الأربعاء ديسمبر 11, 2024

(فصلٌ) في بيان أحكام الإيلاء وهو لغةً مصدر ءَاْلَى يُولِي إيلاءً وهو لغةً اليمينُ والقسَمُ وشرعًا حَلِفُ زوجٍ يَصِح طلاقُهُ ويتأتَّى وطؤُهُ ليمتنع من وَطْءِ زوجتِه في قُبُلِها مطلقًا أو فوق أربعة أشهر فخرجَ حَلِفُ نحوِ المجبوبِ وما لو حلَفَ على الامتناع منَ التمتع بغير الوَطْءِ أو مِنَ الوَطْءِ في دُبُرها فليس إيلاءً. وهو حرامٌ لِمَا فيه مِن إيذاءِ الزوجةِ. والأصلُ فيه قولُهُ تعالى (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسَآئِهِم تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) الآيةَ وأخبارٌ كخبر البيهقيِّ عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال كان إيلاءُ الجاهلية السنةَ والسنَتَينِ فوقَّتَ الله أربعةَ أشهر فإن كان أقلَّ مِن أربعة أشهر فليس بإيلاءٍ اهـ

  وأركانُه ستةٌ حالفٌ ومحلوفٌ به ومحلوفٌ عليه وزوجةٌ وصيغةٌ ومدةُ. بَيَّنَها المصنفُ رحمه الله فقال (وإذا حلف) الزوج الذي يصحُّ طلاقُهُ حرًّا كان أو عبدًا (أن لا يطأَ زوجته) الحرَّةَ أو الأمةَ (مطلقًا) بلا تقييدٍ بمدةٍ (أو مدةً) أي أو وَطْئًا مقيَّدًا بمدةٍ (تزيدُ على أربعةِ أشهرٍ فهو) أي الحالف المذكور (مُوْلٍ) من زوجته أما ما كان أربعةَ أشهرٍ فأقَلَّ فلا يكون إيلاءً لأنَّ المرأة تصبر عنِ الزوج هذه الْمُدَّةَ وبعد ذلك يفنَى صبرُها أو يقِلُّ. ويحصُلُ الإيلاءُ بالحلف بالله تعالى أو بصفةٍ مِن صفاتِهِ وبأن يعلِّقَ وطءِ زوجته بطلاقٍ أو عتقٍ كقولِهِ إن وطِئتُك فأنت طالقٌ أو فعبدِي حرٌّ فإذا وَطِئَ طلقَت وعتَقَ العبدُ وبأنْ يلتزمَ ما يلزمُ بالنذر كما لو قال إن وطِئْتُكِ فللهِ عَلَيَّ صلاةٌ أو صومٌ أو حجٌّ أو عتقٌ فإنه يكونُ مُولِيًا ايضًا.

  وصيغتُهُ التي يحصل بها صريحةٌ وكنايةٌ فالأولُ كالإيلاجِ وإدخالِ الحشفةِ والجماعِ كقوله واللهِ لا أُولِج أو لا أُدخل حشفتي أو لا أجامعُك والثاني كالمباشرةِ والملامسةِ إلى كقوله والله لا ألامِسُكِ ولا أباشرُكِ فيفتقر إلى نيةِ الوَظْءِ لعدم اشتهارها فيه. ولو قال والله لا أطؤُكِ أو لا أجامعُكِ وادَّعى أنه أراد بالوطء الوطءَ بالقدم وبالجماع الاجتماعَ لو يُقبل ظاهرًا ويُدَيَّنُ باطنًا فتجري عليه أحكامُ الإيلاءِ ظاهرًا ولا يأثمُ باطنًا إثمَ الإيلاءِ.

  (ويُؤَجَّلُ له) أي يُمْهَل الْمُولِي حتمًا حرًّا كان أو عبدًا في زوجةٍ مُطيقةٍ للوَطْءِ (إن سألَتْ ذلك) أي التأجيلَ أو لم تسألْهُ (أربعةَ أشهرٍ) بنصِّ القرءانِ الكريمِ مِن حين الحلِفِ لا مِنَ الرَّفْعِ إلا في الرجعية فمنَ الرَّجعة. وظاهرُ كلام المصنف رحمه الله أنه يُشترط في الإمهالِ سؤالُ الزوجةِ وليس بمرادٍ فإنَّ الأجلَ حقٌّ للزوجِ كالأجل للمديونِ في الدَّين فلا يتوقَّفُ على سؤالِهَا كما لا تفتقِرُ الْمدةُ إلى مَنْ يضربُها لا حاكمٌ ولا غيرُهُ بخلافِ ذلك في العُنَّةِ بل يُمهَلُ الْمُولِي اربعةَ أشهرٍ من غيرِ حاكم لأنها ثابتةٌ بالنصِّ والإجماعِ (ثم) بعد انقضاءِ هذه الْمدة إذا طالبَتِ الْمرأةُ بالفَيْئة أي الجماعِ ولا مانعَ قوله (ولا مانع) قال في الروضة إذا وجد مانع من الجِمَاع بعد مُضِيِّ الْمُدَّة المحسوبة نُظر أهو فيها أن في الزوج فإن كان فيها بأن كانت مريضة لا يُمكن وَطْؤُها أم محبوسة لا يُمكن الوصول إليها أو حائضًا أو نُفَساءَ أو مُحْرِمَةً أو صائمةً [أي فرضًا] أو مُعْتَكفةً [أي فرضًا] لم تثبت لها الفيئةُ بالمطالبة لا فعلًا ولا قولًا لأنه معذورٌ [أي فحينئذٍ لا مطالبةَ لها حتى يزولَ المانعُ] وإن كانَ المانعُ في الزوجِ فهو طبيعيٌّ أو شرعيٌّ فالطبيعيُّ أن يكون مرسضًا لا يقدِرُ على الوَطْء أو يخاف منه زيادةَ العِلَّةِ أو بُطْءَ البُرِّ فيُطالَب بالفَيْئَةِ باللسانِ أو بالطلاق إن لم يَفِئْ والفَيئةُ باللسانِ أن يقولَ غذا قدَرْتُ فِئْتُ [أي ويزيدُ ندبًا وندمتُ على ما فعلت] وإن كان محبوسًا ظلمًا فكالمريض وإن حُبِسَ في دَينٍ يقدر على وفائه أُمِرَ بالأداءِ والفيئةِ بالوَطْءِ أو الطلاقِ وأما الشَّرْعِيُّ فكالصومِ والإحرامِ والظِّهارِ قبل التَّكْفِير ففيه وجهان أحدهما وهو الأصحُّ يُطالَبُ بالطَّلاق والآخرُ يُقنع منه بفيئةِ اللسانِ اهـ وكان الزَّوجُ حاضرًا قوله (وكان الزوج حاضرًا) ولا يُكْتَفَى لثبوت امتناعه شهادةُ عدلين بأنه ءَالَى من زوجته ومضت الْمدة وامتنع منَ الفَيءة والطلاق فلا يُطَلِّقُ عليه الحاكم عندئذٍ حتى يحضرَ ويثبتَ عليه الامتناع إلا إن تعذَّرَ حضورُهُ بغيبةٍ أو توارٍ أو تعزُّزٍ فتكفي البيِّنَةُ على الامتناعِ ويُطَلِّقُ عليه في غَيبته ولا يُشترط حضورُهُ عندها. ولو ءَالَى ثم غابَ أو ءَالَى وهو غائبٌ فمضت الْمُدَّةُ فوكَّلَتِ الزوجةُ بالمطالبةِ فذهبَ وكيلُها إلى قاضِي البلد الذي فيه الزوجُ وطالبَهُ فإنَّ القاضي يأمرُهُ بالفيئةِ باللسانِ في الحالِ وبالسَّيرِ غليها أو بحملِها إليه أو الطلاقِ فإن مضت مدةُ إمكانِ ذلك ولم يفعل ثم قال أسيرُ إليها لم يُمَكَّنْ بل يُطلِّقُ عليه القاضي أي تفريعًا على القولِ الراحجِ كما قال في التحفةِ والْمغنِي قالا وقال ابنُ الرفعةِ يُجبِرُهُ القاضي على الطلاقِ وهو تفريعُ القولِ على المرجوح اهـ (يُخَيَّرُ) الزوجُ الْمُولِي (بين الفَيْئَةِ) بأن يُولج حَشَفَتَه أو قدرَها من مقطوعِها بقبلِ الْمرأة (والتكفيرِ) لليمين أي معَ التكفيرِ إن كان حَلِفُهُ على ترك وَطْئِها باللهِ تعالى (أو الطلاقِ) للمحلوف عليها (فإن امتَنَعَ) الزوج منَ الفَيْئة والطلاق (طلَّقَ عليه الحاكمُ) طلقةً واحدةً فتكونُ في الْمدخولِ بها التي لم يُسْتَوْفَ عدَدُ طلَقاتِها طلقةً واحدةً رجعيةً فيقولُ أقعتُ عن فلانٍ على فلانة طلقةً أو حكمتُ على فلانٍ في زوجتِهِ بطلقةٍ فإن طبَّقَ أكثرَ منها لم يقع الزائدُ عن الواحدةِ فإن امتعَ الزوجُ منَ الفيئةِ فقط دونَ الطلاقِ أمرَهُ الحاكمُ بالطلاقِ. ولو تركَتِ الْمرأةُ الْمُولَى منها حقَّها لم يسقُطْ بل لها الْمطالبةُ متَى شاءَت لأنها على التراخِي فإذا ءَالَى الزوجُ مطلقًا طالبَت متَى ما شاءَت وإذا قيَّدَ بمدَّةٍ لم تجبِ الفوريَةُ في الْمطالبةِ بل تطالبُ ما لم تمضِ المدةُ وتنحلَّ اليمينُ. وإذا عفَتْ عنِ الْمطالبةِ جازَ لها أن ترجعَ وتطالِبَ لأنها إنما ثبتَ لها الْمطالبةُ لدفعِ الضرر بتركِ الوطْئِ وذلك يتجدَّدُ مع الأحوالِ فجازَ لها الرجوعُ.