلته الْمتأخرةِ عنه (وما يِأْتَدِمُ به الْمعسرُونَ) مِمَّا جرَتْ به عادتُهم منَ الأُدْمِ جنسًا وقدرًا (ويكسونه) مِمَّا جرَتْ به عادتُهم منَ الكسْوَةِ.
(وإن كان) الزوجُ (متوسِّطًا) وهو مَن كان أحسنَ حالًا مِنَ الْمسكينِ لكنَّهُ إن كُلِّف مُدَّينِ يرجع مسكينًا ويُعتبر توسطه بطلوع فجر كل يوم (فمدٌّ ونصفٌ) هو الواجبُ عليه لزوجتِهِ مِن طعام مِن غالب قوت البلد (و)يجب لها (من الأدم) الوسط (و)مِنَ (الكسْوَةِ الوسطُ) وهو صفةً ما بين ما يجبُ على الْمُوسر والْمُعسر.
ويجب على الزوج تمليكُ زوجتِه الطعامَ حبًّا سليمًا غيرَ مُسَوَّسٍ وعليه طَحْنُهُ وعجْنُهُ وخَبْزُهُ فلو دفعه إليها لتطحنه وتعجنه وتخبزه فلها أن تحاسبه على مؤنة الطحن والعجن والخبز. ولو طلبَتْ غير الحب مِن خُبز أو قيمتِهِ لم يلزمْهُ ولو بذل الخبزَ أو القيمةَ لم يلزمها القبول لأنه غير الواجب فلا يُجْبَرُ الْممتنِعُ فيهما عليه. وأما غيرُ الحب كأن كان غالبُ قوت محلها التمر أو اللحم أو الأقِطُ وجب عليه تسليمُهُ كذلك لا غيرُ لكن يجب عليه ما يُطبَخُ به اللحمُ كالحطب وغيرِهِ كالبَاميَة والقُلْقَاس بضمِّ القافِ والْمُلُوخية بضمِّ الْميمِ وما شابَهَ. ويجب لهَا ءَالَةُ أكلٍ كقصعة وصحن وملعقة ومِغْرفة لكسر الْميم وقِدْرٍ ونحوِ ذلك مما لا تَستغنِي عنه سواءٌ كان مِن خزف أو حجر أو خشب أو نحاس أو غير ذلك وءَالْةُ تنظيفٍ مِن نحو مشْطٍ بضمِّ الْميم وكسرها وصابونٍ مِمَّا تغسل به رأسَها أو ثيابها وإجَّانةٍ مِمَّا تَغسل فيه ثيابها وماءِ وضوءٍ وغُسْلٍ بسببه فيهما كجماعٍ ونفاسٍ لا حيضٍ واحتلامٍ ومرْتَكٍ بفتح الْميم وكسرها لدفع صُنَان إن لم يَندفعْ إلا به وأجرةُ حمَّامٍ في كل شهرٍ أو أكثر أو أقل بحسب ما جرت به عادةُ أمثالها وما تشتهيه أيامَ الوَحَمِ لا أجرةُ طبيبٍ وحاجِمٍ وخاتنٍ وفاصدٍ ولا دواءُ مَرَضٍ ولا ما يُصْنَعُ عقب الولادة مِن عسلٍ وسمنٍ وفراخٍ فلا يجبُ ذلك على الزوج.
ولا يجب عليه ما تَتَزَيَّنُ به مِن كُحْل وخِضاب وطِيب لكن إن أراد أن تتزيَّنَ له وهيَّأَ لها ما تتزيَّنُ به وجب عليها استعمالُهُ.
ويجبُ لها مسكنٌ يليق بها عادةً ولو بأجرةٍ أو مُستَعارًا فلا يشترط كونه ملكًا للزوج لأنها لا تتملكه بل تتمتع به فقط فهو إمتاعٌ لا تمليكٌ كالخادم بخلاف غيرِهِ/ا منَ النفقة والكسوة والأُدْم والفرش والغطاء وءَالاتِ الأكل والشرب والتنظيف وغير ذلك فإنه تمليكٌ والقاعدةُ أنَّ ما ما كلن تمليكًا اعتُبِر بحالِ الزوج وما يليقُ به وما كان إمتاعًا اعاُبِرَ بحالِ الزوجةِ. (فإن كانت ممن يُخْدَمُ مثلُها) بأن كانت حُرَّةً مِمَّن تُخْدَمُ في بيت أهلها وإن تخلف الإخدام بالفعل لعارضٍ (فعليه) أي الزوج (إخدامُها) بحرَّةٍ أو أَمَةٍ له أو مستأجَرَةٍ أو بالإنفاقِ على مَن رَضِيَ الزوجُ أن تصحَبَها للخدمةِ من حُرَّةٍ أو أَمَةٍ. ويجبُ أن يُطْعِمَ الخادمَ من جنسِ قوتِ الزوجةِ لكن دونه نوعًا وقدرًا ومن الأُدْم كجنس أُدْم الزوجة لكن دونه نوعًا وقدرًا وأن يكسوَها كسوةً تليق بها دون كسوة مخدومتها جنسًا ونوعًا.
(وإن أَعْسَرَ) الزوجُ (بنفقتِها) نفقةَ الْمُعْسِرِينَ (فلها) الصَّبْرُ على إعسارِهِ وتُنْفِقُ حينئذٍ على نفسها مِن مالها أو تقترض ويصيرُ ما أنفقَتْه دينًا عليه وإن لم يفرِضْها القاضي ولها (فسخُ النكاح) بشروطٍ خمسةٍ أولُها إعسارُ الزوجِ فلا فسخَ بتمنُّعِهِ عن النفقةِ مع القدرةِ عليها وثانيها أن يكونَ الإعسارُ بالنفقةِ أو الكسوةٍ أو الْمسكنِ لا ما إذا أعسر بنحو الأُدْم والخادم والْمكعب والسراويل فلا فسخَ بالإعسارِ بها وثالثُها كونُ النفقةِ لها لا للخادم ورابعُها كونُ اإعسارِ بنفقةِ الْمُعْسِرينَ وخامسُها كونُ النفقةِ مستَقْبَلَةً فلا فسخَ بالنفقةِ الْماضيةِ. فإذا وُجِدَت الشروطُ وارادت الفسخَ رفعَت أمرها إلى القاضي أو إلى الْمحكَّمِ بشرطِهِ فإذا ثبتَ عنده إعسارُ الزوجِ بإقرارٍ أو ببيِّنةٍ أمهلَهُ ثلاثة أيام لعلَّ إعسارَهُ يزولُ ثم بعد مُضِيِّ مدةِ الإمهالِ في صبيحة اليوم الرابع إن لم يُسلِّم الزوجُ نفقةَ هذا اليوم ترفعُ الأمرَ إلى القاضي ثانيةً فيفسخ القاضي النكاح هو أو نائبُهُ أو يأذنُ لها في الفسخِ وليس لها أن تستقِلَّ بالفسخِ بلا إذنٍ منَ القاضي فيه وإن علمَتْ إعسارَهُ نعم إن لم يكن في الناحية قاضٍ ولا محكَّمٌ جاز استقلالُها بالفسخ بلا خلافٍ على ما ذكرَ في الوسيط فتقولُ فسختُ نكاحِي منه وإذا فسَخَتْ حصلَت الْمُفارقة وهيَ فرقةُ فَسْخٍ لا فرقةُ طلاقٍ. ومَنِ اندرَسَ خبرُ زوجها ولا مالَ له حاضرٌ فلها الفسخُ أيضًا لأنَّها مُمَكِّنةٌ تعذَّرَ واجبُها بانقطاعِ خبره كتعذُّرِهِ بالإعسارِ أما إن ترك لها النفقةَ فليس لها إلا الصبرُ إلى الْموتِ على الجديدِ كما تقدَّمَ.
(وكذلك) للزوجة فسخُ النكاحِ (إن أعسرَ) زوجُها (بالصَّداقِ قبلَ الدخولِ) بها ولم تكن عالِمَةً بإعسارِهِ به عند النكاحِ اشتراطُ عدمِ علمها لجواز الفسخِ هو ما قرروه وهو الْمعتمدُ خلاف ما ذهب إليه الغزِّيُّ مِن قولِهِ إنَّ لها الفسخ مطلقًا علمَتْ بإعساره بالمهر عند النكاح أو لم تعلم اهـ وخيارُها على الفور بعد التنازُعِ فيه إلى الحاكمِ لأنَّ الفسخَ به لا يَثبت إلا عند الحاكم. وأما بعد الدخول فليس لها الفسخُ لأنَّ الْمُعَوَّضَ وهو البُضْعُ قد استُهْلِكَ وصار العِوَضُ دَيْنًا في الذمة.