الأربعاء ديسمبر 11, 2024

(فصلٌ) في أحكامِ الْمُعْتدةِ رجعيةً كانت أو بائنًا.

  (ويجبُ للمعتدةِ الرجعيةِ) حائلًا أو حاملًا حُرَّةً أو أمةً (السُّكْنَى) في مسكَنِ فراقِها إن لاقَ بها (والنفقةُ) والكسوةُ إلا أن تكون ناشوةً قبلَ طلاقِها أو في أثناءِ عدتِها ومثلُ النفقةِ بقيةُ الْمؤنِ فتجبُ لها إلَّا ءَالَةُ تَنَظُّفها (ويجب للبائن) بخُلعٍ أو طلاقِ ثلاثٍ (السُّكْنَى دُون النفقةِ) وبقيةِ الْمُؤَنِ كالكِسوة (إلَّا أن تكون حاملًا) بولدٍ يلحقُ الزوجَ فتجبُ لَهَا بسببِ الحملِ على الصحيح.

  (و)يجب (على) الْمُعْتَدَّةِ يُفهَمُ منه أنَّ الحاملَ إذا مات زوجُها فوضعتْ قبل أربعة أشهرٍ وعشرة أيامٍ فانتهتْ عِدَّتُها بالوضعِ انتهى إحدادُها وهو كذلك (الْمُتَوَفَّى عنها زوجُها) ولو أمةً لا غيرها منَ الْمُعْتَدَّاتِ (الإحدادُ وهو) لغةً مأخوذٌ من الحدِّ وهو المنعُ وشرعًا (الامتناعُ من الزينة) أي منَ التزيُّنِ في البدن فلا تلبس الحلِيَّ نهارًا سواء كان كبيرًا كالخَلْخال والسِّوار أم صغيرًا كالخاتم والقِرْط لكن لا يحرم عليها ذلك ليلًا بل يجوز مع الكراهة إن لم يكن لحاجة وإلا جاز مِن غير كراهة. وخرج بالبدن غيرُهُ فيجوز لهَا تجميلُ الفراش وأثاثِ البيت. ويحرم عليها ليلًا ونهارًا دَهْنُ شعرِ راسها ولحيتها إن كان لها لحيةٌ وبقيةِ شعورِ وجهها لا بدنِها ويحرم عليها أيضًا تبييضُ وجهها بالأسفيذاج يُسَمَّى في أيامنا كربونات الرصاص كان يُستعمَلُ في الماضي بكثرةٍ لتبييضِ الوجه ويذكرُ الكيميائيونَ أنه سامٌّ وتصفيرُهُ بما له صُفرةٌ وتحميرُ خدَّيها بالدّمام بكسرِ الدال وضمِّها. ويحرم عليها خضابُ ما ظهر مِن بدنها كالوجه واليدين بنحو الحناء وتطريفُ اصابعها وتصفيف شعرِ ناصيتها على جبهتها وتجعيدُ شعر صدغيها وحَشْوُ حاجبِها بالكُحل وإزالةُ شعرِ ما حوله وشعرِ أعلى جبهتها. ويجوز لها التنظيف بالغَسل بالماء ونحوِ السِّدرِ والامتشاطُ بلا دهن وإزالةُ شعرِ لحيةٍ وشاربٍ وإبطٍ وعانةٍ ويجوز قلمُ الظفر. وتترُكُ لُبْسَ مصبوغٍ يُقصد به الزينةُ ليلًا ونهارًا مِن حريرٍ وغيرِهِ كثوبٍ أصفرَ أو أحمرَ. ويُباح غيرُ الْمصبوغ مِن قُطْن وصوف وكَتَّان وإبْرَيْسَم لا زينةَ فيه بنحوِ نقشٍ وصبوغٌ لا يُقصد لزينة كالأسود والكُحْلِيِّ فإن تردَّدَ الْمصبوغُ بين الزينة وغيرها كالأخضر والأزرق فإن كان برَّاقًا صافِيَ اللونِ حَرُمَ لأنه يُتَزَيَّنُ به أو كدِرًا مُشْبَعًا بالصِّبْغِ فلا لأنَّ الْمُشْبَعَ منَ الأخضر يُقارِبُ الأسود ومنَ الأزرق يُقارب الكُحْلِيَّ هذا ما لم تكنِ الْمرأةُ مِن قوم يتزيَّنُون بالأزرق كالأعراب فيحرم عليها عندئذٍ. (و) تمتنعُ أيضًا منَ (الطِّيبِ) الذي يحرم لى الْمُحْرِم أي منِ استعماله في بدن أو ثوب أو طعام أو كُحْلٍ لا زينة فيه أما الكُحل الذي فيه زينةٌ كالإثْمِدِ فحرامٌ عليها وإن لم يكن مُطَيَّبًا إلا لحاجةٍ كرَمَدٍ فيرخَّص فيه للمُحِدَّة ومع ذلك فتستعمله ليلًا وتمسحُهُ نهارًا إلا إن دعتْ ضرورةٌ لاستعماله نهارًا وذلك لِمَا رواه الشيخان عن أم عطية رضيَ اللهُ عنها ولفظه عند مسلم أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال ولا تَكتحلُ ولا تَمَسُّ طيبًا إلا إذا طهرَتْ نُبْذَةً مِن قُسطٍ أو أظفارٍ اهـ ولأبي داود والنسائيِّ منَ الزيادة ولا تختضب اهـ

  وللمرأةِ أنْ تَحُدَّ على غير زوجها مِن قريبٍ لهَا أو أجنبيٍّ ثلاثةَ ايام فأقلَّ وتحرم الزيادة عليها إن قصدَت الإحدادَ بها فإن لم تقصِدْ لم يحرُمْ. وأما الرجلُ فلا يجوز له الإحدادُ مطلقًا ولو لحظةً.

  (و)يجب (على الْمُتَوَفَّى عنها زوجُها والْمبتوتةِ) وهيَ البائنُ التي لا تجبُ نفقتُها (ملازمةُ البيتِ) أي الْمسكنِ الذي كانت فيه عند الفرقة ن لاقَ بها وليس لزوجٍ ولا غيرِهِ إخراجُها منه ولا لهَا خروجٌ منه وإن رضِيَ زوجُها واتفقا عليه لأنَّ في العِدَّةِ حقًّا لله تعالى وقد وجبَتْ في الْمَسكَنِ فكما لا يجوز إبطالُ أصلِ العِدةِ باتفاقهما لا يجوز إبطالُ توابعِهِ (إلا لحاجةٍ) فيجوز لها الخروجُ لحاجةٍ كأن تخرج نهارًا لشراءِ طعامٍ أو كَتَّانٍ وبيعِ غَزْلٍ أو قُطْنٍ أو نحوِ ذلك ولا تخرج ليلًا إلا إن تَعَذَّرَ ذلك نهارًا نعم يجوز لها الخروج ليلًا إلى دار جارتِها نقل البجيرِمِيُّ في حاشيته على شرح المنهجِ عنِ الحلبِيِّ أنَّ الْمرادَ بها الْمُلاصِقَةُ لَهَا ومُلاصِقَةُ الْمُلاصِقَةِ لا ما ذكروه في الوصيَّة اهـ لغَزْلٍ وحديثٍ ونحوِهما بشرطِ أن ترجعَ وتبيتَ في بيتها. وليس منَ الحاجة زيارةُ قبور الأولياء والصالحين ولا زيارة قبر زوجها ولا حضورُ جنازتِهِ ولا زيارة الأقارب والمعارف ولا عيادتُهم ولو أبوَيْنِ ولا الخروج للتجارةِ لاستنماءِ المال. ويُعلم مما تقدم جواز خروجها لضرورة كأن خافَتْ على نفسها أو ولدها أو مالهاز

  والرجعيةُ ليست في حكم الزوجة في كل شىءٍ فلا يجوز للزوج إخراجُها من الْمسكن كما لا يجوزُ له الاستمتاعُ بها ولا الخُلوة بها وأما خروجها للزيارة ونحوها مع رجوعها إلى البيت لتبيتَ فيه فحكمُها فيه كالْمتزوجة إن إذِنَ لها زوجُها خرجت وإلا فلا إلا لضرورةٍ.

  وأمَّا البائنُ الحاملُ ونحوُهما مِمَّن وجبَت نفقتُها كمستبْرَأة فلا تخرج لتحصيلِ النفقةِ إذا حصلَتْ لهَا لكن لها الخروجُ لبقيةِ حوائجِها مِن شراءِ قطنٍ وبيعِ غزلٍ ونحوِهِما وكذا لو أُعطِيَتِ النفقةَ دراهمَ واحتاجتْ إلى الخروجِ لشراءِ الأُدْمِ بها فإن كان لَهَا مَن يَقْضِيهَا حاجاتِها لم يجزْ خروجُها لأجلِ ذلك وبِهِ صلرَّحَ الإمامُ وغيرُهُ. ولا يخفَى أنه يجوزُ لهَا الخروجُ للضرورة.