(فصلٌ) في أحكامِ الخُلْعِ.
وهو بضمِّ الخاءِ الْمُعْجَمَةِ مُشْتَقٌّ مِنَ الخَلْعِ بفتحِها أي النَّزْعِ وشرعًا فُرْقَةٌ بِعِوَضٍ مقصودٍ راجعٍ لجهةِ الزوجِ. وخرجَ بالمقصودِ غيرُهُ كدمٍ ونحوِهِ فلا يصحُّ الخُلْعُ عليه ويكون باطلًا فيقعُ طلاقًا رجعيًا. وقد يكون العِوَضُ مقصودًا لكنَّهُ فاسدٌ كخمرٍ فيكون الخُلغُ عندئذٍ فاسدًا لكنه يَقَعَ وتَبينُ الزوجةُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فهو مِنَ الْمَوَاضع القليلةِ التي فرَّقَ فيها الشافعيَّةُ بين الباطلِ والفاسدِ. والأصلُ فيه قبل الإجماعِ ءَاياتٌ منها قولُهُ تعالى في سورةِ البقرةِ (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ) وخبرُ البخاريِّ أنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قال لبعضِ الصحابةِ اقْبَلِ الحَدِيقةَ وطلِّقْهَا تَطْلِيقَةً اهـ
ولِلْخُلْعِ خمسةُ اركانٍ ملتزِمٌ للعِوَضِ ولو أجنبيًا وبُضْعٌ وعِوَضٌ وزوجٌ وصيغةٌ كأن تقولَ الزوجةُ لزوجها خَالِعْنِي أو طلِّقْنِي على كذا فيقول خالَعْتُكِ أو خَلَعْتُكِ أو طلَّقتُكِ على ذلك ولا يصحُّ أن تقولَ هيَ له خالَعْتُكَ بكذا وإنْ قَبِلَ لأنَّ الأيقاعَ إليه دُونَها فإذا اسندَتِ الخُلْعَ إلى نفسها أفسدَتْ صِيغَتَهَا. وللزوج أن يوقعَه على صيغةِ المعاوضةِ كما تقدَّمَ فتثبُتُ له أحكامُ المعاوضةِ وله أن يوقعَه على صيغة التعليق قوله (وله أن يوقعه على صيغة التعليق) أي على الراجح من كون الخلعِ طلاقًا. كقولِهِ متى ما أعطيتِنِي ألفًا فأنت طالق أو إن أعطيتِنِي ألفًا فأنتِ طالقٌ فتثبت له أحكامُ التعليقِ قوله (فتثبت له أحكام التعليق) قال الغزاليُّ فلا يحتاجُ إلى قَبولِها ولا إلى إعطائها في المجلسِ ولا له الرجوعُ قبل الإعطاء ولو قال إن أعطيتِنِي فهو كذلك إلا أنه يختصُّ بالإعطاء بالمجلس لأنَّ قرينةَ ذِكْرِ العِوَضِ يقتضي التعجيلَ ولا يندفعُ إلا بصريحِ قولِهِ متَى ما اهـ قال الرافعيُّ قال علماء الأصحابِ إن جعلنا الخُلْعَ فسخًا فهو معاوضةٌ محضةٌ منَ الجانبين لا مدخل للتعليق فيه بل هو كابتداء النِّكاحِ والبيع اهـ. وشُرِطَ في البُضْعِ ملكُ الزوجِ له أي لمنفعتِهِ فيصح خُلعُ الرجعيةِ لا البائنِ. وشُرِطَ في الزوجِ كونُهُ مِمَّنْ يصِحُّ طلاقُهُ وفي الصيغة ما في صِيغَةِ البيعِ إلا أنه لا يَضُرُّ هنا تَخَلُّلُ كلامٍ يسيرٍ منْ أيٍّ منهما بخلافِ الكثيرِ لأنَّ صاحبَهُ يُعَدُّ عندئذٍ مُعْرِضًا.
(والخُلْعُ جائزٌ على عِوَضٍ معلومٍ) مقصودٍ مقدورٍ على تسليمِهِ فإن كان على عِوَضٍ مجهولٍ كأن خالعَها على ثوبٍ غيرِ مُعَيَّنٍ بانتْ بمهرِ الْمثلِ. (و)الخُلع الثابتُ (تملِكُ به المرأةُ نفسَها ولا رجعةَ له) أي الزوجِ (عليها) سواءٌ كان العِوَضُ صحيحًا أو لا على التفصيلِ الذي مَرَّ (إلا بنكاحٍ جديدٍ) لأنها بالخُلعِ تصيرُ بائنًا وهذهِ العبارةُ ساقطةٌ في أكثرِ النُّسَخِ. ثم الأصحُّ أنَّ الخُلْعَ طلاقٌ لا مجرَّدُ فسخٍ فيُحْسَبُ مِنَ الثلاثِ. (ويجوز الخلع في الطُّهر وفي الحَيض) ولا يكون حرامًا إذ إنَّها لَمَّا بَذَلَت الفداءَ رضيَت لنفسِها تطويلَ عِدَّتِهَا. (ولا يَلحقُ المختلعةَ الطلاقُ) أي إذا طلَّقَ الرجُلُ الْمُختلعةَ منه لم يقع طلاقُهُ ولم يُحسَبْ عليه بذلك طلقةٌ منها لِبَبنونَتِها بالخُلْعِ كما تقدم بخلافِ الرجعيةِ مدةَ عِدَّتِها فيلحقُها الطلاقُ لبقاءِ سَلْطَنَتِه عليها إذْ هي كالزوجةِ.