(فصلٌ) في أحكامِ الرَّضاعِ بفتحِ الراءِ وكسرِها.
وهو لغةً اسمٌ لِمَصِّ الثَّدْيِ مع شُربِ لَبَنِهِ. وشرعًا وصولُ لبنِ ءادميَّةٍ مخصوصةٍ لجوفِ ءَادَمِيٍّ مخصوصٍ على وجهٍ مخصوصٍ ولو بغير مَصِّ الثَّدْيِ ولو كان مَخِيضًا الْمَخِيضُ لبَنٌ مُخِضَ ونُزِعَ زُبدُهُ. قاله في الصحاحِ وغيرِهِ أو زُبْدًا أو جُبْنًا أو أقِطًا قال الأزهريُّ في تهذيب اللغة الأَقِطُ يُتَّخذ مِنَ اللَّبَن الْمَخِيض يُطبَخُ ثم يُتْرك حتَّى يَمْصُل والقطعة منهُ أقِطةٌ اهـ بخلاف الْمَصْلِ الذي يسيل منَ الجُبن. والأصلُ فيه قبل الإجماع قوله تعالى في سورةِ النساءِ (وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِىٓ أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ) الآيةَ وخبرُ الصحيحين يحرمُ منَ الرَّضاعِ ما يحرمُ منَ النَّسَبِ اهـ
وأركانُهُ ثلاثةٌ مُرضِعٌ ورضيعٌ ولبنٌ. فأما الْمرضِعُ فلا بُدَّ أن تكون امرأةً حَيَّةً أي فلو انفصل منها اللبن عند وصولها إلى مثلِ حركةِ الْمذبوحِ بسبب جراحةٍ لم يصِرِ الرضيعُ ولدَها أما التي انتهَتْ إلى مثل ذلك لمرضٍ فإنّ الرضاع يثبتُ بلبنِها حالَ انفصالِ اللَّبَن بلغَتْ تسعَ سنينَ قمريةً تقريبًا سواءٌ كانت بِكْرًا أم ثيبًا متزوجةً أم خَلِيَّةً. (وإذا أرضعَتِ المرأةُ) الْمتقدِّمَةُ (بلبنِها ولدًا) سواءٌ شرب منها اللبنَ في حياتها أم بعدَ موتها وكان محلوبًا في حياتها وسواءٌ ارتضعَ منها وهي نائمة أم أُوجِرَ اللَّبَنَ وهو نائم فوصل إلى جوفي على ما تقدَّم ولو كان اللبن متغيرًا بحموضة أو نحوها وسواءٌ كان الولد ذكرًا أو أنثى أو خُنْثَى (صار الرضيعُ ولدَها بشرطين أحدُهما أن يكونَ) أي الرضيعُ الحَيُ الذي وصلَ اللبنُ إلى جوفِهِ (له دونَ السنتين) يقينًا بالأَهِلَّةِ وابتداؤهما مِن تمام انفصاله فإن بلغ سنتين لو يؤثِّرِ ارتضاعُهُ تحريمًا (و)الشرطُ (الثاني أن تُرضعَه خمسَ رضعاتٍ) يقينًا فلو شُكَّ في كونها خمسًا أو أقل لم يؤثر ولكن لا يَخْفَى الورعُ (متفرقاتٍ) انفصالًا ووصولًا إلى جوف الطفل سواءٌ المعدةُ والدماغُ ولو تقيَّأَ الطفلُ اللبَنَ بعد وصولِهِ إلى جوفِهِ. وضبطُهن بالعُرْفِ فما قَضَى بكونه رَضْعةً أو رضَعاتٍ اعتُبِر سواءٌ طالَتِ الرَّضعةُ أم قَصُرَتْ أشبعَتْ أو لم تُشْبِعْ فلو قدع الرضيعُ الارتضاعَ بين كلٍّ من الخمس إعراضًا عن الثَّدْيِ تعدَّدَ الارتضاعُ أو قطعَهُ للتنفس أو لِلَّهْوِ وعاد سريعًا أو تحوَّلَ مِن ثَدْيٍ إلى ءَاخرَ بلا فاصلٍ لم يتعدَّدْ. ولو قطعته عليه الْمُرضعة لشغل طويل ثم أعادته فإنه يتعدَّدُ بخلاف ما لو قطعَتْهُ عليه لشغلٍ خفيفٍ ثم عادَت فإنه لا يتعدَّدُ. والدليلُ على اشتراط الخمس قولُ عائشةَ رضي الله عنها الذي رواه مسلمٌ كان فيما أُنْزِلَ منَ القرءانِ عشرُ رضَعاتٍ معلوماتٍ يُحَرِّمْنَ ثم نُسِخْنَ بخمسٍ معلوماتٍ فَتُوُفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وهنَّ فيما يُقرأ منَ القرسانِ اهـ وهُنَّ يُتْلَى حُكْمُهُنَّ فلم يُنسَخَ أو وهُنَّ يَقرأُهُنَّ مَن لم يبلغْهُ نسخُ تِلاوتِهِنَّ. (ويصيرُ زوجُها) أي زوجُ الْمرضعةِ إنْ كان صاحبَ اللَّبَنِ (أبًا له) أي للرضيعِ ومثله الواطئُ بشبهةٍ وبملك اليمين بخلاف الواطِئِ بالزِّنا فلا يحرم على الزَّانِي أن يَنكِحَ الْمُرتضعة بلبَنِ زناه وإن كُرِهَ ذلك.
(ويحرُمُ على الْمُرْضَع) بفتح الضاد وهو الرَّضِيع (التزويجُ إليها) أي الْمرضِعةِ لأنها أمُّه (وإلى كل مَن ناسبَها) أي انتسب إليها أو انتسبَت هيَ إليه بنسبٍ أو رضاعٍ (ويحرمُ عليها) أي الْمرضِعةِ (التزويج إلى الْمرضَعِ وولده) وإن سفل كابنِهِ وابنِ بنتِهِ (دون مَن كان في درجته) كإخوته الذين لم يَرْضَعُوا معه (أو أعلى) أي ودونَ مَن كان أعلى (طبقةً منه) أي منَ الرضيعِ كأعمامه. وتقدَّمَ في فصلِ محرماتِ النكاحِ ما يحرم بالنسب والرضاع مفصَّلًا فلْيُرْجَعْ إليه.