(فصلٌ) في أحكامِ الهِبَةِ وهي شاملةٌ للصَّدقة والهديَّة والفرقُ بينها أنَّ الصدقَةَ تَمليكٌ بقصدِ الثَّوابِ والهَدِيَّةَ تَمْلِيكٌ بقصدِ الإكرامِ وكلٌّ منهما إن كان بصيغةٍ فهو هبةٌ وإلا فلا.
والهِبَةُ لغةً مأخوذةٌ مِن هُبوبِ اليح ويجوز أن تكونَ مِن هبَّ مِن نومه إذا استؤقظ فكأنَّ فاعلَها استيقظَ للإحسان.
وهي في الشرعِ تمليكٌ مُنْجَّزٌ مُطْلَقٌ في عينٍ أو منفعةٍ بلا عِوَضٍ ولو للأعلى. فخرجَ بالتمليكِ العاريةُ وبالمنجَّزِ الوصيةُ وبالْمُطلقِ التمليكُ المؤقَّتُ كما في الإجارة. وزادَ بعضُهم في التعريف حالَ الحياة لإخراج الوصيةِ فإن صَحَّ إخراجُها بقيدِ الْمُنَجَّزِ فلا حاجةَ لهذا القيد ولذا حذفتُهُ مِنَ الحَدِّ.
والأصلُ فيها قبلَ الإجماع قوله تعالى في سورةِ النساءِ (فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍۢ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيٓـًٔا مَّرِيٓـًٔا) قال الطبرِيُّ وغيرُهُ إن وهبَ لكم أيها الرجالُ نساؤُكُم شيئًا مِن مُهُمرِهِنَّ بطيبِ نفسٍ منهُنَّ فكُلُوه هنيئًا مريئًا اهـ وأخبارٌ كخبر البخاريِّ لو دُعِيتُ إلى كُراعٍ لأجبْتُ ولو أُهْدِيَ إليَّ ذراعٌ لقبلْتُ اهـ
وأركانُ الهِبَةِ أربعةٌ واهبٌ وموهوبٌ له وموهوبٌ وصيغةٌ. وشرطُ الواهبِ الْمُلْكُ وإطلاقُ التصرُّفِ في ماله. وشرطُ الموهوبِ له كونُه أهلًا لتملُّكِ الموهوبِ ولو كان غيرَ مكلفٍ. (و)أمَّا الْمَوهوبُ فإنَّ (كلّ ما جاز بيعُهُ جازَتْ هبتُهُ) وما لم يَجُزْ بيعُهُ كمجهولٍ ونجسٍ ومغصوبٍ وضالٍّ وءَابِقٍ لم تَجُزْ هبتُه إلا حَبَّتَي حنطةٍ ونحوِها فإنه لا يجوزُ بيعُهما وتجوز هبتُهما. والصيغةُ إيجابٌ وقبولٌ.
ولا تُمْلَكُ (ولا تَلْزَمُ الهبةُ إلا بالقبضِ) بإذن الواهِبِ فلو مات الموهوبُ له أو الواهبُ قبلَ قبضِ الهبةِ لم تنفسخ وقامَ وارثُهُ مَقَامَهُ في القبضِ والإقباضِ. ولو استَقَلَّ الْمَوهوبُ له بالقبضِ لم يملكْها ودخلت في ضمانِهِ. (وإذا قبضها) بإذنِ الواهبِ (الموهوب له) ملكها و(لم يكنْ للواهبِ أن يرجع فيها إلا أنْ يكونَ والدًا) أبًا أو أمًّا وإن علا.
(وإذا أعمرَ) شخصًا (بيتًا) مثلًا كقولِهِ أعمرتُكَ هذا البيتَ أي جعلتُهُ لك عمرَك (أو أَرْقَبَهُ) إيَّاهُ كقولِهِ أرْقَبْتُكَ هذا البيتَ أو جعلتُهُ لك رُقْبَى أي إن مِتَّ قبلِي عادَ لي وإن متُّ قَبْلَكَ استقرَّ لك فَقَبِل وقَبَضَ صَحَّت الهبةُ في كِلَيْهِمَا وإن زادَ في لفظِهِ فإن مِتُّ عادَ لي و(كان) عندئذٍ ذلك الشَّىءُ (للمُعْمِرِ أو للمُرْقِبِ) بلفظ اسم المفعول فيهما (ولِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ) ويَلْغُو الشرطُ المذكورُ.