الخميس ديسمبر 12, 2024

 (فصلٌ) في أحكامِ الجَعَالَةِ بتثليثِ الجيمِ.

  وهي لغةً ما يُجْعَلُ لشخصٍ على شَىءٍ يفعلُهُ. وشرعًا التزامُ شخصٍ مطلَقِ التصرفِ عِوَضًا معلومًا على عملٍ معيَّنٍ أو مجهولٍ.

  والأصلُ فيها قبلَ الإجماعِ قوله تعالى في سُورةِ يُوسُفَ (وَلِمَن جَآءَ بِهِۦ حِمْلُ بَعِيرٍ) قوله (والأصلُ فيها إلـخ) لا يُقالُ هو شرعُ مَن قبلنا فلا يُحتجُّ به لأنَّ مِن أهلِ الأصولِ مَن قال هو شرعٌ لنا إلا ما جاءَ شرعنا بخلافِهِ ولأنه قد ثبتَ ما يُؤَيِّدُهُ وهو خبرُ الصحيحينِ أنَّ أبا سعيدٍ الخُدرِيّ رقَى شخصًا على قطيعٍ منَ الغنم وللحاجة.

  وأركانُها أربعةٌ عملٌ وجُعْلٌ وصيغةٌ من الجاعل وعاقدٌ. أمَّا العملُ فكلُّ ما هو شرطٌ في العملِ لصحةِ الإجارةِ فهو شرطٌ في الجعالةِ سوَى كونِهِ معلومًا فما جازت الإجارةُ عليه جازت الجعالةُ عليه وما لا تجوزُ الإجارةُ عليه منَ الأعمالِ لكونِهِ مجهولًا تجوزُ الجعالةُ عليه للحاجةِ لكن قَيَّدَهُ ابنُ الرفعةِ في شرحِ التنبيهِ بما إذا لم يُمْكِنْ ضبطُهُ كردِّ الآبِقِ والضَّالِّ فإن سَهُلَ ضبطُهُ فلا بدَّ منه اهـ فَيَذْكُرُ في بناءِ حائطٍ مثلًا موضِعَهُ وطولَهُ وعرضَهُ وارتفاعَهُ وما يُبنَى به ويصِفُ في الخياطةِ الثوبَ والخياطةَ. وأمَّا الْجُعْلُ فلا يُشترطُ أن يكونَ مقبوضًا ولو كانت الجعالةُ في الذِّمَّةِ لكن لا بُدَّ أن يكون معلومًا بمشاهدةٍ أو وصفٍ كما في البيعِ فما لم يصِحَّ ثمنًا لجهلٍ أو نجاسةٍ أو غيرِهِما لم يصِحَّ كونُهُ جُعلًا نعم لو وُصِفَ الْجُعْلُ الْمُعَيَّنُ بما يُفيدُ العِلمَ فإنَّ العقدَ يصِحُّ على ما ذهبَ إليهِ عدَّةٌ ولو لم يجُزْ كونُهُ ثمنًا لأنَّ البيعَ لازمٌ فاحتيطَ له بخلافِ الجعالة. فلا يصحُّ التزامُ العِوَضِ المجهولِ ويَفْسُدُ العقدُ بالتزامِهِ وللعاملِ إذا قام بالعملِ عندئذٍ أجرةُ الْمِثلِ. وأمَّا الصيغةُ فلا بُدَّ أن تكونَ منَ الجاعلِ دالَّةً على الإذنِ في العملِ بالعِوَضِ الْمُلْتَزَمِ ولا يُشْترَطُ عندئذٍ القبولُ لفظًا فلو ردَّ ءَابِقًا أو ضالةً بغيرِ جعلٍ مِن أحدٍ فلا شَىءَ له سواءٌ كان الرادُّ معروفًا بردِّ الضَّوالِّ أم لا. وأمَّا العاقدُ فجاعلٌ ومجعولٌ له فالجاعلُ يُشترَطُ أن يكونَ مطلَقَ التَّصَرُّفِ فخرجَ به الصبِيُّ والمحجورُ عليه للسَّفَهِ والمجنونُ والمجعولُ له وهو العاملُ قد يكون مُعَيَّنًا أو جماعةً مُعَيَّنِينَ نحوُ قولك لزيدٍ رُدَّ لي حِمَارِي ولكَ كذا أو لزيدٍ وإخوته رُدُّوا لي حِمَارِي ولكم كذا وقد يكونَ غيرَ مُعَيَّنٍ ولا مُعَيَّنِينَ نحو مَنْ رَدَّ لِي حِماري فلَهُ كذا. ويُشترَطُ عند التعيينِ أهليَّةُ العملِ في العاملِ فيدخُلُ فيه العبدُ ويخرُجُ عنه العاجزُ عن مثلِهِ كصغيرٍ لا يقدِرُ عليه.

  (والجعالة جائزةٌ) مِنَ الطرفين طرفِ الجاعلِ وطرفِ المجعولِ له الْمُعَيَّنِ ما لم يفرغ من العمل وإلا فَيَلْزَمُ الجاعلَ ما الْتَزَمَهُ. ولكلٍّ منهما فسخُها بعد الشروع في العمل وقبل الفراغ منه فإنْ فسخَ العاملُ فلا شىءَ له لأنه أسقط حَقَّ نفسه ولم يُحَصِّل غرضَ الملتزِم أما إن فسخ الملتزِمُ فيلزمُهُ للعامل أجرةُ الْمِثْلِ لأنه استَهْلَكَ منفعتَه بشرطِ العِوَضِ فتلزمُه أجرتُهُ.

  (وهي) أي الجعالةُ (أنْ يَشْتَرِطَ في ردِّ ضالَّته) مثلًا (عِوَضًا معلومًا) كَمَنْ رَدَّ ضَالَّتِي فَلَهُ كذا. ومثلُ ردِّ الضالَّةِ غيرُهُ كالخياطةِ والبناءِ وتخليصِ المالِ مِنْ نحوِ ظالمٍ أو محبوسٍ ظلمًا ويُشْتَرَطُ عدمُ تأقيتِ العملِ فلو قال مَن ردَّ عبدِي إلى شهرٍ فلَهُ كذا لم يصحَّ كما في القِراضِ لأنه قد لا يظفَرُ بالعبدِ فيها فيضيعُ سَعْيُهُ (فإذا ردَّها) أو خاطَ أو بَنَى أو خلَّصَ المالَ مِنَ الظالمِ أو خلَّصَ المحبوسَ ظلمًا (استحقَّ) الرادُّ والخائطُ والبانِي والْمُخَلِّصُ (ذلك العوضُ المشروطَ) له. وفي التعامل بالجعالةِ تسهيلٌ على ملتزِم العِوَضِ فإنَّ بابها أوسَعُ من بابِ الإجارةِ وأسهَلُ خاصَّةً في هذا العصرِ الذي قَلَّ الوفاءُ فيه عند كثيرٍ مِنَ الأُجَرَاءِ في أمورٍ متعدِّدَةٍ كبناءٍ ودِهانٍ وإيصالٍ مِن مكانٍ إلى ءَاخَرَ وغيرِ ذلك فإنَّ العاملَ إذا أدَّى قِسْطًا مِنَ العملِ ثم تركَ إكمالَهُ فَسخَ الجاعلُ العقدَ معه عندئذٍ إن شاءَ وأعطاهُ أُجرَةَ مثلِ عَمَلِهِ واستعانَ بغيرِهِ.